أخبار بديــل
يستغل نظام الاستعمار الاحلالي الإسرائيلي موسم قطف الزيتون الفلسطيني لعام 2025 كجبهة قمع من خلال هجمات استعمارية منظمة وعرقلة ممنهجة لوصول الفلسطينيين إلى أراضيهم. ورغم أن هذه الإجراءات ليست جديدة، إلا أن الاستهداف المتعمد للفلسطينيين خلال موسم قطف الزيتون لهذا العام يكشف عن الوعود الكاذبة التي قطعها نتنياهو وترامب بعدم السعي رسمياً إلى ”فرض السيادة“ على الضفة الغربية. يجب فهم هذه الإجراءات في إطار ما يسمى "خطة الحسم" والمسار المتسارع لمصادرة الأراضي في جميع أنحاء الضفة الغربية خلال العامين الماضيين. وتعكس الإجراءات القسرية التي اتخذها النظام الاستعماري الإسرائيلي خلال موسم قطف الزيتون مخطط المرحلة الأولى من خطة الحسم: قمع صمود الفلسطينيين، وقطع وصولهم إلى أراضيهم، وتفكيك أحد القطاعات الاقتصادية الفلسطينية الجماعية والمستدامة ذاتيا والمتجذرة على المقاومة. ومن خلال استهداف الاقتصاد القائم على الأرض والعمل والذي يقاوم التبعية، يعمل النظام الاستعماري الإسرائيلي على تعميق الأزمة الاقتصادية في الضفة الغربية وتعزيز الهيمنة الاستعمارية.
قطف الزيتون هو عمل جماعي من أعمال الصمود، وإعادة تأكيد للهوية الفلسطينية؛ أعمال مادية وثقافية تحافظ على الحياة والأرض والتراث في تحدٍ للهيمنة الاستعمارية. يرتكز قطف الزيتون على العلاقات المباشرة بين العمال والأرض، ويوفر سبل العيش لآلاف الفلسطينيين. ويعكس استهدافه الممنهج سعيًا لتفكيك أحد آخر الركائز الاقتصادية شبه المستقلة التي تُشكّل أساس الصمود الجماعي. إن استهداف موسم الزيتون هو أداة مادية وبنيوية للهيمنة الاستعمارية، تعمل على تآكل ملكية الفلسطينيين لأراضيهم بشكل منهجي.
زعم المسؤولون الأمريكيون والإسرائيليون مرارًا وتكرارًا أن النظام الاستعماري الإسرائيلي لن يفرض "السيادة"، أي يوسع هيمنته الاستعمارية على الضفة الغربية. ومع ذلك، تستمر الاعتداءات على موسم قطف الزيتون دون اتخاذ أي تدابير حقيقية ومباشرة لوقفها، ما يفضح هذه الوعود بوصفها مجرد شعارات وخطابات فارغة. كما يروّج نتنياهو وحزب الليكود هذه الرواية الزائفة، من خلال تأطير مبادرات بتسلئيل سموتريتش وآخرين على أنها عمل "متطرفين"، وليست سياسات رسمية. لكن في الواقع، يؤكد إقرار الكنيست في 22 تشرين الأول 2025 لمشروعي قانونين: مشروع قانون تطبيق السيادة على جميع مناطق المستعمرات في يهودا والسامرة (الضفة الغربية) ومشروع قانون سيادة معاليه أدوميم - أن خطة الحسم يتم تنفيذها بنشاط من خلال فرض ”السيادة الإسرائيلية“ رسمياً على الضفة الغربية.
في عام 2023 وحده، تُرك أكثر من 96 ألف دونم دون حصاد بسبب الهجمات الإسرائيلية وسياسات منع الوصول، ما تسبب بخسائر تجاوزت 10 ملايين دولار، وعمّق تدهور اقتصاد الفلاحين وأرسى اقتصادًا استعماريا يعتمد على التبعية وينتهك الحق في الاكتفاء الزراعي الذاتي. ومع ذلك، تواصل العائلات الفلسطينية هذا العام الاعتناء بأراضيها رغم الاعتداءات المنسقة للقوات الإسرائيلية والمستعمرين. تستخدم القوات الاستعمارية الإسرائيلية الحواجز والبوابات الحديدية كأدوات للهيمنة الاستعمارية، لتقسيم الأراضي الفلسطينية إلى معازل، وتستعمل ذرائع "إدارية" و"أمنية" وحتى الذخيرة الحية لمنع المزارعين من الوصول إلى أراضيهم وقمع المقاومة الفلسطينية الجماعية لهجمات المستعمرين.
قبل بدء موسم الزيتون، خطّط النظام الاستعماري الإسرائيلي بعناية لتعطيله. ففي قرية المغيّر وحدها، اقتُلعت 10 آلاف شجرة زيتون – بعضها يزيد عمرها عن قرن – في آب 2025، بينما تم تخريب أكثر من 4 آلاف شجرة في أنحاء الضفة خلال تشرين الأول 2025. أما المزارعون الذين تقع أراضيهم في "المناطق المعزولة"، فما زال وصولهم يخضع لقيود قاسية وتفتيشات جائرة، ولا يُسمح بفتح البوابات إلا لبضعة أيام في السنة؛ وفي بعض المناطق، تم حظر طلبات الوصول تمامًا لسنوات متتالية. إن هذه المجموعة المتشددّة من الهجمات والحواجز ”الإدارية“ ونظام الإغلاق تفرض بشكل مباشر أهداف خطة الحسم ونمط سرقة الأراضي.
صعد النظام الاستعماري الإسرائيلي من مصادرة الأراضي في الضفة الغربية، بالتوازي مع الإبادة الجماعية المستمرة في غزة، حيث استولى على 46 ألف دونم في عام 2024، وواصل تمكين المستعمرين وتسليح اعتداءاتهم. وقد تصاعدت الهجمات ضد المزارعين والأراضي الزراعية خلال موسم 2025، لتصبح أداة رئيسة لحرمان الفلسطينيين من أراضيهم تمهيدًا لانتزاعها نهائيًا. في قرى مثل دير جرير وعطارة، تُنفَّذ اعتداءات المستعمرين بالتوازي مع إقامة بؤر استعمارية جديدة تُشرعنها لاحقًا كمستعمرات دائمة. هذا النمط منهجي: يهاجم المستعمرون، و تدخل القوات الإسرائيلية بذريعة "الأمن"، ثم تُعلن الأرض "منطقة عسكرية مغلقة" تمهيدًا لمصادرتها. وقد أدت هذه الإجراءات إلى إصابة أكثر من 100 فلسطيني، وتدمير معاصر زيتون، ومصادرة آلاف الكيلوغرامات من الزيتون في الخليل وبيت لحم وحدهما. ومن خلال تفويض المستعمرين بممارسة العنف وتصويره كعمل "متطرفين"، يتنصل النظام الإسرائيلي من المسؤولية بينما يواصل توسعه الاستعماري. هذا التنسيق المتعمد بين المستعمرين والقوات الإسرائيلية هو اعتداء مباشر على التراث الفلسطيني واستمراريته، إذ يقطع الرابط بين الأجيال والأرض والعمل. ومن خلال منع الوصول إلى الأراضي وتدمير الأشجار، يلحق النظام الاستعماري الإسرائيلي ضرراً اقتصادياً فورياً ويهدد مستقبل الزراعة الفلسطينية لعقود قادمة.
يتعمّق نظام الهيمنة أكثر عبر الإكراه المالي الأوسع نطاقا: فمنذ أيار 2025، يحتجز النظام الاستعماري الإسرائيلي 10 مليارات شيكل (نحو 2.96 مليار دولار) من أموال الضرائب والمقاصة المستحقة للسلطة الفلسطينية، ما أجبر موظفي القطاع العام على العيش بنصف رواتبهم، بينما تجاوزت معدلات البطالة في الضفة 50%. ويستند هذا الضغط الاقتصادي إلى إعادة التنظيم الاقتصادي النيوليبرالي المنصوص عليه في اتفاقيات أوسلو، والذي أدى منذ بدايته إلى تآكل الاقتصاد الفلسطيني الذاتي وشروط الاستدامة وجعل سبل عيش الفلسطينيين تعتمد على الأجور والتصاريح التي يسيطر عليها النظام الاستعماري الاسرائيلي. وقد مهّد هذا الترتيب البنيوي الطويل الأمد لخنق الاقتصاد الفلسطيني كوسيلة لتنفيذ خطة الحسم. ان ما يجري هو إعادة صياغة للحياة الفلسطينية بشكل ممنهج لتظل تدور حول السيطرة الاستعمارية الإسرائيلية، بحيث يُصبح البقاء مرهونًا بالخضوع، بينما تُقمع المقاومة ويستمر التنكر للسيادة والحق في تقرير المصير.
حتى في الوقت الذي يحاول فيه نتنياهو وحلفاء النظام الاستعماري الإسرائيلي إعطاء انطباع "الاعتدال" - من خلال النأي بأنفسهم عما يسمى بـ ”المتطرفين“ والترويج لـ "وقف إطلاق النار" - يواصل النظام هجماته المنهجية على حياة الفلسطينيين وأرضهم وعملهم. تمثل الهجمات على موسم الزيتون تجسيدًا عمليًا لتنفيذ خطة الحسم، وإجراءً متعمدًا يستهدف القضاء على الاقتصاد الفلسطيني المستقل وقطع الصلة بين الفلسطينيين وأرضهم واستبدال الصمود الجماعي بالتبعية. وتستمر هذه الانتهاكات والجرائم الإسرائيلية وتتصاعد مدعومة بالمسرحيات الدبلوماسية والإفلات الكامل من العقاب وبصمت الدول وتواطئها المستمر. تقع على عاتق الدول مسؤوليات قانونية وأخلاقية لإنهاء هذا التواطؤ، عبر فرض عقوبات سياسية واقتصادية وعسكرية. إن الضغط الدولي المتواصل والعزلة المادية للنظام الاستعماري الإسرائيلي هما السبيل لإنهاء آلة الهيمنة الاستعمارية الإسرائيلية وإنهاء تواطؤ الدول الاستعمارية معها.