أخبار بديــل
على الرغم من الإعلان عن هدنة بين حركة المقاومة الفلسطينية والنظام الاحلالي الاستعماري الإسرائيلي، تواصل المنظومة الإسرائيلية خرق بنود وقف إطلاق النار. ويتعامل العالم مع الهدنة وكأن الإبادة الجماعية قد انتهت، لكن الواقع على الأرض يروي قصة مختلفة: غزة مدمَّرة، وجرائم التجويع والنزوح والقتل ت مستمرة كأدوات متعمَّدة للإبادة الجماعية. ما يُسمى بوقف إطلاق النار ليس إلا كلامًا فارغًا؛ فبينما تستمر الإبادة الجماعية، يتجادل الدبلوماسيون حول من قام بانتهاك الاتفاق المزعوم!
منذ البداية، كانت خطة ترامب مبتورة ومضللة، ومصممة لخدمة المشروع الاستعماري الإسرائيلي. فقد ضمن نتنياهو تنفيذ المرحلة الأولى فقط لتأمين عودة الأسرى، مع الحفاظ على سيطرته الكاملة على غزة. واضعًا نفسه في موقع القاضي والميسّر في آن واحد، وبغطاءٍ ودعمٍ أمريكي، استغل الاتفاق كأداة للتحكم في مساره وتوجيه النتائج الى صالحه. يتلاعب النظام الاستعماري الإسرائيلي بالاتفاق، فيخرقه ويعود إليه متى يشاء، مُعلنًا إنه "سيرد بحزم على أي انتهاك"، مستخدما ذلك كغطاء لمواصلة جرائمه.
في 10 تشرين الأول، أُعلن عن وقفٍ مزعومٍ لإطلاق النار في جميع أنحاء قطاع غزة. ورغم توقف القصف مؤقتًا، سارع النظام الاستعماري الإسرائيلي إلى التهديد باستئناف الهجمات إن "انتهكت" المقاومة الفلسطينية الاتفاق أو تأخرت في تنفيذ مطالبه. وكانت موجاتٌ من الغارات الجوية قد ضربت رفح وخان يونس وجباليا ووسط غزة، مما أسفر عن استشهاد 97 فلسطينيًا على الأقل وإصابة أكثر من 230 آخرين. وفي الوقت نفسه، يواصل النظام الإسرائيلي منع دخول المساعدات الإنسانية وعرقلة عمل الأونروا، مع إبقاء معبر رفح مغلقًا، ما يشدّد الحصار ويزيد من انهيار الوضع الإنساني.
بموجب شروط وقف إطلاق النار، كان من المفترض أن تدخل 600 شاحنة مساعدات إلى غزة يومياً، لكن لم تدخل سوى 986 شاحنة منذ بدء الاتفاق، أي أقل من سدس ما تم الاتفاق عليه. هذه العرقلة المتعمدة الهادفة إلى التهرب من التزامات وقف إطلاق النار، تكشف عن تلاعب النظام الاستعماري الإسرائيلي المستمر بالمساعدات الإنسانية للحفاظ على هيمنته.
ومن خلال منع دخول الفرق التقنية والاختصاصية والمعدات اللازمة لانتشال جثامين الأسرى الإسرائيليين، يعرقل النظام الاستعماري الإسرائيلي تنفيذ الاتفاق، ثم ينشر ادعاءات كاذبة بأن حركة المقاومة الفلسطينية خرقت الاتفاق، لتبرير جرائمه في القصف المستمر والتجويع واستخدام المساعدات كسلاح.
وفي الوقت نفسه، يواصل النظام الإسرائيلي حظر عمل وكالة الأونروا، ما يمنعها من تنفيذ مهامها الأساسية، ويحول دون توفير الكميات اللازمة من المساعدات الإنسانية. هناك حاجة ماسة للغذاء والمأوى والرعاية الصحية في غزة، ويجب عدم استخدامها أبدًا كوسيلة ضغط أو ربطها بتسليم الجثث أو أي مطلب سياسي آخر. هذا المنع المتعمد يحرم الفلسطينيين من الحصول على المساعدات والخدمات التي يستحقونها من الأونروا، وهي الوكالة الأقدر على توزيع وتنظيم الإغاثة، مما يزيد من استخدام التجويع والمساعدات كأدوات للهيمنة والإبادة الجماعية.
لقد أصبح النفاق العالمي أوضح من أي وقت مضى. حيث تواصل القوى الغربية تبرير جرائم النظام الإسرائيلي وتطبيعها. إذ أعلنت رئيسة السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي مؤخرًا عن توقف الجهود الرامية إلى تعليق بعض الامتيازات التجارية الممنوحة للنظام الاستعماري الإسرائيلي، في اللحظة التي تشتد فيها الحاجة إلى فرض هذه العقوبات. إن الاكتفاء بالتصريح بأن العقوبات ما زالت "على الطاولة" تهديد فارغ لا يكفي، وقد أثبت فشله مرارًا، مما يفضح غياب أي إرادة حقيقية لدى الدول للتحرك أو اتخاذ موقف ملموس ومباشر. تختبئ هذه الدول خلف لغة الدبلوماسية الفارغة، وتتهرب من التزاماتها القانونية بأقوالٍ مخادعة وإيماءات رمزية، بينما يستمر النظام الاستعماري الإسرائيلي في جرائمه دون رادع.
في هذه الأثناء، تواصل الولايات المتحدة حماية النظام الاستعماري الإسرائيلي وتمكينه من مواصلة جرائمه. فحتى بعد تأكيد التقارير استمرار القصف خلال الهدنة المزعوم، ادعت وزارة الخارجية الأمريكية أنها تلقت "تقارير موثوقة تشير إلى انتهاك وشيك للاتفاق من قبل حماس ضد سكان غزة". “ مثل هذه التصريحات تقلب الواقع رأساً على عقب، وتعزز المعايير المزدوجة، وتحمي الجاني، بينما ترسخ مشاركة الولايات المتحدة في استمرار الإبادة الجماعية. بتركيز ترامب فقط على الحفاظ على استمرار الاتفاق، بدلاً من إنهاء الإبادة الجماعية فورًا، فإنه يُبرر ويُمكّن أي انتهاكات يرتكبها النظام الاستعماري الإسرائيلي.
يجب على الدول أن تضع حداً لتواطؤها وتفرض عقوبات سياسية واقتصادية وعسكرية، لا أن تكتفي بالإعلان عنها كتهديد. إن الحكومات ملزمة قانونياً وأخلاقياً بموجب اتفاقية "منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها"، بالعمل بشكل جماعي - من خلال تفعيل قرار ”الاتحاد من أجل السلام“ - وبشكل فردي لوقف الإبادة الجماعية وضمان المساءلة. ويشمل ذلك إعادة العمل الفوري لوكالة الأونروا في قطاع غزة، واستعادة وتأمين تمويلها الشامل، وضمان وصولها الكامل إلى مواقع عملها، وحماية موظفيها ومرافقها، وضمان استمرار برامجها الأساسية الضرورية للفلسطينيين. فأي إجراء أقل من ذلك يعني تمكين استمرار النظام الاستعماري الإسرائيلي ومواصلة جرائمه.
من جهتها، على حركات التضامن العالمية أن تواصل حشد الضغط لمحاسبة الدول والمؤسسات على التزاماتها القانونية والأخلاقية. كما يجب تنسيق الحملات التي تستهدف الحكومات والشركات المتواطئة، وفضح شبكات الإفلات من العقاب ومواجهتها، والمطالبة بإنهاء الإبادة الجارية في غزة ووضع حدٍّ لصمت العالم.