أخبار بديــل
إن قيام النظام الإسرائيلي بتوظيف المستعمرين في عمليات تهجير الفلسطينيين في الضفة الغربية قسراً ليس مؤشراً على مجرد التطرف، انما يشكل أحد المكونات الأساسية للهيمنة الاستعمارية. فعلى الرغم من التعتيم المتعمد، الّا أن تحريض المستعمرين وتسليحهم ومنحهم الحماية والحصانة تؤكد على أن هذا التوظيف يشكل سياسة أساسية في منظومة الاستعمار والفصل العنصري الإسرائيلية. ومن خلال الاعتماد على هجمات المستعمرين والترويج على أنهم طرف منفصل عن المنظومة، تسعى المنظومة الإسرائيلية للتنصل من المحاسبة الدولية واخفاء طبيعتها الاستعمارية. ومع تصاعد اعتداءات المستعمرين في جميع أنحاء الضفة الغربية واستمرار الإبادة الجماعية في قطاع غزة منذ أكثر من 20 شهرا، فإن هذا الفصل المصطنع بين المنظومة الإسرائيلية وقواتها والمستعمرين ما هو الا محاولة لإخفاء وحدة الهيمنة الاستعمارية. بناء على ذلك، فإن فرض عقوقات على المستعمرين كأفراد غير كافٍ، ذلك أن على المجتمع الدولي، وخاصة الدول، فرض عقوبات على المنظومة الإسرائيلية ككل.
تعود أسس هذه السياسة الاستعمارية في توظيف المستعمرين الافراد الى ما قبل نكبة عام 1948، لكنها تصاعدت بشكل ملحوظ في ثمانينيات القرن الماضي خلال موجة التوسع الاستعماري في جميع أنحاء الضفة الغربية وقطاع غزة. فبدل الاعتماد على التوسع "العسكري" فحسب، مكّنت المنظومة الإسرائيلية البؤر الاستعمارية – بقيادة المستعمرين الأفراد - من مواصلة هذا التوسع. إن هذه الإجراءات التي تجاهلها المجتمع الدولي إلى حد كبير، رسّخت نموذجاً يظهر هجمات المستعمرين كأمر عفوي، الا أنها عكس ذلك تماماً.
وحتى اليوم، ما زالت سياسة استخدام المستعمرين فاعلة، بل وصار تحصين المستعمرين من العقاب والمحاسبة على هجماتهم، وشرعنة البؤر الاستيطانية التي أقاموها من قبل الجهات الرسمية، يُسهّلان سرقة الأراضي، ويمثلان النهج السائد. في مايو/أيار 2025، أعلن وزير الحرب الإسرائيلي كاتس، ووزير المالية سموتريتش، عن إنشاء 22 مستعمرة جديدة. يأتي هذا الإعلان ليكشف أن المستعمرين الافراد ليسوا ظاهرة خارجة عن السياق؛ بل كعنصر أساسي في المنظومة الإسرائيلية، يعمل من داخلها لتهجير الفلسطينيين قسراً وتوسيع المشروع الاستعماري.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، يعاني أكثر من 2300 فلسطيني في مسافر يطا من هجمات المستعمرين منذ عقود، إضافةً الى مداهمات القوات الإسرائيلية الليلية، وهدم المنازل، والإخلاء القسري، وإغلاق الطرق، والتطويق بالمستعمرات. وقد أُدينت هذه الممارسات، التي تكثفت منذ عام 2022 بحجة انها "مناطق إطلاق نار"، باعتبارها جريمة حرب تتمثل في التهجير القسري. ولا تزال هذه الهجمات الاستعمارية تتكرر كوسيلة للتهجير القسري، بوتيرة متزايدة في جميع أنحاء الضفة الغربية.
إن هذا التصعيد لم يبدأ في أكتوبر 2023. فقد شهدت الأشهر الثمانية الأولى من عام 2023 معدلاً قياسياً بلغ ثلاث هجمات للمستعمرين يومياً – أكثر بهجومين يومياً عن عام 2022، وأكثر بهجوم واحد عن عام 2021 - مسجلاً أعلى معدل منذ بدء توثيق الأمم المتحدة في عام 2006. وفي قرى أخرى في الضفة الغربية، مثل دير دبوان وسنجل وترمسعيا، تشنّ ميليشيات المستعمرين هجمات منظمة على منازل الفلسطينيين. وقد تضاعفت هذه الهجمات الاستعمارية الآن؛ فاعتباراً من عام 2025، أصبح متوسط الهجمات حوالي سبع هجمات يوميًا.
إن إرهاب السكان، وعرقلة حياتهم اليومية ووصولهم الى الخدمات الأساسية لها هدف واحد: المساهمة في خلق بيئة قهرية طاردة للفلسطينيين وبالتالي تهجيرهم قسراً.
وفي حالات دفاع الفلسطينيين عن أنفسهم وأرضهم، يُقمعون من كل عناصر المنظومة. وقد تجلى هذا القمع المشترك في الهجوم على قرية كفر مالك مؤخراً، حيث قتل المستعمرون، بالتعاون مع وحماية من الجيش الإسرائيلي، ثلاثة فلسطينيين في هجوم منسق. وتُعدّ هذه الحماية - من خلال الوجود الفعلي للجيش الإسرائيلي، بالإضافة الى الحماية القانونية، والإفلات من العقاب القضائي - إحدى آليات تمكين المستعمرين التي توفّرها المنظومة.
وفي يونيو 2023، دعا بن غفير إلى تصعيد التوسع الاستعماري وعمليات الجيش الإسرائيلي، مُعلناً: "يجب أن يكون هنا استيطان شامل. ليس هنا فقط، بل على جميع قمم التلال المحيطة بنا". تعكس دعوته هذه كيفية تحشيد المنظومة الإسرائيلية للمستعمرين من خلال التحريض، وشيطنة الفلسطينيين وتشجيع الأعمال العدوانية ضدهم.
منذ 7 أكتوبر 2023، وزعت وزارة "الأمن القومي" الإسرائيلية - برئاسة بن غفير، أكثر من 120 ألف قطعة سلاح ناري على ميليشيات المستعمرين و"فرق الرد السريع" التي تنفذ هجمات منهجية على الفلسطينيين، وفي نفس الوقت تتظاهر بأنها جهات فاعلة مستقلة عن المنظومة. إن هذه المجموعات والميليشيات، مثل مجلس "يشع" و"نحالا" وشبكات "كاهانا"، تعمل بتنسيق كامل مع الجيش الإسرائيلي.
إن العلاقة بين المنظومة والجيش والمستعمرين ليست عشوائية، بل هي جوهر بنية المشروع الاستعماري الإقصائي. يتصرف العديد من المستعمرين بنفس طريقة الجيش الإسرائيلي، لكن بلباس مدني، وذلك لإخفاء مسؤولية المنظومة. إن ما يسمى باليمين الإسرائيلي المتطرف، يُقدم غالبا وكأنه جماعة متطرفة، وذلك بهدف إخفاء إجماع المنظومة الاستعمارية على تنفيذ التهجير القسري من جهة اولى، ومنع تحميل الجهات الرسمية المسؤولية من جهة ثانية، ومن اجل الحفاظ على مزاعم ديموقراطية النظام الإسرائيلي ومشروعيته.
وفي هذا السياق، تساعد الحكومات الغربية ووسائل إعلامها، وحتى شرائح من المجتمع المدني الغربي، في إدامة هذا الوهم - بإدانة "عنف الجماعات المتطرفة" من جهة، والاستمرار في تمويل ودعم وتطبيع المنظومة التي تمكّنهم من جهة أخرى. إن هدف جميع الأحزاب والمسؤولين الإسرائيليين، من "اليسار" إلى أقصى اليمين هو واحد: الاستيلاء على أكبر مساحة من الأرض بأقل عدد من الفلسطينيين، من خلال التهجير القسري، والاستعمار الاحلالي، والفصل العنصري.
إن العقوبات الموجهة ضد شخصيات مثل بن غفير وسموتريتش لا تعالج جوهر المشكلة. كما إن إدانة المستعمرين مع الحفاظ على المساعدات العسكرية والتجارية مع الشركات المرتبطة بالمنظومة الإسرائيلية يتيح استمرار جرائمها.
إن تصوير العنف على أنه "نزاع مدني" يُلغي مسؤولية المنظومة الاستعمارية – بكامل مكوناتها - وبالتالي إفلاتها من العقاب على الجرائم الدولية المستمرة التي ترتكبها. إن المساءلة الحقيقية تتطلب مواجهة البنية الاستعمارية للمنظومة الإسرائيلية وفرض عقوبات عليها بأكملها - وليس فقط على الجهات الفاعلة الظاهرة فيها.