أخبار بديــل

المجاعة في قطاع غزة هي نتيجة مباشرة لتواطؤ الدول وتقاعسها
المجاعة في قطاع غزة هي نتيجة مباشرة لتواطؤ الدول وتقاعسها

لا يزال قطاع غزة يُجوع حتى الموت من قبل المنظومة الاستعمارية الإسرائيلية والدول المتواطئة معها على مرأى العالم. يشير تصنيف الأمم المتحدة المتكامل لمرحلة الأمن الغذائي (IPC) لمستوى المجاعة في غزة هذا الأسبوع، الى إدانة واضحة للفشل الممنهج للدول في التحرك، وللوفاء بالتزاماتها القانونية والأخلاقية، وفرض العقوبات على منظومة الاستعمار والفصل العنصري الإسرائيلي. ومن الواضح تماماً أن الإبادة الجماعية والمجاعة المستمرتين التي يتعرض لها الفلسطينيون هي نتاج مباشر لتواطؤ الدول، وذلك من خلال السماح باستخدام التجويع كسلاح، والتخلي عن الشعب الفلسطيني وتركه لمواجهة موت يمكن تفاديه. وبامتناعها عن فرض العقوبات، وعدم إعادة تفعيل آلية المساعدات الاغاثية التابعة للأمم المتحدة، وإعادة عمل الأونروا، فإن الحكومات والتكتلات، وعلى رأسها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، تتحول إلى شركاء مباشرين في استمرارية الإبادة الجماعية الإسرائيلية. أما التصريحات الأخيرة الصادرة عن هولندا والسويد فلا تعد الا دعوات لفرض عقوبات، وليست خطوات فعلية لتنفيذها، على الرغم من أن كلا الدولتين يمكنهما فرض مثل هذه الإجراءات. إن المجاعة المتعمدة التي تنفذها المنظومة الإسرائيلية هي نتيجة مباشرة لتواطؤ الدول وفشلها في اتخاذ أي إجراء حقيقي، الامر الذي يخدم استمرار الإبادة الجماعية.

 

من خلال السماح بحظر الأونروا واستبدالها بما يُسمّى بمؤسسة غزة الإنسانية المدعومة من الولايات المتحدة، لم تفشل الدول في الوفاء بالتزاماتها بالحماية فحسب، بل أسهمت بشكل مباشر في الإبادة الجماعية من خلال سماحها بتفاقم المجاعة. ان هذه المؤسسة تعمل من خلال أربع نقاط توزيع ليست الا عبارة عن مصائد للموت، حيث استشهد نحو 1400 فلسطيني أثناء محاولتهم الحصول على الطعام. كما أن إنشاء هذه المؤسسة يعتبر أداة تستخدمها المنظومة لتفكيك الأونروا، بهدف طمس قضية اللاجئين، وحقوق الفلسطينيين، وعلى رأسها حق العودة.

 

أما وعود الرئيس دونالد ترامب الكاذبة بـ "نهاية حاسمة" للإبادة "خلال أسبوعين الى ثلاثة"، ما هي الا شراء لمزيد من الوقت لمواصلة الإبادة، وتمكين المنظومة الاستعمارية الإسرائيلية من تصعيد قمعها على الأرض، بما في ذلك تسهيل مخططات استعمار مدينة غزة. ونظراً لثقتها البالغة من الإفلات من العقاب، نفّذت المنظومة الإسرائيلية استهدافات متعمدة هاجمت بها الصحفيين، من بينها الاستهداف المزدوج لمستشفى ناصر في خان يونس، والذي ساهم أيضًا في منع توثيق جرائم الحرب اثناء الاجتياح الوشيك.

 

مع تقاعس الدول وتواطؤها في حظر وتفكيك الاونروا، ليس مستغربًا أن يصل استخدام المنظومة الاستعمارية الإسرائيلية للمساعدات والتجويع كسلاح إلى مستويات غير مسبوقة. فمنذ 2 آذار 2025، مُنعت الأونروا من توزيع المساعدات في غزة، ومنعت من تنفيذ ولايتها بشكل متعمّد. وفي الوقت الحالي، لم يدخل إلى القطاع في الأسبوعين الأخيرين سوى حوالي 100 شاحنة فقط، في حين أن 6,000 شاحنة من المساعدات المنقذة للحياة مستعدة للدخول ولكنها لا تزال محظورة عمدًا. وخلال شهر تموز 2025 وحده، تم تشخيص أكثر من 12 ألف طفل يعانون من سوء تغذية حاد، وهو أعلى رقم شهري يُسجّل على الإطلاق. وتشير التقييمات الحالية وفق تقييمات التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC) إلى أن أكثر من نصف مليون فلسطيني في غزة يواجهون مجاعة على مستوى المرحلة الخامسة، في حين أن أكثر من نصف السكان يعيشون في مستويات الطوارئ أو الازمة من انعدام الأمن الغذائي. ان هذه الأرقام التي تم تسجيلها والتحذيرات السابقة تثبت أن التجويع في غزة هو نتيجة متوقعة ومقصودة لسياسات دولية تواطأت في صنعها.

 

بينما تشارك الولايات المتحدة في ارتكاب الإبادة الجماعية إلى جانب المنظومة الإسرائيلية، لم يتخذ الاتحاد الأوروبي أي إجراء، حتى بعد تقديم تحذيرات من المجاعة من قبل الأمم المتحدة في شباط 2024. وبدلًا من تقديم الدعم السياسي والمالي الكامل للأونروا، لضمان استمرار عملياتها وتوسيعها، اختبأ الاتحاد الأوروبي خلف وعود إسرائيلية كاذبة بزيادة تدفق المساعدات إلى قطاع غزة. بالإضافة الى ذلك، اكتفى الاتحاد الأوروبي بإجراء "مراجعة شكلية" لاتفاقية الشراكة بينه وبين المنظومة الإسرائيلية. وبموجب كل من القانون الدولي والقانون الأوروبي، فإن الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء ملزمون قانونيًا وأخلاقيًا بفرض عقوبات شاملة، بما في ذلك فسخ الاتفاقيات التجارية مع المنظومة الإسرائيلية، وضمان إيصال المساعدات الإنسانية دون عوائق. لكن، وبالمقارنة مع عام 2022، خفّضت العديد من الدول الأعضاء في الاتحاد الاوروبي، مثل النمسا وإيطاليا وألمانيا، مساهماتها للأونروا اعتباراً من كانون الأول 2024. أما السويد فقد علقت مساهمتها بالكامل، وقد كانت الولايات المتحدة بالفعل قد قطعت تمويلها للوكالة من بداية العام 2024.

 

كما لجأت بعض الدول إلى إسقاط المساعدات عبر الطائرات، وهو اجراء انتقده بشدة مفوض الأونروا فيليب لازاريني قائلًا: إذا كانت هناك إرادة سياسية للسماح بالإسقاط الجوي – وهو امر مكلف للغاية، وغير كافٍ، وغير فعّال – فيجب أن تكون هناك إرادة سياسية مماثلة لفتح المعابر البرية". وفي الوقت نفسه، فإن قيام الدول بقطع التمويل او حجب او تعليق دعمها للأونروا، فإن ذلك يجعلها متواطئة في سياسة التجويع المتعمد لسكان غزة. ورغم ذلك، تنفق هذه الدول "أكثر بمئة مرة" على عمليات الإسقاط الجوي غير المجدية والخطيرة، بدلًا من العمل على إدخال قوافل المساعدات البرية الكافية والفعّالة، التي تنتظر على المعابر عند نقاط التفتيش. إن هذا العجز الكارثي هو نتيجة مباشرة للحصار الذي تفرضه المنظومة الاستعمارية الإسرائيلية، والذي يتفاقم بسبب رفض الدول اتخاذ إجراءات مباشرة ومجدية لإعادة عمل الأونروا ونظام توزيع الإغاثة الإنسانية التابع للأمم المتحدة، مكتفية باستخدام الإسقاط الجوي كغطاء يخفي فشلها ويوهم بوجود إجراءات فعلية متخذة.

 

صرّح الأمين العام للأمم المتحدة أن المجاعة في غزة هي "كارثة من صنع الإنسان، وإدانة أخلاقية وفشل للإنسانية ذاتها". وفي الحد الأدنى، فإن الحفاظ على دور الأونروا أمر أساسي، ليس فقط كشريان حياة إنساني لغزة، بل أيضًا بصفتها المؤسسة التابعة للأمم المتحدة والمكلّفة بحماية حقوق اللاجئين الفلسطينيين. ورغم تأييد 118 دولة عضو، بما فيها جميع أعضاء مجلس الأمن الدولي، لـ "بيان الالتزامات المشتركة بشأن الأونروا"، إلا أن ما بُذل فعليًا لترجمة هذه الالتزامات على الأرض يكاد لا يُذكر. فالوكالة، التي اعترفت بها هذه الدول باعتبارها "العمود الفقري لجميع الاستجابات الإنسانية في غزة"، لا تزال ممنوعة من العمل داخل القطاع، وتواجه عجزًا ماليًا خانقًا يهدد وجودها.

 

إن الاستمرار بتمكين المنظومة الإسرائيلية بحظرها للأونروا واستبدالها بمؤسسة غزة الإنسانية، يرسّخ تواطؤ الدول في التجويع واستخدام المساعدات الانسانية كسلاح. وإضافة إلى ذلك، فإن عرقلة عمل الأونروا يعني تقويض المؤسسة التي من خلالها تلتزم هذه الدول بضمان حقوق اللاجئين الفلسطينيين، وهو ما يشكّل في الوقت ذاته الفشل في معالجة الجريمة الإسرائيلية المتمثلة في التهجير القسري المستمر، والذي يُعد فعلًا من أفعال الإبادة الجماعية في قطاع غزة.

 

إن التزامات الدول واضحة: اتخاذ جميع الإجراءات لوقف المجاعة المتعمدة التي تقوم بها المنظومة الإسرائيلية والولايات المتحدة، والعمل على عكس مسارها من خلال توفير دعم سياسي ومالي ثابت للأونروا، وفرض عقوبات شاملة، بما في ذلك إنهاء اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي والمنظومة الإسرائيلية. إن التصريحات الجوفاء، والمراجعات الشكلية، والوعود الكاذبة لن تُطعم الفلسطينيين الذين أنهكتهم المجاعة في قطاع غزة، ولن تنهي الإبادة الجماعية الإسرائيلية المستمرة على القطاع.