أخبار بديــل
منظمة غزة الإنسانية (GHF) ليست سوى اداة أخرى من ادوات الإبادة الجماعية التي تدعمها الولايات المتحدة في قطاع غزة. وتحت غطاء "تقديم المساعدات"، تؤدي المنظمة دورًا مباشرًا في استهداف وقتل الفلسطينيين، واستبدال منظومة توزيع المساعدات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة، وعسكرة المساعدات الاغاثية، ووضع خطط لتهجير الفلسطينيين قسرياً وتطهيرهم عرقياً. ان هذه المنظمة تندرج ضمن مخطط استعماري أوسع يهدف إلى إعادة شرعنة الوجود العسكري الإسرائيلي وتكريس الهيمنة الاستعمارية في قطاع غزة.
منذ بدء عمليات "منظمة غزة الإنسانية" في 16 أيار 2025، لم تُسهم هذه المنظمة في التخفيف من المجاعة الناشئة عن الحصار الاسرائيلي المطبق على غزة، بل تحوّلت إلى فخّ قاتل للفلسطينيين الذين يسعون للحصول على المساعدات. فقد أدت عمليات ما تُسمّى "المنظمة الإنسانية" إلى استشهاد أكثر من 130 فلسطينيًا وإصابة أكثر من 1000 آخرين، وأسهمت بشكل مباشر في خلق حالة من الفوضى المتعمّدة، وهي الحالة التي سبق أن حذّرت منها الأمم المتحدة، والمنظمات الفلسطينية، ومؤسسات الإغاثة الدولية منذ اللحظات الأولى.
تزعم المنظومة الاستعمارية الإسرائيلية أن تأسيس المنظمة جاء بذريعة أنّ "حماس تنهب وتسيطر على المساعدات" في غزة، وهو ادعاء تم دحضه علنًا من قبل مدير برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة. الا أن المنظومة الإسرائيلية نفسها تقر بأنها هي من تقوم بتموّيل وتُسلّيح العصابات المسؤولة عن نهب قوافل المساعدات، ما يعني انها هي من تقوم بخلق الأزمة التي تدّعي المنظمة انها وُجدت لمعالجتها وحلها.
تعمل منظمة غزة الإنسانية على سلب الفلسطينيين كرامتهم وحقهم في الحصول على المساعدات المنقذة للحياة في أماكن تواجدهم، وتدفعهم قسرًا إلى قطع مسافات طويلة للحصول على مساعدات محدودة وشحيحة لا تلبي الحد الأدنى من الاحتياجات الاساسية. وتعتمد المنظمة في ذلك على استراتيجية لطالما استخدمتها المنظومة الإسرائيلية بشكل متكرر خلال الإبادة الجماعية المستمرة وهي: دفع الفلسطينيين بشكل جماعي نحو مناطق تُصنَّف على اساس أنها "آمنة"، ليتم لاحقا استهدافهم فيها بالرصاص الحي والقصف المباشر. ومنذ لحظة تأسيسها لم تكتفِ المنظمة بحرمان الفلسطينيين من الكرامة والأمان خلال سعيهم لتأمين مقومات الحياة الاساسية، بل انتهكت بشكل صارخ المبادئ الإنسانية الأساسية وهي التمتع بالإنسانية، والحياد، وعدم التحيّز، والاستقلالية. وتحت شعار "العمل الإنساني"، ساهمت هذه المنظمة في ترسيخ الإبادة الجماعية، واجبار الفلسطينيين في غزة على الاختيار ما بين الخضوع للمنظومة الاستعمارية أو الموت جوعًا. وكما صرّح نائب المتحدث باسم الأمم المتحدة، فرحان حق "لا ينبغي لأي إنسان، في أي مكان، أن يُجبر على الاختيار بين المخاطرة بحياته أو إطعام أسرته".
ان هذه المنظمة تأسست لتحلّ محل منظومة الأمم المتحدة الإنسانية القائمة، تحديداً لتعطيل المساعدات الإنسانية الطارئة والمنقذة للحياة التي توفرها الأونروا، وذلك من خلال آلية عسكرية مُسيّسة تُدار من قبل نفس الأطراف التي ترتكب الإبادة الجماعية وتتعمّد تجويع الفلسطينيين في قطاع غزة. وفي جوهرها، تمثل هذه الآلية جزءًا من استراتيجية أشمل تهدف إلى تصفية الوجود الدولي في فلسطين، وتكريس "السيادة" الإسرائيلية والهيمنة الاستعمارية، ليس فقط في غزة، بل على امتداد فلسطين الانتدابية.
بالإضافة الى ذلك، تمكّن "منظمة غزة الإنسانية" الحكومة الإسرائيلية من استخدام المساعدات الإنسانية كأداة لخدمة الخطط الاستراتيجية والعسكرية التي تهدف إلى استعمار قطاع غزة وتهجير سكانه قسرًا. وقد أقرّ مجلس الوزراء الإسرائيلي خطّة "المساعدات" التي تنفَّذ عبر هذه المنظمة بالتوازي مع عملية "عربات جدعون"، وهي عملية عسكرية تعلن صراحة عن هدفها المتمثل بـ "غزو" قطاع غزة ودفع سكانه نحو الجزء الجنوبي من القطاع.
ومن خلال هذه الالية يتم دفع الفلسطينيين عمدًا نحو الحدود مع مصر، في مسعى لتنفيذ خطة التهجير القسري التي روج لها ترامب، والتي لطالما أعلنت المنظومة الإسرائيلية انها شرط لإنهاء الإبادة الجماعية في غزة.
ومع استمرار "منظمة غزة الإنسانية" في العمل بهذا الشكل غير القانوني ومساهمتها المباشرة في الإبادة الجماعية المستمرة، فشلت الدول مجدداً في اتخاذ أي إجراء فعلي، او حتى الاعتراف بعدم شرعية عمليات المنظمة أو بتورّط الولايات المتحدة في دعمها. فعلى سبيل المثال، تراجعت المملكة المتحدة عن تصريحاتها السابقة التي وصفت فيها حصار المنظومة الإسرائيلية على غزة بأنه غير قانوني، بينما اكتفت العديد من الدول بإجراءات رمزية، كفرض عقوبات شكلية على بعض الوزراء الإسرائيليين. إن هذه الخطوات ليست عديمة الجدوى فحسب، بل تساهم في التغطية على الأسباب الجذرية للإبادة الجماعية المستمرة، وتمنح وهمًا كاذباً وزائفاَ بالمحاسبة، بينما توفّر في الواقع غطاءً سياسياً لاستمرار الجرائم الإسرائيلية.
الرد الوحيد المناسب -وان جاء متأخراً كثيراً- والمطلوب كحد أدنى من الدول، هو فرض عقوبات دبلوماسية واقتصادية وعسكرية شاملة على المنظومة الاستعمارية الإسرائيلية. ويجب أن تبقى هذه العقوبات قائمة حتى يتم: إنهاء الإبادة الجماعية في قطاع غزة، وتفكيك منظمة غزة الإنسانية، وإعادة العمل الكامل بمنظومة المساعدات الإنسانية وتوزيعها حسب آليات الأمم المتحدة، وتفكيك المنظومة الاستعمارية والفصل العنصري الإسرائيلية بأكملها.