أخبار بديــل

التهجير القسري: أداة نحو إقصاء ومحو للوجود الفلسطيني
التهجير القسري: أداة نحو إقصاء ومحو للوجود الفلسطيني

 تنفّذ المنظومة الاستعمارية الإسرائيلية في كامل فلسطين الانتدابية حملة منسّقة تستهدف مقاومة الشعب الفلسطيني لتفكيك وجوده، وقطع التواصل الجغرافي والاجتماعي بين المجتمعات الفلسطينية، والقضاء على حق العودة؛ وذلك في انتهاك واضح للقانون الدولي ولقرارات الأمم المتحدة الخاصة بحقوق اللاجئين والمهجرين الفلسطينيين. منذ بدء ما يسمّى بـ "عملية الجدار الحديدي" في 21 كانون الثاني 2025، هُجّر قسرًا أكثر من 40 ألف فلسطيني من مخيمات اللاجئين في الضفة الغربية، في أكبر عملية تهجير قسري منذ عام 1967. وفي قطاع غزة، تعرض أكثر من 1.9 مليون فلسطيني – 81% منهم من اللاجئين المسجّلين أصلاً – للتهجير القسري داخل قطاع غزة مراراً وتكراراً. يعيش هؤلاء المهجّرون قسرياً في ظروف إنسانية كارثية، محرومين من الحماية، ومن حقهم غير القابل للتصرف في العودة. ان عمليات التهجير القسري الجماعي هذه ليست أحداثًا منفصلة أو عشوائية، بل تأتي في إطار سياسي استعماري ممنهج، قائم على التهجير القسري وهندسة الوجود الديموغرافي باعتبارهما أدوات اساسية في مشروع استعماري شامل يهدف إلى محو وجود الشعب الفلسطيني.

 

التهجير القسري لمخيمات اللاجئين في شمال الضفة الغربية:

منذ كانون الثاني 2025، تقوم المنظومة الاستعمارية بتنفيذ حملة ممنهجة تستهدف مخيمات اللاجئين في شمال الضفة الغربية، فقد هدمت عشرات المباني السكانية في مخيمي طولكرم ونور شمس، في حين أُخلي مخيم جنين بالكامل بعد تهجير جميع سكانه قسراً. أما في مخيمي عسكر وبلاطة، فقد اقترنت اقتحامات القوات الاسرائيلية بتدمير واسع للممتلكات، ما أدى إلى موجات إضافية من التهجير القسري. ان هذه "العمليات العسكرية" لا تقتصر على الهدم والاقتحامات، بل تمتد لتشمل البنية التحتية الحيوية لحياة السكان. فقد دمرت المنظومة الاستعمارية الاسرائيلية أكثر من 40 كيلومترًا من شبكات المياه، وخطوط الصرف الصحي، وقنوات تصريف الأمطار في مناطق طولكرم، وجنين، وطوباس، مما يشكل جريمة حرب تتمثل في استهداف منشآت حيوية لا غنى عنها للبقاء على قيد الحياة. هذه السياسات تحوّل المناطق المستهدفة إلى أماكن غير قابلة للعيش، مما يعمق من الاستراتيجية الهادفة إلى منع عودة الفلسطينيين إلى منازلهم، ضمن مخطط المشروع الاستعماري لحرمانهم الدائم من حق العودة إلى ديارهم الأصلية.

 

كما ان حظر وجود الاونروا واعاقة قدرتها التشغيلية المحلية بشكل ممنهج يعمقان من سياسة الاقصاء والانكار لحقوق الشعب الفلسطيني وبالتالي القضاء على وجوده، من خلال التفكيك الممنهج لآليات الحماية الدولية، لكن في الوقت نفسه يكشفان جرائم المنظومة الاستعمارية الإسرائيلية وتواطؤ الدول الداعمة لها.

 

ان مخيمات اللجوء مكوّن من مكونات الهوية الفلسطينية ومقاومة الشعب الفلسطيني، وتجسيدا حياً لحق العودة. لذلك فان تدمير وتهجير سكان مخيمات جنين، وطولكرم، ونور شمس، وعسكر، وبلاطة، لا يخدم الا اهداف المشروع الاستعماري والذي يرتكز على ثلاثة أهداف رئيسية:

  • تفتيت المجتمع الفلسطيني: ان تفريغ المخيمات من سكانها يُفكك الروابط المجتمعية، والهوية الجمعية، ويعيد تشكيل الجغرافيا الفلسطينية، ويؤدي الى تسهيل وترسيخ التوسع والسيطرة الاستعمارية على الأراضي الفلسطينية.
  • سحق بُنى المقاومة: لطالما كانت المخيمات تورث أجيالاً مستمرة من المقاومة؛ لذلك فإن تدميرها يهدف الى كسر روح التحدي وانهاء مقاومة الشعب الفلسطيني حاليا ومستقبلا.
  • انكار حق العودة: تمثل المخيمات تجسيدًا ملموسًا لحق اللاجئين في العودة؛ لذلك فإن تفكيك المخيمات يعد اعتداءً مباشراً على هذا الحق.

 

أبعاد التهجير القسري في قطاع غزة:

يعد قطاع غزة فعليًا أكبر مخيم اللاجئين في العالم، حيث يشكّل اللاجئون المسجّلون ما نسبته 81% من السكان، وخلال الإبادة الجماعية الاسرائيلية بلغ التهجير القسري مستويات كارثية. منذ تشرين الأول 2023، أكثر من 1.9 مليون فلسطيني تهجرا قسراً بشكل متكرر، بفعل القصف الجوي والحصار والتجويع والسياسات التي تمارسها منظومة الاستعمار الإسرائيلي. يجبر الفلسطينيون الذين تهجروا قسراً على الإقامة في خيم في جنوب القطاع، محرومين من الحد الأدنى من مقومات الحياة سواء من مأوى لائق، او مياه نظيفة، او رعاية صحية. كل ذلك في ظل استمرار القصف الإسرائيلي الذي يستهدف الفلسطينيين ايضاً حتى أثناء محاولاتهم في الحصول على المساعدات أو الوصول إلى خدمات حيوية داخل القطاع. منذ 26 أيار 2025، تحوّلت "منظمة غزة الإنسانية" إلى فخ قاتل للفلسطينيين الجوعى الذين يحاولون الحصول على الطعام، في ظل استمرار المجاعة المتعمدة التي تسببت بها المنظومة الاسرائيلية. وحتى 22 حزيران 2025، استشهد أكثر من 400 فلسطيني عند نقاط توزيع المساعدات. يجبر الفلسطينيون على التوجه الى مواقع محددة للحصول على الحد الأدنى من الاحتياجات الاساسية، ان فرض هذه المنظومة مساراً محدداً لحركة الفلسطينيين، من خلال عسكرة الوصول الى الإغاثة الإنسانية يسهم في ترسيخ هدف المنظومة الإسرائيلية في تهجير الفلسطينيين قسراً. إن هذه الجرائم – سواء عبر الاستهداف المباشر في مواقع توزيع المساعدات، أو على امتداد الطرق الخطرة المؤدية إليها – ليست مجرد استهدافات فردية، بل جزءا لا يتجزأ من مشروع الإبادة الجماعية الاسرائيلية الممنهجة ضد الشعب الفلسطيني.

 

إن حصر حركة الفلسطينيين في قطاع غزة على حدود رفح جنوبا يُسهم بشكل مباشر في تنفيذ مخططات التطهير العرقي عبر دفعهم وتهجيرهم إلى مصر. وبما أن ولاية "الأونروا" لا تمتد إلى الأراضي المصرية، فإن الفلسطينيين الذين يهجّرون هناك سيحرمون من الخدمات الأساسية والحماية القانونية، ويقعون ضحايا لثغرات بنيوية في هيكلية نظام الحماية الدولية المخصص اساساً لضمان حقوقهم. ان التهجير القسري هذا يشكل أحد الأركان الاساسية في المشروع الاستعماري الإسرائيلي، المصمم لاقتلاع الفلسطينيين بشكل دائم من أرضهم، بما يخدم اهداف إعادة تشكيل الديمغرافيا وفقا لأهداف المنظومة الإسرائيلية، وهو ما يشكّل جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية بموجب القانون الدولي.

 

المساءلة القانونية في مواجهة منطق الاقصاء الاستعماري:

التهجير في السياق الاستعماري لا يُمثّل مجرد حركة قسرية للسكان، بل هو حالة مفروضة عمدًا، تهدف إلى محو الوجود الفلسطيني. إنها سياسة ممنهجة تسعى إلى تجريد اللاجئين الفلسطينيين من حقوقهم القانونية، وحرمانهم من الخدمات والاحتياجات الأساسية اللازمة للبقاء. في كل من قطاع غزة والضفة الغربية، يخضع الفلسطينيون لعمليات تهجير قسري مستمر، ويُحرمون من العدالة القانونية، ويعيشون في ظل انعدام دائم للأمن الجسدي. ففي غزة، أدّى الحصار المستمر منذ أكثر من 17 عاما، والمترافق حاليًا مع حرب إبادة جماعية، إلى حصر الفلسطينيين في ملاجئ من الخيام، أو بين أنقاض منازلهم، يبحثون عن مأوى في ظل تعرضهم لمجاعة متعمدة من المنظومة الاسرائيلية.

 

 ان هذه الاوضاع هي نتيجة لسياسات إسرائيلية مترابطة بعضها ببعض سواءً من اصدار أوامر للهدم، او الاقتحامات العسكرية، او تخريب للبنى التحتية، او فرض لحصار انساني مستمر، والتي تُشكّل مجتمعةً استراتيجية استعمارية مترابطة هدفها اقصاء وازالة الوجود الفلسطيني على الارض. فحصار مخيمات اللاجئين في الضفة الغربية، والاغلاقات العسكرية، والتهجير القسري الجماعي سواءً في داخل غزة ومنها، او في الضفة الغربية، والإنكار المستمر لحق العودة، ليست إجراءات عشوائية، بل هي اساساً ثابتاً لجريمة التهجير القسري، والتي يتم تنفيذها بهدف القضاء على الهوية الفلسطينية بشكل دائم في كامل أراضي فلسطين الانتدابية.

 

يشكّل التهجير القسري—المنفّذ من خلال سياسات المنظومة الاستعمارية الإسرائيلية المذكورة أعلاه—جريمة حرب وجريمة ضد الإنسانية. وعند اقترانه بالتدمير الممنهج للمنازل والبنية التحتية، وإنكار حق العودة، وحرمان السكان من مقومات الحياة الاساسية، فإن التهجير القسري يُعد فعلاً من أفعال الإبادة الجماعية. لا تقتصر هذه الاستراتيجية على السيطرة الفعلية على الأرض، بل تهدف إلى تفكيك الهوية والذاكرة والحق في العودة الفلسطينية، من خلال تفكيك الروابط الاجتماعية والجغرافية وفرض تهجير قسري مستمر، في انتهاك مباشر للقاعدة الآمرة في القانون الدولي المتمثلة في حق الشعوب في تقرير مصيرها.

 

ويجب أن تشكل هذه الانتهاكات والجرائم الإسرائيلية اساساً لاستجابة الدول وتحركهم، من خلال العمل القانوني وفرض العقوبات الشاملة ضد المنظومة الاستعمارية الإسرائيلية، ودعم الحقوق غير القابلة للتصرف للشعب الفلسطيني في تقرير المصير والعودة.