أخبار بديــل

التهجير القسري المتكرر للفلسطينيين في غزة من أعمال الإبادة الجماعية الاسرائيلية
التهجير القسري المتكرر للفلسطينيين في غزة من أعمال الإبادة الجماعية الاسرائيلية

لطالما كان التهجير القسري للفلسطينيين من ركائز الهيمنة الأساسية لمنظومة الاستعمار والفصل العنصري الإسرائيلي، وقد أصبح الان ركيزة محورية في الإبادة الجماعية الاسرائيلية المستمرة منذ عام تقريبًا على قطاع غزة. فبينما تستمر إسرائيل في إصدار "أوامر إخلاء" غير قانونية، ما زال الفلسطينيون في غزة محصورين في مناطق مساحتها محددة وصغيرة داخل القطاع، ويواجهون ظروفا صعبة والموت البطيء. لقد تسبب التهجير القسري المتكرر والممنهج في خلق ظروف صحية مميتة وظروف معيشية غير صحية، واكتظاظ سكاني عالٍ، مما يؤدي الى إعاقة عمل المنظمات الإنسانية في غزة.

 

ومنذ بداية الإبادة الجماعية، تم تهجير أكثر من 85% من السكان الفلسطينيين في غزة ما مرة واحدة الى 10 مرات او أكثر. في آب 2024 أصدرت إسرائيل أوامر إخلاء غير قانونية إضافية استهدفت وسط وجنوب غزة. وقد أدت هذه الأوامر إلى تقليص المنطقة المخصصة كـ"منطقة إنسانية" إلى 11% فقط من مساحة قطاع غزة، في محاولة لحشر سكان يبلغ عددهم 2.2 مليون نسمة في منطقة تبلغ مساحتها الإجمالية 39 كيلومترًا مربعًا فقط.

 

طوال فترة الإبادة الجماعية، أُجبر المهجرون داخلياً الى اللجوء الى مناطق تم استخدامها كملاجئ مثل المدارس التابعة للأمم المتحدة، والخيام وغيرها من أشكال الملاجئ غير الرسمية والمكتظة، والتي تفتقر إلى الغذاء الكافي والمياه والوصول على الرعاية الصحية والمساعدات الإنسانية اللازمة، والأهم من ذلك أنها تفتقر الى أي مظهر من مظاهر الأمان.

 

بالإضافة الى ذلك، استخدمت إسرائيل سياسة واسعة النطاق لاستهداف المهجرين داخليًا، حيث قامت باستهداف "الطرق الآمنة" والمناطق "الإنسانية" و"الآمنة" التي حددتها، بالإضافة الى استهداف ملاجئ الأمم المتحدة، والخيام حول المستشفيات والمرافق الصحية. ووفقًا للأونروا، فقد ألحقت اعتداءات إسرائيل اضرارا بــ 190 منشأة تابعة للأونروا ولم تترك سوى 10 مراكز صحية تعمل من أصل 27 مركزًا صحياً تابعا للأونروا. كما أفادت الوكالة أن ما لا يقل عن 563 مهجراً داخليًا تم استهدافهم أثناء تواجدهم داخل منشآت الاونروا مما أدى الى استشهادهم. كما رفضت إسرائيل مرارًا وتكرارًا دخول المفوض العام للأونروا، فيليب لازاريني، إلى قطاع غزة؛ وذلك كجزء من الحملة الإسرائيلية الاوسع لشيطنة الأونروا وتفكيكها.

 

مع استمرار تكدس الفلسطينيين في مساحات تتقلّص باستمرار في القطاع، فإنهم يواجهون ظروفًا معيشية صعبة للغاية تؤدي إلى ارتفاع معدلات المرض. ويتفاقم سوء هذه الظروف بسبب تدمير إسرائيل المتعمد للمنظومة الصحية في غزة، حيث لم يتبقَ سوى 17 مستشفى ما زالت تعمل من أصل 36. ومن بين الأمراض المتزايدة والمنتشرة، هناك حوالي 995,000 إصابة بأمراض حادة في الجهاز التنفسي، و40,000 اصابة مسجلة بالتهاب الكبد الوبائي أ. ووفقًا لمجموعة المياه والصرف الصحي والنظافة الصحية، فإن نقص المستلزمات الصحية ومستلزمات النظافة، والوصول المحدود إلى المياه النظيفة ومرافق الصرف الصحي تشكل "خطرًا متزايدًا له تأثيرات صحية شديدة"، وخاصة بالنسبة للأسر المهجرة في الملاجئ المكتظة.

 

إن التهجير القسري الإسرائيلي المستمر والممنهج للفلسطينيين لم يفاقم الظروف الصحية فحسب، بل أعاق أيضًا عمل المنظمات الإنسانية. وأفادت جميع مجموعات الأمم المتحدة العاملة في غزة بحدوث انقطاع في الوصول إلى المواقع والشركاء، واضطرارها إلى تعليق خدماتها بسبب التهجير القسري المستمر للفلسطينيين. وكان لعدم قدرتها على العمل تأثيرات وخيمة: على سبيل المثال، لم يتلق مليون شخص في جنوب ووسط غزة أي مساعدات غذائية في آب، وفقد 2,975 طالبًا قدرة الوصول إلى التعليم في أماكن التعلم المؤقتة التي تقودها الأمم المتحدة. كما أفادت منظمة إنقاذ الطفل أن "ما لا يقل عن 24 منظمة غير حكومية أفادت بأن تأثيرات أوامر الاخلاء التي صدرت في [آب] أدت إلى التهجير القسري لموظفيها، وتعطل عملها، وتعرض موقع واحد على الأقل يوفر مأوى للمدنيين للهجوم. وتقع المستودعات التي تخزن الامدادات داخل المناطق التي صدرت بها أوامر اخلاء، مما أدى إلى التهجير القسري"

وعلاوة على ذلك، أفاد لازاريني أنه في ظل تزايد الاحتياجات الإنسانية، "توقفت إسرائيل عن منح تأشيرات لرؤساء وموظفي المنظمات غير الحكومية الدولية". أما المنظمات الإنسانية التي تمكنت من الدخول إلى غزة، فقد تم إعاقة وتعقيد وصولها بشكل كبير، حيث تضاعفت حالات رفض البعثات في آب مقارنة بشهر تموز. وفي جنوب غزة، انخفض عدد بعثات المساعدات الإنسانية بنسبة 28%، بينما شهد شمال غزة ارتفاعًا بنسبة 140% في حالات رفض البعثات، مما أثر بشدة على تسليم ووصول المساعدات الأساسية.

 

من الواضح أن إسرائيل تستخدم عمليات التهجير القسري الجماعي المتكرر للفلسطينيين كعمل من أعمال الإبادة الجماعية. وقد أدى هذا إلى خلق ظروف صحية خطيرة ومزرية، وانفصال الأسر عن بعضها، والتوقف عن التعليم، وغير ذلك من العواقب التي تضاعفت بسبب تدمير المنظومة الصحية وعجز المؤسسات والمنظمات غير الحكومية عن تنفيذ الاستجابة الإنسانية اللازمة. ومع اقتراب فصلي الخريف والشتاء، فإن هذه الظروف سوف تزداد سوءاً، وخاصة مع الافتقار إلى الإجراءات العملية من جانب المجتمع الدولي وتواطؤ حلفاء إسرائيل الاستعماريين.

 

إن فرض إسرائيل المتعمد لهذه الظروف المعيشية يهدف إلى التدمير الكلي للمجموعة، ويشكل عملاً من أعمال الإبادة الجماعية بموجب اتفاقية الإبادة الجماعية. إن تدمير إسرائيل لقطاع غزة وسكانه لا يشكل شهادة على النكبة المستمرة فحسب، بل إنه أيضًا دليل على التواطؤ المستمر للدول الاستعمارية في الإبادة الجماعية وإفلات إسرائيل المستمر من العقاب على الساحة الدولية.