تحرير: رنين جريس** تجميع الشهادات: عمر إغبارية***

هي قرية عربية فلسطينية تقع في منطقة الجليل غرب بحيرة طبريا على الطرف الشمالي الشرقي لسهل البطوف. بلغ عدد سكانها عام 1949 حوالي 675 نسمة ليصل تعدادهم اليوم إلى نحو 5000 نسمة. غرفة التعليم الأولى بنيت في القرية بتمويل الكهنة الكاثوليكيين الألمان من كنسية الطابغة سنة 1899، حيث تعلم بها 24 طالبا من الذكور. وفي سنه 1905 بنيت غرفة تعليم مشابهة للبنات. وفي عام 1943 إبان الانتداب البريطاني، بنيت في القرية مدرسة ابتدائية رسمية مكونه من غرفتين لا زالتا موجودتان حتى يومنا هذا وتستعملان كغرف للتعليم. خلافاً لمئات القرى التي هجّر أهلها عام 1948، نجح سكان عيلبون في العودة إليها بعد فترة قصيرة من ترحيلهم، ليحكوا لنا اليوم تفاصيل تقشعر لها الأبدان عن مسلسل الموت الذي زرعه جنود "الهاجناه" على أرض قريتهم.

 

سفير جهنّم:
"بسنة 1948 كنت قوية وصغيرة"، حدثتنا رضيّة نمر عيد (82 سنة).
كان زوجي يومها يجيب ميّ وأكل للجيش العربي. كان يحمل الأكل بسطولة على الحمار، ويطلـّعه على الجبل. يوم وأنا قاعدة فات زوجي فرحان وصار يقول راحوا اليهود، غلبوهن العرب، جابوا ع المنطقة مدفع اسمه سفير جهنم، وين بتحطّي القنبلة بتوقع الدار كلها. بس لما هجموا اليهود ووصلوا عند سهل البطوف، سفير جهنم ضرب أول قنبلة ما نفعتش، والثانية ما نفعتش، والثالثة انفكّ المدفع شيلة شيلة. أجا جوزي وصار يخبط كف على كف وقال خربت بيوتنا، المدفع خرب. مين بدو يحمينا؟ الجيش العربي صاروا يشلحوا أواعيهن ويخبّوها على أساس ينهزموا.

ويضيف بركات فياض سليمان – أبو عاطف (78 سنة):
احتلوا عيلبون بتشرين أول 1948. كان عمري 16 سنة. البلد من الجنوب كان فيها بس زيتون، وهناك كان جيش الإنقاذ حاطت قوة كبيرة. بجيش الإنقاذ كان ناس من عيلبون وكانوا يوخدو معاش شهري، بس بآخر فترة ظل واحد أو اثنين من البلد. بهداك الوقت كان اليهود صاروا محتلين الناصرة ومعظم فلسطين. جيش الإنقاذ بالاتفاق مع اليهود انسحب على السكت بدون ما يعرفوا أهل البلد. يوسف الشبلي، من عيلبون، كان بجيش الإنقاذ، ولما عرف إنه بدهن يطلعوا قال بدي أروح أخبـّر أخوتي، قال له الضابط إنه ممنوع تروح على البلد، وطلب منه ومن كمان جندي سعودي يروحوا على كل استحكامات الجيش ويخبروهم بالانسحاب. ظلّ فرقة واحدة شرقي البلد ما خبروها. يوسف الشبلي كان الدليل وقال إنه انهينا كل النقط، وما خبـّر النقطة الشرقية. بالليل جيش الإنقاذ انسحب باتجاه المغار والرامة، وحالياً الفرقة اللي بقيت ضلّـت تقاوم. اتصل اليهود بقائد جيش الانقاذ وسألوه ليش بعدكم ما انسحبتوا؟ قال له احنا انسحبنا وصرنا عند الرامة، اللي بقاوم فيكم هذول أهل عيلبون. بهديك الأيام عيلبون كانت صغيرة وما كان فيها سلاح. قرّب اليهود على البلد وضربوا بالليل قنبلة. القنبلة أجت جنب دار جمال العيد وهدمت قسم من البيت. أهل البلد خافوا وصارت الناس تقول لبعضها انهزموا للكنيسة عشان جدرانها قوية.

30 تشرين أول 1948:
احتل لواء جولاني قرية عيلبون في 30 تشرين الأول 1948 ورفع سكان القرية الأعلام البيضاء، وعندما دخل الجنود استقبلهم خوري القرية وأعلن رجال الدين في القرية عن استسلام قريتهم. عن هذا اليوم وعن إعدام اثني عشر شابا من القرية حدثنا أبو عاطف قائلاً:

تجمعت الزلام والنسوان والأولاد بالكنسية، والعجـّز بقيوا بالبيوت. دخل الجيش علينا وأطلعونا من الكنيسة وطخـّوا علينا حتى يخوفونا. كان معنا واحد اسمه عازر مسلم، هذا عازر كان من حوران، كان أسمر ويشتغل بالبلد. عازر انقتل وكان هو أول قتيل بالبلد. لما أطلعونا من الكنسية، جمعونا بالحارة. هاي الحارة كانت عبارة عن ساحة صغيرة بنص البلد وكان أهل البلد يستعملوها للحفلات والأعراس، وكان رجال القرية يلتقوا فيها كل يوم أحد قبل توجههم للكنسية. كل الناس قعدت على الأرض ورفعت إيديها وأنا كنت معهم. الجيش أختار 12 شاب. أخوي ميلاد كان من بين الشباب اللي اختاروهم، كان عمره 21-22 سنة، وكان وقتها يشتغل بالقدس عند حاكم اللوا الانجليزي، باقي الشباب كان اسمهم نعيم غنطوس زريق، حنا ابراهيم أشقر، فؤاد نوفل، بديع زريق، جريس شبلي- أخوه ليوسف شبلي اللي كان يلف مع جيش الانقاذ- وفضل العيلبوني، ومحمد خالد اسعد، عبدالله شوفاني، رجا ميخائيل خليل، زكي اسكافي وميخائيل شامي. بعد ما اختاروا الشباب، طلبوا من الناس انها ترحل على المغار وطلبوا انهم يمشوا قدام سيارات الجيش اللي رافقتهم، لأنهم خافوا يكون في الغام في الطريق. بقي ببلدنا حوالي عشر ختياريه وخوارنة اثنين، منهم الخوري مرقس.

بطرس شكري إلياس متى (83 سنة)، كان شاهداً على المجزرة ولم يرحل مع أهل القرية:

لما طخّوا علينا بعد ما طلعنا من الكنسية أنا تصاوبت بإجري برصاصة. وظليت قاعد وما مشيت مع الناس. لمّا بقيو الشباب لحالهم في الساحة، رفع حاييم بطاطه إيده ورفع 3 أصابع، وقال بالعربي ثلاثة يقوموا لهون. قام ميلاد الفياض وفضل العيلبوني وزكي. وأنا كنت بعدني قاعد هناك بالساحة بعيد عنهن بس بمترين، أخذوا الثلاث على شارع وسمعنا صوت قواس. رفع إيده مرة ثانية ورفع ثلاث أصابع، قام أبو موريس وعبدالله ابن سمعان الشوفاني ورجا، نزّلوهن وقتلوهن على القبور بنص المقبرة. بعدين رفع أصابعه الثلاثة فقام حنا ابراهيم ونعيم زريق وواحد من حطين، طخوهن عند باب طابون أم الذيب، اليوم درجات بيت البير خشيبون. قام جريس الشبلي ورفع ايديه وقال يا خواجة أنا مش من هون، أنا من الناصرة. قال له ما كفاك تقاوم بالناصرة جاي تقاوم هون وقتله. لما رجعوا العسكر طخّوا الثلاثة الباقيين بالساحة. كله هذا صار وأنا قاعد حدهن. طخوهن قدامي ومشيوا. أنا رحت أركض على الكنيسة، لاقيت الخوارنة وحكيتلهم شو صار ولليوم ما بعرف ليش ما قتلوني.

بعد ما حكيت للخوارنة عن اللي صار طلعوا للحارة، والجيش صار يفوت على البيوت ويخلع أبواب ويخرب. الجيش صار ينهب البيوت وكمان ناس من بلادنا صارت تيجي تسرق من بيوتنا، أنا كنت أشوفهن. الجيش جابوا جنود، وصاروا يوخذوا أغراض من البيوت ويجيبوا سيارات يحملوها، في بيوت خلعوا منها أبوابها وشبابيكها. جابوا كمان شباب معتقلين من عيلبون، قبل ما ياخذوهن ع المعتقل، حتى يحملوا أغراض لسيارات الجيش، أجبروهم يحملوا أغراض من بيتهن ويحملوهن بسيارات الجيش. ثاني يوم جابوا ثلاث عساكر وواحد من المغار وحمّلوا الجثث لعند المقبرة، الخوري كان يصلي عليهن واحنا ندفن. أنا رتبتهن 9 زلام بخشخاشة والباقي بخشخاشة ثانية.

مجزرة عشيرة المواسي:
في 2 تشرين ثاني، إرتكب الجنود الإسرائيليون مجزرة أخرى على أرض عيلبون في سهل البطوف. عن تفاصيل المجزرة حدثنا خليل حسين عوض الشواهدة - أبو إبراهيم (82 سنة):
عشيرة المواسي كانت ساكني في سهل البطوف. عدد أفراد العشيرة في منطقة الجليل وطبرية وصفد كان حوالي 2000 نفر. احنا كنا ساكنين ببيت شعر بالجبل الغربي. أنا كنت سارح بطرشنا بمنطقة أم الثنايا جنب البطوف. نزلت على السهل، واللا شفت واحد متخبي وراء السرّيسة، اسمه سعد محمد ذيب من عرب المواسي، سألته شو صار؟ قال: اليهود طخوا 16 واحد من العشيرة، قتلوا 14 وأنا ومعجّل العطية ما متنا بس إنجرحنا. لما حسّوا علينا انه ما متنا رجعوا مرة ثانية، طخوا معجل بين عيونه ومات. أنا أجت الرصاصة فوق راسي، قال الجندي لازم تموت. حط البارودة بثمـّي وطخني، طلعت الرصاصة من جنب ثمـّي بس ظليتني عايش.
طلب مني أحمله. قلت له ما بقدر أحملك، مع إنه كنت شاب. وبعد ما رحت، أجت واحدة اسمها زهيـَّة الفواز، وحملته على ظهرها، وبعدين جابت حمار وحملته عليه وخبـّته بمغارة بجبل الميس، صارت توخذ له أكل وتطعمه، عرفوا الهجناه بالموضوع وإنه واحد سلم منهم، وعرفوا من الناس عن زهيـة، سألوها الهجناه عن الشخص اللي كان عايش قالت لهم أجت امـّه وأخذته على سوريا، ولكن هو كان بعده بالمغارة. بعد فترة أجت أمه فعلاً وأخذته على سوريا. وظل عايش، وبعث لزهيّة سلام من سوريا بالراديو.
أنا وأخوي محمد وابن اسماعيل الحسين قبرنا ضحايا المواسي. كانوا صف واحد، إشي واقع هيك وإشي واقع هيك، مطخوخين من قدام. حطينا الجثث بمغارة بخربة عين الناطف جنب البطوف. ولما أجت شركة "مكوروت" بعد سنين وحفروا قناة الميّ، نقلنا العظام لمغارة ثانية. وبعد فترة لما صار عندنا مقبرة بعيلبون جبنا عظامهم وقبرناهم فيها. كنت أعرف المقتولين كلهم: عطيّة ومعجل ومقبل وصالح هدول من عائلة ارشيد، سعيد واسعد القاسم، باير ومحمود طه، حسين احمد، حسن وحش، محمود واحمد وخالد النوادري، صالح الرملي ونايف عيسات. إسرائيل رحّلت معظم أهل عشيرة المواسي الى سوريا واللي بقيو بالبلاد سكنوا في عيلبون.

الرحيل:
وتستمر رضية عيد في انتشال ما تبقى من ذكرياتها:

لما وصلنا المغار كانت المغار مستسلمة، ورافعين بيارق بيضا، قالوا لنا كمـّلوا طريقكم. كملنا على كفر عنان، بس أهل البلد ما استقبلونا ولا أعطونا لا ميّ ولا أكل لأنهم كانوا خايفين من اليهود. وقعدنا تحت المـَلـّة، هاي شجرة كبيرة موجودة لليوم عند كفر عنان. بكفر عنان أجا الجنود اليهود ورموا لنا بطاطا مسلوقة على الشارع، كانت الأولاد تريـّل من الجوع والعطش، هجمت الناس على البطاطا وفجأة صاروا اليهود يطخوا عليهم. بهاي الحادثة انقتل سمعان الشوفاني الله يرحمه. لما صار الطخّ حطيت ابني يوسف تحتي ونمت عليه، جنبي كانت مرأه من كفرعنان نامت على ولدها تحميه، أجت فيها رصاصة وإنقتلت. بعد شوي قالوا لنا الجيش إنه هذا الطخّ كان بالغلط.

ويضيف أبو عاطف قائلاً:
وإحنا بقرية فراضه، أجا جيش اليهود ووقفوا الزلام لحال والنسوان لحال. أخذوا المصاري من كل الزلام. وبعدها قالوا بدنا كمان خمسين ليرة واذا ما بتعطونا راح نطخ عشر شباب. صارت الختيارية تتشاور مع بعضها، في واحد اسمه ابراهيم الحوّا، هذا كان عنده دكانة، نادى على مرته، قال لها إذا معك خمسين ليرة بنشتري فيهن عشر زلام من عيلبون. اعطته المصاري وراح الجنود. الناس نامت بالشوارع بفراضة. ثاني يوم أجو اليهود وجمعوا أهل البلد، أخذوا 55 زلمة، وكمان اثنين شباب صغار، هنّ أديب حنا وعفيف ميخائيل، أخذوهم وحطوهم بالمعتقل حوالي 6-7 أشهر.
احنا وأهل فراضة وكفرعنان طلعنا على لبنان. طلعنا على رميش ومن هناك شرّقنا على يارون عند قرايبنا، بعدين رحنا على عين إبل، استقبلونا ووقت الأكل كانوا شبابهم يدوروا ويجيبوا أكل لكل البلد. بعد جمعة بعثونا على مخيم المِيِّة ومِيـِّة عند صيدا. قسم من أهل عيلبون كانت بالمخيم وقسم راح عند اقاربه بلبنان وقسم راح سكن بالأديرة.

العودة:
وصلت أنباء المجزرة إلى الحكومات الأوروبية والأمم المتحدة التي ضغطت على إسرائيل وأجبرتها على إعادة أعالي عيلبون إلى قريتهم.
"أبوي رجع على عيلبون بشهر 12 وبشهر 2 أجا على لبنان ورجّع معه امي وأختي"، حدّثنا أبو عاطف، واكمل:
أنا ظليت لحالي وما كنت عارف انه أخوي انقتل. بعد حوالي شهر ونص، وبعد ما اطمأنوا إنه اليهود بطلوا يقتلوا ناس أجا أبوي أخذني على عيلبون. لما رجعت أجوا ناس لعندنا على البيت وأجا شاب وقال لي سلامة راسك وساعتها عرفت عن ميلاد. أنا شفت لما اختاروا الشباب لما كنا هون، بس ما عرفت شو عملوا فيهن بعد هيك.
بدينا حياتنا من جديد. ما كان معنا ولا قرش يومها. راح أبوي عند قرايبنا من سخنين وطلب مساعدة. لما رجع أبوي على عيلبون لاقى البيت فاضي والبيوت منهوبه، حتى البقر والمعزة مش موجودين. صارت الحياة صعبة. صادروا أراضينا والأمم المتحدة صارت تطلع لنا مؤن بأوّل سنة. بعدها أجو اليهود واقترحوا على الناس انه تضمن أرضها، الدونم بقرش، الناس رفضت توقـّع، لأنه إذا الناس وقـّعت كأنها اعترفت إنه الأرض هي أرض غائبين وصارت للدولة واحنا بس بنضمنها. وبعد مدة نجحنا انه نرجع الأرض كلها لأصحابها.

----------
* تم تجميع الشهادات من عيلبون في تشرين أول، 2010
** رنين جريس: باحثة فلسطينية ومركزة مشروع التاريخ الشفوي في جمعية ذاكرات، حيفا.
*** عمر اغبارية: منسق الجولات الميدانية للقرى المهجرة والمدمرة، جمعية ذاكرات، المشيرفة.