بقلم: ناصر الريس*

منذ اليوم الاول للعدوان والاحتلال الإسرائيلي للارض الفلسطينية في الخامس من حزيران 1967، والشعب الفلسطيني خاضع لسياسة ممنهجة ومستمرة من الجرائم والانتهاكات التي استخدمها المحتل كوسيلة لقمع تطلعات الفلسطينيين في التحرر والانعتاق، ومن ثم تثبيت وجوده وتعزيز سيطرته، فضلا عن استخدامها كوسيلة وإداة للتطهير العرقي، من خلال تفريغ المناطق الفلسطينية المستهدفة في الضم والالحاق كما هو الحال في القدس والاغوار والاراضي الواقعة خلف الجدار.

ولعل من أهم الجرائم المرتكبة من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي خلال مراحل الاحتلال المختلفة:

  • - تعمد قتل المدنيين؛ فضلا عن الاستهداف المباشر للاشخاص الذين يرى فيهم المحتل خطرا على وجوده أو رموزا للنضال والمقاومة الفلسطينية.
  • - اسقاط وتغييب مبدأ التمييز بين الأشخاص المدنيين والعسكريين والممتلكات المدنية والعسكرية؛ بل واستباحة ارواح وممتلكات المدنيين حال تنفيذ قوات الاحتلال لأي عمل عسكري في الارض الفلسطينية المحتلة، ولعل في العدوان الذي شنه المحتل الإسرائيلي على قطاع غزة أواخر عام 2008م، ما يؤكد على هذه الحقيقة.
  • - بث الذعر في نفوس المدنيين، سواء بالتهديد المباشر أو من خلال الإعلان الصريح عن عدم وجود مناطق آمنة.
  • - الاعلان عن عدم الإبقاء على الحياة، جراء الإعلان الصريح عن استهداف وقتل كل الافراد المنتمين للاجنحة العسكرية أو المتهمين بارتكاب اعمال عسكرية أو التخطيط لارتكاب اعمال مقاومة عسكرية ضد المحتل.
  • - الاستهداف المباشر لأفراد الخدمات الطبية ووسائل النقل الطبي والمشافي.
  • - تهديد سكان الأراضي المحتلة والضغط عليهم للإدلاء بمعلومات عن القوات المسلحة للمقاومة.
  • - ضرب حصار جائر على قطاع غزة لأكثر من اربع سنوات.
  • - تعمد منع دخول المواد الغذائية والامدادات الطبية للمناطق الفلسطينية كعقاب جماعي لسكانها.
  • - رفض السماح للطواقم الطبية من الوصول لمناطق الجرحى والمرضى والمصابين.
  • - استهداف المدارس والمؤسسات التعليمية والجامعات ودور العبادة.
  • - استهداف وتدمير المقابر.
  • - قصف وتدمير مئات المنازل انتقاما من السكان المدنيين.
  • - النقل والترحيل الجبري لمئات الأسر الفلسطينية من مناطق سكناهم الى غيرها من مناطق القطاع بحجة حماية أمنهم كما هو الحال مع سكان الاغوار وسكان جنوب الضفة الغربية.
  • - تدمير القطاع الزراعي الفلسطيني، جراء تدمير ومصادرة آلاف الدونمات الزراعية، مما افقد المزارعين الفلسطينيين والعمالة الزراعية الفلسطينية مصدر ارتزاقها الأساسي.
  • - خنق المدن والتجمعات الحضرية الفلسطينية ومحاصرتها مما سيحول دون تطورها وإتساعها، وبالتالي مواكبتها ومجاراتها لما تشهده من تزايد ديمغرافي.
  • - الإستيلاء على موارد ومصادر الثروة المائية، من خلال جراء وضع اليد على أهم وأغلب مصادر ومكامن الثروة المائية الفلسطينية، المتواجدة في هذه الأراضي الفلسطينية التي تمت مصادرتها أو إعلانها مناطق عسكرية مغلقة.
  • - بناء جدار الضم، الذي شرعت دولة الاحتلال الإسرائيلي بتشيده داخل أراضي الضفة الغربية منذ منتصف عام 2002م ولم يزل متواصلا، ما أدى الى ضم آلاف الدونمات الى دولة الاحتلال؛ فضلا عما الحقه من دمار وتخريب في الممتلكات، وعزله لعشرات التجمعات السكانية عن باقي الضفة الغربية.
  • - تخريب الأراضي والملكيات الخاصة الزراعية، حيث تم الى جانب المصادرات المباشرة وأعمال الإستيلاء العلني للأراضي والملكيات الفلسطينية القائم هذا الجدار عليها، تجريد وحرمان الفلسطينيين من آلاف الدونمات الزراعية.

ويمكننا القول جازمين بانه لا يوجد قيد أو مبدأ أو حق على صعيد القانون الدولي العام أو القانون الدولي الإنساني أو على صعيد مواثيق القانون الدولي لحقوق الانسان، إلا وتعرض للانتهاك والتجاوز من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي.

المسؤولية الدولية الناشئة عن ممارسات دولة الاحتلال الإسرائيلي

يترتب على انتهاك دولة الاحتلال الإسرائيلي لقواعد واحكام القانون الدولي العام والقانون الدولي الإنساني، فضلا عن إنطباق مدلول أحكام وقواعد القانون الدولي لجرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية على الممارسات والانتهاكات السالفة للمحتل الإسرائيلي، إثارة المسؤولية الدولية لدولة الاحتلال عن هذه الجرائم والإنتهاكات وهي بالاستناد لأحكام وقواعد القانون الدولي مسؤولية ذات طبيعة مزدوجة، إذ هي مسؤولية مدنية من جانب وجنائية من جانب آخر.

أ. المسؤولية المدنية لدولة الاحتلال.

بالرجوع لأحكام وقواعد القانون الدولي الخاصة بخرق وإنتهاك أشخاص القانون الدولي لإلتزاماتهم الدولية وإرتكابهم لأعمال غير مشروعة بموجب أحكام وقواعد هذا القانون، نقف على أن أحكام القانون الدولي، قد ألزمت الطرف الذي أضر بالغير بواجب ومسؤولية العمل على إزالة ووقف أثار خرقه وإنتهاكه لأحكام وقواعد القانون.

وبشأن تطبيق الاوضاع السالفه على حالة الشعب الفلسطيني الذي تضرر من المخالفات والجرائم التي تمثل خرقا وإنتهاكا واضحا وصريحا لإلتزامات دولة الاحتلال الإسرائيلي الناشئة عن أحكام وقواعد القانون الدولي الإنساني، وقواعد القانون الدولي بوجه عام، يمكننا القول بأن قيام مسؤولية إسرائيل القانونية في هذا الشأن تقتضي:

  • • وقف دولة الإحتلال الإسرائيلي لممارساتها غير المشروعة: وذلك من خلال إمتناعها عن الإستمرار في ارتكاب عدوانها المسلح غير المشروع على قطاع غزة.
  • إعادة الحال الى ما كان عليه (التعويض العيني): وهذا ما يقتضي ضرورة أن تعود دولة الإحتلال الإسرائيلي بوضع الإقليم الفلسطيني وممتلكات سكانه وأوضاعه الديمغرافية والجغرافية الى الحال الذي كان عليه قبل شروعها في تنفيذ وإقتراف عدوانها المسلح، أي الى الاوضاع التي كان عليها القطاع يوم 26/12/2008م.
  • • التعويض المالي: بالنظر لإستحالة إستعادة سكان الأرض المحتلة لوضعهم السابق أي لما كان عليه الحال قبيل تنفيذ الاحتلال الإسرائيلي لجرائمه وانتهاكاته، جراء قتل وجرح الآف الفلسطينيين وتدمير وإتلاف آلاف المنازل ومساحات شاسعة من أراضيهم وملكياتهم وما عليها.

يصبح الحل القانوني الأمثل والواجب تطبيقه في مثل هذه الأحوال، دفع دولة الاحتلال الإسرائيلي لمبالغ مالية لجميع من تضرر من انتهاكاتها في هذا المجال. وبالطبع، ان تنفيذ سلطات الاحتلال الإسرائيلي للمتطلبات السالفة كتعويض عن إنتهاكها وإخلالها بالمواثيق والإتفاقيات الدولية يعد إجراء وعملا لا بد من تنفيذه إستنادا لقواعد القانون الدولي العام، ولأحكام وقواعد القانون الدولي الإنساني المتعلقة بحالات الاحتلال، لا يمكن له أن يعفي دولة الاحتلال الإسرائيلي من قيام المسؤولية الجنائية للأفراد الذين أمروا أو خططوا أو نفذوا مجموع الانتهاكات والتصرفات التي تعتبر جرائم بمقتضى قواعد القانون الدولي العام والإنساني.

ب: مسـؤولية إسـرائـيـل الـجنائـية

الى جانب حقوق الطرف الفلسطيني المدنية، يترتب على تصنيف وإدراج الكثير من الممارسات الإسرائيلية المرتكبة خلال العدوان ضمن الأعمال والتصرفات المكيفة بكونها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، إثارة حق الطرف الفلسطيني والدول الاطراف في اتفاقية جنيف الرابعة والمجتمع الدولي في الملاحقة والمساءلة الجنائية للأفراد الذين أمروا أو خططوا لإرتكاب هذه الجرائم، وأيضا أولئك الذين إرتكبوا ونفذوا هذه الجرائم على صعيد الإقليم الفلسطيني المحتل.

وبالرجوع لأحكام ومبادىء قواعد القانون الدولي العام ولأحكام القانون الدولي الإنساني الخاصة بالاحتلال الحربي، نجد تأكيد كل من المادة 146 من إتفاقية جنيف الرابعة والمادة 88 من أحكام بروتوكول جنيف الأول المكمل لإتفاقيات جنيف الأربع، على حق الأطراف التي تضررت من اقتراف الغير لجرائم دولية بحقها، في ملاحقة الآمرين بارتكاب هذه الجرائم ومرتكبيها ومساءلتهم كمجرمي حرب أمام محاكمها الوطنية.
كذلك أكدت على هذا الحق وضمنته أيضا المادة السادسة من ميثاق محكمة نورمبرغ بقولها "… ويسأل الموجهون والمنظمون والمحرضون

والمتدخلون " الشركاء" الذين ساهموا في وضع أو تنفيذ مخطط أو مؤامرة لإرتكاب أحد الجنايات المذكورة أعلاه عن كل الأفعال المرتكبة …".
ومن هذا المنطلق، يحق للجانب الفلسطيني إستنادا لقواعد وأحكام قانون الاحتلال الحربي وقواعد قانون النزاعات الدولية المسلحة القيام بملاحقة جميع الأشخاص الذين امروا بارتكاب هذه الجريمة، سواء كانوا عسكريين أو ساسة ورجال دولة، وليس هذا فحسب بل ينسحب هذا الحق على جميع الأشخاص القائمين على تنفيذ هذه الجريمة عملياً على صعيد الأرض الفلسطينية المحتلة.

الوسائل المتاحة لمحاكمة وملاحقة مجرمي الاحتلال الإسرائيلي

اثار موضوع الملاحقة الجنائية لمجرمي الحرب الإسرائيليين الكثير من الاشكاليات على صعيد المجتمع الفلسطيني وحتى على الصعيد الدولي، بل أظهرت النقاشات المتعلقة بهذا الموضوع حجم الخلط الكبير في تحديد المرجعيات الدولية المختصة بالنظر الى الجرائم المرتكبة من الإسرائيليين.

فهناك من ينادي بالتوجه الى محكمة العدل الدولية، وهناك من يطالب السلطة الفلسطينية بالانضمام الفوري لمحكمة الجنايات الدولية لكي يستطيع ان يتدخل ويحرك الدعاوى ضد الإسرائيليين.

لاشك بأن فهم المرجعيات الدولية المتعلقة بالمساءلة والملاحقة الجنائية لمجرمي الحرب وغيرها من الجرائم الدولية، يمثل الخطوة الأولى والاساسية في تجسيد وتحقيق هذا التوجه، ولهذا نرى ضرورة وأهمية توضيح مختلف الابعاد المتعلقة بهذا الجانب، كي نسهم في تحديد الأتجاه السليم لجميع الجهات المعنية بالملاحقة والمساءلة الفعلية لمجرمي الحرب الإسرائليين.

غير انه قبل توضيح الوسائل والادوات الدولية القائمة والمتاح منها لمحاكمة ومساءلة المجرمين، نرى أن نوضح بأن محكمة العدل الدولية الكائن مقرها في لاهاي، هي محكمة حقوقية ولا اختصاص لها مطلقا في المساءلة والملاحقة الجنائية لمجرمي الحرب، وإنما ولايتها تقتصر على الفصل في المنازعات الحقوقية المدنية التي تثور بين الدول، ولهذا لا يحق لغير الدول التوجه إليها، كما قد تمارس الى جانب وظيفتها القضائية مهمة الافتاء، أي اصدار الفتاوى والتفسيرات القانونية المتعلقة بتفسير نصوص الاتفاقيات أو مبادىء وأحكام القانون الدولي.

طرق وأدوات المساءلة الجنائية لمرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية

يتضح من الممارسة الدولية ومن أحكام المواثيق الدولية المعنية بالمساءلة الجنائية لمرتكبي جرائم الحرب والجرائم ضد الانسانية وجريمة الابادة وجود ثلاث أدوات قانونية للمساءلة هي:

1- تشكيل مجلس الأمن الدولي لمحاكم جنائية خاصة:

تتسم المحاكم الجنائية الخاصة بكونها محاكم جنائية مؤقتة، أي محددة من حيث المدة الزمنية، وقاصرة في ولايتها على محاكمة مجرمي الحرب أو الجرائم الدولية في نزاع محدد بذاته، وتقتصر على اشخاص من جنسيات محددة. ومن السوابق الدولية في هذا الشأن، لجنة المسؤوليات التي اختصت بمساءلة مجرمي الحرب في الحرب العالمية الأولى، ومحكمة نورمبرغ 1945م، ومحكمة طوكيو1945م التي اختصت بمساءلة ومحاكمة مجرمي الحرب الالمان واليابانين في الحرب العالمية الثانية، ولقد تشكلت هذه المحاكم بناء على اتفاق بين الدول المنتصرة بالحرب.

وبعد تأسيس الأمم المتحدة اصبح مجلس الأمن الدولي استنادا لصلاحياته ومسؤولياته الناشئة عن ميثاق الأمم المتحدة المالك الأصيل لصلاحية تشكيل هذه المحاكم، حيث أنشأ مجلس الأمن الدولي استنادا لهذه الصلاحية كل من المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بيوغسلافيا السابقة بمقتضى قراره رقم 808 في العام 1993 لكي تتولى التحقيق والمحاكمة للمتهمين بارتكاب الانتهاكات الخطيرة للقانون الدولي الإنساني في أراضي يوغسلافيا السابقة، كما أنشأ المحكمة الجنائية الدولية الخاصة برواندا بمقتضى قراره رقم (955) في عام 1994، لكي تتولى إجراءات التحقيق والمحاكمة فيما يخص جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب التي ارتكبت في رواندا، كذلك أنشأ مجلس الامن بمقتضى قراره رقم 1664 المحكمة الخاصة ذات الطابع الدولى لمحاكمة المتهمين باغتيال رئيس وزراء لبنان.1

كذلك اصدر مجلس الأمن أكثر من قرار بشأن محاكمة مجرمي الحرب كما هو الحال بشأن قراره رقم 1593 الخاص بمحاكمة مجرمي الحرب فى دارفور، وقراره رقم 1315 الخاص بمحاكمة مجرمي الحرب فى سيراليون وغيرهما من القرارات.

ومما لاشك فيه صعوبة هذا الخيار الذي نرى باستحالة تحققه بالنسبة للفلسطينيين، لإدراكنا اليقيني بأن الولايات المتحدة ستجهض أي مشروع قرار قد يحال لمجلس الأمن بهذا الشأن، إذ ستلجأ الولايات المتحدة الى إستخدام حقها في النقض للحيلولة دون تحقيق ذلك، ولعل في تاريخ تعاطي الولايات المتحدة الأمريكية مع القرارات المتعلقة بالقضية الفلسطينية على صعيد المجلس ما يحمل دلالة قاطعة وأكيدة على حتمية هذه النتيجة.

2- إحالة مجلس الأمن الدولي للوضع في قطاع غزة الى المحكمة الجنائية الدولية

يحق لمجلس الأمن الدولي استنادا لصلاحياته المنصوص عليها في الباب السابع، وإيضا استنادا للنظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية أن يحيل للمحكمة أي جريمة داخلة في اختصاصها بغض النظر عن عضوية الدولة في نظام المحكمة.

ولقد مارس مجلس الأمن فعليا هذه الصلاحية بمواجهة السودان، وذلك في اعقاب تسلم المجلس لتقرير لجنة التحقيق التي شكلها بمقتضى القرار رقم 1564 للتحقيق في الأوضاع بدارفور، إذ قرر المجلس بعد استلامه لتقرير اللجنة الصادر في كانون الثاني 2005، إحالة الوضع في دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية، التي قبلت بدورها هذه الإحالة من خلال إعلان النائب العام في المحكمة الجنائية الدولية السيد لويس مورينو أوكامبو بتاريخ 6 حزيران 2005، عن شروع المحكمة بمباشرة التحقيق في جرائم دارفور.

كما اصدر المجلس في شهر شباط 2011، قرار يطالب فيه المدعى العام لمحكمة الجزاء الدولية بفتح تحقيق خاص بالاوضاع الجارية على صعيد الجماهيرية العربية الليبية، حيث يتهم النظام السياسي في هذه الدولة بارتكاب جرائم ضد الانسانية بمواجهة جموع المدنيين القائمين بوجه النظام والمطالبين بسقوطه وتغيير نظام الحكم.

ولا يختلف الوضع في هذه الحالة عن الوضع السابق، لكون قرارات مجلس الأمن المتعلقة بموضوع الإحالة الى المحكمة الجنائية الدولية، يجب ان تتخذ استنادا لاحكام الفصل السابع، وهنا بلا شك سيصبح هذا الخيار أيضا غير ممكن لإدراكنا اليقيني والقاطع بأن الولايات المتحدة لن تدخر جهدا في سبيل إجهاض أي مشروع متعلق بأحالة الانتهاكات والجرائم المرتكبة من الإسرائيليين لمحكمة الجنايات الدولية.

3-المقاضاة أمام المحكمة الجنائية الدولية

دخل ميثاق محكمة الجزاء الدولية حيز النفاذ في 1/7/2002م، ويبلغ عدد الدول التي صادقت على النظام الاساسي للمحكمة الجنائية الدولية حوالي 106 دولة منها اربع دول عربية هى الاردن وجيبوتي وجزر القمر واليمن. وهناك تسع دول عربية وقعت على النظام الأساسي ولم تصادق عليه بعد وهي، الجزائر والبحرين ومصر والكويت والمغرب وسلطنة عمان والامارات العربية وسوريا والسودان.

وتختص محكمة الجنايات الدولية بالتظر في اربع جرائم هي:

  • • جريمة الإبادة الجماعية.
  • • الجرائم ضد الإنسانية.
  • • جرائم الحرب.
  • • جريمة العدوان ( لم يتم تعريف هذه الجريمة من قبل الدول الاطراف في الميثاق ولهذا لاتزال هذه الجريمة وأركانها قيد البحث لحين التوصل الى اتفاق وتوافق عليها مستقبلا).

وتباشر هذه المحكمة النظر في الدعاوى المتعلقة بالجرائم المختصة بها حال تلقيها لشكوى من أي من الجهات التالية:
- الدول الأطراف في النظام الأساسي للمحكمة.
- الدول غير الاطراف التي تودع إعلان لدى مسجل المحكمة، تقر بمقتضاه بقبول ممارسة المحكمة اختصاصها فيما يتعلق بالجريمة قيد البحث.
- إذا أحال مجلس الأمن، متصرفا بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة جريمه أو أكثر من الجرائم الداخلة باختصاص المحكمة، وبهذا الصدد يجوز للمجلس ان يحيل ما يراه من جرائم بغض النظر عن عضوية الدولة في نظام المحكمة.
- تحرك مدعي عام المحكمة من تلقاء ذاته.

وحول ولاية هذه المحكمة، فهنا كما هو ثابت من النظام الأساسي، تمارس هذه المحكمة ولايتها فقط على الدولة الاطراف في نظامها الأساسي، سواء كانت هذه الدول هي الدولة التي وقع في إقليمها السلوك المجرم، أو كانت هذه الدول الطرف هي الدولة التي يعتبر الشخص المتهم بالجريمة أحد رعاياها.

وفي حال الإستثناء يمكن لولاية المحكمة ان تمتد لتشمل الدول غير الاطراف فيها وذلك ما قد يتحقق في حالتين هما:
- قبول الدولة غير الطرف في النظام الأساسي رضائيا ممارسة المحكمة لاختصاصها وذلك بموجب إعلان يودع لدى مسجل المحكمة.
- ان تمارس المحكمة اختصاصها على الدولة غير الطرف قسرا ودون رضاها، وذلك في الأحوال التي يقرر خلالها مجلس الأمن بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، إحالة الجرائم المرتكبة من رعايا هذه الدولة أو على اقليمها إلى المدعي العام.2

إمكانيات مقاضاة الفلسطينيين لمجرمي الحرب الإسرائيليين أمام المحكمة الجنائية الدولية

كما سبق وأسلفنا يمكن تحريك الدعوى الجنائية أمام المحكمة الجنائية الدولية بطلب من اي من الجهات التالية:

  • • الدول الأطراف في النظام الأساسي للمحكمة.
  • • الدول غير الاطراف التي تودع إعلان لدى مسجل المحكمة، تقر بمقتضاه بقبول ممارسة المحكمة اختصاصها فيما يتعلق بالجريمة قيد البحث.
  • • الإحالة من مجلس الأمن، أو تحرك مدعي عام المحكمة من تلقاء ذاته.

وبصدد تطبيق هذه الاوضاع على الواقع الفلسطيني، يمكن القول بأن تقدم الفلسطينيين بطلب لتحريك الدعوى الجنائية أمام المحكمة الجنائية أمرا في غاية الصعوبة، بل والاستحالة للأسباب التالية:
1- لايعتبر الفلسطينيين دولة طرف بالنظام الأساسي لمحكمة الجزاء الدولية، كما لا يعتبر الإسرائيلييون أيضا دولة طرف ولهذا لا يحق للمحكمة من حيث المبدأ النظر في الجرائم المرتكبة من قبل رعاياهم أو الواقعة على اقاليمهم.
2- لا يستطيع الفلسطينيون وضع إعلان لدى مسجل المحكمة، بشأن قبول فلسطين لولاية المحكمة، إذ لن تقبل المحكمة من الفلسطينيين مثل هذا الإعلان لكون الشخصية القانونية الدولية الممنوحة بمقتضى القانون والممارسة الدولية لممثل الشعب الفلسطيني أي منظمة التحرير الفلسطينية، شخصية أدنى من الشخصية المممنوحة للدول، لكون الارض الفلسطينية لم تزل ارضا محتلة، ولا يزل الاحتلال يمنع الفلسطينيين من ممارسة السيادة على اراضيهم، ولهذا لاتمتلك منظمة التحرير الفلسطينية أو فلسطين، استنادا لهذا الواقع والوضع، الأهلية القانونية الممنوحة للدول بشأن ابرام المعاهدات الدولية أو الانضمام للمعاهدات الدولية التي تحصر عضويتها صراحة بالدول فقط. وبالنظر لكون المحكمة الجنائية قاصرة في عضويتها على الدول وفق المفهوم القانوني الذي يعنية هذا الوضع، فهنا لن يقبل من فلسطين كما هو ثابت من ميثاق المحكمة مثل هذا الإعلان.
3- لو سلمنا جدلا بقبول المدعي العام الأول لصك الاعتماد، فهنا يمكن للمتهم أو الشخص الذي يكون قد صدر بحقه أمر بإلقاء القبض، أو أمر بالحضور، أو الدولة التي لها اختصاص النظر في الدعوى ان تطعن بصحة هذا الصك وقيمته القانونية وبالتالي بعدم اختصاص المحكمة استنادا للوضع الفلسطيني في تحريك الدعوى.
4- لعل الأهم مما سبق وجود العديد من الأشكاليات والثغرات القانونية التي تضمنها النظام الأساسي والتي ستحول دون شك بين هذه المحكمة وإمكانية محاكمة مجرمي الحرب الإسرائيليين، ليس على صعيد الجرائم المرتكبة في قطاع غزة الآن، وإنما بمواجهة الجرائم السابقة والمستقبلية التي قد تركتب من الإسرائليين ومن هذه المعيقات:
أ- عدم سريان الميثاق بأثر رجعي على الجرائم المرتكبة قبل تاريخ نفاذ الميثاق، وأيضا قبل انقضاء ستين يوم على تاريخ انضمام الدولة للمحكمة، ولهذا في حال انضمام إسرائيل لهذه المحكمة، لا يحق للمحكمة النظر بأي جريمة ارتكبت قبل انقضاء ستين يوما على التاريخ اللاحق لانضمامها (المادة 126).
وذات الأمر ينطبق على الفلسطينيين، فلو سلمنا جدلا بقبول صك الانضمام من الفلسطينيين، فلن يسري الميثاق علينا قبل انقضاء شهرين على تاريخ وضعنا لصك الانضمام، ولهذا لا يحق للمحكمة ان تنظر في أي جريمة ارتكبت على اراضينا قبل هذا التاريخ، إلا اذا وافقنا بمقتضى صك الايداع على ولاية المحكمة وصلاحيتها بنظر الجرائم التي وقت بأثر رجعي.
ب- نصت المادة 17 من النظام الأساسي على أن المحكمة الجنائية الدولية لا تحل محل الاختصاصات القضائية الوطنية، وإنما تتدخل حصراً حينما لا تتوافر لدى الدول الرغبة في الاضطلاع بالتحقيق والمقاضاة أو القدرة على ذلك، ولهذا تعتبر هذه المحكمة مكملة للقضاء المحلي وليست بديلا عنه في محاكمة مرتكبي الجرائم الداخلة في اختصاصها.
ج- يحق لمجلس الأمن ان يطلب توقف المحكمة عن البدء أو المضي في التحقيق أو المقاضاة بموجب هذا النظام الأساسي لمدة اثنى عشر شهرا، ويمكن له ان يجدد هذا الطلب متى شاء وبشكل متكرر، ما يعني استحالة شروع هذه المحكمة بالتحقيق والمقاضاة الفعلية؛ إلا اذا كان هناك ارادة ورغبة من الدول الاطراف في المجلس.
د- لا يستطيع المدعي العام استنادا للمادة 15 من النظام الأساسي، الشروع في إجراء التحقيق، سوى بعد الحصول على إذن من الدائرة التمهيدية للمحكمة ويمكن لهذه الدائرة بعد دراستها للطلب وللمواد المؤيدة له أن تأذن بالبدء في إجراء التحقيق، أو أن تقرر رفض ذلك.
هـ- حجية وسمو القضاء الداخلي على المحكمة، بحيث لا تستطيع المحكمة ان تنظر في قضية أي متهم منظورة أمام القضاء الداخلي أو صدر بها قرار إدانة أو برأته المحكمة، إلا إذا كانت المحاكمة صورية أو لم تتم المحاكمة وفق معايير النزاهة والاستقلال.
و- يجوز للدولة أن تمتنع عن مساعدة المحكمة وتقديم الوثائق أو كشف أية أدلة إذا ما كانت هذه الأدلة تتعارض مع أمنها الوطني.
ز- يحق للدولة الراغبة في الإنضمام، استنادا للمادة 124 التحفظ على سريان الاختصاص الخاص بجرائم الحرب لمدة سبع سنوات لاحقة على إنضمامها للميثاق، ولهذا اذا ما انضمت إسرائيل للميثاق يمكنها ان تستخدم هذا النص لضمان عدم ملاحقة مجرمي الحرب الإسرائليين.

ولهذا نرى بأن المحكمة الجنائية الدولية، وإن كانت خطوة هامة على صعيد خلق قضاء جنائي دولي دائم، إلا انها بحاجة لوقفات جادة لتصويب الكثير من الثغرات والنقائص القانونية التي اعترت ميثاقها، لضمان فاعليتها وقدرتها على تحقيق العدالة والانصاف وملاحقة ومساءلة مرتكبي الجرائم الدولية. وليس هذا فحسب بل كان لبعض الممارسات الدولية اثرها السلبي على مدى جدية ومكانة هذه المحكمة، وخصوصا ما تعلق منها بإصدار مجلس الأمن القرارين رقم 1487 و1422 المتعلقين بإستثناء الجنود الأمريكان والعاملين في قوات حفظ السلام الدولية من المثول أمام هذه المحكمة، لتطمين الولايات المتحدة والتأكيد على عدم خضوعها لهذه المحكمة، كما ووقعت 40 دولة اتفاقات ثنائية مع الولايات المتحدة لمنح الأمريكيين حصانة بوجه الملاحقة الجنائية.

ولهذا تقتضي الصعوبة العملية التي تقف بوجه الفلسطينيين أمام التوجه لهذا الجسم الدولي، فضلا عن المعوقات التي قد تحول دون ممارسة هذه المحكمة لاختصاصها بمواجهة مجرمي الحرب الإسرائيليين، ان يتم البحث في الامكانيات المتاحة والعملية على صعيد ملاحقة ومساءلة مجرمي الحرب، وهو ما يمكن له أن يتحقق باعتقادنا فقط في استخدام القضاء المحلي للدول الاطراف في اتفاقيات جنيف الأربع.

كيف يمكن للفلسطينيين ملاحقة ومساءلة مجرمي الحرب الإسرائيليين؟

بعد هذا الاستعراض لآليات المساءلة والملاحقة الدولية لمجرمي الحرب، يمكننا القول بأن الآلية المتاحة والممكنة للفلسطينيين، تنحصر بلا شك باستخدام الولاية الجنائية للدول الأطراف باتفاقية جنيف الرابعة، ويرجع الأساس القانوني في استخدام هذه الآلية الملزمة والواجبة التطبيق والتفعيل في مجموع الإلتزامات القانونية التي القتها اتفاقية جنيف الرابعة وأحكام بروتوكول جنيف الأول المكمل لإتفاقيات جنيف الأربع على عاتق الدول الأطراف فيها، ولعل أهم هذه الالتزامات :
• تأكيد مضمون المادة الأولى من إتفاقية جنيف الرابعة على ان تتعهد الأطراف السامية المتعاقدة بأن تحترم هذه الإتفاقية وتكفل إحترامها في جميع الأحوال، بمعنى يجب على جميع الدول الاطراف في هذه الاتفاقية ان تحترم هذه الاتفاقية. وليس هذا فحسب، بل على الدول الاطراف في هذه الاتفاقية واجب ومسؤولية العمل الفاعل والجاد بحسب ما تراه مناسبا من تحميل أية دولة اخلت بهذه الاتفاقية على التراجع والتوقف عن ذلك.

وبالنظر لكون إسرائيل دولة طرف في هذه الاتفاقية، فهنا من واجب الدول الاطراف فيها ان تتحرك بشكل جدي لاجبار إسرائيل على احترام هذه الاتفاقية والالتزام ببنودها وأحكامها المتعلقة بحقوق السكان المدنيين وضمانات حمايتهم.
• الزمت المادة 146 من الإتفاقية على الأطراف السامية المتعاقدة في الاتفاقية بأن تتخذ أي إجراء تشريعي يلزم لفرض عقوبات جزائية فعالة على الأشخاص الذين يأمرون بإقتراف إحدى المخالفات الجسيمة للإتفاقية.
• كما الزم ذات النص كل طرف في هذه الاتفاقية بملاحقة المتهمين بإقتراف المخالفات الجسيمة أو بالأمر باقترافها، وبتقديمهم الى محاكمه، أيا كانت جنسيتهم، وله أن يسلمهم الى طرف متعاقد آخر لمحاكمتهم.
• كذلك الزمت اتفاقية جنيف الرابعة كل طرف متعاقد في هذه الاتفاقية باتخاذ التدابير اللازمة لوقف جميع الأفعال التي تتعارض مع أحكام هذه الإتفاقية.
• الزم بروتوكول جنيف الأول المكمل لاتفاقيات جنيف الأربع، بمقتضى المادة السادسة والثمانون الدول الاطراف فيه بواجب ومسؤولية التدخل لقمع الإنتهاكات الجسيمة التي قد ترتكب واتخاذ الإجراءات اللازمة لمنع كافة الإنتهاكات ألأخرى للإتفاقية والبروتوكول.

وبصدد تطبيق مضامين النصوص والإلتزامات السالفة على الوضع في فلسطين، يمكننا القول بأن الدول الأطراف في إتفاقية جنيف الرابعة وبروتوكول جنيف الاول المكمل لها، ملزمة إستنادا لأحكام وقواعد هذه الإتفاقية بواجب العمل على التدخل الجاد بمواجهة التجاوزات الإسرائيلية الناشئة عن العدوان، سواء على صعيد ملاحقة ومحاكمة مرتكبي الانتهاكات الجسيمة وجرائم الحرب، أو على صعيد وضع التدابير الجماعية التي تكفل وقف هذه الانتهاكات وإجبار اسرائيل على الإلتزام الفعلي بما تضمنته إتفاقيات تقنين قواعد القانون الدولي الإنساني من قواعد وأحكام في علاقاتها ومماراساتها على صعيد الارض الفلسطينية المحتلة.

وإعمالا لهذه القواعد وغيرها من الأحكام القانونية التي تتيح لنا محاكمة الاسرائيليين أو التقدم بشكاوى ضدهم، اقامت العديد من المؤسسات الفلسطينية دعاوى جنائية ضد مجرمي الحرب الإسرائليين في العديد من الدول حيث اقيمت دعوى قبل عدة سنوات من قبل منظمات فلسطينية ومنظمة إسبانية لحقوق الإنسان لاستصدار أوامر اعتقال دولية بحق سبع شخصيات إسرائيلية ضالعين في تصفية مسؤول حركة المقاومة الإسلامية (حماس) صلاح شحادة قبل عدة سنوات، نجم عنه مقتل 15 فلسطينيا بينهم 11 طفلا. وطلبت المنظمة من المحكمة في مدريد إصدار أوامر اعتقال بحق رئيس الوزراء السابق أرييل شارون، ووزير الدفاع الأسبق بنيامين بن إليعازر، ورئيس المخابرات السابق آفي ديختر، ورئيس الأركان الأسبق موشيه بوغي يعلون، وقائد سلاح الجو الأسبق دان حالوتس.

كما أن القائد السابق للجبهة الجنوبية في الجيش الإسرائيلي الجنرال دورون ألموج كاد أن يعتقل في بريطانيا بتهم ارتكاب جرائم حرب ضد المدنيين الفلسطينيين.

ورفعت قضية ضد رئيس الشاباك الأسبق عامي ايالون في هولندا حول مسؤوليته عن تعذيب أسرى فلسطينيين.

كما رفعت دعوى ضد ليفني وزيرة خارجية إسرائيل السابقة أمام المحاكم البريطانية، وأيضا ضد وزير الدفاع براك أمام المحاكم البريطانية.
ورغم عدم تنفيذ أي من هذه القضايا عمليا؛ إلا ان الموضوع قد بدأ يأخذ صدى وجدية على صعيد المجتمع الدولي كما اصبحت فكرة محاكمة المسؤولين الاسرائيليين فكرة غير مرفوضة ومقبولة من المجتمع الدولي ما يقتضي ضرورة استغلال هذا الوضع والنضال للانتقال به من مرحلة العمل النظري الشكلي الى التطبيق الفعلي.
-------
*ناصر الريس: محامي وناشط حقوقي يعمل في مؤسسة الحق، قسم دائرة البحث القانوني والتأثير في السياسات.

الهوامش:

  1. الى جانب المحاكم الخاصة ساهم مجلس الأمن بتشكيل محاكم مختلطة كما هو الحال مع المحكمة الجنائية المحلية في سيراليون التي تشكلت لمحاكمة الرئيس الليبيري تايلور
  2. تنظر المحكمة حالياً في ثلاث قضايا بسيطة تقدمت بها ثلاث دول طلبت منها محاكمة بعض مواطنيها مثل يوغندا التي طلبت محاكمة بعض عناصر جيش الرب، وكذلك فعلت كل من الكونغو وأفريقيا الوسطى.