القدس: التحول الديموغرافي الذي طال أمده سياسة نقل السكان ونظام الفصل العنصري والاستعمار الاحلالي

ورقة مقدمة من بديل إلى مجلس حقوق الإنسان في جنيف- الدورة السادسة عشرة

تحول طال أمده، تدعمه شبكة من القوانين، والسياسات والمراسيم الإسرائيلية، انه عملية من التهجير القسري والطرد عبر استخدام سياسات نقل السكان في ظل نظام الفصل العنصري والاستعمار الاحلالي.

قوانين إسرائيل التمييزية المتعلقة بالأراضي تشكل ركيزة لنظام الفصل العنصري الاستعماري، وتمثل عنصرا أساسيا في سياسة نقل السكان. إن جميع قوانين الأراضي الإسرائيلية والتي شرعت منذ قانون أملاك الغائبين1 لعام1950، عملت على مصادرة الأراضي الفلسطينية المملوكة فرديا وجماعيا، ونقل الملكية إلى "دولة إسرائيل اليهودية" أو الوكالات التابعة للحركة الصهيونية العالمية والوكالة اليهودية، وذلك لإنشاء نظام خاص بالأرض التي تحفظ ل "المواطنين اليهود" الحق في الأرض كما يحددها قانون العودة. وبذلك، تم تجريد المواطنين الفلسطينيين الأصليين واللاجئين المحرومين من الوصول إلى أراضيهم واستخدامها من حقوقهم في أراضيهم وصولا إلى حرمانهم من التعويض. اليوم، تعود ملكية 93% من الأراضي في إسرائيل للدولة أو للوكالات الصهيونية شبه الحكومية او التابعة للدولة (مثل الصندوق القومي اليهودي) وتديرها سلطة أراضي إسرائيل.

وقد شكلت مدينة القدس هدفاً رئيسياً لسياسات إسرائيل في نقل السكان منذ عام 1948، سواء من حيث الأولوية الاستيطانية اليهودية، أو من حيث النقل القسري للسكان الفلسطينيين. هناك عناصر عديدة ومتشابكة تشكل أداة السيطرة التي تهدف إلى تهويد القدس من جهة، لتطهيرها عرقيا من سكانها الفلسطينيين الأصليين من ناحية أخرى. في هذا التقرير، يتفحص بديل هذه السياسات التي تهدف إلى النقل والتهجير القسري للفلسطينيين. هذه السياسات تشمل الوضعية الضعيفة للفلسطينيين المقدسيين، ومصادرة الأراضي، وسياسات التخطيط العمراني العنصرية، وسياسة هدم المنازل الممأسسة.

أ. المقيمون، غير المواطنين، المعرضون دائما للتهجير

منذ أن أنشئت دولة إسرائيل من قبل الحركة الصهيونية، سعت إسرائيل للاستيلاء على اكبر قدر من الأرض الفلسطينية بأقل عدد ممكن من السكان الفلسطينيين وتم إسباغ وضع الأجنبي كوضع قانوني على المواطنين الاصليين بهدف تقويض قدرتهم على البقاء في المنطقة.2

على الرغم من ضم إسرائيل لمنطقة القدس المحتلة عام 1967، والذي يشكل انتهاكا للقانون الدولي، لم يمنح سكان المدينة الفلسطينيين الجنسية الإسرائيلية بشكل تلقائي. على العكس من ذلك، فقد فرض على هؤلاء الفلسطينيين وذرياتهم الذين تم تسجيلهم في إحصاء عام 1967 بطاقة الإقامة الدائمة في القدس، وأعلنت الوزارة "أن الإقامة الدائمة، على عكس المواطنة، هي مسألة رهن بالظروف التي يعيشها الفرد، وعندما تتغير الظروف، يتم سحب تصريح الإقامة، وينتهي حقهم بالتواجد في المدينة. فعلى سبيل المثال، الفلسطينيون الذين يعيشون خارج المدينة لعدة سنوات يفقدون حقهم في العيش في المدينة، ويتم إجبارهم على إخلاء منازلهم".3

ومنذ ذلك الحين، على الفلسطينيين أن يثبتوا أن القدس هي "مركز حياتهم" بغض النظر عما إذا كانوا يعيشون في المناطق المجاورة، في الضفة الغربية أو حتى في الخارج، وان حدث ذلك فإنهم لا يتمكنون من حمل جوازات سفر أخرى أو إقامة دائمة من دول أخرى.4 في عام 2008 وحده، ألغت إسرائيل 4577 تصريح إقامة لمقدسين،5 وبين كانون الثاني 2009 وتموز من العام 2010 تم إلغاء 721 تصريحا آخر، بما فيها 108 تصاريح إقامة في الدولة.6 هذه السياسة التي تتصف بـ "الترحيل الهادئ" غيرت الكثير من التكوين الديموغرافي لمدينة القدس، وتمثل مؤشرا متزايدا في اتجاه نقل وتهجير السكان بشكل قسري.

ب. مصادرة الأراضي الفلسطينية:

توظف إسرائيل العديد من الآليات والقوانين في سبيل مصادرة الأراضي الفلسطينية العامة والخاصة، وتتلخص هذه الآليات فيما يلي:
• الأراضي المسجلة لدى الحكومة الأردنية: 687 كيلومتر مربع تمت مصادرتها عام 1967 او بعد ذلك بفترة وجيزة. هذه المصادرة تشمل ما يقارب 25-30 كيلومتر مربع من الأراضي التي يملكها اليهود قبل عام 1948، وكانت تدار من قبل حارس أملاك الملكية الأردنية، لا سيما في مستعمرة غوش عتصيون ومنطقة القدس الكبرى.
• نزع الملكية للمنفعة العامة: تطبق هذه السياسة بشكل أساسي في منطقة القدس المحتلة والتي ضمتها إسرائيل (حيث يتم تطبيقها بناء على المرسوم البريطاني للعام 1943)، حيث صودر 24.5 كيلومتر مربع والتي تشكل ثلث المنطقة التي ضمتها إسرائيل بالفعل، و 30 كيلومتر أخرى تمت مصادرتها لصالح مستعمرة معالي ادوميم (1975)، وللطرق الالتفافية المخصصة للمستوطنين.
• الاستيلاء للمنفعة الخاصة "السوق الحرة": يتم هذا بشكل أساسي من قبل الصندوق القومي اليهودي، الوكالة اليهودية، وأصحاب المشاريع الخاصة، وقدرت الأراضي المصادرة عام 1983 بـ100 كيلومتر مربع.

فيما تشتمل هذه الآليات على أساليب وطرق أخرى، كمسح الأراضي، وإلغاء الإجراءات القانونية من خلال لجنة الاستئناف العسكرية، الإعلان عن الأراضي كأراضي دولة، أو العلان عنها كأملاك غائبين، هذا بالإضافة إلى ضم الأراضي الفلسطينية الخاصة إلى أراضي إسرائيل.7

في مطلع شباط من العام 2011، وافقت لجنة التخطيط والبناء في القدس، على خطط تنموية جديدة لمستوطنتين جديدتين في منطقة قبانيات أم هارون في الشيخ جراح في القدس الشرقية. هذه "التنمية" ستؤدي إلى نزع ملكية 60 فلسطينيا، الذين سيفقدون منازلهم،حيث سيكون هناك 500 فلسطيني آخرين عرضة للتهجير القسري والنقل.8

ج. سياسات التخطيط والعمران العنصرية:

والهدف من هذه السياسات واضح في القدس والقدس الشرقية بشكل خاص. وهو الحفاظ على اليهود كأغلبية ديموغرافية مطلقة. في الخطة الأخيرة لبلدية القدس: "القدس 2000"، أعربت السلطات الإسرائيلية عن رغبتها في الحفاظ على أغلبية اليهود البالغة 70% في المدينة. وعلاوة على ذلك، ولأن التوازن سيميل بنسبة 60:40 بحلول العام 2020، قدمت الخطة عددا من المعايير لتمكين "أغلبية يهودية في المدينة، وتلبية احتياجات الأقلية العربية"،9 وتقوم هذه السياسات على بعدين: المعاملة المميزة للمواطنين اليهود و/ أو المعاملة العنصرية للسكان الفلسطينيين في القدس.

بشأن رخص البناء تتبع بلدية القدس سياسة ترفض من خلالها جميع الطلبات الفلسطينية تقريبا على أساس سياسي. وفي حين أن إسرائيل تقدم خدمات تخطيط المدن لمواطنيها مجانا، فقد وظفت الأحياء الفلسطينية العديد من المخططين لتطوير خطط تقدم اقتراحات لبلدية القدس، ووفقا لمؤسسة "مراقبة حقوق الإنسان Human Rights Watch، لم تقم بلدية القدس بقبول أي من هذه الخطط.10

بالإضافة إلى ذلك، فأن خطط ما يسمى "متحف التسامح" فوق مقبرة مأمن الله الإسلامية توضح السياسات العنصرية الإسرائيلية، في مخالفة لموقف مجلس حقوق الإنسان في قراره رقم A/HRC/13/L.29، آذار 2010، الذي أدان تدنيس المقبرة، وطلب وقف مثل هذه الإجراءات ضد الأماكن المقدسة في مدينة القدس وتحديدا في مقبرة مأمن الله. لا زالت إسرائيل تدنس هذه المقبرة بشكل ممنهج، ففي كانون الثاني من العام 2011، أعطت المحكمة الإسرائيلية العليا الإذن لبلدية القدس بهدم 200 شاهد/قبر آخر من شواهد المقبرة التاريخية.
وتمهيدا لتوسيع أكبر مستوطنة في القدس الشرقية، هدمت سلطات الاحتلال الإسرائيلي جزءا من فندق شيبرد في حي الشيخ جراح، حيث صادرت إسرائيل الفندق الذي بني في الثلاثينات، بموجب قانون أملاك الغائبين وحولت ملكيته إلى منظمة للمستوطنين11 عام 1985.

أما في حي كرم الجاعوني، تم طرد العائلات الفلسطينية بشكل متزايد لإفساح المجال أمام توسيع المستوطنات، حيث تم طرد 60 فلسطينيا حتى الآن، وهنالك خطة لهدم 28 منزلا فلسطينيا لإفساح المجال لبناء مستوطنة جديدة.12
 

د. سياسة هدم المنازل:

سويا؛ الخطط العمرانية التنموية الإسرائيلية العنصرية وحالة الخنق للفلسطينيين المقدسيين، بالإضافة إلى مصادرة الأراضي الفلسطينية العامة والخاصة تجري بالتزامن مع سياسة هدم منازل الفلسطينيين، وبشكل منظم ومؤسس. ففي المناطق غير المخصصة للبناء في القدس، يمنع إصدار رخص البناء بشكل تام، مما يؤدي إلى تدمير واسع النطاق للممتلكات التجارية والشخصية، فضلا عن تشريد الآلاف من الفلسطينيين. خلال الفترة ما بين العام 2000 وحتى العام 2008، هدمت سلطات الاحتلال الإسرائيلية 670 منزلا فلسطينيا في القدس الشرقية بحجة عدم وجود تصاريح بناء.13 وفي هذه الفترة أيضا، تم تشريد آلاف الفلسطينيين، ومع بداية عام 2011، هدمت سلطات الاحتلال الإسرائيلية 28 مبنى فلسطينيا.14

النمو السكاني الطبيعي للفلسطينيين في القدس يتطلب بناء 1500 وحدة سكنية جديدة سنويا. ومع ذلك، في عام 2008 أصدرت السلطات البلدية 125 رخصة لبناء 400 وحدة سكنية فقط.15 وقلصت إسرائيل الأراضي المؤهلة للتخطيط والبناء، بإعلان عدة مناطق على أنها "مناطق خضراء"، والتي يحظر فيها البناء وتقدر ب (22%)، وحظرت البناء في (35%) من المساحة المتاحة وذلك عن طريق اشتراط دخول المنطقة في مناطق التخطيط مسبقا، وتخصيص (30%) من مساحات معينة من الأراضي الفلسطينية لبناء المستوطنات؛ مما يقلل مجموع الأراضي المؤهلة للتخطيط والبناء الى 13% وحتى 9.18% أو ما يقارب 17 كيلومتر مربع.16

خلاصة:

يحث بديل الدول الأعضاء في مجلس حقوق الإنسان على ما يلي:
1. الاعتراف بان سياسات إسرائيل في القدس من نقل للسكان واستعمار احلالي تشكل نظام فصل عنصري.
2. إدانة إسرائيل، ومطالبتها بوقف سياسات نقل السكان وفقا لاتفاقية جنيف الرابعة.
3. إدانة نظام الفصل العنصري الإسرائيلي، لانتهاكه قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 3068 عام 1973، والاتفاقية العامة لقمع ومعاقبة مرتكبي جريمة الفصل العنصري. ودعوة إسرائيل للكف عن أفعالها التدنيسية لمقبرة مأمن الله وكذلك جميع الإجراءات الأخرى ضد باقي الأماكن المقدسة في القدس الشرقية وما حولها.
4. دعوة إسرائيل إلى وقف سياسة إلغاء حق الإقامة للسكان الفلسطينيين في القدس الشرقية.

--------------

الهوامش:

 قانون أملاك الغائبين 5710 – 1950           

 Badil supra note v. See also Laws of the State of Israel, vol. 21, 5727-1966/67: pp. 75-76.

 مرجع سابق

 " مراقب حقوق الإنسان"، مرجع سابق 48

 مرجع سابق

 http://www.jcser.org/index.php?option=com_content&view=article&id=575:revocation-of-palestinian-residency-rights-in-jerusalem-until-june-2-2010-&catid=12:fact-sheets-&Itemid=6

 بيتسيليم " عبر هوك وكروك: سياسة الاستيطان الاسرائيلي في الضفة الغربية" تموز 2010.

 أنظر: http://www.ochaopt.org/documents/ocha_opt_protection_of_civilians_weekly_report_2011_02_11_english.pdF

 "مراقب حقوق الإنسان"، مرجع سابق 34

 مرجع سابق

 http://www.ochaopt.org/documents/ocha_opt_the_monthly_humanitarian_monitor_2011_02_11_english.pdf

مرجع سابق

 "مراقب حقوق الإنسان"، مرجع سابق 49

 http://www.ochaopt.org/documents/ocha_opt_protection_of_civilians_2011_02_04_english.pdf

 "مراقب حقوق الإنسان"، مرجع سابق 132

 مرجع سابق