عرفتُ بديل/ المركز الفلسطيني لمصادر حقوق المواطنة واللاجئين كصديق وكعضو في لجنة أصدقاء بديل وكانت بدايات متواضعة لأكتشف مؤسسة تعمل كخلية نحل أدارياُ ونظامياً ومعرفياً، لا تهدأ، تطرح الأسئلة وتغوص في الأعماق وتسبح في كل الآفاق لتبحث عن الأجوبة. وكلاجئ فلسطيني أخذتني مؤسسة بديل بنشاطاتها الكثيرة المتفوقة إلى وجع الماضي وقهر الحاضر ووضعتني أمام سؤال الهوية، ودفعتني لترميم الذاكرة في ظل سياسات الطمس والتغييب وفرض الأمر الواقع الذي تنفذه سياسات الاحتلال كي ننسى، أن لنا امتدادات في أرض هي لنا وحكايات تدل علينا وان مفاتيح بيوتنا التي يحتفظ بها أجدادنا قد أصبحت هي مفاتيح المقاومة والبحث عن الذات والكينونة وعن أسطورتنا الإنسانية مبعث وجودنا الواعي في مواجهة مخططات التطهير العرقي وتصفية حقوقنا الثابتة من التاريخ والجغرافيا.

وعميقاً في أنشطة وبرامج مؤسسة بديل، وجدت أنها المؤسسة الوحيدة في هذا الوطن التي حملت بجدية وبعملية قضية اللاجئين سياسياً وقانونياً وثقافياً وطرحتها على كل المستويات المحلية والإقليمية والدولية، لتقيم شبكة من العلاقات واللجان المتخصصة التي ساهمت في إيقاظ العالم والمجتمع الدولي على جرائم الاحتلال الإسرائيلي بحق اللاجئين الفلسطينيين في حرب 1948، وما نتج عن ذلك من مآسي ومصائب فردية وجماعية وضياع للحقوق السياسية والإنسانية.     

إن مؤسسة بديل أكبر من كونها مؤسسة دراسات وأبحاث بل هي مؤسسة سياسية دخلت أكثر الدوائر توتراً في الصراع القائم حملت بصدق راية حق اللاجئين بالعودة إلى ديارهم التي طردوا قسراً منها كأساس ثابت لأي سلام حقيقي على هذه الأرض. ومن خلال نشاطاتها الفكرية وورشات عملها ومنشوراتها ومؤتمراتها المختلفة، واجهت مؤسسة بديل الأسطورة الصهيونية وادعاءاتها الكاذبة والمضللة، وردت على الإعلام والخطاب الإسرائيلي المخادع الذي حاول تزييف الحقائق والتهرب من المسؤوليات التاريخية والأخلاقية عما جرى للاجئين الفلسطينيين.   

ولست مبالغاً إن قلت أن مؤسسة بديل تعمل بحجم دولة في قضية حساسة كقضية اللاجئين التي تعتبر جوهر ولب الصراع في المنطقة، حيث أصبحت مؤسسة بديل مرجعاً ومصدراً لكل السياسيين والمفاوضين والباحثين، وفي نفس الوقت، شوكة حادة في حلق الاحتلال ومؤسساته العسكرية والأمنية التي راهنت على تلاشي الذاكرة الفلسطينية والقبول بإملاءات القوة والأمر الواقع.

لقد أصبحت مؤسسة بديل مرشداً لكل اللاجئين الفلسطينيين للتعرف على حقوقهم ومكانتهم القانونية والسياسية، ومنبراً جريئاً للرد على الرواية الصهيونية المليئة بالأضاليل، وخاصة على هؤلاء الباحثين والمؤرخين الذين حاولوا أن ينفوا الوجود الحضاري والإنساني للفلسطينيين في أرضهم ووطنهم.

ولن أنسى أن هذه المؤسسة لعبت دوراً هاماً في تعريف الأجيال الفلسطينية (أجيال ما بعد النكبة) خاصة الطلبة، على وطنهم المسلوب من خلال رحلات نظمتها المؤسسة إلى القرى المهجرة لتكتشف هذه الأجيال جذور أجدادها هناك وتلتقط الصور مع الصبار والتين والمدرسة والحجارة الباقية. وكذلك في المسابقة العالمية والأولى من نوعها التي بدأت تنظيمها بديل تحت اسم "جائزة العودة" في مجال القصة والرواية والبحث والفن التشكيلي والأفلام والقصة الصحفية المكتوبة لتساهم أكثر في محاصرة أعداء الحرية وتنشر الوعي الوطني والسياسي لجماهيرنا ولدى العالم الذي خدع طويلاً بالرواية الصهيونية.

إن جريدة "حق العودة" التي تصدر بشكل دوري في جريدة الأيام (رام الله) وجريدة الاتحاد (حيفا)، قد أصبحت منبراً حراً لكل الأقلام والأفكار والآراء ومصدر تعريف عن الحقائق والمعلومات والأطروحات السياسية المتعلقة بقضية اللاجئين، ومواكبة في ملفاتها للتطورات المتعلقة بهذه القضية على كل المستويات.

لقد خطت مؤسسة بديل خطوات متقدمة بقدرتها على التخطيط لوضع مساق تعليمي في جامعة القدس أبو ديس حول الجانب القانوني لحق عودة اللاجئين وتعتبر هذه الخطوة رائدة وهامة على طريق نشر الوعي القانوني لقضية قانونية كبيرة ومقدسة لدى طلبتنا وأجيالنا الفلسطينية.

وان كان هناك توصيات في هذا السياق فانه من المهم أن تسعى مؤسسة بديل وبالتعاون مع كافة مؤسسات المجتمع المدني والمؤسسات الرسمية لوضع مساق تعليمي في مدارسنا الفلسطينية حول اللاجئين وحق العودة. وكذلك أتمنى أن تستطيع بديل إنشاء معهد تعليمي وتوثيقي ودراسي ومتخصص في مسالة اللجوء بكافة أبعاده القانونية والاجتماعية والسياسية.

انه من الصعب أن أكتب عن عشرة سنوات من عمر مؤسسة فاعلة في صفحات قليلة، ولو أتيح للمرء أن يلقي نظرة على مكتبة ومطبوعات مؤسسة بديل ويشارك في عمل لجانها وندواتها ويقرأ منشوراتها سيجد نفسه في مؤسسة كبيرة ذات امتداد جماهيري وذات رؤية واضحة قانونياً وسياسياً، بل سيجد نفسه في معركة واشتباك دائم في ميدان صراع شديد بين الحق والقوة، بين المعرفة والخداع. إنها مؤسسة ضد دولة احتلال، تهتم بذاكرة الإنسان الفلسطيني كمصدر قوة في مواجهة سياسات التدمير والتغييب والنسيان.

وأخيراً وبعد عشر سنوات، تستحق هذه المؤسسة، فلسطينية الوجه وإنسانية الاتجاه والمتجذرة في الموقف والانتماء كل التقدير والاحترام والوفاء... أنها مؤسسة بحجم حق العودة.

___________________

الكاتب عيسى قراقع هو عضو المجلس التشريعي الفلسطيني، وعضو لجنة الرقابة في مركز بديل، والمدير السابق لنادي الأسير الفلسطيني. لقراقع العديد من الإصدارات البحثية والأدبية خصوصا حول قضية الأسرى الفلسطينيين.