أخبار بديــل
بينما يتعرض الفلسطينيون في قطاع غزة لمجاعة ممنهجة من المنظومة الإسرائيلية بدعم مباشر من الولايات المتحدة، يتضمن مشروع بقيمة 2 مليار دولار، نسقته هذه المنظومة وبدعم مما يُعرف بـ “منظمة غزة الإنسانية" المدعومة من الولايات المتحدة، عن خطط لإنشاء معسكرات تهجير جماعي للفلسطينيين في غزة. وبحسب ما أعلنه وزير الحرب الإسرائيلي، سيتم بناء ما تسمى بـ "مناطق العبور الانسانية" خلال فترة وقف إطلاق النار المفترضة القادمة، والتي ستستمر لمدة 60 يوماً. إلا أن هذه المواقع، في حقيقتها، ليست سوى محطّات لاحتجاز الفلسطينيين، تمهيدًا لتهجيرهم قسرًا تحت غطاء "الهجرة الطوعية".
وفيما تواصل كل من الولايات المتحدة والمنظومة الاستعمارية الإسرائيلية تنفيذ مشروع التطهير العرقي في قطاع غزة، تواصل الدول التهرب من الوفاء بالتزاماتها القانونية والأخلاقية بفرض العقوبات، بل وتمضي في تعميق تواطؤها مع جرائم المنظومة الاستعمارية الإسرائيلية.
وقد صرح وزير الحرب الإسرائيلي، كاتس، بشكل علني أن الخطط الأولية تستهدف البدء بتهجير 600 ألف فلسطيني، وصولًا إلى تهجير كامل سكان قطاع غزة البالغ عددهم نحو مليوني نسمة. ووفقًا لهذه الخطط، فإن من يتم "فحصهم والموافقة عليهم" سيتم احتجازهم قسراً فيما يسمى بـ "المدن الإنسانية"، وهي في الواقع عبارة عن معسكرات مسيّجة خاضعة للسيطرة العسكرية الأميركية-الإسرائيلية المباشرة، حيث يُمنع السكان من مغادرتها، الا إذا انخرطوا في مشروع "الهجرة الطوعية" الذي تروج له المنظومة الإسرائيلية، والذي لا يعني في الواقع سوى التهجير القسري خارج قطاع غزة.
كما قال نتنياهو خلال زيارته للبيت الأبيض: "نحن نعمل مع الولايات المتحدة بشكل وثيق للغاية لإيجاد دول" تستقبل اللاجئين الفلسطينيين من قطاع غزة، فيما زعم ترامب قائلاً: "لقد حصلنا على تعاون كبير من... الدول المحيطة".
اما من يرفضون الذهاب إلى "المدن الإنسانية" فيُحكم عليهم فعلياً بالموت: ففي المناطق التي تُصنّف كـ “مناطق عسكرية" وتشمل ما يقارب 85% من مساحة قطاع غزة الخاضعة لأوامر تهجير قسري، سيتعرض السكان الفلسطينيين للقصف المستمر، والاستهداف، والتجويع. اما من يُحتجز داخل هذه المعسكرات فهم من "سيُستثنون من الهجوم" فقط - بحسب ما أعلنته المنظومة الإسرائيلية صراحةً. لكن بالنظر الى سجلها الطويل من الخداع والتضليل – من الممرات الإنسانية الزائفة، الى استهدافها للمدنيين أثناء محاولاتهم الإخلاء، وقصفها لمراكز الإيواء التابعة للأمم المتحدة – فإن هذه الوعود لا تحمل أي مصداقية.
مرةً أخرى، يُجبر الشعب الفلسطيني في قطاع غزة على الاختيار ما بين التهجير القسري أو الموت. إن إجبار الفلسطينيين على دخول المعسكرات، سيزيد من تعرضهم للقمع من قبل المنظومة القمع الإسرائيلية، بما يشمل المعاملة اللاإنسانية والمهينة، والتعذيب، والعنف الجنسي، والقتل.
يأتي هذا المقترح الأخير بعد فشل المنظومة الإسرائيلية في تحقيق هدفها المعلن، وهو تفكيك المقاومة، مما ادى الى كشف حدود قدراتها وقوتها، وفشل المنظومة الاسرائيلية العسكري والسياسي في القضاء عليها. واليوم، تتجه هذه المنظومة نحو استراتيجية جديدة تقوم على عزل المقاومة عن شعبها، من خلال الاحتجاز الجماعي للفلسطينيين فيما يسمى معسكرات العبور الانسانية، تمهيدًا لتهجيرهم قسراً الى خارج قطاع غزة.
ان خطط التطهير العرقي تشمل تورطاً مباشراً من العديد من الهيئات دولية، لذا لم يكن مستغربًا أن يُعلن الاتحاد الأوروبي مؤخرًا عن اتفاق لدعم زيادة توزيع المساعدات في قطاع غزة. فبدلًا من الوفاء بالتزاماته القانونية بفرض العقوبات على المنظومة الإسرائيلية، ودعم منظومة الإغاثة الإنسانية وفق وعبر آليات الأمم المتحدة، أبرم الاتحاد الأوروبي اتفاقًا مع هذه المنظومة لتوسيع كمية المساعدات ونطاق توزيعها داخل القطاع.
وفي خطوة مماثلة تهدف إلى إنقاذ ما تبقى من مصداقيتها، اقترحت "منظمة غزة الإنسانية" نهجًا جديدًا لتوزيع المساعدات، بحيث يتم التنسيق مع "قادة المجتمع"، بدلًا من الاكتفاء بتوزيعها في المواقع العسكرية المحددة جنوب القطاع.
ان هذه الإجراءات ليس سوى محاولات لاحتواء الانتقادات الواسعة الموجهة لكل من الاتحاد الأوروبي و"منظمة غزة الإنسانية" لكنها في جوهرها تجسّد فشل الدول والاتحاد الأوروبي، واستمرار تواطؤهم من خلال التهرب المتعمد من اتخاذ خطوات عملية ومباشرة لوقف الإبادة الجماعية الإسرائيلية، ووقف عسكرة المساعدات الإنسانية عبر "منظمة غزة الإنسانية".
بغضّ النظر عن الكيفية التي تحاول بها المنظومة الإسرائيلية والإدارة الأميركية تجميل مخططاتهما المتعلقة بقطاع غزة، فإن الهدف الحقيقي يبقى واحداً: وهو تطهير الفلسطينيين عرقياً من قطاع غزة. اما "محادثات وقف إطلاق النار" فتُستخدم مرة أخرى كغطاء لاستمرار الإبادة الجماعية ولترسيخ الوجود العسكري الإسرائيلي في القطاع، بينما يستمر فشل الدول في الوفاء بالتزاماتها القانونية، وفرض العقوبات على إسرائيل ومقاطعتها مثل وقف اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي والنظام الإسرائيلي.
وفي ظل هذا التواطؤ الدولي، لا يزال الشعب الفلسطيني في قطاع غزة يُواجه خيارين: اما الموت أو التهجر قسرياً.