أخبار بديــل
في العاشر من كانون الأول 1948، تم اعتماد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان؛ والذي حدد الحقوق الأساسية التي يتمتع بها الأفراد بموجب القانون الدولي، بما في ذلك الحقّ في العودة. وفي اليوم التالي مباشرة، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة القرار 194، الذي يؤكد على حقّ اللّاجئين الفلسطينيين والمهجّرين داخليًا في جبر الأضرار التي لحقت بهم (الحقّ في العودة إلى ديارهم، واستعادة الممتلكات، والتعويض، وإعادة التأهيل الاجتماعي والاقتصادي). وبعد 76 عامًا، لا يُحرم الشعب الفلسطيني من تحقيق هذه الحقوق فحسب، بل يواجه أيضًا حملة تصفية واسعة النطاق تستهدف وضعهم كلاجئين ووكالة الأمم المتحدة المكلفة بحماية حقوقهم الأساسية وكرامتهم، الأونروا. هذا التهديد لقضية اللاجئين الفلسطينيين وحقوقهم المنصوص عليها في القانون الدولي، والذي تضاعف بسبب الإبادة الجماعية المستمرة في قطاع غزة، تم تدعيمه عبر تواطؤ الدول الاستعمارية مع "إسرائيل" وتمكينها على نحو دائم من الإفلات من العقاب. هذا بالإضافة الى تقاعس الجهات المسؤولة الأخرى عن اتخاذ خطوات عملية في مواجهة ذلك.
لقد تم مناقشة وكتابة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 أثناء نكبة عام 1948 من قبل ممثلي نفس الدول، الأمر الذي أثر في نهاية المطاف على صياغة الوثائق. وقد شمل ذلك المادة 13 (2) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان التي تنص على أن "لكل فرد الحق في مغادرة أي بلد، بما في ذلك بلده، والعودة إلى بلده" والقرار 194 الذي يؤكد على الحق الأساسي للاجئين الفلسطينيين في جبر الاضرار التي لحقت بهم، بما في ذلك العودة إلى ديارهم الأصلية. وعلى الرغم من تأثير التهجير القسري للفلسطينيين على نص المادة 13 (2) من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان في حينه، الا إن حقهم في العودة لم يتحقق بعد.
وعلى العكس من ذلك، لا يزال الفلسطينيون يواجهون سياسة التهجير القسري الممنهجة من قبل منظومة الاستعمار والفصل العنصري الاسرائيلي كجزء من النكبة المستمرة. ففي قطاع غزة، تستخدم "إسرائيل" التهجير القسري كأداة في إبادتها الجماعية، حيث يواجه الفلسطينيون أكبر موجة تهجير منذ عام 1948. وقد أدت أوامر "الإخلاء" التي أصدرتها المنظومة الاسرائيلية والقصف المستمرين إلى تهجير 1.9 مليون فلسطيني قسراً، غالبيتهم من لاجئي عام 1948. وكما فعلت الميليشيات الصهيونية في النكبة عام 1948، تنفذ المنظومة الإسرائيلية تدمير المنازل والمستشفيات والمدارس والمخابز والمزارع وجميع مظاهر الحياة، لجعل قطاع غزة منطقة غير صالح للعيش، ولتمنع المهجرين واللاجئين قسرياً من العودة إلى منازلهم. أما في الضفة الغربية وشرق القدس، ومنذ بدء حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية في تشرين الأول 2023، تم تهجير أكثر من 6300 فلسطيني قسراً من منازلهم.
إن أحد أهم الضمانات لقضية اللاجئين الفلسطينيين هي الأونروا، وهي وكالة تابعة للأمم المتحدة والمكلفة بتقديم المساعدات والخدمات للاجئين الفلسطينيين حتى تنفيذ القرار 194. ومنذ بداية حرب الإبادة الجماعية، صعّدت "إسرائيل" حملتها لتفكيك الأونروا واستبدالها. ففي تشرين الاول 2024، أقرّ الكنيست الإسرائيلي قانونين من شأنهما أن يؤديا في نهاية المطاف إلى إنهاء وجود الأونروا وعملها في فلسطين الانتدابية، ومن المتوقع أن يدخلا حيز التنفيذ في كانون الثاني 2025. كما برزت هجمات المنظومة الإسرائيلية على الوكالة بشكل ملموس، حيث قتلت 251 موظفا من موظفي الأونروا والحقت الضرر ب 190 من منشآتها. كل هذه السياسات تخدم أهداف "إسرائيل" للاستمرار بتنفيذ الإبادة الجماعية، ولتهجير أولئك الذين لم تقتلهم الى خارج قطاع غزة قسرياً، وفي نهاية المطاف القضاء على الأونروا وعلى قضية اللاجئين الفلسطينيين وحقوقهم.
وخلال النكبة المستمرة، والإبادة الجماعية في قطاع غزة، وفي مواجهة حملة تفكيك وكالة تابعة للأمم المتحدة، لم تفعل الدول شيئًا سوى تقديم تصريحات كلامية للأمم المتحدة وللمبادئ المنصوص عليها في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. حيث لم ترفض الدول الاستعمارية الغربية تطبيق القانون الدولي وآليات المساءلة التابعة للأمم المتحدة على "إسرائيل" فحسب، بل ساعدت أيضًا وشجعت باستمرار القوانين والسياسات التي تمارسها "إسرائيل" المتعلقة بالتهجير القسري، وبالتالي رسخت منظومة الاستعمار والفصل العنصري الاسرائيلي على الشعب الفلسطيني. عندما أقرت "إسرائيل" قوانين حظر وجود وعمل الأونروا، لم تقدم الدول إلا مجرد تعبيرات عن "قلقها" وإداناتها. إن تقاعس الدول وتواطؤها في مواجهة فجوة الحماية المتزايدة للاجئين الفلسطينيين يتناقض مع جميع الالتزامات القانونية والأخلاقية التي يجب أن تلتزم بها. ويزداد التهديد الذي تواجهه الأونروا وقضية اللاجئين الفلسطينيين مع إعادة انتخاب ترامب، حيث أن تنفيذ رؤيته، حسب "صفقة القرن"، سيشمل نقل مهام وخدمات الأونروا إلى الدول المضيفة والمنظمات الدولية غير المفوضة، وإنكار لحقوق اللاجئين الفلسطينيين في العودة واستعادة الممتلكات والتعويض.
وعليه، يدعو مركز بديل المجتمع الدولي – الدول والمنظمات الدولية بما فيها الأمم المتحدة، وكذلك المؤسسات غير الربحية والقطاع الخاص – إلى اتخاذ إجراءات حاسمة ومباشرة لفرض وقف إطلاق النار في غزة، وحماية الأونروا وحقوق اللاجئين والمهجرين الفلسطينيين، حتى إنهاء الاستعمار في فلسطين. وهذا يشمل التعامل مع "إسرائيل" باعتبارها منظومة استعمار-وفصل عنصري، وتقديم الدعم لحركة التحرير الفلسطينية، وفرض عقوبات شاملة على "إسرائيل"، أي عقوبات اقتصادية وسياسية وعسكرية. كما ويدعو مركز بديل القيادة الفلسطينية والقوى والمنظمات السياسية على رفض وتجريم إجراءات ومشاريع استبدال الأونروا. أما بالنسبة لحركة التضامن، فإننا نؤكد على أهمية تصعيد تحركاتكم للضغط على الحكومات لفرض وقف إطلاق النار، وإنهاء تواطؤها في حرب الإبادة الجماعية التي ترتكبها "إسرائيل"، ولتنفيذ القرار 194.
