أخبار بديــل

حماية الاونروا وضمان وجودها واستمرار خدماتها هو التزام يقع على عاتق جميع الدول
حماية الاونروا وضمان وجودها واستمرار خدماتها هو التزام يقع على عاتق جميع الدول

بالأمس، 29 تشرين اول 2024، اقر الكنيست الإسرائيلي بشكل نهائي تشريعين من شأنهما أن يؤديا إلى إنهاء وجود الاونروا وعملها في فلسطين الانتدابية بما في ذلك الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967. تشكل هذه القوانين الجديدة العنصر الاحدث في الحملة الإسرائيلية ضد الاونروا لتفكيكها، والتي من الواضح سيستتبعها استبدال الاونروا بوكالات ومنظمات دولية أخرى لا تملك تفويضا أمميا. وعلى مدى عقود، ما تزال المنظومة الإسرائيلية تنتهك مسؤولياتها كدولة عضو في الأمم المتحدة دون أي عقاب، لذا فأنه ليس مفاجئًا أنها الان قررت حظر عمل الأونروا وخدماتها ووجودها في فلسطين الانتدابية رسمياً. إن وجود الاونروا واستمرار خدماتها، وخاصة مع استمرار حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية على قطاع غزة، ليس ضروريًا لإنقاذ الأرواح فحسب، بل هو حق للاجئين الفلسطينيين لحين العودة. لذلك تسعى المنظومة الإسرائيلية من خلال هذه القوانين إلى تحقيق هدفها الاستراتيجي النهائي وهو: القضاء على قضية اللاجئين الفلسطينيين. وعليه، على الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، بشكل فردي وجماعي، الوفاء بالتزامها باتخاذ كل التدابير والاجراءات العملية لحماية الأونروا وضمان قدرتها على الوفاء بولايتها، الآن وحتى عودة اللاجئين الفلسطينيين - وهذا يشمل تمكينها من أداء جميع خدماتها في جميع مناطق عملياتها - بغض النظر عن صدور القوانين الإسرائيلية الجديدة ضد الاونروا.

 

يحظر القانون الإسرائيلي الأول، والذي يحمل العنوان: "قانون وقف أنشطة الأونروا"، والذي دخل حيز التنفيذ في 7 أكتوبر 2024، أي اتصال مباشر أو غير مباشر بين المسؤولين الإسرائيليين والأونروا. بالتالي، فان هذا القانون ينهي من جانب واحد الاتفاق التنظيمي لعام 1967 بين منظومة الاستعمار والفصل العنصري الإسرائيلي والأونروا، والتي وافقت فيه "إسرائيل" على حماية موظفي الأونروا ومرافقها، وضمان حرية تنقلهم، وتوفير "الإعفاءات من الرسوم الجمركية والضرائب والرسوم على استيراد الإمدادات والسلع والمعدات". ونظرًا لأن المنظومة الإسرائيلية هي التي تسيطر على جميع الامدادات والمساعدات التي تدخل الضفة الغربية وغزة، فإن هذا القانون يعني أن الأونروا لن تكون قادرة على تنسيق مهامها الإنسانية وتوفير الخدمات اللازمة لعملها في هذه المناطق. بالإضافة إلى ذلك، فإنه سيعيق عمل موظفي الأونروا الدوليين والمحليين، الذين لن يتمتعوا بعد الآن بالحصانات الدولية أو التصاريح/التأشيرات اللازمة لدخول فلسطين والتحرك بها.

 

وينص القانون الاسرائيلي الثاني، والذي يحمل العنوان: "قانون وقف أنشطة الأونروا في أراضي دولة إسرائيل"، على أن الأونروا "لن تقوم بأي تمثيل أو تقديم أي خدمات أو إجراء أي أنشطة، بشكل مباشر أو غير مباشر، داخل الأراضي السيادية لدولة إسرائيل". وبالتالي، فإن هذا يعني إغلاق مقر الأونروا الرئيس في القدس، التي ضمّتها المنظومة الإسرائيلية عام 1967، وإنهاء جميع عملياتها في غضون فترة ثلاثة أشهر، مما يزيد من تقييد قدرة الوكالة على تنسيق المساعدات والخدمات الأساسية في الأرض الفلسطينية المحتلة في تلك الفترة. وهذا يشكل عقاباً جماعياً وتواطؤًا من الدول في حرب الإبادة الجماعية الاسرائيلية المستمرة على قطاع غزة، حيث تعد الأونروا شريان حياة للفلسطينيين، والمنظمة الوحيدة المفوّضة رسميا والأكثر قدرة على تقديم الخدمات والمساعدات اللازمة. كما أن تعطيل الأونروا ينتهك حظر التجويع كأسلوب من أساليب الحرب المنصوص عليه في اتفاقية الإبادة الجماعية وميثاق روما الاساسي.

 

بالإضافة الى ذلك، فإن القوانين الإسرائيلية الجديدة تشكل انتهاكا صارخا للقانون الدولي لأنها تتناقض مرة أخرى مع التدابير والإجراءات المؤقتة الصادرة عن محكمة العدل الدولية في مارس/آذار 2024، والتي أكدت على واجب تعاون المنظومة الإسرائيلية  مع الأمم المتحدة ووكالاتها، واتخاذها جميع التدابير اللازمة لضمان تقديم المساعدات الإنسانية في قطاع غزة.

 

لقد نص قرار مجلس الامن القاضي بقبول عضوية "إسرائيل" في الأمم المتحدة في أيار عام 1949 على التزامها احترام ميثاق الأمم المتحدة والالتزام بتنفيذ قراراتها ذات الصلة. إن وجود الأونروا بحد ذاته يشكل تعبيرا عن التزام الدول بميثاق الأمم المتحدة، بما في ذلك الالتزامات التي تقع على عاتق هذه الدول بضمان إنشاء إطار قانوني يسمح للأمم المتحدة بالوفاء بمسؤولياتها ووظائفها (المادة 104)، وتمتّع الأمم المتحدة بالحصانة والامتيازات اللازمة لضمان عمل المنظمات داخل الدول (المادة 105)، فضلاً عن الالتزام بمساعدة هيئات الأمم المتحدة في الإجراءات التي تتخذها وتصدر عنها وفقًا للميثاق (المادة 2 الفقرة 5). هذه الالتزمات والضمانات تنطبق على جميع قرارات الأمم المتحدة وهيئاتها ذات الصلة بحقوق الشعب الفلسطيني، بما في ذلك قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 302 (1949) الذي بموجبه تم إنشاء الأونروا.

 

وبتجاهل هذه الالتزامات وغيرها الكثير، تنتهك المنظومة الإسرائيلية عضويتها وميثاق الأمم المتحدة منذ إنشائها. وبالإضافة الى ذلك، يشار هنا الى انه منذ عام 1968، منعت المنظومة الإسرائيلية دخول لجنة الأمم المتحدة الخاصة للتحقيق في الممارسات الإسرائيلية التي تؤثر على حقوق الإنسان للشعب الفلسطيني والعرب الآخرين في الأراضي المحتلة. وعلى مدى عقود من الزمان، مُنعت الإجراءات الخاصة للأمم المتحدة مرارًا وتكرارًا من الدخول إلى الأراضي الفلسطينية المحتلة ولم تتمكن من الوفاء بولاياتها بشكل فعال. حتى أن المنظومة الإسرائيلية منعت دخول كبار موظفي الأمم المتحدة مثل المفوض العام للأونروا والأمين العام للأمم المتحدة، خلال حرب الإبادة الجماعية الاسرائيلية المستمرة، دون اتخاذ اي اجراء عملي من قبل دول الأعضاء في الأمم المتحدة. كما ان المنظومة الإسرائيلية ما زالت تستهدف عمدًا مرافق ومنشآت الأمم المتحدة وموظفيها في قطاع غزة وكذلك في لبنان، مما أسفر عن أعلى حصيلة من الشهداء من موظفي الأمم المتحدة في التاريخ.

 

إن وجود الأونروا لا يقتصر فقط على تقديم المساعدات الإنسانية وتخفيف معاناة اللاجئين الفلسطينيين، ولا يعد أداة لتحقيق "الاستقرار" في المنطقة وحسب. إن الأونروا تعكس مسؤولية المجتمع الدولي عن فشله وعدم تحركه لمواجهة النكبة عام 1948، مما أدى إلى خلق قضية اللاجئين الفلسطينيين والمهجرين داخلياً. إن هؤلاء السكان، بعد أن فقدوا حماية لجنة التوفيق الدولية بشأن فلسطين واستُبعدوا من ضمان الحماية حسب اتفاقية اللاجئين لعام 1951 والمفوضية العليا للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، يمثلون اليوم 66% من الشعب الفلسطيني، حيث يبلغ عددهم 9.17 مليون نسمة في جميع أنحاء العالم. إن الأونروا - الوكالة الوحيدة للأمم المتحدة القادرة على توفير الحد الأدنى من الحماية الدولية - مطلوب منها تقديم المساعدات والخدمات للاجئين الفلسطينيين حتى تنفذ الدول الأعضاء في الأمم المتحدة قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 (1948). إن أحد الاهداف الأساسية للمنظومة الإسرائيلية هو القضاء على قضية اللاجئين الفلسطينيين، وان الطريق إلى تحقيق هذا الهدف هو تفكيك الأونروا واستبدالها. لذلك فإن استهداف المنظومة الإسرائيلية للأونروا ممتد منذ زمن طويل، بل ومتجذر في الأركان الأساسية للمنظومة والمتمثلة في التهجير القسري، والاستعمار، والفصل العنصري.

 

في عام 1969، أصدر مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة القرار رقم 269 ضد احتلال جنوب أفريقيا لناميبيا، وأدان منظومة الفصل العنصري لرفضها الامتثال لقرارات مجلس الأمن و"تحديها المستمر لسلطة الأمم المتحدة". ولكن اليوم، لم يكن هناك أي رد فعل من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة باستثناء الإدانات الضعيفة، وهو ما يؤكد على مواصلة الدول الغربية المتنفذة دعمها، وتواطؤها السافر مع منظومة الاستعمار والفصل العنصري الإسرائيلي بما في ذلك ضمان افلاتها المستمر من العقاب والمحاسبة.

 

وعلى هذا النحو، فإن الأمم المتحدة، وخاصة الجمعية العامة ومجلس الأمن، وجميع الدول الأعضاء منفردين ومجتمعين، ملزمون بحماية جميع اللاجئين الفلسطينيين من خلال حماية الأونروا وتفويضها وتوفيرها للخدمات. وعليه، فان على دول الأعضاء في الأمم المتحدة بشكل فردي وجماعي الالتزام بما يلي:

  • فرض العقوبات الشاملة: السياسية والاقتصادية والعسكرية، على المنظومة الاستعمارية الإسرائيلية بسبب الإبادة الجماعية المستمرة والنكبة المستمرة.
  • يجب على الدول، كحد أدنى، فرض عقوبات سياسية من قبيل إلغاء الامتيازات الدبلوماسية الثنائية مثل وجود السفارات والقنصليات التمثيلية، بالإضافة الى إلغاء اتفاقيات التأشيرات المتبادلة.
  • الغاء و/او تجميد الاتفاقيات الثنائية ما بين الدول والمؤسسات والهيئات والمنظمات الدولية والإقليمية، بما يشمل وقف كافة الامتيازات والتفضيلات الممنوحة لمنظومة الاستعمار والابرتهايد الاسرائيلية، كما في اتفاقية الشراكة ما بين الاتحاد الأوروبي والمنظومة الإسرائيلية.
  • فرض وقف إطلاق نار فوري ودائم يشمل انسحاب كامل للقوات الإسرائيلية من قطاع غزة ولبنان.
  • المضي قدماً في إجراءات إلغاء امتيازات المنظومة الإسرائيلية كدولة عضو في الأمم المتحدة، بما في ذلك رفض اعتماد وفدها في الجمعية العامة، واستبعادها من المشاركة في جميع المنظمات والمؤتمرات الدولية التابعة للأمم المتحدة، وإلغاء صفتها كدولة عضو كعقاب لتجاهلها الصارخ والتاريخي والمنهجي لمسؤولياتها بموجب ميثاق الأمم المتحدة وعدم الوفاء بمعايير عضويتها.