مساهمة القضاء الإسرائيلي في تكريس إسقاطات النكبة
بقلم: سلمى واكيم*
ما مدى تورط القضاء الإسرائيلي في تكريس إسقاطات النكبة؟ هذا التساؤل يجول في ذهن كل عامل في حقل القانون والقضاء والعدالة. وللإجابة على هذا التساؤل، علينا أن نفحص ونجيب على سؤالين أساسيين: الأول ما هو مكان حقوق الإنسان في الجهاز القضائي الإسرائيلي، والثاني ما هو مكان حق المساواة – عدم التمييز على خلفية العرق الجنس المعتقدات السياسة-في الجهاز القضائي.
وبسؤال واحد :ما مدى احترام الجهاز القضائي لحقوق الإنسان وبالتحديد للحق في المساواة؟
تلعب المحكمة العليا في إسرائيل دورين رئيسيين؛ فهي تعمل كمحكمة نهائية للاستئناف في القضايا الجنائية والمدنية، وتعمل كمحكمة عدل عليا (ذات صفة إدارية). وأهمية مكانتها هو في الحالة الثانية، أي عند انعقادها كمحكمة عدل عليا، ففي هذه الحالة تتمتع بسلطة قضائية تخولها فرض أوامر على جميع الأجسام التي تقوم بوظائف عامة للعمل بموجب القانون، أو الامتناع عن عمل محدد، أو التصرف بأي سلوك أثناء تأدية واجبها. وأيضا تملك السلطة القضائية صلاحية معالجة أي مسالة ترى أن الحاجة تدعو لإيجاد حل لها من اجل تحقيق العدالة، شرط أن لا تكون هذه الصلاحية ضمن صلاحيات محكمة أو سلطه قضائية أخرى.
كما هو معروف، فان دولة إسرائيل منذ تأسسيها تعرف نفسها كدوله يهودية، واعتبرت بناء على ما جاء في وثيقة الاستقلال تتويجا لنضال الشعب اليهودي من اجل بناء دولته. ومن المؤكد فان هذا التعريف له تأثيره المباشر وغير المباشر على البعدين التشريعي والقانوني، وبالتالي يؤثر على مكانة العرب الفلسطينيين الموجودين داخل "حدود" هذه الدولة.
في سلسلة طويلة جدا، ومنذ تأسيس الدولة في العام 1948 وحتى يومنا – بوجود قله قليلة جدا من الحالات الشاذة وقرارات محاكم شاذة عن السائد- فانه يمكن صياغة المبدأ السائد كالتالي: إذا واجهت المحكمة مسألة قانونية تتطلب إصدار قرار حكم، ولم تجد عليها الإجابة في قانون رسمي أو بواسطة القياس، عليها أن تتخذ قرارها على ضوء مبادئ الحرية، الأنصاف، العدالة والسلام في تراث شعب إسرائيل.
الإبهام في تفسير الجملة أعلاه فتح المجال في الأغلبية الساحقة من الحالات لتفسيرها كمرادف للقانون اليهودي. انطلاقا من تعريف الدولة كدولة يهودية، فان القوانين المتعلقة بحقوق الإنسان وخاصة حق المساواة مبنية على الاعتراف قانونيا بفكرة أن إسرائيل هي دوله يهودية، بل ودولة اليهود، مما يلقي بتبعاته على الوضع القانوني والقضائي لكل من هو ليس يهوديا، وبالأساس على العرب الفلسطينيين الذين يعيشون داخل الدولة. وبما أن القوانين المعمول بها بكل ما يتعلق بوضعهم هي قوانين تمييزية، وبما أن قرارات المحاكم الإسرائيلية في غالبيتها الساحقة تعتمد على هذه القوانين، فان القرارات بطبيعة الحال أيضا تمييزية، لدرجة انه في أغلبية الحالات نلاحظ أن المحاكم تعطي شرعية لقوانين لا تتماشى مع القوانين والأعراف الدولية.
يوجد مصطلح معروف، نقرأه ونسمعه ونلمسه في الثقافة القانونية الإسرائيلية، عندما يتعلق الموضوع بقضايا التمييز القومي وهو سياسة "التمييز المعقول".
في قضية التمييز في مخصصات التأمين الوطني بين اليهود والعرب وإعطاء امتيازات للمواطنين اليهود تزيد عن 20% عما يعطى للمواطن العربي، فقد ادعت النيابة العامة أمام محكمة العدل العليا بان هذا التمييز هو تمييز معقول! وان قرار مؤسسة التأمين الوطني هو قرار معقول، بينما لو كانت الفجوة مثلا تزيد عن 40% فعندها لا يكون التمييز معقولا.
وعليه، في قضية لم شمل لمواطن عربي في إسرائيل مع شريك حياته من سكان الأرض المحتلة عام 1967، وعدم السماح لهما بالإقامة والسكن داخل الخط الأخضر، يصبح مقبولا أيضا باعتبار انه تحديد/تقييد معقول لأنهم يستطيعون بناء حياة أسرية خارج دولة إسرائيل.
وفي قضيه أخرى، رغبت عائلة يهودية من "موشاف نباطيم" تأجير شقتها لسنة واحدة فقط لعائلة عربية بسبب علاقة مقربة بين العائلتين، فتوجهت لجنة "الموشاف" للمحكمة المركزية وادعت أن أي تأجير يجب أن يحصل على تصديق رئيس اللجنة. لكن العائلة اليهودية ردت أنها ليست المرة الأولى التي يتم تأجير شقتها دون حاجة الى التصديق المذكور والمحكمة المركزية قبلت الإدعاء وصدقته، ولكن في الاستئناف للمحكمة العليا انقلب القرار. وهذا مثال واضح على انه عندما يتعلق الأمر بالعربي فان المحكمة تكون على استعداد أن تميز ضد الآخر، حتى لو كان يهوديا – في المثال أعلاه حرمت العائلة اليهودية من ابسط حقوقها وهو حرية التصرف في أملاكها الخاصة والتمييز هنا جاء بسبب رغبة التأجير للعائلة العربية. لقد مورس مصطلح المعقول في هذه القضية مرة أخرى، حيث أن رفض السماح لعائلة عربية شراء ارض في قرية يهودية وحتى رفض السماح باستئجار شقة ولو لفترة قصيرة، هو في إطار القرار المعقول ويلاءم تعريف الدولة كدولة يهودية.
إن الخطورة من وراء هذه الثقافة القانونية تكمن في تدريج خطورة
التمييز حتى تقزيمه في اغلب الأحيان. تجدر الاشارة انه حتى على صعيد
المحاكم المدنية (الصلح والمركزية)، وعندما يكون الخلاف بين عربي
ويهودي، أو حتى على صعيد المحاكم الجنائية في المخالفات العادية،
وعندما يكون المتهم عربيا، يكون قرار الحكم ضد العربي في اغلب
الأحيان، وتصدر أحكام أكثر وأقسى ضد المتهم العربي مقارنة مع الحكم ضد
اليهودي المتهم بنفس التهمة – هذه النتيجة المذهلة التي توصل لها بحث
أجراه أستاذ في جامعة حيفا يدعى رتنر.
هذا القليل الذي تسنى لي أن اسرده ضمن المساحة المتاحة لي في هذا
المقال القصير، ولكن هذا السرد القليل يوصلنا إلى نتيجة واضحة لا مجال
للتشكيك فيها، وهي أن النظام القضائي في إسرائيل والأحكام الصادرة عن
المحاكم، وخاصة محكمة العدل العليا، بعيدة كل البعد عما تنص عليه
القوانين الدولية، وعلى رأسها إعلان الأمم المتحدة بشأن حقوق الأشخاص
المنتمين إلى اقليات قومية أو اثنية أو دينية أو لغوية الصادر عام
1992.
------------------------
*سلمى واكيم: محامية فلسطينية – حيفا.