رسالة إلى الشعب الفلسطيني في ذكرى النكبة

بقلم: ايتان برونشطاين*

إخواني وأخواتي اللاجئين الفلسطينيين، أتوجه إليكم اليوم في ذكرى النكبة 62، كإبن لشعب يحتلكم، كفرد محتل، أتوجه إليكم، يا من دفعتم ثمن الاحتلال بطلب واحد: لا تحرمونني من إنسانيتي!

 

لا، هذا ليس طلبا بمسامحة الاحتلال، والدمار والطرد، الذي أحدثه المحتل في نكبة العام 1948. لا يمكنني توقع الغفران على مثل هذه الفظاعة، لا اطلب الغفران، ولا حتى بالمعنى الديني الخالص للغفران.

وطالما أن الغفران بهذا المعنى لا يمكن يحصل بالفعل، فان المصالحة بين الإسرائيليين والفلسطينيين تصبح السبيل الوحيد لتسوية سياسية وثقافية تمكننا من عدم قتلنا الواحد للآخر، وتنزع من قلوبنا الخوف المتبادل (حتى وان لم نتماثل في درجات الخوف الموهوم من بعضنا البعض). هذا الغفران بمعناه الديني، ينتمي إذن، إلى مستوى آخر، غير واقعي، ومثالي بشكل خيالي. ربما الغفران الذي ابحث عنه نوع من المثالية الأفلاطونية أو مبدأ موجه، يوجهنا إلى الاتجاه الصحيح الذي نطمح إليه حتى بدون القدرة على الوصول إليه ابدا.

ولذلك طلبي هو أكثر بساطة، وآمل بأن تستجيبوا له؛ لأنه بدونه لا يكون بوسعي أن آمل، وان أؤمن بإمكانية العيش سويا على هذه الأرض. اقصد بالعيش في هذه البلاد، بالمعنى الكامل للكلمة: أن أتحدث بلغتها، وأن أعرف تاريخها، وليس فقط أن احتلها، وأجعلها أسطورية، وان لا أحيا بخوف فيها، وان لا أعيش فيها وأنا أفكر أو ابحث عن فرصة لمغادرتها (وهو باتجاه الغرب) في كل الأحوال...

إن طلبي، إذن، بأن لا تتنازلوا عن حق العودة. قد يبدو طلبي هذا غريبا، وحقيقة فمن أنا حتى اطلب منكم بأن تطالبوا بحقوقكم، الحق الطبيعي لمن هجروا من أراضيهم وبيوتهم؟! ومع ذلك، فأنا أصر، عليكم، أنتم ونسلكم، بأن لا تتنازلوا عن هذا الحق أبدا. هذا ليس (فقط) من أجلكم، وإنما أيضا من أجلي! هل تفهمونني؟ إذا تنازلتم عن هذا الحق، فلن يبقى لي أي احتمال لحياة عادلة على هذه الأرض، وعليه سيُحكم علي بحياة بائسة وكمحتل أبدي. يكسوني السلاح من أخمص قدمي إلى أعلى رأسي ويخنق روحي التي ستعيش حياة الخوف على الدوام، مثلي مثل كل الاستعماريين. من ناحيتي، تنازلكم، أنتم اللاجئون الفلسطينيون، عن حقكم في العودة سيكون أحد اخطر الأمور التي من الممكن أن تحدث لنا، نحن الإسرائيليين. وإذا حصل هذا حقا في يوم من الأيام، فإن كارهي اليهود الكبار يمكنهم أن يحتفلوا بنصرهم الكبير بأن جعلوا من اليهود الإسرائيليين محتلين أبديين وظالمين، إنسانيتهم مشوهة بصورة كبيرة.

إن إنسانيتنا متعلقة بحقكم في العودة. في اليوم الذي طردناكم من أرضكم، حملتم معكم الإنسانية. وفقط عندما تعودون، يمكننا أن نرمم إنسانيتنا من جديد. فمن الصعب علينا أن نستمر هكذا؛ مشوهي الإنسانية. ليس لأننا أصبحنا بلا إنسانية البتة، ولكن، كما تعلمون أكثر من غيركم، فاننا تركنا لنعيش الفظاظة، الغرور، العسكرة، والخوف. نعم، لدينا بعض الأمور الجميلة، ولكن الإنسانية الحقة، لا يمكن لشعب يحتل آخر حتى أن يحلم بها. في الحقيقة، يمكن أن نحلم بها، أن نحلم بحياة مشتركة معكم في هذه البلاد؛ إنه حلم جميل ومؤثر.

في حلمي، أرى حياة مشتركة تملأها الصداقات مع لاجئين فلسطينيين، الذين يتزايدون منذ أن بدأت أدرس، وأدرّس عن النكبة. ومنذ ذلك الحين، لا أرى في الكثير من المناطق في البلاد مناطق تدريبات عسكرية فقط، أو غابات مملوكة للصندوق القومي اليهودي (للكيرن كييمت)، أو حدائق وطنية، وتجمعات يهودية قديمة، ومناطق تراثية، ومواقع صليبية، ومدن محررة، وقرى رائعة، أو مجرد فراغ...

مسكة، كولة، كفر برعم، صفورية، الغابسية، عين غزال، يافا، حيفا، طبريا، إجزم، دير ياسين، الصفصاف، إجليل، قاقون، عنابة، اللجون، المنسي، الغبيات، وأخريات؛ هي قرى ومدن دمرتها إسرائيل. كانت تزخر بحياة إنسانية كاملة. بالنسبة لي، في هذه الأماكن هنالك وجوه حقيقية واجهتها، وفيها لاجئون كثر يطالبون بحقهم بالعودة إليها.

حين تعود القرى الفارغة وتمتلئ بالناس، وتفعم بالحياة، وليس فقط بالموت والذاكرة الكئيبة كما هو الحال منذ 62 عاما، سيمتلئ فراغ إنسانيتي.

أيها اللاجئون الفلسطينيون، حقكم بالعودة هو فرصتي وفرصة كل الإسرائيليين للبدء بترميم إنسانيتهم.

--------------------
ايتان برونشطاين: احد مؤسسي جمعية ذاكرات، والمدير التنفيذي للجمعية.