بقلم: د. واصل أبو يوسف*

تحل الذكرى الثانية والستون للنكبة وشعبنا الفلسطيني ما زال مشردا بعد ان تم اقتلاعه وطرده على ايدي العصابات الصهيونية، التي قامت بارتكاب المجازر والمذابح، وتدمير أكثر من 530 قرية، لتسفر عن تهجير حوالي 80 % من المواطنين الفلسطينيين أصحاب الأرض الأصليين.

 

وعلى الرغم من مرور هذه السنين، إلا أن حق عودة اللاجئين الى ديارهم وممتلكاتهم وبيوت منشأهم التي شردوا منها بقي ثابتا ويمثل جوهر القضية الفلسطينية، إذ لا يمكن الحديث بأي شكل من الاشكال عن الثوابت الوطنية الفلسطينية دون وضع قضية حقوق اللاجئين السياسية والوطنية والشخصية موضع الاهتمام وفي سلم الأولويات، باعتبار أن جوهر الصراع يبدأ من ذلك الظلم التاريخي الذي وقع على الشعب الفلسطيني، وكانت نتيجته النكبة الكبرى التي بدأت فصولها اثر قرار التقسيم الصادر عن الامم المتحدة في التاسع والعشرين من تشرين الثاني عام 1947، ووصلت ذروته في الخامس عشر من ايار عام 1948، واستمر تصاعديا حتى تموز 1949، حيث لم يتمكن من العودة الى دياره وبيته كل من ترك مكان اقامته بسبب الحرب، أو نتيجة لما اسفرت عنه المارسات القمعية والعدوانية والوحشية الإسرائيلية.

وعلى أي حال، فان إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية في ستينيات القرن الماضي ارتكز على مقومات استعادة الحقوق الوطنية والسياسية للشعب الفلسطيني، وكانت ذروة نضوج الحركة الوطنية الفلسطينية في انطلاقة ثورتها المعاصرة، عبرت عنه في الميثاق القومي لمنظمة التحرير الفلسطينية من خلال المبادئ الرئيسية للميثاق. وقد تضمن ميثاق منظمة التحرير الفلسطينية عودة اللاجئين الفلسطينيين الذين شردوا وطردوا من ارضهم وديارهم واستقروا في المنافي ودول الشتات مثل الأردن، سوريا ، لبنان وعدد من الدول العربية الاخرى من بينها العراق، بالإضافة إلى محيط الأراضي الفلسطينية، مثل قطاع غزة الذي كان يدير شؤونه الحكومة المصرية والضفة الفلسطينية التي كانت في حالة وحده جغرافية وسياسية مع الأردن.

إن حقبة ما بعد انشاء الكيان الاسرائيلي في الاراضي الفلسطينية، تتجاهل بشكل مطلق كافة القرارات الصادرة عن الامم المتحدة، والمتعلقة بالقضية الفلسطينية، حيث لم ينفذ من قرارتها برغم جورها اي منها ، وخاصة التي تضمن عودة اللاجئين الى ارضهم وديارهم، بل على العكس من ذلك، استمرت حكومات الاحتلال المتتابعة بتنفيذ سياساتها العدوانية والعنصرية التي تقوم على اساس تفريغ وتهجير السكان الاصليين اصحاب الارض الحقيقيين. وبما أن سياسة الاحتلال ترتكز على العدوان والتوسع وتفريغ السكان، حصلت بعد حرب الخامس من حزيران عام 1967 اضافة نوعية اخرى ونكسة جديدة للدول العربية بشكل عام، وللشعب الفلسطيني بشكل خاص ، حيث فقد ما تبقى من اراضي فلسطين التاريخية والتي تشكل حوالي 22 % من فلسطين وطرد مرة اخرى من الاراضي التي تم احتلالها الى الدول دول الشتات.

لقد شكلت نكسة الخامس من حزيران صدمة قوية للانظمة العربية المحيطة بفلسطين، وكذلك إلى جماهير الأمة العربية على حد سواء، ولكن إرهاصات الهزيمة فتحت الافاق على مصراعيها امام تطور عملية الكفاح الوطني الفلسطيني، كرد مباشر على الهزيمة. واستقبلت فصائل العمل الوطني الفلسطيني تدفق المتطوعين من ابناء الشعب العربي الفلسطيني دون ان تتمكن الأنظمة الحكومية وقف هذا السيل الجارف. وكان لابد من استيعاب المرحلة الجديدة في اطار البرنامج الوطني الفلسطيني الذي اصبح امام مهمات اضافية لم يعد قاصرا على عملية تحرير الارض التي سلبت عام 1948 وحسب، بل أضيف إليها احتلال أراضي جديدة عام 1967.

وخلال الأعوام التي تلت نكسة عام 1967، كانت منظمة التحرير الفلسطينية تمثل اماني وطموحات الشعب العربي والفلسطيني، غير أن الظروف السياسية والدولية التي فرضت نفسها خلال السبعينيات من القرن الماضي أوجدت عقبات أمام منظمة التحرير الفلسطينية. إذ فرضت طبيعة هذه الأحداث تغيير جوهري وملموس على طبيعة النضال الوطني الفلسطيني من خلال عوامل ضاغطة عربية ودولية، ودخول شعار التحرير المرحلي للاراضي المحتلة في قاموس العمل الفلسطيني، الأمر الذي أدى الى تشكيل محاور ترتبط ببعد عربي رسمي وفلسطيني داخلي، مما جعل الاقليم العربي ينقسم الى قسمين: رافض للتسويات السياسية بدعم من دول الصمود والتصدي، وآخر قابل للحلول ومدعوم ايضا من الدول التي ترى امكانية الحل مع إسرائيل. وهذا في مجمله أدى بشكل مباشر الى اقتتال داخلي اضعف من عضد منظمة التحرير الفلسطينية التي انشغلت فصائلها بهذه القضايا، بينما ضمت دولة الاحتلال القدس الشرقية ونفذت مشاريع ضم الجولان السوري إلى حدودها، ومما لا شك فيه أن تلك الحقبة شهدت مخاطر حقيقية على القضية الفلسطينية والثورة الفلسطينية المعاصرة. وبعد صراع مرير اصبحت منظمة التحرير الفلسطينية الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني بقرار من القمة العربية التي انعقدت في مدينة الرباط بالمغرب عام 1974، ومنذ ذلك الحين تخوض منظمة التحرير معارك مختلفة للدفاع عن ثوابت الشعب الفلسطيني وفي المقدمة منها حق العودة، وواجهت كافة المحاولات التي تنتقص من دورها او خلق البدائل لها. كما استطاعت المنظمة خلال مسيرتها الطويلة من اظهار الحقوق الفلسطينية في مختلف المحافل الدولية، وإعادة القرارات الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية التي كانت حبيسه الادراج الى الظهور مجددا واعتبار ان مفتاح الحرب والسلم في المنطقة يكمن في استعادة حقوق شعبنا وفي مقدمتها حق عودة اللاجئين الى ارضهم وديارهم التي شردوا منها، والتعويض عما لحق بهم من ضرر وأذى، والتأكيد على ان هذه العودة حق فردي وجماعي وهو حق مقدس غير قابل للالغاء ولا يسقط بالتقادم.

ثمة تجاذبات كبيرة متعلقة بالمرحلة الراهنة وخاصة موضوع حق العودة، وبالرغم من كل الانقسامات التي تحيط بنا، والانحدار الذي تتعرض له القضية الفلسطينية نتيجة ضعف الموقف العربي الرسمي، إلا أن حق عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم وبيوتهم التي هجروا منها خلال النكبة الفلسطينية يبقى مفتاح أي حل عادل ودائم للصراع في الشرق الأوسط، وبدون تحقيق ذلك ستبوء كل مشاريع التسوية بالفشل الذريع.

كما ويجب التأكيد على أن البرامج السياسية لجميع الفصائل الفلسطينية، والتي تعتبر حق العودة حقا مقدسا في سلم جدول أعمالها، ورفض أي مساس به أو خلق بديل له سواء التوطين أو غيره، قد جعل عودة اللاجئين الموضوع الأهم في سلم أولويات البرنامج الوطني الفلسطيني.

-------------------------------
*د. واصل ابو يوسف، الأمين العام لجبهة التحرير الفلسطينية، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية.