بقلم:د. أحمــد فائــز الفــواز

هيئة للشعوب تمعن في الذنبِ          ولا تـــــــوبة ولا تكــفيرُ

شارك القوم كلهم في أذانــــــا          ومن القوم غيّب وحضورُ

من قوانينها المداراة للظـــــلم           ومنها التغريب و التهجيرُ

من قصيدة " من وحي الهزيمة" لبدوي الجبل

تعود ذكرى النكبة كلّ عام، في الخامس عشر من أيار، فتنكأ الجراح القديمة التي تنزّ ولم يقيّض لها أن تندمل، وتحدث جراحاً جديدة، وتعيد طرح الأسئلة القديمة التي لم تجد لها جواباً، وتطرح أسئلة جديدة. كم هي عظيمةٌ معاناة شعب فلسطين! كأن أرض المسيح، الأرض عينها التي عاشت الحدث قبل أكثر من ألفي عام، تتكرر فوقها منذ ستين عاماً، وكل يوم، وأمام أنظار البشر جميعاً، مأساة الملايين من الفلسطينيين، وجوهرها صمودهم بوجه الظلم

.

هيئة الأمم المتحدة مسؤولة عن القرارات الظالمة، وكذلك عن القرارات المقبولة والقرارات العادلة، مع فارق أن القرارات الظالمة قابلة للتنفيذ، بعكس عدد من القرارات المقبولة أو العادلة التي يقف الأقوياء بوجه تنفيذها. على أن هيئة الأمم المتحدة ليست إلا تجمعاً للدول، كبيرها وصغيرها، تجمع يحكمه كبار هذا العالم، وخصوصاً أكبر كبير فيهم وهو الولايات المتحدة الأمريكية.

وفي الوقت الذي تعمل فيه الولايات المتحدة على إلباس مصالحها لبوس الشرعية الدولية، وتفرض قرارات "تشرعن" وتغطي على أعمالها العدوانية، تسكت على الحصار الإسرائيلي المضروب على الشعب الفلسطيني، بدءً من أزمة الطحين والقمح، ووصولاً إلى أزمة الدواء.

وفي الوقت الذي ترفع فيه الولايات المتحدة لواء "حقوق الإنسان" تضرب عرض الحائط بالمادة الثانية من الإعلان العالمي التي تنص على أن "لن يكون هناك أي تمييز أساسه الوضع السياسي أو القانوني أو الدولي للبلد أو  البقعة التي تنتمي إليها الفرد، سواء كان هذا البلد أو تلك البقعة مستقلاً أو تحت الوصاية أو غير متمتع بالحكم الذاتي أو كانت سيادته غير خاضعة لأي قيد من القيود".

وراء ذلك ليس ازدواج المعايير، فهذا هو الواقع العياني للسلوك السياسي الأمريكي، الذي يتصف بالازدواجية، وتفسيره يكمن في عمق ووزن المصالح الأمريكية في المنطقة العربية خصوصاً، وفي الشرق الأوسط عموماً. هذه المصالح التي تملي ما هو أكثر من ازدواج المعايير، أي حروب العدوان، كما جرى في أفغانستان، وكما هو جارِ في العراق.

في الحقيقة ليس هناك معايير يمكن أن تقاس عليها السياسات الدولية. وليس جهل المنطقة أو جهل واقعها أو تاريخها ما ينقص هذه السياسات. فالمراجع الغربية والدراسات الغربية عن المنطقة مؤسسة على معرفة دقيقة لها. بل نحن من ينقصه الكثير من المعارف عنها.  وبسبب نقص أو غياب دراساتنا، نعود لمراجعهم ودراساتهم هم.

ما يغري الطامعين فينا هو ضعفنا، وهم يعملون على استمراره، وإن أمكن فزيادته. يراد من الشعب الفلسطيني والعراقي أن يتخلى عن المقاومة. و السؤال هو: مقابل ماذا؟ وماذا يقدمون مقابل هذا التخلي؟ أليس حريّاً بمن يضعون أنفسهم قيّمين على العالم، وصائغين لمصائره عبر قرارات الشرعية الدولية، أن ينفذوا أولاً القرارات التي مهروها بتواقيعهم، وهي قرارات قديمة لم يؤد تجاهلها إلى طمس المشكلة ودفعها إلى عالم النسيان، بل تعميقها وتعقيدها، وإكسابها حيوية للاستمرار، حتى تجد الحل العادل؟

في ديباجة الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي تبنته الأمم المتحدة في عام النكبة ذاته "1948"  جاء أنه "من الضروري أن يتولى القانون حماية حقوق الإنسان، كي لا يضطر آخر الأمر إلى التمرد على الاستبداد و الظلم".

لقد كان السيد المسيح فادياً للبشر و راسماً طريق الخلاص لهم. لا يفعل الفلسطينيون سوى أن يتابعوا مسيرة ابن فلسطين العظيم، لكنهم يتابعونها كشعب، وهم يسيرون صاعدين على طريق الجلجلة، يفدون البشر ويكتبون سفرهم في نضال الإنسانية ضد الظلم.