أخبار بديــل

عسكرة توزيع المساعدات في غزة: مأسسة تسليح المساعدات وإعادة ترسيخ الوجود العسكري الإسرائيلي
عسكرة توزيع المساعدات في غزة: مأسسة تسليح المساعدات وإعادة ترسيخ الوجود العسكري الإسرائيلي

أقرّ مجلس الحرب التابع للمنظومة الإسرائيلية في 5 أيار 2025، خطة جديدة لتوزيع المساعدات الإنسانية، تقضي بإلغاء الآلية التي تشرف عليها الأمم المتحدة، واستبدالها بنظام تديره جهات خاصة من المتعاقدين العسكريين الأمريكيين، وقوات الاستعمار الإسرائيلية، وكيان مسجّل في سويسرا. هذه الخطة لا تعكس توجها إنسانيًا، بل تمثل ترسيخًا ممنهجاً لسياسة التجويع التي تنتهجها المنظومة الإسرائيلية من خلال الخصخصة والسيطرة على المساعدات واخضاعها لاعتبارات سياسية وانتقائية في إيصالها. وتهدف هذه الخطة في جوهرها إلى زعزعة النظام القائم لتوزيع المساعدات الإنسانية، وتسريع مشروع استبدال الأونروا، وإعادة فرض وشرعنة الوجود العسكري الإسرائيلي في قطاع غزة، وترسيخ سياسة قمع المقاومة الفلسطينية.

 

تم تسجيل مؤسسة غزة الإنسانية (GHF) في شباط 2025 في سويسرا. ويتألف مجلس إدارتها من ديفيد بابازيان (الرئيس التنفيذي السابق لصندوق المصالح الوطنية الأرميني)، وصمويل مارسيل هندرسون، وديفيد كوهلر (الرئيس التنفيذي لشركة كولر) وجميعهم لا يملكون أي خبرة في مجال العمل الإنساني. وقد استعان القائمون على المؤسسة حديثة التأسيس بمدير سابق من برنامج الأغذية العالمي (WFP) لتوفير غطاء من الشرعية والمصداقية لهذا النموذج المُعسكر والمُخصخص في توزيع المساعدات.

 

كما تعهدت المنظومة الإسرائيلية بإنشاء ما يسمى بـ “مواقع توزيع المساعدات الامنة". وتشير التقارير إلى وجود مناقشات جارية مع دول مانحة لتمويل شراء المساعدات عبر "مؤسسة غزة الإنسانية" .(GHF) وستتولى شركات عسكرية أمريكية خاصة، بعضها مرتبط بمسؤولين إسرائيليين، مهام ادارة الجوانب اللوجستية والأمنية، مما يعمق من خصخصة وتسييس وظيفة إنسانية من المفترض أن تكون حيادية. وتفيد تقارير بأن إحدى شركات الأمن المشاركة في الخطة تضم في إدارتها التنفيذية مسؤولين تربطهم صلات بوزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي، رون ديرمر.

 

 وبحسب الخطة، سيتم توزيع المساعدات مباشرة للعائلات في "مواقع توزيع المساعدات الآمنة" ذات الطابع العسكري، والتي يُقال إنها ستُقام في جنوب غزة. وعلى الرغم من تصريحات المسؤولين الإسرائيليين بعدم دخول القوات الاسرائيلية إلى داخل هذه المواقع، الا انها ستحتفظ بالسيطرة الكاملة على المناطق المحيطة بها وبالإضافة الى الطرق المؤدية إليها.

 

ويتعين على العائلات إرسال ممثلين عنها للتوجه إلى هذه المواقع (مواجهين بذلك رحلات محفوفة بالمخاطر، وغالباً طويلة وشاقة انطلاقاً من خيامهم في "المناطق الإنسانية") من أجل استلام صناديق الغذاء، وذلك بعد المرور بعدة نقاط عسكرية والخضوع للتفتيش. وسيحتوي كل صندوق على حصص غذائية محدودة بالكاد تكفي لعدة أيام، يتم احتسابها بناءً على عدد السعرات الحرارية، مما يرسخ من سياسة الحرمان والتجويع الاسرائيلية المتبعة. إضافةً إلى ذلك، لن تُقدّم المساعدات إلا لشريحة من السكان الفلسطينيين، ولا تتضمن الخطة أي الية واضحة بكيفية او موعد توفير المساعدات لتشمل أكثر من مليوني فلسطيني يعيشون في قطاع غزة.

 

ان هذه الخطة صممت لتنفذ بسرعة، على الأرجح قبل التوسّع المتوقع للهجوم العسكري البري على غزة في وقت لاحق من هذا الشهر، وبالتزامن مع الزيارة المقررة لدونالد ترامب إلى المنطقة هذا الأسبوع. وقد عبرت جهات سياسية امريكية عديدة عن دعمها لهذه الخطة، حيث ضغط كل من دونالد ترامب وماركو روبيو من أجل إلزام وكالات ومنظمات الإغاثة الدولية باتباع هذا النموذج الجديد لتوزيع المساعدات.

 

في المقابل، فقد رفض فريق العمل الإنساني العامل في الارض الفلسطينية التابع للأمم المتحدة، وبدعم كامل من الأمين العام ومكتب تنسيق الشؤون الإنسانية (OCHA) هذه الخطة. كما أكدت وكالات الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية، ومن بينها المجلس النرويجي للاجئين (NRC)، أنها لن تشارك في أي آلية تنتهك مبادئ الحياد، والاستقلالية، وعدم التحيز. وقد أُدينت هذه المحاولة للالتفاف على التنسيق الذي تقوده الأمم المتحدة على نطاق واسع، باعتبارها خطوة ومحاولة لتفكيك النظام الإنساني القائم وتسيس وعسكرة لعملية توزيع المساعدات.

 

كما قام المفوض العام للأونروا بالنشر على موقع (X): "إن المجاعة التي سببها الإنسان ودوافعها السياسية في غزة تعبيرٌ عن قسوةٍ مُطلقة. لا يُمكن معالجتها بتسليح المساعدات الإنسانية. لدى الوكالات الإنسانية مجموعةٌ من المبادئ لضمان إيصال المساعدات إلى جميع المحتاجين، دون استثناء. إن نموذج التوزيع الذي اقترحته إسرائيل لا يُعالج الجوع المُدمر".

 

ان هذه الخطة تمثل محاولة واضحة لمأسسة استخدام المساعدات كسلاح، واضفاء الشرعية على إعادة تموضع الوجود العسكري الإسرائيلي، وترسيخاً للهيمنة الاستعمارية الإسرائيلية على قطاع غزة. وعليه يجب على الدول أن تُعلن بشكل صريح رفضها لهذا النموذج، الذي يسعى لاستبدال النظام الذي تقوده الأمم المتحدة بنماذج سياسية وعسكرية ووكالات خاصة، وأن ترفض تمويله. كما ينبغي على المجتمع الدولي استئناف وزيادة تمويلها للأونروا، بالتوازي مع فرض عقوبات عسكرية واقتصادية وسياسية على المنظومة الإسرائيلية. إن دعم آلية لتوزيع المساعدات خاضعة للسيطرة والشروط الإسرائيلية يُعد تواطؤًا في الإبادة الجماعية الإسرائيلية على قطاع غزة، ودعماً لاستخدام المساعدات كأداة للابتزاز وسلاح، وللعقاب الجماعي المفروض على الفلسطينيين في قطاع غزة.