أخبار بديــل

وافقت المنظومة الاستعمارية الإسرائيلية في 22 اذار، على مقترح من وزير الحرب كاتس والذي ينص على إنشاء " دائرة الهجرة الطوعية من غزة". لكن في الحقيقة تعد "دائرة التهجير القسري" هذا تصعيدًا رسميا يجيز جريمة التطهير العرقي الذي تمارسه المنظومة الاسرائيلية في غزة، من خلال استمرارها في تجويع سكان القطاع، وفرضها الحصار المطبق، ومنعها دخول الإمدادات والمساعدات على مدى الأسابيع الثلاثة الماضية. بالإضافة الى ذلك، فصلت المنظومة الإسرائيلية 13 حيًا استعماريًا عن المستعمرات الأم لتسهيل توسعيها لاحقا ولإحكام قبضتها الاستعمارية. تؤكد كل هذه الجرائم المرتكبة الدعم القوي من الحكومة الأمريكية، وتواطؤ وسائل الإعلام الغربية الرئيسية، وتراجع حضور الأمم المتحدة في المنطقة. ومن جهتهم، يؤكد مركز بديل والشبكة العالمية للاجئين والمهجرين الفلسطينيين، أن هذه الجرائم تُعدّ عملا من اعمال الإبادة الجماعية والتطهير العرقي، والتيما كانت لتكون أصلا لو تصرفت الدول وفقًا لالتزاماتها بموجب القانون الدولي.
إنشاء المنظومة الإسرائيلية لـ ـ"دائرة التهجير القسري"
تُعدّ الدائرة الجديدة الذي أنشأتها المنظومة الإسرائيلية إضفاءً رسمياً وشرعياً على الاستراتيجية المستمرة منذ زمن طويل التي تهدف الى تهجير الفلسطينيين قسرًا من غزة وتطهير الأرض عرقيًا، بما يتماشى مع الاستراتيجية الإسرائيلية والأمريكية الأوسع نطاقًا للاستعمار والإبادة الجماعية. ووفقًا لوزير الحرب الإسرائيلي كاتس، ستكون دائرة الهجرة الطوعية من غزة مكلفة "بإقامة نقاط تفتيش أمنية للمشاة في معابر محددة داخل غزة، بالإضافة إلى التنسيق لإنشاء بنية تحتية تسمح بالمرور برًا وبحرًا وجوًا إلى الدول المستهدفة". وقد صرّح وزير المالية سموتريتش بأنه يأمل بأن يتمكن من تهجير 10,000 فلسطيني قسرًا يوميًا، بهدف تطهير غزة عرقيًا بالكامل في غضون ستة أشهر.
من اهم مهمات الدائرة، إنشاء ما يُسمّى بالممرات "الإنسانية" التي يمكن استعمالها لتهجير الفلسطينيين قسرًا إلى الدول الاخرى. وقد نفت مصر بشدة التصريحات الكاذبة حول موافقتها واستعدادها لاستيعاب 500 ألف لاجئ فلسطيني من غزة. وقد صرحت الهيئة العامة للاستعلامات في القاهرة في بيان لها بأنّ "هذه الادعاءات الكاذبة تتعارض جوهريًا وتاماً مع موقف مصر الثابت والمبدئي، الرافض تمامًا لأيّ محاولة لتهجير إخواننا الفلسطينيين قسرًا أو طواعيةً". وورد أنّه تمّ التواصل مع دول أخرى مثل (السودان والصومال وأرض الصومال) لمناقشة إعادة توطين اللاجئين الفلسطينيين، لكنّ جميعها رفضت هذه العروض.
يأتي هذا الخبر مع دخولنا في الأسبوع الرابع من الحصار الشامل المفروض ومنع دخول المساعدات على قطاع غزة. هنالك 6 من أصل 23 مخبزًا يديرها برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة قد أُغلقت بالفعل بسبب نقص غاز الطهي. وأعلنت الأونروا في 21 آذار أنه تبقى لديها 60 ألف كيس دقيق فقط، والتي تكفي لستة أيام من التوزيع. من الواضح ان ليس في الامر مبالغة في تقدير التكلفة الإنسانية لهذا الحصار، فالأطفال يموتون جوعًا نتيجة افعال المنظومة الإسرائيلية والدول الاستعمارية الغربية التي تدعم الإبادة الجماعية الإسرائيلية.
ولا يقتصر هذا النمط من التهجير القسري والاستعمار على غزة. فالمنظومة الاسرائيلية تواصل توسيع استعمارها للضفة الغربية أيضًا، بمنح "الاستقلال" لثلاث عشرة مستوطنة. هذا "الاستقلال" يمنحها ميزانيات مستقلة ومجالس بلدية خاصة بها، مما يُرسّخ هيمنة المنظومة الإسرائيلية ويدعم توسعها أيضًا.
ردود الفعل الدولية
الخطوات الأخيرة، شأنها شأن استراتيجية المنظومة الاستعمارية والإبادة الجماعية على نطاق اوسع، تعتمد على الدعم القوي من الحكومة الأمريكية. فقد صرّح كاتس بأن هدفهم هو "تنفيذ رؤية الرئيس الأمريكي"، والتي تهدف الى تهجّير 2.2 مليون فلسطيني من غزة قسرًا وتُحويل أراضيها إلى مشاريع عقارية. وبينما يستمر الاستعمار الإسرائيلي بلا هوادة، يُعيد المبعوث الأمريكي الخاص للشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، تأكيد تواطؤ حكومته في الإبادة الجماعية الإسرائيلية، قائلاً: "الولايات المتحدة تقف إلى جانب دولة إسرائيل. هذا التزام كامل". تُوضّح هذه التصريحات، وغيرها الكثير، أن الولايات المتحدة ليست متواطئة فقط في أعمال الإبادة الجماعية التي ترتكبها المنظومة الإسرائيلية، بل هي في الواقع المُنشئ والممول والشريك.
بالرغم من تصريحات الأونروا التي أدانت الحصار المفروض من قبل المنظومة الاسرائيلية، وكررت دعواتها لرفع الحصار، وإيصال المساعدات الإنسانية والإمدادات التجارية دون انقطاع وعلى نطاق واسع، إلا أن الدول لم تتحرك. ونظرًا لغياب الإجراءات العملية المباشرة، وعدم فرض العقوبات من الدول لوقف الإبادة الجماعية، قرر الأمين العام للأمم المتحدة "تقليص تواجد الأمم المتحدة في غزة، حتى مع تزايد الاحتياجات الإنسانية وتزايد القلق بشأن حماية المدنيين"، بالإضافة الى سحب 100 موظف دولي من غزة.
كما واصلت وسائل الإعلام الغربية ترسيخ تواطؤها من خلال تطبيع الجرائم الإسرائيلية وكأنها أمور عادية وعبر ترويجها لأكاذيب المنظومة الإسرائيلية، وتصوير التطهير العرقي في غزة على أنه قصة "مغادرة طوعية".
تواطؤ الدول
إن تقاعس الدول على اتخاذ إجراءات مباشرة فعّالة لوقف جرائم القتل المتعمد والتجويع والتهجير القسري المستمرة المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني يجعلها متورّطّة في الإبادة الجماعية المستمرة التي ترتكبها المنظومة الإسرائيلية. كما ويُعدّ إنشاء "دائرة التهجير القسري" مؤخرًا أحد أحدث المؤشرات الواضحة والقاطعة على نية المنظومة الاستعمارية الإسرائيلية على تطهير غزة عرقيًا، بدعم من حكومة الولايات المتحدة وحلفائها الاستعماريين الآخرين. يجب على الدول فرض جميع أنواع العقوبات الاقتصادية والعسكرية والسياسية على المنظومة الإسرائيلية وعلى جميع داعميه الاستعماريين، وإلا فإن تقاعسها يُعدّ تواطؤًا في الإبادة الجماعية وغيرها من الجرائم الدولية المرتكبة.