أخبار بديــل
ما زالت الدول الاستعمارية الغربية تواصل لأكثر من عام كامل دعمها غير المشروط لمنظومة الاستعمار والفصل العنصري الإسرائيلي، في ذات الوقت الذي تقوم فيه الاخيرة بجرائم تطهير عرقي وابادة جماعية في قطاع غزة. تلك الدول، المتواطئة على مدى عقود من الزمن مع المنظومة الاستعمارية الإسرائيلية القائمة على الهيمنة والنكبة المستمرة، ما زالت تتستر وراء قشرة رقيقة من "القلق البالغ". وطوال حرب الإبادة الجماعية في غزة والعدوان على لبنان، صار تواطؤ هذه الدول أكثر وضوحاً من أي وقت مضى، وذلك من خلال تقديم الدعم العسكري بقيمة مليارات الدولارات، والتوفير المستمر للغطاء السياسي على الجرائم الإسرائيلية، والترويج للدعاية والأكاذيب الإسرائيلية ونشرها، والقمع المتصاعد ضد حركات التضامن العالمية مع فلسطين.
ان الدعم العسكري الذي تقدمه الدول الاستعمارية أساسياً للمنظومة الاستعمارية الاسرائيلية، فمن خلاله تمكنت اسرائيل من الاستمرار بالقصف، والتدمير الممنهج، ومن القتل الجماعي في جميع أنحاء قطاع غزة وجنوب لبنان. تشير التقديرات إلى أنه منذ 7 أكتوبر 2023، قدمت الولايات المتحدة وحدها لإسرائيل مساعدات عسكرية تزيد قيمتها عن 17.9 مليار دولار، بما في ذلك تزويدها بأحدث نظام لاعتراض الصواريخ (ثاد) - تطوير شركة لوكهيد مارتن – الذي يقوم بتشغيله الجنود الأمريكان. كما وافقت ألمانيا، إحدى أكبر موردي الأسلحة لإسرائيل منذ عقود، في الأسابيع القليلة الماضية على دعم "إسرائيل" من خلال تقديم مساعدات عسكرية بقيمة 33.7 مليون دولار. فمن غير هذا الدعم العسكري من هذه الدول وغيرها، لم تكن لمنظومة الاستعمار والفصل العنصري الإسرائيلية قدرة لتنفيذ حرب الإبادة الجماعية في قطاع غزة، ناهيك عن الاستمرار فيها لأكثر من عام.
منذ بداية حرب الإبادة الجماعية الإسرائيلية على قطاع غزة، تواصل الدول الاستعمارية الغربية أيضًا توفير الغطاء السياسي لإسرائيل لتحصينها من العقاب، وما زالت تتبنى الادعاء بـ "حقها في الدفاع عن النفس" لحمايتها من أية مساءلة قانونية ممكنة. وقد وصف عدد من المسؤولون الألمان، بما في ذلك وزيرة الخارجية أنالينا بيربوك والمستشار أولاف شولتس، مراراً وتكراراً ضمان أمن إسرائيل بأنه جزء أساسي من السياسة الخارجية لألمانيا. ففي 13 أكتوبر2024، وقفت بيربوك أمام البرلمان ودافعت عن استهداف إسرائيل للمدنيين في غزة بقولها: “لقد أوضحت في الأمم المتحدة أن المواقع المدنية قد تفقد وضعها المحمي إذا أساء الإرهابيون استخدام هذا الوضع. هذا ما تمثله ألمانيا – وهذا ما نعنيه عندما نشير إلى أمن إسرائيل”.
ويمتد التواطؤ السياسي الألماني ليصل الى تقديم اعلان بالتدخل لدعم المنظومة الاستعمارية الاسرائيلية في قضية الإبادة الجماعية التي رفعتها دولة جنوب أفريقيا أمام محكمة العدل الدولية، وقامت بتعليق تمويلها لوكالة الأونروا وسط المجاعة واسعة النطاق والحصار المستمر الذي فرضته اسرائيل على قطاع غزة، وأيضا قيامها بالمعارضة أو بالامتناع بشكل مستمر عن التصويت على تبني أي من قرارات الأمم المتحدة (مثل قرار الجمعية العامة الذي يدعو إلى وقف إطلاق النار وقرار مجلس حقوق الإنسان بشأن حظر الأسلحة). وبشكل مماثل، امتنعت المملكة المتحدة عن التصويت على ثلاث قرارات لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة كانت تهدف إلى إنهاء ووقف الإبادة الجماعية، في حين أحبطت الولايات المتحدة الامريكية تلك الجهود بشكل فعّال، واستخدمت حق النقض (الفيتو) ضد كل هذه القرارات.
إن غياب الإرادة السياسية للدول لمحاسبة منظومة الاستعمار والفصل العنصري الإسرائيلي يظهر بشكل أكبر في رفضها باتخاذ أي خطوات واجراءات عملية تهدف إلى إجبار إسرائيل على الامتثال للتدابير المؤقتة التي صدرت عن محكمة العدل الدولية، بل تكتفي تلك الدول بالوقوف مكتوفة الأيدي، في الوقت الذي تستمر فيه المحكمة الجنائية الدولية بتأجيل إصدار مذكرات اعتقال ضد الإسرائيليين مرتكبي جرائم الإبادة الجماعية لأكثر من أربعة أشهر. إن أفعال هذه الدول وامتناعها عن اتخاذ أي إجراءات أخرى لا تشير فقط إلى السقوط الأخلاقي والسياسي بشكل عميق، بل ايضاً تشير إلى تجاهلها الكامل لآليات المساءلة الدولية.
بالإضافة الى ذلك، فشلت تلك الدول الاستعمارية في توفير الحماية لقوات الأمم المتحدة ووكالاتها. فبالرغم من قيام المنظومة الاستعمارية الإسرائيلية بقتل 226 من موظفي الأونروا، وهو العدد الاعلى في التاريخ، وقيامها بتدمير ثلثي مرافق ومنشآت الأونروا في قطاع غزة، إلا أن تلك الدول لم تتحرك. وكذلك لم تتخذ أي إجراءات ذات معنى لحماية وكالة الأمم المتحدة الوحيدة المكلفة بتقديم المساعدات والخدمات للاجئين الفلسطينيين، رداً على قيام الكنيست الإسرائيلي بإعطاء الضوء الأخضر لتمرير مشروعي قانون يتعارضان بشكل واضح مع القانون الدولي، واللذين يهدفان الى وقف عمل الأونروا وطردها من الضفة الغربية وقطاع غزة. وعندما هاجمت القوات الإسرائيلية قواعد اليونيفيل في لبنان، لم تقدم فرنسا وألمانيا وإيطاليا والمملكة المتحدة سوى إدانات فارغة، وفشلت في اتخاذ أي إجراءات حاسمة للحد من العدوان الإسرائيلي على لبنان، بل وتمادت في تواطؤها.
أما على المستوى الداخلي للدول الاستعمارية، فقد قامت بإجراءات مباشرة وفعّالة أيضا لقمع وتجريم حركات التضامن مع فلسطين. ففي الولايات المتحدة، قامت الشرطة بقمع طلاب الجامعات الذين نظموا الاعتصامات وأعلوا صوتهم في وجه جرائم الإبادة الجماعية، وعملت السلطات الحكومية على زيادة حجم المراقبة ضد الفلسطينيين وأيضا ضد المتضامنين معهم. وقامت ألمانيا بقمع جميع أشكال التضامن مع فلسطين بشكل كبير، حيث منعت الاحتجاجات والمظاهرات الداعمة لفلسطين، وفرضت غرامات على المتظاهرين لاستخدامهم بعض الشعارات مثل "من النهر إلى البحر"، كما وهددت المتظاهرين بترحيلهم من المانيا، ومنعت دخول العديد من النشطاء البارزين الذين ينتقدون المنظومة الاستعمارية الإسرائيلية.
ومع تصاعد وتيرة الإبادة الجماعية الإسرائيلية، وخاصة في شمال قطاع غزة، واستمرار تصاعد عدوانها على لبنان، فإن الدول تبقى ملزمة بموجب القانون الدولي باتخاذ اجراءات عملية أهمها حظر الأسلحة وفرض العقوبات الدبلوماسية والاقتصادية على اسرائيل. وأن أي دولة تستمر في تقديم الدعم الاقتصادي والسياسي والعسكري لا تعتبر متواطئة فحسب، بل مشتركة فعليا في ارتكاب تلك الجرائم الإسرائيلية.