أخبار بديــل
مع مواصلة ارتكاب الإبادة الجماعية في قطاع غزة لما يقارب العام، صعّدت إسرائيل من عدوانها على لبنان، فكثّفت غاراتها الجوية على البلدات اللبنانية وبدأت بالتمهيد لغزو بريّ على حد سواء. لقد عكس عدوان إسرائيل في لبنان سياساتها في غزّة، والتي كان أبرزها: نشر الأكاذيب والدعايات المغلوطة لتبرير عدوانها وتشويه صورة المقاومة، وتهجير السكان قسرا من خلال أوامر الإخلاء غير القانونية، والقصف الجماعي للمدنيين، والتدمير الشامل للمنازل والبنية التحتية. وكما هو الحال في غزة، تم تنفيذ هذه الأعمال بدعم سياسي وعسكري من حلفاء إسرائيل، لترسيخ وتوسيع الهيمنة الاستعمارية الغربية لمنظومة الاستعمار والأبرتهايد الإسرائيلية في المنطقة.
لقد شكلت آلة الدعاية الإسرائيلية عنصرا أساسيا في الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة، والآن في عدوانها على لبنان. ففي 23 سبتمبر/أيلول 2024، عندما أطلقت إسرائيل حملتها الجوية المكثفة على لبنان، أصدرت القوات الإسرائيلية أول مقاطع الفيديو الدعائية، والتي الحقتها بالعدد من الفيديوهات، والتي ادعت فيها أن حزب الله "نشر أسلحته داخل المنازل، وقام بعسكرة البنية التحتية المدنية [...] وحوّل جنوب لبنان إلى ساحة معركة". وفي تلك الليلة، وفي أعقاب الغارات الجوية التي قتلت ما لا يقل عن 558 لبنانيا وجرحت أكثر من 1800 آخرين، أصدر مجرم الحرب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو مقطع فيديو، قال فيه: "لفترة طويلة جدا، كان حزب الله يستخدمكم [الشعب اللبناني] كدروع بشرية. لقد وضع صواريخ في غرف معيشتكم وصواريخ في مخازنكم". تعكس هذه الدعاية اتهامات مماثلة وجهتها إسرائيل ضد حركة حماس في غزة، حين ادعت بأن المقاومة تختبئ في المدارس وتعمل من تحت المستشفيات. تهدف هذه الادعاءات الكاذبة، التي تضخمها وسائل الإعلام الغربية السائدة، إلى شيطنة المقاومة وخلق مناخ من التأييد الدولي لتبرير الجرائم التي ستتبع هذه الادعاءات وشرعنتها. وعلاوة على ذلك، وكما رأينا في غزة والآن في لبنان، فإن مثل هذه الادعاءات غالباً ما تسبق الهجمات الإسرائيلية المكثفة على المدنيين والمناطق المدنية، بما في ذلك المدارس والمستشفيات ومرافق الأمم المتحدة والأحياء السكنية.
وكما حدث في حالة قطاع غزة، فقد بدأ المسؤولون الإسرائيليون في نشر دعوات الإبادة الجماعية في لبنان بشكل علني. ففي أغسطس/آب، أعلن قائد لواء في الجيش الإسرائيلي أن "قرى لبنان سوف تصبح أطلالا، وأن طرقها سوف تصبح غير سالكة"، وقال علناً: "أتمنى أن يرتكب مقاتلونا إبادة جماعية". وفي الحادي والعشرين من سبتمبر/أيلول، وفي أعقاب الهجمات التي شنتها إسرائيل من خلال تفجير أجهزة الـ "بيجرز" في لبنان وقبل يومين من شن عدوانها الجديد، أعلن وزير التعليم الإسرائيلي يوآف كيش أن "الطريقة التي تتقدم بها الأمور في الوقت الحالي سوف تؤدي إلى تدمير لبنان".
خلال الإبادة الجماعية المستمرة في قطاع غزة، استخدمت إسرائيل سياسة القتل المتعمد ضد المدنيين وقصفت كامل القطاع تقريبا، مما أسفر عن استشهاد أكثر من 41,600 فلسطيني وإصابة أكثر من 96,600. وفي لبنان، تمارس إسرائيل نفس التكتيكات، وتستهدف المدنيين بشكل ممنهج وترتكب العديد من المجازر. لقد قتلت إسرائيل منذ 8 أكتوبر من العام الماضي 1,928 لبنانيًا (بما في ذلك 800 منذ 23 سبتمبر 2024) وأصابت 9,290 من خلال الغارات الجوية، بما في ذلك الفوسفور الأبيض المحظور دوليا.
وفي قطاع غزة، هجّرت إسرائيل أكثر من 1.9 مليون فلسطيني قسرا، وأخضعتهم لظروف مصممة لتسبّب موتهم البطيء، وبالتالي تطبيق بوضوح عملا من أعمال الإبادة الجماعية. وقد ظهر نمط مماثل في لبنان بعد 23 سبتمبر/أيلول، حيث أصبح التهجير القسري الجماعي سمة من سمات العدوان الإسرائيلي. ونتيجة للهجمات المتواصلة وعشرات "أوامر الإخلاء" الصادرة للقرى في جنوب لبنان، هُجّر أكثر من مليون شخص بشكل قسري. وبحسب بيان لمنظمة "أنقذوا الأطفال" الدولية: "يلجأ أكثر من 154 ألف مهجر حالياً في 851 ملجأ نشطاً، بما في ذلك المدارس العامة، حيث يعمل 70% منها بالفعل بكامل طاقتها، وبعضها فقط مجهز بمرافق استحمام مناسبة ومرافق صرف صحي وماء ساخن وتدفئة. ويقيم آخرون مع أسر مضيفة، في ظروف مكتظة غالباً".
بالإضافة الى ما سبق، فإن العدوان الإسرائيلي الشامل أسفر عن دمار واسع النطاق في مختلف أنحاء لبنان. وتشير تقارير مكتب المفوض السامي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة إلى أن الهجمات الإسرائيلية دمرت أو ألحقت الضرر بعشرات الآلاف من المنازل حتى قبل العدوان الحالي في سبتمبر/أيلول. كما أفاد مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية التابع للأمم المتحدة بأن "حوالي 40 من 317 مركزاً للرعاية الصحية الأولية ومستشفيين قد توقفت عن تقديم الخدمات بسبب التصعيد". كما أدى إلحاق الضرر بـ 25 مرفقاً للمياه إلى تعطيل إمدادات المياه لأكثر من 360 ألف شخص في لبنان. وفي غزة، أدت سياسة التدمير واسع النطاق إلى إلحاق الضرر بأغلب المستشفيات و80% من المدارس و92% من الطرق الرئيسية و67% من البنية التحتية والمرافق الحيوية و63% من المنازل.
تتفاقم معاناة الفلسطينيين اليوم في قطاع غزة بسبب فرض إسرائيل – بشكل متعمد – مجموعة كبيرة من الظروف التي تؤدي الى الإبادة الجماعية، بما في ذلك التهجير القسري، والتجويع، والظروف الصحية والمعيشية الخطرة، وعرقلة عمل الوكالات الإنسانية التي تقدم المساعدات والخدمات، تحديدا الأونروا. ومع مواجهة الشعب اللبناني للتهجير القسري الجماعي، والمجازر، وتدمير البنية التحتية، فإنه من الواضح أن إسرائيل تستخدم الان في لبنان نفس أسلوب التدمير الذي يتسبب بأكبر معاناة على النحو الذي يجري استخدامه منذ ما يقارب العام في قطاع غزة.
مع استمرار إسرائيل في تصعيد عدوانها على لبنان ـ وخاصة مع الغزو البري ـ والإبادة الجماعية في قطاع غزة، فمن الأهمية بمكان أن نؤكد مجدداً أن الحل الوحيد لإيقاف إسرائيل عن ارتكاب جرائمها هو قطع الدعم اللامحدود من جانب الدول الاستعمارية المتواطئة مع منظومة الاستعمار والأبرتهايد الإسرائيلية. إن انهاء الإبادة الجماعية في قطاع غزة والعدوان على لبنان يوجب على الدول حظر تزويد إسرائيل بالأسلحة وفرض عقوبات اقتصادية وسياسية عليها على الفور.