أخبار بديــل

"القلق" والتصريحات الفارغة لن يوقفا الإبادة الجماعية الإسرائيلية المستمرة في رفح!
"القلق" والتصريحات الفارغة لن يوقفا الإبادة الجماعية الإسرائيلية المستمرة في رفح!

بعد مرور خمسة أشهر تقريباً على بدء الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في قطاع غزة، لا يزال الفلسطينيون بلا حماية؛ يقتلون ويهجرون ويجوعون ويشردون مراراً وتكراراً. لقد دأبت الدول الاستعمارية الغربية ودول عربية على تقديم تصريحات فارغة تعبر فيها عن قلقها ومخاوفها. وفي الوقت ذاته، لم يتخذ أي طرف منها أية إجراءات عملية لمنع الإبادة الجماعية التي ترتكبها اسرائيل، متجاهلين التدابير المؤقتة التي اتخذتها محكمة العدل الدولية. كما تواصل القوى الاستعمارية الغربية، مثل الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء، والمملكة المتحدة، وكندا، وأستراليا، تسليحها ودعمها لإسرائيل. امّا فيما يخصّ الفلسطينيين في قطاع غزة، فتكتفي هذه الدول بالتعبير عن مخاوفها بشأن الأزمة الإنسانية والإخلاء الآمن للفلسطينيين من رفح!

لقد وصلت حرب الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل الآن إلى نقطة حرجة في هجومها المستمر على مدينة رفح، والتي تقع على طول حدود قطاع غزة مع مصر. مدينة رفح، التي كان عدد سكانها قبل الحرب حوالي 300 ألف نسمة، تعج الآن بحوالي 1.4 مليون شخص - أكثر من نصف سكان القطاع – ممن هُجّروا إلى مخيمات وشقق مكتظة وملاجئ مؤقتة، بعد أن أجبرت إسرائيل الفلسطينيين على الرحيل الى رفح بعد إعلانها "منطقة آمنة". "، فيما يتواصل قصف مناطق شمال ووسط غزة منذ أكثر من أربعة أشهر.

في 12 فبراير/شباط من العام الجاري، طلبت جنوب أفريقيا من محكمة العدل الدولية البحث فيما إذا كان الهجوم الإسرائيلي المخطط له على رفح يتطلب إجراءات طارئة إضافية لحماية حقوق الفلسطينيين. وأعربت حكومة بريتوريا عن قلقها من أن يؤدي الهجوم على رفح إلى مزيد من القتل والأذى والدمار على نطاق واسع. وعلى الرغم من أن محكمة العدل الدولية ذكرت أن التطور في رفح من شأنه أن "يزيد فعليا ما يشكل حاليا كابوسا إنسانيا ذا عواقب إقليمية لا توصف"، إلا أنها اعتبرت التدابير المؤقتة المشار إليها في 26 كانون الثاني/يناير كافية.

وفي ردها على طلب جنوب أفريقيا المقدم إلى محكمة العدل الدولية، زعمت إسرائيل أنها تتبع وتلتزم بالإجراءات المؤقتة. ومع ذلك، فإن تصرفاتها تشير بوضوح إلى التجاهل التام للتدابير المؤقتة والقانون الدولي، حيث تواصل إسرائيل مهاجمة رفح، وتقييد دخول المساعدات الإنسانية، وعرقلة عمليات الأمم المتحدة والوكالات الإنسانية الدولية في قطاع غزة.

علاوة على ذلك، حذرت وكالات الإغاثة من أن الفلسطينيين في رفح ليس لديهم مكان آخر يذهبون إليه، وأنه لم يتم طرح أي خطة للإخلاء. وتساءلت جولييت توما، المتحدثة باسم وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، "إلى أين سيتم إجلاء الناس؟ لا يوجد مكان آمن في جميع أنحاء قطاع غزة، فحتى الشمال ممزق ومليء بالأسلحة غير المنفجرة، إنه مكان لا يمكن العيش فيه."

والحقيقة هي أن مصطلحي "الأزمة الإنسانية" و"غير القابل للعيش" لم يعودا كافيين لوصف الوضع الحالي في قطاع غزة بدقة. لقد تجاوزت إسرائيل هذا الخط، بقبول المجتمع الدولي بحصارها المستمر منذ 17 عاما. لا يمكن وصف الوضع الحالي في قطاع غزة إلا على أنه إبادة جماعية، وهي الكلمة التي ترفض الدول الاستعمارية الغربية استخدامها.

لقد صرّحت الولايات المتحدة الأمريكية مراراً وتكراراً أنها ستعارض أي تهجير للفلسطينيين من غزة، وحثّ بايدن إسرائيل على تقديم "خطة قابلة للتنفيذ وذات مصداقية"، وأكد أن "الولايات المتحدة لا تمول مخيمات في مصر للنازحين الفلسطينيين". ومع ذلك، هناك دفعة جديدة لمزيد من الأسلحة الأمريكية التي سيتم إرسالها لدعم العدوان الإسرائيلي على رفح. وبالإضافة إلى ذلك، مارست الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) للمرة الثالثة على قرار وقف إطلاق النار في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة – مما يعطى الضوء الأخضر بشكل صارخ لمواصلة القصف الإسرائيلي المستمر على رفح ولاستمرار الإبادة الجماعية.

كما أن شعور المملكة المتحدة بالقلق بشأن "التكاليف البشرية المحتملة"، ومواصلتها الحديث عن "الفظائع" التي وقعت في 7 أكتوبر، واصرارها على "حق إسرائيل في الدفاع عن النفس"، يبقى كلاما فارغا في ظل التنكر للإبادة الجماعية التي ترتكبتها إسرائيل، والتهرب من التزاماتها بمنع الإبادة الجماعية. علاوة على ذلك، امتنعت المملكة المتحدة عن التصويت على القرار الأخير لوقف إطلاق النار في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة.

وقد أعرب الاتحاد الأوروبي، من خلال ممثله جوزيب بوريل، مراراً وتكراراً عن قلقه بشأن "الوضع الكارثي" في قطاع غزة، والعواقب الإنسانية الوخيمة للهجوم على رفح. ومع ذلك، لم تتخذ الدول الأعضاء أية تدابير لوقف المعاملة التفضيلية لإسرائيل في الاتحاد الأوروبي، مثل اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وإسرائيل، ولا فرضت عقوبات اقتصادية أو دبلوماسية أو عسكرية ضد إسرائيل. في حين أنه "لا يمكن لطرف آخر أن يفعل ما تفعله الأونروا" وفقا لجوزيب بوريل، فإن العديد من الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي قامت بالفعل بوقف تمويل الأونروا، بعد ادعاءات لا أساس لها من الصحة قدمتها إسرائيل. وفي بيان صدر مؤخراً، دعت 26 دولة عضو في الاتحاد الأوروبي بشكل مشترك إلى "هدنة إنسانية فورية من شأنها أن تؤدي إلى وقف مستدام لإطلاق النار" في غزة. ومع استمرار العديد من الدول في تزويد إسرائيل بالأسلحة، و/أو الإصرار على الدفاع عن "حق إسرائيل في الدفاع عن النفس"، فإن مثل هذا الإعلان الأجوف تعبير عن المزيد من الازدواجية والتضليل التي تخدم خطط إسرائيل لمواصلة الإبادة الجماعية.

امّا الدول العربية، فقد حذرت من تصعيد إقليمي للحرب، لكنها لم تتخذ أي إجراء لتحدي إسرائيل، وتكتفي بدعواتها الفارغة لوقف إطلاق النار. فقد أعربت مصر عن قلقها من أن يؤدي الهجوم البري على رفح إلى دفع مئات الآلاف من النازحين الفلسطينيين عبر الحدود، وهو أمر محتمل للغاية. وفي حين تؤكد التصريحات الحكومية الرسمية أن أعمال البناء التي تجري على الجانب المصري من رفح هي لتجهيز موقف للشاحنات ومستودع للتخزين. وربما يكون هذا مؤشرا على أن مصر تستعد لأسوأ السيناريوهات اي الترحيل القسري الجماعي للفلسطينيين إلى سيناء.

وفي حين أن إسرائيل هي الكيان الرئيسي المسؤول عن ضمان حماية الفلسطينيين وسلامتهم وأمنهم، فإن على جميع الدول واجب منع الإبادة الجماعية.

إن التصريحات التي لا معنى عملي لها لن تضمن دخول المساعدات الإنسانية الكافية ولن تضع حدا للقتل والجوع والتهجير والمرض الذي يعيشه الفلسطينيون الآن. إن مخاوف هذه الدول وتحذيراتها واهتمامها المفترض بإجلاء آمن للفلسطينيين من رفح، ليست أكثر من تسهيل الغزو الإسرائيلي لرفح. إن ما يسمى "إجلاء" الفلسطينيين من رفح هو مجرد وسيلة أخرى تستخدمها إسرائيل لقتل الفلسطينيين أو إجبارهم على التهجير مرة أخرى، بدعم من حلفائها من الدول الاستعمارية. ولكي تكون عمليات الإجلاء متوافقة مع القانون الدولي الإنساني، يجب أن تتم لصالح السكان وسلامتهم، وليس لصالح الحرب الإسرائيلية.

لم تحرز مواقف وبيانات الدول وتصريحاتها، خلال الأشهر الأربعة الماضية، أي تقدم في منع ووقف الإبادة الجماعية الإسرائيلية في قطاع غزة. بل على العكس من ذلك، فإن مثل هذه الكلمات الفارغة، الخالية من الأفعال، أدت إلى مقتل 29195 فلسطينيا، وتهجير 1.7 مليون فلسطيني داخليا قسرياً في قطاع غزة.

إذا كانت مخاوف الدول وتحذيراتها صادقة، فيجب عليها اتخاذ التدابير التالية، امتثالاً لالتزاماتها بمنع المزيد من الإبادة الجماعية:

• عليها الاعتراف بأن ما يجري في قطاع غزة هو إبادة جماعية، وعليها فرض وقف إطلاق نار فوري وغير مشروط.

• ضمان توفير وادخال المساعدات الإنسانية بلا شروط او قيود، من خلال إيصال القوافل البرية والجوية والبحرية دون عوائق

• وقف أية مساعدات عسكرية واقتصادية وسياسية لإسرائيل وفرض العقوبات عليها

• استئناف وزيادة التمويل للأونروا، باعتبارها الوكالة المفوضة من قبل الأمم المتحدة والتي تتمتع بأكبر قدر من الحضور والامكانيات والشرعية لتقديم المعونة والمساعدة في قطاع غزة.

• رفع الحصار المستمر منذ 17 عاماً عن قطاع غزة.