أخبار بديــل

بيان صحفي ومذكرة منظمات حقوق الإنسان العربية الى الاتحاد الاوروبي لمراجعة موقفه من القضية الفلسطينية

نص المذكرة

بعث أمس مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان بمذكرةX حول القضية الفلسطينية إلى سفير السويد بالقاهرة باعتبارها الدولة رئيس الاتحاد الأوروبي، وطلب توزيعها على الحكومات الأوروبية. حثت الرسالة المرفقة بالمذكرة حكومات أوروبا على اتخاذ موقف يتسق مع مبادئ حقوق الإنسان إزاء هذه القضية، وخاصة بالعمل على استصدار قرار من لجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة يدعم حقوق الشعب الفلسطيني في اجتماعاتها الجارية الآن، والتي ستقترع على القرار الخاص بفلسطين في 18 أبريل القادم.

تشكل المذكرة مدخلا لحوار بعيد المدى مع الاتحاد الأوروبي حول مخاطر تسييس حقوق الإنسان والمعايير المزدوجة التي يجسدها بشكل صارخ استثناء دولة إسرائيل من المحاسبة عن انتهاكاتها الجسيمة لحقوق الإنسان، وحمايتها من العقاب.

أعدت هذه المذكرة بناء على المشاورات التي جرت في بروكسل في يناير الماضي بدعوة من الشبكة الأورومتوسطية لحقوق الإنسان لدراسة سبل تطوير موقف المجتمع الدولي تجاه حقوق الشعب الفلسطيني. شارك في الاجتماع عدد من المنظمات الدولية، وأعد ورقة العمل له مركز القاهرة وجمعية القانون بفلسطين.

جدير بالذكر أن مجموعة دول الاتحاد الأوروبي سبق أن امتنعت عن التصويت على قرار لجنة حقوق الإنسان في اجتماعها الخاص حول القضية الفلسطينية في أكتوبر الماضي، كما امتنعت الدول الأوروبية أيضا عن التصويت على مشروع القرار بتوفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني، والذي نوقش في مجلس الأمن منذ نحو أسبوعين.

تم تقديم المذكرة بعد مشاورات أجراها مركز القاهرة مع 31 منظمة عربية لحقوق الإنسان في احدى عشرة دولة عربية وفي فلسطين 48، وعدد من الخبراء العرب في المنظمات الدولية. وقد وقعت 32 منظمة عليها، وأرسلت صورة منها إلى مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان والمنظمات الدولية.

لاحظت المذكرة أن المجتمع الدولي احتاج 6 أشهر فقط لكي يجبر العراق على الانسحاب من الكويت، وبضعة شهور أخرى للتدخل في كوسوفا، في حين عجز المجتمع الدولي عن تنفيذ قرارات مضى على صدور بعضها أكثر من نصف قرن بخصوص حقوق الشعب الفلسطيني.

وأشارت المذكرة إلى أنه لم يسبق للمجتمع الدولي أن صبر كل هذا الزمن على ابتزاز دولة واحدة قامت على مدى أكثر من خمسين عاما بتهديد الأمن والسلم الدوليين وشن الحروب واحتلال أراضي الغير، وارتكبت أعمال تطهير عرقي شملت عدداً من المذابح الجماعية وتشريد خمسة ملايين لاجئ، دون أن يجرؤ المجتمع الدولي على إخضاعها للمحاسبة مثلما حدث مع العراق أو يوغسلافيا السابقة أو إندونيسيا. على حين ظلت معظم القرارات الإيجابية الصادرة من قبل هيئات الأمم المتحدة ضد إسرائيل ولصالح الشعب الفلسطيني حبرا على ورق، وحال استخدام الفيتو داخل مجلس الأمن دون تمرير أي مشروع قرار يرمي إلى إجبار إسرائيل على الامتثال للقرارات الصادرة بحقها.

واستعرضت المذكرة سجل جرائم إسرائيل الوحشية التي ما كان لها أن تتواصل بحق الشعب الفلسطيني، لولا الحماية الخاصة التي تسبغها الولايات المتحدة الأمريكية عليها من جانب، والمواقف الأوروبية التي تراوحت بين الإدانة اللفظية والتواطؤ من جانب آخر، وهو ما يؤمّنْ إفلات إسرائيل من العقاب واستمرار نزيف الشعب الفلسطيني في ذات الوقت.

وتوقفت المذكرة بشكل خاص أمام الجرائم ضد الإنسانية المتمثلة في التطهير العرقي، وكذلك أمام طبيعة النظام العنصري -الذي جرى تشييده ليس فقط داخل الأراضي التي أقامت عليها إسرائيل دولتها، بل أيضا داخل الأراضي المحتلة منذ عام 1967- والذي ارتكز على منظومة تشريعية تمأسس البنية الاجتماعية العنصرية على صعيد الملكية والاقتصاد والتوظيف والسكن والتعليم داخل إسرائيل، كما وجدت هذه العنصرية ترجمتها في إنكار حق العودة للسكان الأصليين، وفي التمسك بضم القدس والتمييز ضد سكانها العرب الذين يعاملون معاملة الأجانب، وفي تحويل الأراضي الفلسطينية المحتلة 1967 إلى "بانتوستانات" منعزلة عن بعضها البعض وفرض الطابع العنصري الاستيطاني على حساب السكان الفلسطينيين.

واستعرضت المذكرة كذلك ما حفلت به تقارير المنظمات الفلسطينية والدولية لحقوق الإنسان وتقارير اللجنة الدولية لتقصي الحقائق والمفوضية السامية لحقوق الإنسان والمقرر الخاص للأراضي المحتلة بالأمم المتحدة، من رصد لصور الاضطهاد المنظم للشعب الفلسطيني، وبخاصة منذ اندلاع الانتفاضة الفلسطينية.

وأوضحت المذكرة أن استمرار إعفاء إسرائيل من المحاسبة والعقاب يثير حفيظة الرأي العام في العالم العربي تجاه "عالمية حقوق الإنسان و "الحماية الدولية لحقوق الإنسان"، مما يبرر اعتبارها مظهرا إضافيا لمؤامرة دولية شاملة على شعوب المنطقة.

ونبهت المذكرة إلى أن استمرار إعفاء إسرائيل من المحاسبة يشكل أيضا نموذجا تعمل على توظيفه وتكراره دول أخرى، الأمر الذي يضع النظام الدولي برمته أمام مخاطر جادة، ويقود إلى التضحية بحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، وتقويض السلم والأمن في المنطقة ويهدد بالانهيار مجمل نظام الحماية الدولية لحقوق الإنسان.

وتقدمت المذكرة بعدد من التوصيات التي تشكل في جوهرها تأكيدا على أن آليات الحماية لم توضع لاستهداف دول بعينها واستثناء أخرى، وأن جميع دول العالم على قدم المساواة أمام هذه الآليات. كما تتوخى هذه التوصيات تقديم معالجة شاملة بعيدة المدى للقضية الفلسطينية من منظور حقوق الإنسان.

وفي مقدمة هذه التوصيات

  • دعوة مجلس الأمن لتشكيل قوة حماية دولية للشعب الفلسطيني وممتلكاته، وتوفير الحماية اللازمة للاجئين الفلسطينيين
  • تشكيل محكمة جنائية دولية لمحاكمة مجرمي الحرب الإسرائيليين على غرار المحكمة الخاصة بجرائم الحرب في يوغوسلافيا. وإلى حين ذلك فإن الدول المصادقة على اتفاقية جنيف الرابعة ملتزمة قانوناً بمقتضى الاتفاقية بملاحقة المتهمين بارتكاب مخالفات جسيمة للاتفاقية أو بالأمر بارتكابها، وبتقديمهم للمحاكمة
  • فرض العقوبات السياسية والاقتصادية اللازمة لإجبار إسرائيل على احترام وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية وتصفية المرتكزات المؤسساتية لنظامها العنصري، على غرار العقوبات التي اتبعت مع النظام العنصري السابق في جنوب أفريقيا
  • دعوة الجمعية العامة للأمم المتحدة لتحمل مسئولياتها القانونية تجاه الشعب الفلسطيني بالاستناد إلى قرارها رقم 377 لسنة 1950 المعروف بـ "الاتحاد من أجل السلم" والذي يحق لها بموجبه التدخل في القضايا التي تمس الأمن والسلم الدوليين طالما لمست تقاعسا وفشلا واضحا من مجلس الأمن في الوفاء بالتزاماته القانونية
  • دعوة أطراف عملية السلام في المنطقة، وخاصة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي إلى وضع اعتبارات حقوق الإنسان في بؤرة أية مفاوضات جديدة للسلام، باعتبارها الضمان الوحيد للتوصل إلى سلام حقيقي ودائم


جدير بالذكر أن مركز القاهرة كان قد قدم 3 بيانات شفهية مشتركة مع الجمعية الفلسطينية لحماية حقوق الإنسان والبيئة/ القانون، أثناء مداولات لجنة حقوق الإنسان بالأمم المتحدة خلال الأسبوعين الماضيين، تتناول بشكل مفصل انتهاكات إسرائيل لحقوق الشعب الفلسطيني
 

نص المذكرة

عالمية حقوق الإنسان في خطر

مصداقية آليات الحماية الدولية في خطر

 

لقد كان التحدي الرئيسي لفكرة عالمية حقوق الإنسان خلال العقد الأخير هو النسبية الثقافية، غير أن جهود مختلف الأطراف الحكومية وغير الحكومية ساهمت إلى حد كبير في تأسيس مرتكزات أعمق لوفاق عالمي أوسع نطاقا حول مبادئ حقوق الإنسان. ولكن بدأت تبرز عقبة خطيرة تهدد بتقويض العالمية، وهى استفحال مخاطر تسييس حقوق الإنسان وازدواجية المعايير والتي تتجسد بشكل أوضح في استثناء دولة بعينها من المحاسبة عن انتهاكاتها الجسيمة لحقوق الإنسان، وحمايتها من العقاب. هذه الدولة هى إسرائيل.

الأمر الذي يطرح بحدة سؤالا كبيرا. هل مازلنا بالفعل نسترشد جميعا بنفس المبادئ والقيم العالمية؟ هل مازلنا نستظل بنفس آليات حماية حقوق الإنسان؟

نظريا يمكن أن تكون الإجابة نعم . ولكن يستحيل الإجابة على الصعيد الميدانى بنعم. وهذا هو ما يشكل اكبر تهديد لفاعلية عمل آليات حقوق الإنسان. لقد احتاج المجتمع الدولي نحو 6 شهور فقط لكي يجبر العراق علي الانسحاب من الكويت، وبضعة شهور أخرى للتدخل في كوسوفا، بينما افتقر المجتمع الدولي إلى الحد الأدنى من الإرادة السياسية اللازمة لتنفيذ قرارات مضى علي صدور بعضها أكثر من نصف قرن، بداية من قرار عودة اللاجئين الفلسطينيين 194لعام 1948، وقرار تقسيم فلسطين رقم 181 لعام 1947، وقرار242 لعام 1967 بجلاء قوات الاحتلال الإسرائيلي عن الضفة وغزة والقدس والجولان والقرارين الأخيرين وثيقا الصلة بتمكين الشعب الفلسطيني من تقرير مصيره بنفسه.

حقا لم ينجح المجتمع الدولي في وقائع أخرى أحدث زمنيا وأقل مأساوية، مثل إجلاء الصين من التبت أو تركيا من قبرص، ولكن المؤكد أن كلتا الدولتين لم تتمتعا بحماية استثنائية خاصة في مجلس الأمن من دول العالم التي تتصدر واجهة الدفاع عن حقوق الإنسان، وبالأحرى لم يجر تقديم أي منهما باعتبارها واحة الديمقراطية، مثلما يحدث مع إسرائيل.

لم يسبق للمجتمع الدولي أن صبر كل هذا الزمن على ابتزاز دولة واحدة تهدد السلم والأمن الدوليين، وتشن الحروب، وتحتل أراضى الغير وتقوم بأعمال العدوان بشكل شبه يومي، فضلا عن أنها نظمت منذ بدء النـزاع عدة مذابح جماعية و أعمال تطهير عرقي - باعتراف مسئوليها السياسيين، وشهادة مؤرخيها الأكاديميين - أدت إلى تشريد ملايين اللاجئين، دون أن يجرؤ المجتمع الدولي علي إخضاعها لنفس معايير المحاسبة التي يطبقها علي بقية دول العالم.

لقد سبق للجمعية العامة للأمم المتحدة ولمجلس الأمن ولجنة حقوق الإنسان وغيرها من هيئات حقوق الإنسان بالأمم المتحدة أن اتخذت العديد من القرارات الإيجابية ضد إسرائيل ولصالح الشعب الفلسطيني ، ولكن كل هذه القرارات بقيت حبرا على ورق على مدار نصف قرن ، بل تعرض أي مشروع قرار لإجبار إسرائيل على تنفيذها إلى استخدام الفيتو لحمايتها، بينما أجبرت دول أخرى على الانصياع كالعراق ويوغوسلافيا السابقة وإندونيسيا وغيرها.

يتضمن سجل انتهاكات إسرائيل لحقوق الإنسان -الذي لم تحاسب عليه- الأنماط الرئيسية التالية:

أولا: ارتكاب جرائم ضد الإنسانية تتمثل باتباع عمليات تطهير عرقي منظم تشمل المذابح الجماعية وأعمال الترويع واقتلاع السكان وتشريد نحو خمسة ملايين منهم علي مدى أكثر من نصف قرن -تعتبر مأساتهم هى الأكبر والأقدم بين اللاجئين في العالم- فضلا عن قصف المدن والأحياء السكنية بالمدفعية والدبابات والصواريخ

ثانيا: إقامة نظام عنصري لا يقل في بشاعته ووحشيته عن النظام السابق في جنوب أفريقيا، يقوم علي سمو اليهود علي غير اليهود من السكان الأصليين –الذين هم ساميون أيضا- ويرتكز علي منظومة تشريعية تمأسس البنية الاجتماعية العنصرية علي صعيد الملكية والاقتصاد والتوظيف والسكن والتعليم ، وتترتب عليها داخل إسرائيل مواطنة من الدرجة الأولى والثانية، تبعا للانتماء الديني/ القومي، بالمخالفة للاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري التي وقعت عليها إسرائيل.

ويمثل الموقف الإسرائيلي من عودة اللاجئين الفلسطينيين مثالا بارزا على العنصرية، فضلا عن تعارضه مع القرار 194 لعام 1948للأمم المتحدة بخصوص عودة اللاجئين الفلسطينيين، والمادة 13 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والمادة 12من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية. إذ تنكر إسرائيل حق العودة للسكان الأصليين الذين مازالوا يمتلكون صكوك أملاكهم ومفاتيح بيوتهم، بينما يتيح قانون العودة الإسرائيلي الحق في الإقامة والتجنس بطريقة أوتوماتيكية لكل من يزعم أنه يهودي، بصرف النظر عن مكان ميلاده وإقامته.

ويمثل الموقف الإسرائيلي برفض إعادة القدس، نفس منطق الاستعلاء الديني العنصري على حساب الاعتبارات الدينية للمسلمين والمسيحيين. كما تشكل الممارسات التمييزية ضد السكان العرب -دون غيرهم- في القدس الشرقية مظهرا إضافيا للعنصرية، إذ تجري معاملتهم كأجانب، وينتفي عنهم حق المواطنة، ويسحب منهم حق الإقامة الدائمة إذا ما غادروا المدينة أو البلاد، الأمر الذي يشكل انتهاكا للمادتين الثانية والثالثة من العهدين الدوليين للحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمادتين 13، 26 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية وأحكام الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري.

ويمتد الطابع العنصري ليشمل الأراضي الفلسطينية المحتلة، التي يجري تحويلها إلى "بانتوستانات" منعزلة عن بعضها بالقوة المسلحة، وتخضع لعلاقات تبعية اقتصادية ذات طابع استعماري عنصري، تقوم على فرض الطابع العنصري الاستيطاني على حساب السكان الأصليين، وتوطين آلاف اليهود وغير اليهود الذين تم جلبهم من شتى بقاع الأرض في مقابل نفي وطرد الفلسطينيين عبر سلسلة مترابطة من الإجراءات والممارسات التمييزية والقمعية. وتشكل هذه الممارسات انتهاكا صارخا لأحكام اتفاقية جنيف الرابعة الخاصة بحماية المدنيين في وقت الحرب، والتي تحظر المادة 49 منها النقل الجبري الجماعي أو الفردي لسكان الأراضي المحتلة، ولا تجيز لدولة الاحتلال أن ترحل أو تنقل جزءا من سكانها المدنيين إلى الأراضي التي تحتلها. كما يؤكد استمرار هذه الممارسات إصرار إسرائيل على عدم الامتثال لقرارات الأمم المتحدة، وخاصة قرار الجمعية العامة رقم 2851 لعام 1971 الذي طالبها بإلغاء كافة إجراءات الضم والاستيطان، وقرار مجلس الأمن رقم 465 لعام 1980 الذي طالبها بتفكيك المستوطنات القائمة حينذاك، والامتناع عن بناء مستوطنات أخرى.

ثالثا: حرمان الشعب الفلسطيني من ممارسة الحق في تقرير مصيره بنفسه، الذي تكفله المادة الأولى في كل من العهدين الدوليين للحقوق المدنية والسياسية والحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، فضلا عن ميثاق الأمم المتحدة

رابعا: القيام بأعمال اضطهاد منظم على مدى نحو34 عاما ضد الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية، بهدف إجباره على التنازل عن حقوقه وسيادته على أراضيه وموارده ومقدساته الدينية، وقبول وضعية دونية عنصرية، تُسخّر بمقتضاها ثرواته الطبيعية ومياهه والعمالة الرخيصة لرفاهية إسرائيل، وذلك باستخدام أفظع وسائل القهر على النحو الذي تفصله بشكل سنوي تقارير المقرر الخاص للأمم المتحدة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وتقرير المفوضية السامية لحقوق الإنسان عن زيارتها للمنطقة، وتقرير لجنة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة في الأراضي الفلسطينية المحتلة. جدير بالذكر أن مجلس الأمن أكد في عدة مناسبات انطباق اتفاقية جنيف الرابعة على الأراضي الفلسطينية المحتلة بما في ذلك القدس، وطالب إسرائيل بالامتثال لأحكام هذه الاتفاقية، وخاصة من خلال قراراته 605 لعام 1987، 607 لعام 1988، 726 لعام 1992

وقد شهدت الشهور الستة السابقة تكثيفا هائلا لهذه الممارسات بل بلغت ذروة غير مسبوقة، باستخدام المدفعية والصواريخ والدبابات وطائرات الهيلوكبتر في قصف المدن والأحياء السكنية. ويمكن تصنيف هذه الانتهاكات فيما يلي:

الاستخدام المفرط للقوة بالمخالفة لمبادئ القانون الدولي وأحكام المادتين27 و 32 من اتفاقية جنيف الرابعة اللتين تكفلان حماية المدنيين ضد جميع أعمال العنف والتهديد به، وتحظر جميع التدابير التي من شأنها أن تسبب معاناة بدنية أو إبادة للأشخاص الذين تحميهم الاتفاقية. كما يشكل هذا الاستخدام خرقا فظا للحق في الحياة المكفول بموجب المادة 6 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والمادة 6 من اتفاقية حقوق الطفل، وقد أدى هذا الاستخدام إلى قتل نحو 400 فلسطينيا، 30% منهم أطفال، وإصابة ما يقرب من 12 ألفاً آخرين . كما أدى الاعتداء على أفراد الطواقم الطبية والقيود المغالي فيها على حرية التنقل _وذلك بالمخالفة لأحكام المادة 56 من اتفاقية جنيف الرابعة _ إلى ارتفاع حصيلة الضحايا والمعوقين.

قيام قوات الاحتلال الإسرائيلي –باعتراف المسئولين السياسيين والعسكريين- بارتكاب جرائم تصفية جسدية وإعدام خارج نطاق القضاء والقانون بحق الفلسطينيين في الأراضي المحتلة.

انتهاك أحكام المواد 33، 50، 52، 53، 55، 59، 60 من اتفاقية جنيف الرابعة، والمواد 52، 54 من البروتوكول الأول الملحق باتفاقيات جنيف، والمواد 6، 11، 12، 13 من العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وذلك بتنفيذ حزمة من إجراءات العقاب الجماعي للسكان المدنيين، شملت قصف المنشآت المدنية وهدم المنازل وتجريف الأراضي وتخريب المزروعات واقتلاع الأشجار وشن حرب تجويع شاملة، تمثلت أبرز ملامحها في الإغلاق المستمر للأراضي المحتلة والمنافذ والمعابر الحدودية، الأمر الذي حال دون التحاق ما لا يقل عن 120 ألف عامل بأعمالهم، وفاقم من البطالة، حيث شكلت نسبة المتعطلين 38% من مجمل القوى العاملة، تصل في الريف إلى نحو 85%، مما أدى إلى وضع الاقتصاد الفلسطيني علي حافة الانهيار، وفقا لتقارير منسق الأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط وممثل أمينها العام لدى السلطة الفلسطينية. ويفاقم من الوضع قيام إسرائيل بمنع وصول مواد الإغاثة الإنسانية وتوفير احتياجات السكان الأساسية من الأغذية والأدوية، الأمر الذي يهدد بمجاعة شاملة.

ممارسة التعذيب وسوء المعاملة بحق المحتجزين من الفلسطينيين -على النحو الذي تفصله تقارير لجنة مناهضة التعذيب بالأمم المتحدة - وهى الممارسات التي سبق للمحكمة العليا الإسرائيلية إسباغ المشروعية عليها، وتسعى السلطات لتقنينها من خلال تقديم اقتراح بقانون إلى الكنيست - الأمر الذي يشكل خرقا جسيما للمواد 27، 32، 37 من اتفاقية جنيف الرابعة وكذلك المواد 7، 10 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، ومجمل الضمانات التي تكفلها الاتفاقية الدولية لمناهضة التعذيب. كما أن قيام سلطات الاحتلال بنقل أكثر من 2000 من السجناء الفلسطينيين من محابسهم داخل الأراضي المحتلة إلى سجون أخرى داخل إسرائيل يأتي بالمخالفة لأحكام المادة 76 من اتفاقية جنيف الرابعة التي لا تجيز نقل المحتجزين من الأراضي المحتلة حتى إذا أدينوا.

القيام بمجموعة من الإجراءات الإدارية والتشريعية، بما في ذلك مصادرة الأراضي والأملاك التي من شأنها أن تؤدي إلى تغيير في الوضع القانوني للقدس، بالمخالفة لقرار مجلس الأمن رقم (252) لسنة 1968، وقرار مجلس الأمن رقم (267) لسنة 1969 وقرار الجمعية العامة رقم (298) لسنة 1971، وقرار مجلس الأمن رقم (476) لسنة 1980، والذي أعلن بطلان الإجراءات التي اتخذتها إسرائيل لتغيير وضع القدس، ودعاها إلى إلغائها بمقتضى قراره رقم (271)لعام 1969.

الاعتداء المتكرر على دور العبادة وحرمان السكان الفلسطينيين من الوصول إلى بعض المزارات الدينية وأداء الشعائر الدينية، وخاصة في القدس، بما يشكل انتهاكا لأحكام المادة 18 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، فضلا عن أن مجلس الأمن سبق أن أدانها في عدة مناسبات، خاصة من خلال قراره رقم (271) لعام 1969.

الاعتداء المتكرر على مقار ومراكز المؤسسات الإعلامية الفلسطينية وعلى الصحفيين، والتي شملت إطلاق الرصاص والضرب بالهراوات خلال تغطيتهم للأحداث وإصابة 40 صحفيا فلسطينيا، و6 من الصحفيين والمراسلين الأجانب بجراح. مما يشكل انتهاكا لحرية التعبير والحق في تداول المعلومات المكفولة بموجب المادة 19 من العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية وانتهاكا لأحكام المادة 79 من البروتوكول الأول الإضافي الملحق باتفاقيات جنيف التي توجب توفير الحماية للصحفيين خلال مباشرتهم لواجبهم المهني.

ونظرا لتكاثف هذا الاعتصار الوحشي لروح الشعب الفلسطيني في الشهور الأخيرة، فقد بدأت بعض مفردات خطاب الهولوكوست -مثل تعبير معسكرات الاعتقالالإسرائيلية- تتردد بشكل متزايد في مقالات الكتّاب الإسرائيليين الليبراليين المذعورين من الدرك الذي تنحدر إليه دولتهم ، خاصة وأن دوائر سياسية -بينها وزيران إسرائيليان- بدأت تطرح مخططات جديدة لتهجير وترحيل -"ترانسفير"- الفلسطينيين من الضفة وغزة، بل وعرب إسرائيل أيضا، الأمر الذي قد ينذر بموجة جديدة من أعمال التطهير العرقي.

لقد سبق أن استيقظ الضمير العالمي متأخرا على الجرائم التي ارتكبت ضد الإنسانية خلال الحرب العالمية الثانية وفي عدة مناسبات بعدها، و هاهو يكرر نفس الخطيئة، بصمته المشجع علي استمرار الاضطهاد الإسرائيلي المنظم للفلسطينيين على مدى أكثر من نصف قرن.

إنه لمن المفارقات الصادمة للضمير العالمي، أن فظائع الحرب العالمية الثانية كانت أحد أسباب ميلاد الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والاتفاقيات الأربع للقانون الدولي الإنساني، بينما يرفض أبناء وأقارب بعض ضحايا هذه الأهوال الامتثال لهذه المبادئ، وخضوع دولتهم للمحاسبة على أساسها.

إن ذلك لم يكن ممكنا أبدا، لولا الحماية الخاصة التي تسبغها الولايات المتحدة الأمريكية على إسرائيل، وخاصة داخل مجلس الأمن، وسط موقف أوروبي يتراوح بين الإدانة اللفظية والتواطؤ، الأمر الذي يفضي في نهاية المطاف إلى تحويل عشرات القرارات إلى مجرد لغو، ويؤمّن إفلات إسرائيل من العقاب، واستمرار نزيف الشعب الفلسطيني في نفس الوقت.

في هذا السياق يمكن فهم لماذا يسخر الناس في العالم العربي من الحديث المتكرر عن عالمية حقوق الإنسان والحماية الدولية لحقوق الإنسان، أو يعتبرونه مظهرا إضافيا لمؤامرة دولية شاملة علي شعوب المنطقة . يصبح مفهوما أيضا لماذا لا تتعرض حكومات هذه المنطقة للحد الأدنى من المحاسبة من شعوبها، رغم أن السجل الحقوقي لبعضها يعتبر من أسوأها علي الإطلاق علي الصعيد العالمي.

انطلاقا من ذلك، فإننا نؤكد على التوصيات العامة التالية:

أولا: دعوة مجلس الأمن لتحمل كافة مسئولياته في التصدي لجرائم الحرب الإسرائيلية وما ألحقته من أضرار فادحة بالسكان المدنيين، وذلك في إطار أحكام الفصلين السادس والسابع من ميثاق الأمم المتحدة. ويندرج في هذا الإطار

  • تشكيل قوة حماية دولية للشعب الفلسطيني وممتلكاته، تفصل بينه وبين قوات الاحتلال الإسرائيلي، وذلك إلى حين انسحابها ، وتمكين الشعب الفلسطيني من تقرير مصيره بنفسه.
  • توفير الحماية اللازمة للاجئين الفلسطينيين وفق ما نصت عليه المادة (1/ ء) من الاتفاقية الدولية للاجئين، خاصة وأنه التجمع الوحيد للاجئين في العالم الذي لا يستظل بآليات الحماية الدولية وإشراف مفوضية الأمم المتحدة العليا لشئون اللاجئين، مثلما لاحظت عن حق لجنة تقصي الحقائق التابعة للأمم المتحدة في تقريرها
  • E/CN.4/2001/121.
  • تشكيل محكمة جنائية دولية لمحاكمة مجرمي الحرب الإسرائيليين على غرار المحكمة الخاصة بجرائم الحرب في يوغوسلافيا. وإلى حين ذلك، فإن على الأطراف المتعاقدة في اتفاقية جنيف الرابعة، الوفاء بالتزامها القانوني بمقتضى المادة (146) من الاتفاقية، بملاحقة المتهمين بارتكاب مخالفات جسيمة للاتفاقية، أو بالأمر بارتكابها، وبتقديمهم إلى المحاكمة.
  • فرض العقوبات السياسية والاقتصادية اللازمة لإجبار إسرائيل على احترام وتنفيذ قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، وتصفية المرتكزات المؤسساتية للنظام العنصري فيها، وفق ما اتبع مع النظام العنصري السابق في جنوب أفريقيا.

ثانيا: دعوة الدول الأطراف السامية المتعاقدة في اتفاقية جنيف الرابعة -بمقتضى المادة الأولى المشتركة في اتفاقيات جنيف الأربع، والتي تتحمل بمقتضاها هذه الدول مسئولية خاصة عن الالتزام بها وإلزام الآخرين بها- إلى استئناف اجتماعها الذي انفض دون قرار في يوليو 1999، وذلك لبحث اتخاذ الإجراءات المناسبة لضمان احترام وتطبيق أحكام الاتفاقية داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة

ثالثا: دعوة الجمعية العامة للأمم المتحدة لتحمل مسئولياتها القانونية تجاه الشعب الفلسطيني بالاستناد إلى قرارها رقم 377 لعام 1950 المعروف بـ "الاتحاد من أجل السلام". والذي يحق لها بمقتضاه التدخل في القضايا التي تمس السلم والأمن الدولي، طالما لمست تقاعس وفشل واضح من مجلس الأمن في الوفاء بالتزاماته القانونية. ويلح على ذلك أيضا، أن الجمعية العامة هى التي قامت بتقسيم فلسطين، وهى التي اشترطت في قرارها رقم 273 لعام 1949 بقبول عضوية إسرائيل بالأمم المتحدة، التزامها بتنفيذ قراري الجمعية العامة رقم 181 و 194

رابعا: دعوة كافة مؤسسات المجتمع الدولي ذات الصلة للنظر –كل في مجاله- في التدابير الفعالة والفورية التي يجب اتخاذها لوقف العنف والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، وأعمال الحصار والعقاب الجماعي وحرب التجويع التي تشنها إسرائيل، والتي تنذر بفصل مأساوي جديد في حياة الشعب الفلسطيني، وموجة نزوح بشرية هائلة تهدد الأمن والسلم في المنطقة كلها

خامسا: دعوة أطراف عملية السلام في المنطقة -وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي- إلى وضع اعتبارات حقوق الإنسان في بؤرة أي مفاوضات جديدة للسلام. لقد برهنت تجارب العقود السابقة، على أن ذلك هو الضمان الوحيد للتوصل إلى سلام حقيقي ودائم.

* * *
إن استمرار إعفاء إسرائيل من المحاسبة يشكل نموذجا، تعمل على توظيفه وتكراره دول أخرى، الأمر الذي يضع النظام الدولي ككل أمام مخاطر جادة. مثال ذلك الخطر الذي يهدد نظام حظر الانتشار الذري، نتيجة إعفاء إسرائيل من المحاسبة ومن عضوية المعاهدة الخاصة بذلك، الأمر الذي أدى إلى امتناع دول أخرى أيضا عن الانضمام والالتزام بأحكام المعاهدة.

إن استمرار إعفاء إسرائيل من المحاسبة عن جرائمها ضد الشعب الفلسطيني، ومن تنفيذ قرارات مؤسسات المجتمع الدولي قد أدى ليس فقط إلى التضحية بحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني، ولكن أيضا بالأمن والسلم في المنطقة، ويهدد الآن بانهيار مجمل نظام الحماية الدولية لحقوق الإنسان، والسقوط التام لمبدأ العالمية.

لم يكن المجتمع الدولي يوما يحتاج بهذا القدر إلى إعادة الاعتبار لمبادئ حقوق الإنسان وعالميتها والمسئولية المشتركة للبشرية عن إعمالها وحمايتها.

إن التوصيات المقترحة هى في جوهرها رسالة تستهدف التأكيد على أن آليات الحماية لم توضع لاستهداف دول بعينها واستثناء أخرى، وأن جميع دول العالم على قدم المساواة أمامها، كما تهدف إلى استعادة الاحترام للمبادئ والفعالية للآليات.
 

قائمة بأسماء المنظمات الموقعة على المذكرة

  • مركز ميزان لحقوق الإنسان (غزة
  • الحق (رام الله)
  • الجمعية الفلسطينية لحماية حقوق الإنسان والبيئة- القانون (القدس)
  • بديل- المركز الفلسطيني لمصادر حقوق المواطنة (القدس)
  • المركز الفلسطيني لحقوق الإنسان (غزة)
  • مركز المرأة للإرشاد القانوني والاجتماعي (القدس)
  • مركز القدس للمساعدة القانونية
  • لجنة الأربعين للاعتراف بالقرى غير المعترف بها (فلسطين 48)
  • عدالة- المركز القانوني لحقوق الأقلية العربية في إسرائيل
  • اللجنة القطرية للدفاع عن حقوق المهجرين الفلسطينيين بإسرائيل
  • اتجاه- اتحاد جمعيات أهلية عربية (فلسطين 48)
  • المؤسسة العربية لحقوق الإنسان (فلسطين 48)
  • المنظمة المغربية لحقوق الإنسان
  • منتدى الحقيقة والإنصاف (المغرب)
  • ملتقى المجتمع المدني (اليمن)
  • ملتقى المرأة للدراسات والتدريب (اليمن)
  • الرابطة الليبية لحقوق الإنسان
  • المنظمة الفلسطينية لحقوق الإنسان- حقوق (لبنان)
  • الجمعية اللبنانية لحقوق الإنسان
  • لجان الدفاع عن حقوق الإنسان (سوريا)
  • مركز الأردن الجديد للدراسات
  • المنظمة السودانية لحقوق الإنسان
  • مركز حقوق الإنسان لمساعدة السجناء (مصر)
  • مركز دراسات المرأة الجديدة (مصر)
  • المنظمة المصرية لحقوق الإنسان
  • مركز النديم لتأهيل ضحايا العنف والتعذيب (مصر)
  • مركز هشام مبارك للقانون (مصر)
  • المركز المصري لحقوق المرأة
  • لجنة احترام الحريات وحقوق الإنسان (تونس)
  • الرابطة التونسية لحقوق الإنسان
  • المنظمة البحرينية لحقوق الإنسان
  • مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان (مركز إقليمي)

مذكرة أعدها مركز القاهرة لدراسات حقوق الإنسان في 9/ 4/ 2001 بالتشاور مع وتوقيع 32 منظمة عربية لحقوق الإنسان في 12 دولة. *مثل عودة اللاجئين، والانسحاب من الأراضي المحتلة، عدم شرعية المستوطنات وضم القدس الشرقية، ومصادرات الأراضي، وأدانت نسف المنازل والعقاب الجماعي والاعتداء على الأماكن المقدسة والتعذيب والقتل خارج القانون .. الخ. ** على سبيل المثال فإن الجمعية العامة للأمم المتحدة أكدت على القرار 194 لعام 1948 الخاص بعودة اللاجئين الفلسطينيين حتى الآن 110 مرة. ولكن لم تتخذ خطوة واحدة خلال 53 عاما لإلزام إسرائيل بوضعه موضع التنفيذ.