الحماية القانونية والاجتماعية للاجئين الفلسطينيين في سوريا

بقلم: معتصم حمادة*

يُعتبر الحديث عن موضوع حماية اللاجئين الفلسطينيين في سوريا أمراً مستغرباً كونه لم يُدرج أبداً على جدول أعمال حركة اللاجئين لغموض مضمونه وإتخاذه بعداً أمنياً، حيث تحاول الأجهزة المعنية في سوريا منح البعد الأمني لمعظم قضايا المجتمع. لذلك تُعتبر الموافقة الأمنية أول الإحتياجات لتأسيس أي جمعية أهلية على اختلاف وظائفها، وقد يستثنى من ذلك بعض الجمعيات التابعة للفصائل الفلسطينية كونها توفر غطاء سياسياً وتتحرك بعلم الهيئة العامة لشؤون اللاجئين الفلسطينيين العرب كأي مؤسسة حكومية معنية برعاية أوضاع اللاجئين. ونظراً لأهمية وحساسية موضوع حماية اللاجئين الفلسطيينيين، سيتطرق هذا المقال إلى الجانب الإنساني للاجئين الفلسطينيين في سوريا بالإضافة إلى حقوقهم السياسية. 

الحقوق الاجتماعية

يتمتع اللاجئون الفلسطينيون في سوريا بجملة من الحقوق الاجتماعية التي تساوي بين حقوق اللاجئ الفلسطيني والمواطن السوري بإستثناء الحق في الترشيح والإنتخاب. وبالتالي يتمتع اللاجئ الفلسطيني بحق التعليم في المؤسسات السورية حتى أعلى الدرجات العلمية وينطبق عليه هنا ما ينطبق على المواطن السوري من إجراءات وغيرها، كما يتمتع بحق العمل في دوائر الدولة ما عدا المناصب السياسية العليا. ويستفيد اللاجئ الفلسطيني من الخدمات الصحية والتعويضية ويحق له التملك والبيع والشراء وتأسيس الشركات والمصانع والمعامل. باختصار، يعامل اللاجئ الفلسطيني قانونياً، معاملة المواطن السوري تماما،ً وإبان الأزمة جمدت بعض الوزارات هذا القانون لتعطي الأفضلية في التوظيف للمواطن السوري، لكن أمام احتجاج «الهيئة العامة» [التي أشرنا لها سابقاً] جرى التراجع عن هذا التجميد وعادت الأمور إلى طبيعتها.

الحقوق السياسية

يتمتع اللاجئ الفلسطيني بحقه كاملاً في الانتظام السياسي بدءاً بالفرع الفلسطيني لحزب البعث وانتهاءً بباقي الفصائل الفلسطينية، ويعتبر هذا الحق تأكيداً على التمسك بحق العودة وصوناً للحقوق الوطنية الفلسطينية. ولا بد أن نعترف أن مناهج التدريس في المدارس والجامعات السورية قد أسهمت بشكل واضح في تنمية الحس الوطني لدى اللاجئ الفلسطيني حتى قبل ولادة الحركة الوطنية المعاصرة. ولعل هذا الأمر وما سبق أن ذكرناه من حقوق اجتماعية يتمتع بها اللاجئ الفلسطيني أسهمت في خلق تقارب اجتماعي ومجتمعي سوري فلسطيني إلى حد الاندماج التام في بعض المدن والأحياء، كدمشق وضواحيها وريفها، وحلب، وحماه وحمص ودرعا وباقي المدن الساحلية السورية. أسهم في تعزيز الاندماج، حالة المصاهرة العائلية، والشراكة في التجارة والصناعة بين السوريين والفلسطينيين. هذا الواقع، وإن كان لم يضعف حالة الانتماء الوطني لدى اللاجئ الفلسطيني وتمسكه بقضيته، إلا أنه، في الوقت نفسه أحدث حالة من الانفتاح المتبادل والانسجام العميق بين الجانبين السوري والفلسطيني، حتى أن صفاً واسعاً من الفلسطينيين، يعتبر نفسه معنياً بالأزمة السورية وطرفاً فيها، بغض النظر عن موقفة من أطراف هذه الأزمة.

وكالة الغوث وحدود دورها

سلطت الأزمة السورية الضوء على أوضاع اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، فقد تراجعت قدرات الدولة السورية على تقديم الخدمات للمواطنين السوريين واللاجئين الفلسطينيين وتنامي الهجرة القسرية بفعل الأحداث الدموية. وأصبحت وكالة الغوث هي الملجأ الرئيس للاجئين الفلسطينيين، فازدادت الأعباء الملقاة على عاتقها دون أن تتوفر لها الموازنات الإضافية لتغطي الاحتياجات الطارئة، حيث بات على الوكالة أن تؤمن كافة مستلزمات الحياة من مأوى، وغذاء يومي، وعلاج لحوالي 300 ألف لاجئ فلسطيني دمرت الأزمة أوضاعهم كاملة. لم تنجح وكالة الغوث في حل مشاكل اللاجئين وتوفير الحماية الاجتماعية لهم في ظل الأزمة السورية، حيث أمّنت مآوي في بعض مدارسها، لكنها عطلت بذلك برامج التعليم وأغلقت مؤسساتها الصحية في المخيمات المضطربة كخان الشيح، واليرموك ودرعا وسبينة، لكنها لم تنشط بالدرجة الكافية لتستحدث مراكز صحية بديلة في أماكن اللجوء في ريف دمشق حيث تجمعت آلاف العائلات الفارة من مخيم اليرموك وسبينة.

وقد قدمت الوكالة أربع دفعات مالية وكميات من المواد الغذائية أسهمت في توفير جزء يسير من حاجة اللاجئين خلال العام المنصرم كمساعدات مباشرة للاجئين. ولم تتسلم الوكالة حتى الآن أية مبالغ طارئة من الجهات المانحة لتواصل برنامجها الطارئ في دعم وإسناد اللاجئين النازحين والمهجرين، مما يعني أن دور الوكالة مرشح للتراجع دون أن يتوفر لذلك أي بديل.

اللجان الشعبية

لقد إستبدلت اللجان الشعبية في مخيمات سوريا بلجان التنمية، وهي لجان تابعة للهيئة العامة للاجئين تقتصر وظيفتها على لفت نظر الهيئة إلى حاجات المخيمات من خدمات تنقل عبرها إلى وكالة الغوث، حيث أن العلاقة المباشرة بين الشارع الفلسطيني وإدارة الوكالة مقطوعة ويجب أن تمر بالضرورة عبر الهيئة العامة المعنية بمتابعة شؤون اللاجئين لديها. وعلى صعيد دور هذه اللجان والمؤسسات الأهلية ودورها في حماية اللاجئين اجتماعياً وإنسانياً، فإن الواقع يؤكد أن المجتمع الفلسطيني افتقد إلى هذه المؤسسات، واعتمد في السابق على دعم الوكالة وخدمات الدولة السورية وما تقدمه الفصائل لأنصارها، وقد كشفت الأزمة السورية حال المجتمع المدني الفلسطيني وأبرزت هشاشته وضعفه وافتقاره إلى عناصر القوة والثبات والتماسك.

دور منظمة التحرير الفلسطينية

يسود الشارع الفلسطيني حالة من السخط الشديد إزاء الدور الذي تقاعست منظمة التحرير الفلسطينية عن القيام به لإسناد اللاجئين الفلسطينيين والتخفيف من أعباء الأزمة عن كاهلهم، حيث لم تقدم المنظمة سوى مساعدة هزيلة ولمرة واحدة للاجئين وفشلت في حل العديد من القضايا العالقة مع الدولة السورية مثل قضايا الموقوفين لدى الأجهزة الأمنية السورية منذ سنوات دون البت بأوضاعهم. كما فشلت في تشكيل خلية أزمة من أعضاء اللجنة التنفيذية والمسؤولين المحليين من الفصائل لإدارة الشأن العام للاجئين ومعالجة قضاياهم حسب الأولوية بما في ذلك الإغاثة وتوفير عناصر الاستقرار، خاصة وأن باب الهجرة قد انفتح على مصراعيه، وهجرة حوالي 100 ألف لاجئ فلسطيني إلى الدول الأوروبية وغيرها.

خلاصة:

يفتقر اللاجئون الفلسطينيون في سوريا إلى الحماية القانونية والاجتماعية بجوانبها المختلفة، فقد أدت الأزمة إلى تمزيق النسيج الاجتماعي للمجتمع الفلسطيني في سوريا الذي افتقد إلى المرجعية السياسية الفلسطينية القادرة على معالجة ملفاته المختلفة والنهوض مجدداً من تحت الركام. ويستدعي الحديث عن الحماية القانونية التوقف أمام حوالي 50 ألف لاجئ فلسطيني نزحوا من سوريا إلى لبنان ويخضعون لسلسلة من القوانين اللبنانية الجائرة، ولتقلبات في قرارات وكالة الغوث وقدرتها على تقديم الخدمات الضرورية لهم. بالإضافة إلى ذلك، يجب فتح ملف آلاف المهاجرين عبر البحار إلى أوروبا وسواها وما يتعرضون له من مخاطر أمنية وقانونية واجتماعية في ظل تجاهل تام لقضاياهم من قبل السفارات الفلسطينية في الخارج، ولغموض حالتهم القانونية أمام المؤسسات الدولية المعنية بالمهجرين والنازحين واللاجئين. وهذا ما يدعونا لأن نقترح على دائرة شؤون اللاجئين الفلسطينيين في منظمة التحرير الفلسطينية أن تدعو لعقد مؤتمر وطني لبحث أوضاع اللاجئين في سوريا، تشارك فيه وكالة الغوث والمفوضية العليا لشؤون اللاجئين ومؤسسات ذات صلة وشخصيات ناشطة في هذا المجال. فقضية اللاجئين الفلسطينيين في سوريا تستحق أن تكون واحدة من القضايا الوطنية الملحة.

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 
*معتصم حمادة: صحفي فلسطيني مقيم في سورية، والمستشار السياسي للمجموعة 194.