جريدة حق العودة - العدد 50: القضايا القطرية والقومية في التحولات العربية

جريدة حق العودة - العدد 50: القضايا القطرية والقومية في التحولات العربية

أصدر بديل/المركز الفلسطيني لمصادر حقوق المواطنة واللاجئين اليوم الثلاثاء الموافق 23 تشرين أول 2012، العدد 50 من جريدة حق العودة الدورية، حيث حمل العنوان:"القضايا القطرية والقومية في التحولات العربية، بينما حمل ملف العدد عنوان: "فلسطين والتحولات العربية". وقد جاء هذا العدد في24  صفحة من القطع الكبير، وشارك فيه 17 كاتباً/ة من فلسطين، ولبنان، والمملكة المتحدة، وسوريا، وروسيا، والولايات المتحدة الأمريكية.

وقد ركزت مقالات العدد على واقع المتغيرات والتطورات التي تشهدها الساحة العربية وموقع القضية الفلسطينية من هذه التطورات أو ما اصطلح على تسميته بـ"الربيع العربي". وتلقي بعض المقالات الضوء على الجانب التاريخي المتعلق بمركزية فلسطين ضمن الوعي العربي، إضافة للتعريج على دور الشباب العربي والفلسطيني في نضالهم من اجل الإسهام في رسم ملامح واقعهم العربي ومنه الفلسطيني.كما وتغطي بعض المقالات عدة محاور متقابلة، ما بين رسالة الثورات العربية لفلسطين، ومسيرة تطور الرؤية القومية العربية فيما يتعلق بفلسطين والمنطقة، مع تسليط النظر على الموقف والدور الإسرائيليين أمام "الربيع العربي"، ودور العرب المسيحيين في تاريخ وحاضر الشرق، والجدل الدائر حول ما يجري في الساحة السورية، وحالة الاستنزاف ما بين الداخل والخارج. إضافة إلى ذلك، تطرقت بعض المقالات إلى أسئلة أخرى ذات صلة بالجانب الأدبي، واستشرافات مستقبلية حول التحولات في الأرض العربية.

كما اشتمل العدد على مقال عن قرية البصة المهجرة، وعدد من التقارير التي تغطي أنشطة وفعاليات مركز بديل خلال شهري أيلول وتشرين أول، إلى جانب نتائج  الجزء الأول من المرحلة الثالثة من جائزة العودة السنوية، التي اشتملت على حقل قصص الأطفال.

لتحميل نسخة من العدد يرجى تتبع الرابط التالي>>>

الافتتاحية: فلسطين والتحولات العربية

مع إدراكنا التام لحقيقة أن الإنسان العربي سيكون قادرا على تجسيد إسناده للقضية الفلسطينية ولحقوق شعبنا، كأحد أهم التعبيرات عن الانتماء القومي، فقط إذا امتلك هو نفسه حقوقه وحرياته، إلا أننا وبمستويات مختلفة كنا نتطلع إلى ما يجري في بعض أقطار الوطن العربي باهتمام بالغ وبآمال كبيرة. في تتبعنا للانتفاضات العربية المتلاحقة وحراك الشباب والقوى، كنا نبحث في المسيرات المليونية عن علم فلسطين، ونتفحص الكتابات بحثا عن الشعارات القومية، كالمطالبة برفع الحصار عن غزة، أو إلغاء كامب ديفيد وغيرها، ونصغي جيدا للهتافات منتشين بكل تصريح أو تلميح ذي صلة بنا. تطلعنا ذلك، لم يلغ حقيقة أخرى- ربما توارت قليلا في معمعان الأحداث، لكنها كانت موجودة في قرارة نفوسنا، ألا وهي إدراكنا بان الإنسان العربي لن يكون "قوميا" بالمعنى المرغوب قبل أن يحقق ذاته على المستوى الفردي (الشخصي) والمحلي والقطري. بمعنى أن تحقيق أمنه وأمانه الجسدي، وأمنه الاجتماعي- الاقتصادي وأمنه القومي بإطاره القطري قضايا ستحظى بالأولوية بحكم الضرورة وطبيعة الأشياء. فالإنسان العربي المتمتع بحقوقه وحرياته والتي من ضمنها - وليس أولها، حقه وحريته في المشاركة السياسية بمفهومها الواسع، والذي سيكون عندها "قوميا فاعلا" بالضرورة، سيلزمه قطع شوط طويل قبل أن تستعيد فلسطين مكانتها لديه في دائرة الفعل المؤثر.

رسالة الثورات العربية لفلسطين

بقلم: د. منار مخول*

لا يمكن أن تكون هناك “ثورة فلسطينية” ما لم تشمل جميع الفلسطينيين ضمن خطاب سياسي بديل، حسبه توخي حل عادل  لقضية الحقوق الفلسطينية، إذ يجب أن نُشمل جميعاً - في الخطاب والحل، وفي اتّخاذ القرار، كما في رسم معالم هذا الحل.

يتذكّر الأمريكيون، كلّما تواردت أحداث الحادي عشر من أيلول ٢٠٠١ إلى الذكر، أين كانوا وماذا فعلوا حين سمعوا أوّلاً عن الهجوم الطائر على الولايات المتّحدة، تعبيراً عن وقعِهِ الدراميّ على ذاكرتهم الجماعيّة. في الحقيقة كثيرنا يشاركهم هذه الذاكرة لهول أحداث ذالك اليوم. لا أظنني أخطئ إن قلت أن للعرب ذاكرة جماعية مشابهة بقوّتها، ليس بفعل هول الحدث، إنّما بسبب سعادته. أتذكّر جيّداً أنّي كُنت أَتأوّه وجعاً على كرسيّ طبيب الأسنان، محاولاً يائساً أن أشاهد مباشرةً نهاية عهد حسني مبارك في مصر على الجزيرة الفضائية عبر ما اقتني من تقنية هاتفية نقالة. كان خَلْع مبارك، وزين العابدين من قبلهِ، كقلع الوَرَم من أفواهنا جميعاً، وبداية زمن جديد طال انتظارنا له. فاتحة أمل لجميع العرب. "ما عدا الفلسطينيين".

الربيع العربي: البوصلة والآمال

بقلم: أحمد أبو غوش*

لدى استطلاع ساحة "الحلم العربييمكن كنتيجة لهذا الاستطلاع تلخيص آمال الجماهير العربية مجتمعة ومنفصلة ومتمفصلة، في تحقيق واقع عربي ديموقراطي؛ يتمتع بالقدرة على توفير فرص تنمية أوسع للأفراد والمجتمعات العربية، وامتلاك إمكانات الإرادة والفعل باتجاه التحرر من السيطرة الخارجية، والقضاء  على حالة  التبعية في الأقطار العربية، وتحرير فلسطين. لربما يذهب البعض في آماله إلى أبعد مما سلف، أي باتجاه إعادة بناء الأمة العربية القادرة القوية التي تعزز وتمكن الأفراد والأمة العربية من التعاطي الواعي مع حيزهم الملائم بين الأمم الناهضة والقوية.

رؤية الحركة القومية وقواها الفاعلة تجاه القضية الفلسطينية في مرحلة الستينيات

بقلم: صلاح صلاح*

مراحل النضال في تاريخ الشعوب متتابعة ومتداخلة في ذات الوقت، فلا يمكن القطع بين مرحلة وأخرى. فرؤية الحركة القومية وعملها تجاه القضية الفلسطينية في مرحلة الستينيات لم يكن معزولا عن مرحلة الخمسينيات -على سبيل المثال– حيث كان الهجوم على أشده، بقيادة الولايات المتحدة الأميركية وحلفائها بطرح مشاريع تستهدف تحقيق أمرين: الأول تكريس وجود إسرائيل كإحدى دول المنطقة والاعتراف بها والصلح معها من قبل الدول العربية، والثاني تقليص جوهر الصراع مع إسرائيل إلى اعتباره مشكلة لاجئين وبمعالجتها ينتهي الصراع. لتحقيق هذين الأمرين طرحت مشاريع الأحلاف (كحلف بغدادومشاريع تحويل مجرى نهر الأردن وتقاسم مياهه بين العرب وإسرائيل وإقامة مشاريع اقتصادية مشتركة على ضفافها تستوعب أكبر عدد من اللاجئين الفلسطينيين،

المنظور الإسرائيلي لمستقبل الصراع مع الفلسطينيين على ضوء "الثورات العربية"

بقلم: د. سامر راشد*

رغم أنّ ملفات الصراع العربي- الإسرائيلي لم تتصدر قائمة أولويات الثورات العربية في مرحلتها الأولى، إلا أنّ كل التحليلات والقراءات تنطلق، على نحو أو آخر، من أنّ إسرائيل ستكون في نهاية المطاف هي الخاسر الأكبر من ثورات "الربيع العربيتليها الولايات المتحدة الأميركية. وثمة اعتقاد راجح بأنّ الثورات العربية جعلت إسرائيل على الصعيد الإقليمي تدرك تماماً أنّ "الربيع العربي" سيؤسس لنظام عربي جديد متماسك وقوي، وسيقلب معادلة القوة الإسرائيلية، وسيضعف مفاعيل تحالفها الإستراتيجي مع الولايات المتحدة، لاسيما أنّ الثورات العربية أحدثت خلخلة في نماذج القيم والعلاقات السياسية السائدة بما سيؤثر في صياغة جيوسياسية جديدة في المستقبل.

حيٌّ ولكن بلا حراك: إسرائيل في مواجهة الربيع العربي، وربيع الفلسطينيين

بقلم: يوناثان مندل*

لقد مر ما يدنو من السنتين منذ انطلاق الشرارة الأولى للانتفاضات العربية، والتي بزغت في تونس وانتقلت بدروها الى بلدان عديدة أخرى في الشرق الأوسط. وإذا ما تم النظر لهذا المدى الزماني، أي فترة "الأقل من عامينيغلب الاحتمال والظن أنها فترة مبكرة جداً للتوصل إلى استنتاجات قاطعة وتحليلات ومقارنات شاملة. إن جملة الأحداث المأساوية التي وقعت في خضم هذه الأحداث، والأبعاد التاريخية لها، إضافة الى تكنولوجيا الطباعة الحديثة التي نتمتع بها اليوم، أسفرت جميعها عن هذا الكم الهائل من الكتب والمنشورات المترامية حول الأحداث التي تتشكل والتي أطلق عليها "الربيع العربي".

حكاية البصّة

بقلم: رنين جريس*

هي قرية عربية تقع في أقصى الشمال الغربي من فلسطين المحتلة، ملاصقة للحدود اللبنانية، جنوبي رأس الناقورة، فأهلا الى ذاكرة البصة. كانت القرية جزءاً من لبنان وتتبع لقرى جبل عامل، غير أنها ألحقت بفلسطين بعد الحرب العالميةالأولى عندما رسمت بريطانيا وفرنساالحدود بين هذين البلدين باتفاقية سايكسبيكو

للبصّة مميزات خاصة لا نجدها في الكثير من القرى الفلسطينية من حيث مدارسها ومتعلميها، ومستوى الدخل الفردي وأنواع المهن وأصناف الحرف، ومكانة المرأه، وغير ذلك من معالم الحياة الاجتماعية في البصّة.

حول حكاية هذه القرية ومميزاتها، حدثنا خليل فهد عاصي (1937) وأخته مريم عاصي (1939)، وهما لاجئين من القرية ويسكنان اليوم في قرية كفرياسيف في الجليل الأسفل.

ما بين المسرح ومسرح الربيع العربي

بقلم: رئبال الكردي*

لقد أضحى الواقع العربي مسرحاً واقعياً لا يحتاج إلى تلك اللمسات الفنية من ذلك الكاتب او من ذلك المخرج. ولم يعد هناك حاجة لذلك الممثل؛ هذا لأن الواقع العربي بالفعل قد اضحى واقعا حقيقيا يحمل مشاهد خرجت من إرادة شعب من خلال وقائع كتبتها شعوب عاشت الذل والاضطهاد والحرمان. فالمسرح أصبح تلك الحارات وذاك الشارع وهذا الميدان، التي تحمل جميعاً، مشاهد لها جمهورها المشارك والمتابع بمثابرة للمشهد الذي بدأ العرض المسرحي من خلاله دون أن يحمل أي عنوان، ودون توجيه  الدعوات كذلك، ودون أي خاتمة لذلك العرض؛ حتى لم يتبق الكثيرً ليظهر أبطال العرض ليختموا عملهم ويغلقوا خشبة المسرح أمام الجمهور تحت طائلة المسؤولية، وتحت مسمى القانون الملتحف بمظاهر الدين والتدين.

ربيع إسرائيلي!

بقلم: آفي شلايم*

يمكن القول أن جملة المتغيرات والثورات المستمرة التي تجتاح المنطقة العربية، إنما تشكل فرصة تاريخية أمام إسرائيل باتجاه أن تصبح جزءاً منسجماً في المنطقة وان تنضم إلى جانب القوى المناصرة للديمقراطية، في تشكيل شرق أوسط جديد. لكن، حتى الآن؛ فان أصداء الربيع العربي لم تتمتع بالمساحة المتوقعة في أي من مستويات الحراك والمجتمع الإسرائيليين. بمعنى آخر، إن الطبقة السياسية وقادة الدولة في إسرائيل مهروا في تجاهل أية أبعاد للمتغيرات في الشارع العربي خارج نطاق المخاطر والتخوفات الناشئة بشكل مواز للحراك العربي. ونتيجة لذلك، فقد تحولت أحلام المشاركين في الاحتجاجات الاجتماعية إلى كوابيس تقض ساحة الوعي لدى مخططي إسرائيل الاستراتيجيين. ولهذا فان هناك حاجة لوقفة تقيمية واعية أمام "الربيع العربي"، حتى لا يصبح شتاءً إسرائيلياً.

المسيحيون والتحولات التاريخية في الشرق

بقلم: المطران عطا الله حنا*

يمر الشرق العربي بتقلبات سياسية واجتماعية عميقة، تعبر فيما بين جنباتها عن نمو شخصية الفرد وبلوغه إلى حد من الثقافة والوعي، بحيث تمكنه من معرفة ماذا يريد! ومن المطالب  ما هو مباشر وحال، وما هو في موقع المأمول أي ما يصبو إليه ويريده في مرحلة قادمة. وهو بذلك، أي الشرق العربي بإنسانه، أصبح قابلا مواجهة التحديات الكثيرة، حتى بذل الحياة، التي تفترضها سن البلوغ السياسي الذي بلغه. ونجد أن مطالباته تطال نوعية الحكم ووضع حد للحكم المستبد بمقدرات البلد، بالرغم من صور الشورى المختلفة والصورية في حقيقتها والتي خبرناها لعقود طويلة والتي تبقى خاضعة لشخصية الحاكم. فالشعوب العربية بلغت حد التعبير عن إرادتها فعليا، لأنها تريد حكمًا عادلًا يحترم كرامة كل مواطن ويمكنه من الإسهام الفعلي في بناء بلده.

فلسطين والصراع على بوابة الشام

بقلم: ضياء أيوب*

لعب النظام السوري دوراً أخذ في التزايد منذ نهاية سبعينيات القرن الماضي في مختلف مراحل النضال الوطني الفلسطيني، والثورة الفلسطينية المعاصرة، إذ عزز هذا الدور الموقع الجيوسياسي لدمشق على خارطة الصراع العربي الإسرائيلي، والخطوط القومية العامة التي رسمها حزب البعث الحاكم لسياسة البلاد الخارجية من جهة أخرى. وكان لوجود أتباع لهذا الخط السياسي ضمن فصائل العمل الوطني الفلسطيني، على اختلاف المراحل والمنابع، أثراً كبيراً في محاولة فرض وجهة النظام الحاكم في دمشق على قيادة م.ت.ف. وتحريكها بما يتفق ورؤيتها للأساليب والاستراتيجيات الواجب إتباعها في إدارة دفة الصراع.

سوريا: الصراع المسلح داخلياً، وضرورة المساءلة الدولية

بقلم: غيل بولينغ*

تشير حركة الاحتجاجات العارمة في العالم العربي أو ما أصبح يعرف بـ "الربيع العربي" والذي بدأ بتاريخ 18 كانون الأول 2010 في تونس إلى بزوغ عهد جديد في الشرق الأوسط. لقد أطاحت الحركات المؤيدة للديمقراطية بالحكام المستبدين في كل من تونس، ومصر، واليمن وليبيا. كما أعلن قادة عدد من الدول أنهم سيتنحون عن الحكم بعد انتهاء ولايتهم الحالية، بما في ذلك الرئيس السوداني عمر البشير، ورئيس الوزراء العراقي نوري المالكي. أما الملك عبد الله في الأردن، فقد أعاد تشكيل حكومته ثلاث مرات رداً على الاحتجاجات المطالبة بالإصلاح. وفي الكويت، فقد استقال رئيس الوزراء ناصر الأحمد الصباح وحكومته. وفي المغرب، فقد تم إجراء استفتاء على التعديلات على الدستور، ودخلت حيز التنفيذ في أيلول 2011، وهذا ادى الى إجراء انتخابات في تشرين الثاني 2011، على أساس الدستور الجديد. وفي الجزائر، تم رفع حالة الطوارئ بعد 19 عاماً. الاحتجاجات مستمرة في جميع أنحاء العالم العربي، وتداعيات الوضع الراهن في المنطقة ليست سوى بداية لمرحلة جديدة.

التدوين بوابة لفلسطين: فيسبوك مثالاً

بقلم: محمد نور أحمد*

لا شك أن ما جرى وما زال يجري في العالم العربي من جملة الأحداث العاصفة، والتي لعب بها الاعلام بكافة أنواعه وأشكاله الدور الأكبر، قد غير الكثير من المفاهيم وأساليب العمل الإعلامي والتواصل في البلدان التي شهدت تلك الأحداث. وبالطبع، لم يكن المشهد الفلسطيني غائباً عنها كذلك. على الرغم من انحداره في أوقات كثيرة إلى مراتب متأخرة عن الوجهة التي كان قد احتلها في فترات سابقة بفعل سخونة الحدث وحساسيته في بلدان عربية أخرى.

لعل المتغير الأكبر في هذا الحقل؛ كان بارتفاع شأن المدونات من جهة، ودخول مواقع التواصل الاجتماعي كوسيلة على خط انتاج الأخبار والتواصل وتبادل المعلومات من جهة ثانية. فهذه الأدوات وأشكال التواصل الموازية لها، تخطت ذلك لاحقاً وأسهمت بشكل كبير ليس فقط في نقل الخبر وتحليله، بل بصناعة الحدث برمته ونقله وتوثيقه.  

يعتبر موقع ال"فيسبوك"، والذي تجاوز عدد افراد مملكته المليار حتى أواخر أيلول/سبتمبر الماضي، التطبيق الأسهل والأوسع انتشاراً على الشبكة العنكبوتية من بين المدونات ومواقع التواصل الاجتماعي. ما دفعه ليكون الوجهة الأولى للنشطاء والمعارضين السياسين والحقوقين وتيارات المثقفين والموسيقين وغيرها من التيارات للتجمع والتواصل والوصول بقضاياهم الى أبعد مما كانوا يفترضون.

صفحات الحملات التعبوية

في ظل هذه المتغيرات المتسارعة في عالم "الميديا"، فإن الحالة الفلسطينية لم تنتظر كثيراً للدخول على خط استخدام المدونات ومواقع التواصل الاجتماعي في مسيرة نضالها الوطني. فقد كانت صفحة "الانتفاضة الفلسطينية الثالثة" المحطة الرئيسية الأولى التي تم الدعوة لها بعد اندلاع ما بات يعرف بـ"الربيع العربي" بداية العام 2011. وقد وضعت صفحة الانتفاضة الفلسطينية الثالثة على فيس بوك مجموعة من الدعوات ل"مسيرات مليونية" يخطط لها الشبان الفلسطينيون والعرب والمسلمين والأحرار في كل الارض على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك" في يوم 15 أيار/مايو عام 2011 (الذكرى 63 للنكبة)، بحيث تكون العودة إلى فلسطين هدفاً لها.

والحقيقة أن الرضوخ للطلب الإسرائيلي الرسمي من إدارة موقع الفيسبوك بإغلاق صفحة الانتفاضة الفلسطينية الثالثة يوم 30 آذار/مارس من العام المنصرم، بعد أن كان عدد المشاركين  في الصفحة المذكورة قد وصل إلى 350 ألفا، كما أن الضجة الإعلامية التي رافقتها، جعلت للمشروع قوائم يمشي عليها. وهو ما تم تكريسه في يوم النكبة عبر انطلاق مسيرات حاشدة على الحدود اللبنانية والسورية، وكان قوام هذه المسيرات من اللاجئين الفلسطينيين ومواطنين من هذه البلدان. إضافة إلى مخيم قلنديا في القدس المحتلة، وما وقع هناك من اشتباكات مع جيش الاحتلال الإسرائيلي. كذلك الحال مع المضاعفات على حدود الجولان السوري المحتل، التي تمثلت باختراق الشبان الفلسطينيين للأرض منزوعة السلاح إلى بلدة مجدل شمس المحتلة حيث اعتصموا هناك مع أهالي البلدة ساعات قبل أن يعودوا إلى الطرف السوري من الحدود.

المحطة المفصلية الثانية كانت متزامنة أيضاً هذا العام مع ذكرى النكبة الفلسطينية، وهذه المرة تحت عنوان التضامن مع الأسرى الفلسطينيين المحتجزين إدارياً والمضربين عن الطعام في معتقلات الاحتلال الإسرائيلي. حيث دعت الحملة إلى توحيد صور "البروفايل" الخاصة بمشتركي الفيسبوك، والصورة عبارة عن أسير معصوب العينين يرتدي الزي البني الذي تفرضه قوات الاحتلال، مكتوب عليه كلمة اختصار تشير لـ "مصلحة السجون الإسرائيلية" وجهاز الـ"شاباص".

للحقيقة فان هذه الحملة أحدثت ضجة أكبر من الحملة الأولى، إن على صعيد المتضامنين الذين قدر عددهم بنحو 24 مليون شخص قاموا بتغيير صورهم  وتوحيدها ضمن اطار الحملة، او على صعيد التأثير على السلطات الإسرائيلية وإزعاجها. فساهمت الحملة بحمل أصوات المعتقلين الفلسطينيين إلى العالم بشكل إيجابي قل نظيره اعلامياً والكترونياً.

الصفحات الإخبارية

غزة الان؛ ليس اسما لقناة تلفزيونية أو صحيفة يومية. إنها صفحة إخبارية على موقع الفيس بوك بلغ عدد مشتركيها اكثر من 150 الف مشارك حتى نهاية أيلول/سبتمبر الماضي. تلك الصفحة شأنها شأن الكثير من الصفحات الأخبارية الفلسطينية التي تقدم خدماتها الأخبارية المجانية على مدار الساعة. ويحرص الاعلاميون من داخل القطاع وخارجه على متابعة تلك الصفحات خلال الأحداث الساخنة نظراً لسرعتها في نقل الخبر، هذا بعيداً عن الحكم على مدى مصداقيته والثقة بمصدره.

أما خلال الأحداث الجارية في سورية، فقد نالت المخيمات الفلسطينية شأنها شأن باقي المناطق السورية حصتها من الاشتباكات والقصف، ونتيجة لذلك سقط العديد من الشهداء والجرحى. هذا ووصل عدد الصفحات الإخبارية الفلسطينية التي نقلت أخبار المخيمات وما كان يجري فيها إلى أكثر من 40 صفحة. على سبيل المثال بلغ عدد مشتركي إحدى الصفحات المعروفة باسم "مخيم اليرموك نيوز" أكثر من 45 ألف مشترك، وعلى الرغم من ضعف امكانياتها استطاعت بعض تلك الصفحات تغطية ما يجري لحظة بلحظة، وكانت المرجع الأول لأخبار الكثير من الفلسطينيين في الداخل والشتات فيما يتعلق بمعرفة أخبار الفلسطينيين والسوريين في سوريا. هذا ما يدفع للقول ان هذه الصفحات تفوقت في ظاهرة ملفتة على القنوات الإخبارية الفضائية، التي كان لها الدور المهيمن في مشاهدة واهتمام المتتبعين للأخبار والأحداث في الوقت السابق لانتشار ادوات التواصل الالكتروني.

لم يقتصر الأمر في المخيمات الفلسطينية على الصفحات الاخبارية، فهنالك المئات من المجموعات والصفحات التي تنشط بالتدوين غير المنظم ليوميات اللاجئين الفلسطينيين ونشاطاتهم الثقافية والسياسية والاجتماعية وتطرح قضاياهم الداخلية والخارجية. ناهيك عن تلك المجموعات التي تمجد الوطن الأم وتعزز الانتماء للتراب وتستعرض من خلال يومياتها ومشاركات اعضائها تاريخ الشعب الفلسطيني، أدبه، فنه، ونضاله.

عشرات الصفحات على سبيل المثال تحتفي بمحمود درويش وغيره من الشخصيات الادبية والمقاومة الفلسطينية، وأخرى تعنى بالأدب الفلسطيني. وفي اتجاه اخر، يمكن العثور على غيرها ممن تعنى بالذاكرة الفلسطينية وغالباً ما تنتهي أسماء تلك المجموعات أو تبدأ باسم فلسطين.

في احصاء مستعجل، نقول أن عدد الصفحات أو المجموعات التي تنتهي أو تبدأ او يتخللها اسم فلسطين قد تجاوز الألفان صفحة ونيف. بالإضافة إلى صفحات ومجموعات مدن ومخيمات وتجمعات الفلسطينيين في العالم. ففي مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيون ينشط الشباب الفلسطيني ،فيسبوكيا، من خلال أكثر من 500 صفحة ومجموعة تحمل اسم المخيم وحده فقط.

بالرغم من أن الكثير من الاعلامين والمهتمين يرى بأن تلك الصفحات يعيبها فقدانها الرقابة، يرى آخرون أن موقع الفيسبوك وسهولة انشاء صفحة أو مجموعة وبدء التدوين فيها، على الرغم من افتقاره  للرقابة الا ان هذا الجانب لا يجعل غيرها من المحطات او الصحف أو اي وسيلة تواصل أخرى "لا تفتقر" إلى الرقابة أكثر موضوعية وشفافية. فما نشهده اليوم من زيف اعلامي وكذب وتشويه على الفضائيات وفي الصحف والاذاعات التي يمتهن العديد منها هذا الزيف، لا يكاد يوقفه او يحاسبه اي رقيب او مانع. لذا فان مواقع صفحات التواصل الاجتماعي وبالرغم من النقد الكبير الموجه لفوضويتها وأشكال انتشارها؛ إلا أنها اليوم أصبحت جزءا لا يتجزأ من منظومة الحياة الانسانية بكامل مكوناتها.

--------------------

*محمد نور أحمد: صحفي ومدون مختص بشؤون متابعة الحملات الشعبية الكترونياً- دمشق.

ملاحظة حول موقع القضية الفلسطينية في خضم ما يجري في العالم العربي

بقلم: د. برنارد سابيلا*

في الخمسينيات من القرن الماضي، قال أحد الدبلوماسيين الغربيين المخضرمين بان الوحدة العربية هي وهم وبان لا خوف منها وممن يدعو لها، وكان يقصد آنذاك جمال عبد الناصر تحديدا. وكان رأي هذا الدبلوماسي بأن العرب هم مجموعة دول، ولكل دولة همومها ومصالحها وأولوياتها ومشاكلها الداخلية وبالتالي يجب التعامل مع العرب على هذا الأساس.

أسوق رأي هذا الدبلوماسي لأن جانبا مما يجري في العالم العربي اليوم يؤيد ما ذهب إليه؛ ولكن جانبا آخر لا يتفق معه، إذ إن غالبية من العرب بحسب استطلاع للرأي العام أجراه المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات في منتصف عام 2011 شمل 12 دولة عربية، منها مصر وتونس وفلسطين والأردن، ووصل إلى أكثر من ستة عشر ألف مشارك ومشاركة، تؤمن بأنهم ينتمون لأمة عربية واحدة ويؤيدون الخطوات التي تقرب ما بين الشعوب العربية وتلغي تأشيرات السفر وتزيد من التعاون العربي-العربي.

وإذا كانت نتائج هذا الاستطلاع مؤشرا فهي حتما تؤكد بان الشعور بالانتماء للعروبة ما زال شعورا قويا لدى عامة العرب، وان اختلفت توجهات الحكومات والدول وانحصرت أو انحسرت همومها بما يجري في داخل دولها بعيدا عن الهموم العربية الأشمل والأعم ومنها قضيتنا الفلسطينية.

ولكن انحصار الهموم بداخل كل دولة ودولة، هو مؤشر أيضا على أزمة حكم حقيقية بحاجة لمعالجة مستنيرة بعيدا عن أدوات القمع والتحكم والمراقبة والتي تمنع عن المواطن حقه في التعبير الحر وفي المطالبة بحقوقه الأساسية من فرص عمل وتعليم وصحة وسكن ملائم تضمن له ولأفراد عائلته العيش الكريم.

ولا شك في أن الانشغال بالأمور الداخلية لدى معظم الدول العربية واستمرار التحارب الداخلي في سوريا، وكذلك التحالفات الإستراتيجية ما بين بعض دول عربية ودول غربية بما فيها إسرائيل لهدف عزل إيران وإسقاط دورها الشرق الأوسطي، تذهب جميعها لإضعاف الاهتمام العربي الرسمي بالقضية الفلسطينية. ولكن العرب شعوبا وجماهير ما زالوا يرون في القضية الفلسطينية قضيتهم هم؛ أي قضية كل العرب وليس فقط قضيتنا نحن الفلسطينيون وذلك بحسب نتائج الاستطلاع أعلاه وبحسب مظاهر ومطالب المجتمع المدني وأحزاب سياسية ذات قوعد شعبية واسعة في دول عربية مختلفة بما يتعلق والعلاقة مع إسرائيل.

 ولا تنتهي أزمة الحكم بالضرورة بتغيير النظام أو الحاكم، وان حدث هذا في مصر وتونس وليبيا واليمن. بمعنى آخر، إن ما يجري في الدول والمجتمعات العربية داخليا هو رفض للدكتاتورية وللفساد ولانعدام العدالة المساواة.  وبنفس الوقت، فان الشعوب لا تنسى وهي تكافح لخلق أنظمة حكم جديدة تتماشى مع الأسس الديمقراطية لإصلاح النظم السياسية المهترئة، ولوضع دساتير جديدة تؤكد على المواطنة وعلى العملية الانتخابية والعدالة الانتقالية وإصلاح الأجهزة الأمنية. وفي هذه المرحلة الانتقالية الصعبة فان القضية الفلسطينية توضع جانبا ولكنها لا تنسى.

وبالعودة لرأي الدبلوماسي الغربي من خمسينيات القرن الماضي، يستطيع المرء أن يقول بان العرب هم فعلا دولا وحكومات متفرقة، ولكن هذا لا يعني انعدام الإجماع لدى الشعوب العربية على بعض قضايا جوهرية ومنها القضية الفلسطينية. وبالتالي فإذا اختار الساسة في الغرب وفي إسرائيل تحديدا وجهة النظر التي تقول بان القضية الفلسطينية هي في أدنى الأولويات العربية اليوم، فهم على خطأ كبير؛ ذلك لان المرحلة الانتقالية والتي يمر بها العالم العربي اليوم لن تنسي العرب شعوبا وجماهير قضية فلسطين. وقد ترى بعض الحكومات العربية مصلحة آنية في الابتعاد عن القضية الفلسطينية، ولكن هذا الابتعاد سيحاسب عليه الشعب إن عاجلا أم آجلا. وفي الخلاصة، ومع التشاؤم الذي يبديه البعض إزاء إرهاصات ما يحدث في العالم العربي على القضية الفلسطينية، فان التفاؤل يجب أن يكون هو الغالب؛ ذلك لان تحقيق العدالة لشعبنا الفلسطيني يبقى هما عربيا مثبتاً بالدرجة الأولى.

------------------------------------------

*د.برنارد سابيلا: عضو المجلس التشريعي الفلسطيني، القدس. 

الحراك الشبابي الوطني الفلسطيني ثوري خارج النمطية والقولبة

بقلم: جنان عبده*

اكتسحت ثورات الشباب العربي شوارع العديد من المدن والعواصم والقرى العربيةمنذ عامين تقريبا. وامتلأت صفحات التويتر والفيسبوك بصور المتظاهرين وبشعارات تطالب بالثورة والتغيير. وقد كان مضمون الشعارات المرفوعة في التظاهرات أو المرسومة على جدران الشوارع، أو تلك التي تم تعميميها بالوسائل الالكترونية المذكورة،  قد شمل روح الثورة والمطالب التي وقفت في مركزها، من "حرية وعدالة اجتماعية"، وصولاً إلى إسقاط الأنظمة الرجعية القمعية وزوالها والمطالبة بمحاكمة رموز هذه الأنظمة، والمطالبة بأنظمة ديمقراطية، وبممارسات ديمقراطية. كذلك اشتمل مضمون الشعارات الاعتراض على حكم العسكر أو قبضة أجهزة الأمن والمخابرات، ولم يكن الشباب الفلسطيني خارج هذه الصورة. وفي ظل هذا الربيع العربي والحراك الشبابي الثوري الشعبي في البلدان العربية التي لم تعد ترضى بالاستعمار سواء الخارجي أو الداخلي، برز دور الشباب الفلسطيني أيضا.

تاريخيا لعب الشباب الفلسطيني دورا رئيسيا في مناهضة الاستعمار على ارض فلسطين وفي مقاومة الصهيونية، سواء بأشكاله السلمية أو بالكفاح المسلح. ولاحقا في مقاومة الوجود الإسرائيلي وسلب الأرض وتهجير الشعب. وتميزت الانتفاضة الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة بالحضور الشبابي فيها، حيث امتلأت السجون الإسرائيلية فترة الانتفاضة الأولى والثانية بأعداد هائلة من الأسرى الشباب والشبان صغار العمر، الذين تم اعتقالهم على هذه الخلفية. 

وفي الداخل الفلسطيني، أي داخل ما يعرف بالخط الأخضر، لعبت حركات سياسية وشعبية أدوارا في مناهضة "الأسرلة" ومنع محاولات محو الهوية الفلسطينية، وفي مقاومة المشروع الصهيوني بالسيطرة على الأرض-البيت- المكان، فتشبثوا بالهوية بكل مقوماتها. وشهدت المقاومة حضورا وحراكا شبابيا في كل المعارك منذ النكبة، مرورا بمقاومة سياسات الحكم العسكري، ومقاومة سلب الأرض وتهويدها سواء في الجليل مع خطة "كيننغ" التي انتهت بالمقاومة الشعبية والتي يتم إحيائها سنويا في يوم الأرض، ومخطط "برافر" في الجنوب الذي يلقى تصديا ضخما، و وأيضا قانون الخدمة المدنية ومواجهة الخدمة العسكرية وجملة السياسات الاقتلاعية الصهيونية.

برز دور الحراك الشبابي الفلسطيني في فلسطين المحتلة عام 48 والمحتلة عام 67 في السنوات الأخيرة بشكل ملحوظ. وأثبت نفسه بجدارة على ساحة العمل الوطني. ويمكن القول أنه سبق القيادات التقليدية والأحزاب في حراكه السريع والشعبي وفي تحديث طرق التظاهر والتجنيد واستعماله لتقنيات الفيسبوك والتوتير واليوتيوب وتسخيرها لمعركته.

يطرق هذا المقال القضايا الأهم في الحراك الشبابي الفلسطيني، ويعرض التحركات الشبابية الأبرز في فلسطين المحتلة عام 48 والمحتلة عام 67، مع تسليط الضوء على اوجه التشابه، في المضامين، والهموم، والتقاطع والتعاون في العمل  على جانبي الخط الأخضر.

الحراك الشبابي الفلسطيني

إن كون الثورة الحقيقية لا تكتمل إلا إن كانت ثورة تنادي بالعدل الاجتماعي وبوقف التمييز على أساس الطبقة أو الدين أو الجنس، او العرق،  فإن مراجعة الشعارات التي يحملها الحراك الشبابي الفلسطيني في السنتين الأخيرتين تدلل على أنه حراك واعد، وأن "أوسلو" لم تنجح في القضاء على الروح الثورية والوعي الوطني لدى شبابنا الفلسطيني، وأن كل سياسات اسرائيل بهدف "أسرلة" فلسطينيي 48 ومحو ذاكرتهم وانتمائهم الوطني لم تنجح أيضا. حيث يدمج الحراك الشبابي بشكل واضح بين مفاهيم الثورة الحقيقية فيقاوم الاحتلال بكل تجلياته، ويدعو  لضرورة وقف الانقسام الداخلي وينبه من خطورة العودة للمفاوضات، ويؤكد على أهمية التشبث بالثوابت الفلسطينية في محوريها: الأرض والإنسان. وقد وضع الشباب قضية تحرير الأسرى في صلب مطالبه، كما أنه يرفض التطبيع ويرفض الأسرلة، ويرفض ويقاوم العنف الداخلي والطائفية والتمييز الطبقي والتمييز ضد النساء على أساس الجنس.

الحراك الشبابي في فلسطين 48

تاريخيالعبت الحركة الطلابية في مناطق الـ 48، دورًا هامًا في تنظيم الطلاب ومتابعة قضاياهم وتعبئتهم وطنياً،وتبوأت قيادات الحركة الطلابية فيما بعد مناصب قيادية مختلفة في الأحزاب وأطر تمثيلية كلجنة المتابعة والجمعيات الأهلية. ورغم التراجع الذي تشهده الحركة الشبابية الحزبية والطلابية أحيانا في أدائها،  فان حراكها يبقى سباقا ويسبق في مواقفه وتحركاته في كثير من المرات الأحزاب التي ينتمي لها.

منذ الثورات العربية  برز على المستوى الشعبي وفي الجامعات الحراك الشبابي الذي سبق الأحزاب ولجنة المتابعة بردة فعله وبآليات التظاهر التي استحدثها وباستخدام التقنيات الحديثة لنشر أفكاره والتجنيد لنشاطاته. وليس صدفة أن أجهزة المخابرات الإسرائيلية ترصد تحركات الشباب الوطني على الفيسبوك والتويتر، فقد صرح محققوها للشباب والشابات الذين تم استدعائهم للتحقيق بعد الحراك التضامني مع أسرى الحرية في "إضراب الأمعاء الخاوية" الذي انطلق في أيلول الماضي ولاحقًا في آذار-نيسان 2012، على أنهم يراقبون كل ما يكتب وينشر هناك.

طبعا الحراك الشبابي الشعبي على مستوى حزبي الذي تقوم به شبيبة الأحزاب، سواء انتظمت بأطر خاصة ضمن الحزب كما في التجمع الوطني الديمقراطي والحزب الشيوعي وأبناء البلد، أو اندمجت بهيئات الحزب كما في الحركة الإسلامية؛ فإنه مستمر، لكنه يتبع لقرارات الحزب ويدور في إطاره. والحراك في قضايا معينة كقضية الأسرى شهد تفاوتا بين شبيبة الأحزاب وبين الأحزاب نفسها، وأحيانا للأسف يشهد هو الآخر توترا وتنافسا لا يعود لمصلحة القضية نفسها فيصير المكسب الحزبي فوق القضية ذاتها، الأمر الذي دفع مجموعات شعبية كـ "جائعون للحرية" مثلا، للانطلاق متخطية الخلافات والمسابقات الحزبية.

قضية أسرى الحرية في صلب الحراك الشبابي في 48 و67

نلاحظ فيما يتعلق بقضية أسرى الحرية، أن الشباب الفلسطيني من مناطق 67 و 48، قد توحد بالشعار وبالمطلب في تحرير الأسرى وفي تجنيد الشارع لأخذ دوره في هذه القضية، وفي حث السلطة الفلسطينية على عدم التخاذل وعدم دخول المفاوضات مع الإسرائيليين. وانعكست هذه المطالب في التظاهرات والاعتصامات وفي دخول الشباب في إضرابات تضامنية عن الطعام، كما أن صفحات على الفيبسوك والتويتر والمواقع الالكترونية تم فتحها خصيصا لهذا الهدف. كان الأبرز ضمنها: جائعون للحرية، الحراك الشبابي، شباب من أجل الأسرى، "شباب بنحب البلد" شباب التغيير، الحراك الشبابي للأسرى المحررين، حراك حيفا، مجموعة غسان كنفاني-عكا، ثوري على كل سلطة.

 وقد برز بشكل خاص الحراك  الشبابي من قبل مجموعات مسيّسة لكن  مستقلة إلى جانب روابط الطلاب الأكاديميين، خاصة في قضية إضراب "الأمعاء الخاوية" الذي خاضه أسرى الحرية في أيلول الماضي 2011. المميز في بنية مجموعة "جائعون للحرية "اذا ما تعاطينا معها كمثال، أنّها قامت بالأساس بمبادرة الشباب أنفسهم، وليس بمبادرة حزب أو جمعية، وأنها تحمل الهمّ القومي والقضية الوطنية.مع أن المنتمين لها مسيسين ومنتمين سياسياً لكنهم سبقوا الأحزاب ولجنة المتابعة وكانوا محدثين في أساليب التظاهر. وتم استعمال تقنيات الفيسبوك بشكل خاص وتسخيرها للقضية. كما أتاحت  الإمكانية أيضا لفئات شعبية وطلابية وعمال وغير محزبين للانضمام لها والتعبير والمشاركة من خلالها.

كانت المجموعة قد نظمت سلسلة من النشاطات. ففي حيفا أقيمت خيمة إعتصام وتم تسمية ساحة في وسط حيفا بساحة الأسير، ورفعت الأعلام الفلسطينية وشعارات التضامن مع أسرى الحرية. حيث خاض في حينه 12 شابا وفتاة إضراباً تضامنياً عن الطعام بموازاة إضراب الأسرى واستقطبت شخصيات وطنية ومن الناشطين/ات في القضية وفنانين/ات، إضافة إلى أهالي أسرى، حيث تمت استضافتهم في الخيمة ليتحدثوا لجمهور الشباب الذي كان يلتقي يومياً وغالبا ما كان اليوم يبدأ بمسيرة وحمل شعارات ثم اجتماع. ومما جاء في بيان تأسيس المجموعة:

لقد مرّ الأسبوع الثاني من جوع أبناء شعبنا الأسرى في سجون الإحتلال، في إضرابهم عن الطعام إحتجاجاً على إعتقالهم في أحقر الظروف الممكنة، وقد آن الأوان لنثبت موقفاً حاسماً يعيد معاناة الحركة الأسيرة إلى رأس سلم الأولويات في نضال شعبنا الفلسطينيلذا، فقد بادرت مجموعة من الشابّات والشباب من داخل فلسطين المحتلة ومن كل الأطياف والفئات السياسية، إلى إعلان الإضراب المفتوح عن الطعام والاعتصام في مدينة حيفا، انطلاقاً من يوم السبت، الموافق 8.10.2011، تمام الساعة الثامنة مساءً، تضامناً مع مطالب الحركة الأسيرة، وتماهياً مع نضالها الشرس ضد الإحتلال وسجونه...

تهدف هذه الخطوة إلى إعلان الدعم الكامل لمطالب الحركة الأسيرة، وأولها الحرية الكاملة من الأسر. وكذلك إلى رفع الوعي وتجنيد الدعم الجماهيري والمؤسساتي إلى نضال الأسرى ومعاناتهم، وتشكيل أرضية صادقة لانطلاق الاحتجاج الشعبي العنيد والمُلحّ ضد الاحتلال وسجونه...

 من الضروري أن نؤكد أننا نعتبر كل الفئات الوطنية شريكة في هذا العمل، ومدعوة للمساهمة والدعم والمشاركة في إحياء النشاطات والمبادرات. ونحن نناشد الحركات والأحزاب الوطنية، وكذلك الجمعيات الأهلية، خاصةً العاملة في مجال حقوق الإنسان، والحركة الأسيرة والشؤون القانونية، بالانضمام إلى هذا النضال الوطني الموحّد الذي لا يهدف إلا للمطالبة بحق المناضلين ضد الإحتلال بالحرية، منسجماً حتى النهاية، مع مطالبهم وقراراتهم. كما ونوجّه مناشدة خاصة وحارة إلى أهلنا، أهالي أخوتنا الأسرى داخل أراضي الـ48، للوقوف إلى جانبنا.

من الشعارات التي ميزت هذه التحركات كانت شعارات عامة تخص جميع الأسرى وشعارات تحدثت عن أسرى بشخوصهم وشملت أسرى ال48، نذكر من هذه الشعارات : "إصحوا كي لا أموت"، "نحن أيضا كرامتنا أغلى من الذهب"،"صمتنا حكم إعدام بحق أسرانا الأبطال،صمودهم صمودنا"تحيتنا العالية ... للأمعاء الخاوية"،"ويا انتفاضه اشتدي اشتدي... في كل السجون امتدي... صبي نارك ع المتعدي"؛ " يا أسير سير سير... وإحنا معاك للتحرير"؛"قسماً قسماً عاهدنا... اسرانا اللي في السجونعهد الثوره ما بنخون... لا متساده ولا نحشون فلتسقط كل السجون ... من نفحه حتى الدامون".

وعلى جزء آخر من ضفاف فلسطين، تبنى الشباب الفلسطيني في مناطق 67 والقدس قضية أسرى الحرية ورفض الانقسام والمفاوضات ورفض التطبيع في محور أعماله وانعكس في شعاراته وتظاهراته أيضا.

في تاريخ 13\3\2011 أُعلن عن إضراب مفتوح عن الطعام على دوار المنارة في مدينة رام الله من قبل العديد من الشباب، شباب 15 آذار والحراك الشبابي المستقل، متحدّين الملاحقة والاعتقال والاعتداءات. بعد "المصالحة" أنهى الشباب اعتصامهم، واتخذ شكل الحراك الشبابي في التوسع ليشمل قضايا أخرى مثل أحداث النكبة في 15 أيار، التضامن مع الحراك العربي، مناهضة فعاليات تطبيعية والتصدي لها. وفي هذه المرحلة اللاحقة بدأت محاولات لتوحيد الجهود ما بين المجموعات الشبابية، لكن مسعى توحيد الحركات الشبابية في جسم واحد لم ينجح لعدة أسباب نحن بعيدين عن الخوض بها في هذا المضمار.

نجحت حركة "شباب منحب البلد" في إلغاء أكثر من لقاء تطبيعي منها في القدس وبيت جالا. ومع هذا، فقد اتفقت المجموعات مع بعضها على أن زوال الاحتلال والنزول إلى الشارع وإعادة الحياة للشارع على اعتبار انه الفيصل في نهاية المطاف. وهناك آراء تقول أن المشاركة في مسيرات النبي صالح في يوم السلام العالمي الذي وافق 25-9-2010، وأول صدام مع السلطة حول التضامن مع الثّورة التّونسية على دوار المنارة أيضا قد مهد لهذا الحراك؛ وكانت المرة الأولى التي يصطدم فيها الشباب بالحقيقة الخشنة التي مفادها "إنّنا نملك سلطة قمعية تشبه الدّول العربية المجاورة" على حدّ تعبيرهم.

حملت مجموعة الخامس من حزيران تزامناً مع النكسة، قبل أنْ يتغيّر اسمها إلى الحراك الشّبابي المُستقلّ،شعارات من نوع "على التفاوض ثورة وعلى المفاوض ثورة".أصرّت المجموعة على رفع شعار المجلس الوطني إلى جانب إنهاء الانقسام، لكن البعض أكد أنّ انتخابات المجلس الوطني وترتيب البيت الفلسطيني هو شعار رفعه اليسار منذ التسعينيات، فهو ليس بالمطلب المستجد بقدر ما هو ضروري.

لقد حدّد الحراك ثلاثة محاور للعمل. الأوّل، موضوع إنهاء الانقسام، والثّاني قضية الأسرى، والثالث التّطبيع والتّمويل الخارجي، فتعاون مع مجموعة شبابية أخرى حديثة، أطلقت على نفسها فيما بعد "شباب بنحب البلد".اللذين كان بينهما انسجام فكري وطبقي ليس حزبيا.وقد نظروا بعين التفاؤل إلى النضال الذي تقوم به الحركة الأسيرة، معتبرين انه حلقة مهمة في نضال الشعب الفلسطيني ورأوا فيه بداية التّغيير. وقد انطلقت حركة "شباب بنحب البلد" على دوار الساعة في رأس السّنة تحديدا حيث رأى المبادرون لإقامتها أن "التّطبيع وصل حدّه"، وعليه فقد قرّر مجموعة من الصحفيين والكتاب من مشارب مختلفة أنْ يتصدروا ما اعتبروه واجباً.

رفض التطبيع ورفض عودة الجانب الفلسطيني للمفاوضات "المذلة"

كانت زيارة موفاز المرتقبة، بمبادرته والتي قبلتها السلطة الفلسطينية،  قد أثارت الشارع الفلسطيني والشباب الذي انطلق بالتظاهرات في رام الله رافضا المذلة. وجاء رد فعل أجهزة الأمن الفلسطيني بشكلعنيف ومفاجئ، حيث طال الشباب والنساء والصحفيين دون أي رادع، وتبعه حملة اعتقالات واسعة في أوساط الشباب. وقد ذكرّت المشاهد في رام الله كما قال الكثيرين بما يحدث في أرجاء الوطن العربي وقمع الأنظمة العربية لثورات الربيع العربي، وذٌكرهم بالمواجهات مع  الجيش الإسرائيلي بشكل محزن ومؤسف. وقد رفعتشعارات مثل: "الشرطة في خربة البلد؛الشعب يرفض شروط الرباعية الدولية؛ الشعب يريد محاكمة ومحاسبة سلطة الحاكم العسكري؛ لا للأجهزة الأمنية التي تخدم أجندة العدو الصهيوني وتنسق معه". وقد تم على الفيسبوك تعميم صور أفراد من الشرطة وأجهزة الأمن الفلسطيني وهم يعتدون على الشباب الفلسطيني- وتمت دعوة الشارع إلى فضحهم وفضح ممارساتهم ونشر أسمائهم والمطالبة بمحاسبتهم ومحاسبة المسؤولين عنهم وعدم التعامل مع الأمر على انه حدث عابر.

قضايا إضافية محورية يحملها الشباب الفلسطيني في مناطق 48: (يوم الأرض وذكرى النكبة)

إن قرار لجنة المتابعة العليا الموجه للجماهير العربية هذه السنة بعدم إعلان الإضراب الشامل، في يوم الأرض، كان قد لقي نفورا كبيرا بين أوساط الشباب،  وقد انطلقت حملة أيضا عبر الفيسبوك والتويتر تدعو الى الإضراب رغم قرار لجنة المتابعة. حيث اعتبره الشباب قرارا خاطئا، وكتبت شعارات مثل: "انا مضرب شو معك"، "المتابعة بدها متابعة". وبرز أيضا في الداخل الفلسطيني حمل شعارات وارتداء قمصان تحمل موقفا من اوسلو ومن موقف السلطة الفلسطينية من قضية أسرى 48 القدامى، وجاءت شعارات مثل: "أبقونا في سجون من صافحوهم". ولم يقتصر يوم الأرض هذه السنة على حمل شعارات يوم الأرض المعتادة، بل لوحظ حمل شعارات متنوعة كان بينها أيضا شعارات تحمل مواقف مما يحدث في سوريا.هذا الأمر وهذا الحضور البارز الشبابي برز أيضا في يوم النكبة. ما بات واضحاً، هو أن الشباب الفلسطيني والجيل الصاعد،  يحمل بشكل واضح هموم شعبه ووطنه، هذا على الرغم من الشرذمة الجغرافية، واستحالة التواصل بين القطاعات الأوسع من الشعب الفلسطيني بمختلف أماكن تواجده.

كما وشهدت مسيرات يوم الأرض ويوم النكبة ومسيرات العودة شعارات ترواحت بين مطالبة القيادات التقليدية الأحزاب ولجنة المتابعة لإصلاحات وحثها على ضرورة التغيير وبين أصوات نادت بتنحيها.وذلك إضافة للشعارات التقليدية التي تحدثت عن الحدث نفسه.

كسر حاجز الخوف وكشف الملاحقات السياسية والتحقيقات

من الواضح أن الحراك الشبابي الفلسطيني في اتساع، ويبرز تبني القضايا الأكثر إلحاحا كما قضية الأسرى، الخدمة المدنية، التطبيع والمفاوضات، إنهاء الانقسام، العنف الداخلي. ومن المهم وجود التنسيق بين مجموعات الشباب المختلفة وتخطي الحواجز التي تفرضها دولة اسرائيل على الجغرافية وتوحيد الصفوف رغم الاختلافات الموجودة والخلافات التي تنتج أحيانا. ويتضح أن خوف المؤسسة الإسرائيلية الحاكمة الأكبر هو من هذا الحراك؛ وخاصة كونه جيل المستقبل الواعد الذي يسيطر على التقنيات الالكترونية الحديثة ويسخرها لمعركته. وليس من سبيل المصادفة أن تتابع أجهزة الأمن مواقع الفيسبوك والتويتر وترصد ما ينشر وما يكتب هناك. وأن تقوم بحملات تحقيق جماعية مكثفة مع الشباب اللذين يشاركون في الاعتصامات، كما حدث بعد الإضراب عن الطعام في أيلول الماضي وكما حدث مؤخرا مع تجدد الإضرابات والاعتصامات.

لكن ، كما قام الشباب العربي في تونس ومصر وسوريا والبحرين والسودان بقيادة الثورة وتأجيج نارها، كذلك يفعل الحراك الشبابي الفلسطيني، وسيستمر؛ لأنه صاحب قضية وصاحب حق.

----------------

* جنان عبده: باحثة مختصة في شؤون المرأة والشباب العربي، زوجة الأسير في سجون الاحتلال أمير مخول.

بين "الربيع العربي" والقضايا القومية

بقلم: جوزف أنطونيوس*

بعد مرور ما يقرب العام على مقتل العقيد الليبي معمر القذافي (20 تشرين الأول/أكتوبر 2011[1])، الذي كان نظامه آخر الأنظمة الثلاثة التي نجح ما سُمِّي "ربيعاً عربياً"[2] في إسقاطها، لا بدّ من النظر إلى ما حققته الانتفاضات العربية حتى الآن، وخصوصًا في البلدان الثلاثة المعنية.

بداية، ثمة ما يجب التوقُّف عنده، وهو الحدث الذي خُتمت به الثورة الليبية (أو لنقل: الحرب الأهلية الليبية). أقُتِل القذافي أم أعدِم؟ هو السؤال الذي لا بدّ من طرحه؛ إذ تعددت الروايات في شأن مقتله، إحداها تقول إنه أصيب في قصف لقوّات حلف شمال الأطلسي (الناتو)، فاختبأ في أنبوب للصرف الصحّي وخرج حاملًا مسدسًا سائلًا عما يحصل، فتعرض لإطلاق نار واعتُقل ولم يتحمل الإصابة بسبب مرضه، فمات. بينما تؤكد رواية أخرى في الوقت عينه، أن "ثوار" مصراتة قتلوه وحدهم،[3] واللافت هنا أن بيان حلف شمال الاطلسي في هذا الخصوص لم يؤكد وجود القذافي في الموكب الذي قُصف، وهو ما عزّز غموض دور الحلف في العملية.[4]

من ناحيتها، حاولت صحيفة (ذا تايمز) البريطانية تحليل اللحظات الأخيرة من حياة القذافي، فتوصلت إلى أن طائرة فرنسية قصفت موكبًا من إحدى عشرة سيارة من دون أن تعرف أنه موكب القذافي، وأن عشرين مقاتلًا لجأوا مع "العقيد" إلى أنابيب الصرف الصحي، قبل أن يعثُر عليهم "الثوار". وتؤكد الصحيفة أمرين: الأول بأن القذافي أصيب برصاصة في معدته، والثاني، "أن الصور التي نُشرت بعد تنظيف رأسه تُظهر نقطتي دخول الرصاصتين بدقة",[5] ما يرجِّح ــ برأي كاتب هذه السطور ــ أن يكون القذافي قد تعرض لإعدام فوري (وهذا ما لا تُؤكّده الصحيفة)، وخصوصًا أن الفيديو يُظهر مسدسًا موجَّهًا إلى رأسه قبل أن ينقطع التصوير على حين مفاجئ.

ما يفاقم من ريبة الأمر، أن جثّة القذافي مدفونة في مكان سرّي،[6] الأمر الذي يعيق إعادة نبش القبر وإجراء التحقيق الملائم في مقتله؛ وأن الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون كان مستعجلًا لـبدء "حقبة جديدة"، مؤكدًا أن مقتله "يوم تاريخي للشعب الليبي"،[7]  وفي ذات إطار التوجه المماثل نستطلع إلى جانب بان كي مون كلا من رئيسي الوزراء الإنكليزي والإيطالي، مضافا إليهما الرئيس الأميركي، حيث جهدوا جميعاً بالحديث عن مستقبل ليبيا بدلًا من إدانة القتل.[8] وحدهما المفوضية العليا لحقوق الإنسان،[9] ومنظمة العفو الدولية طالبتا بالتحقيق.[10] هذا بالطبع علاوة على أفراد من أسرته. بل إن إدانة الطريقة الهمجية التي قُتل بها، شبه غائبة على المستوى العربي، رسميًا وشعبيًا، كأن المقتول ليس إنسانًا، وهو ما كان يُروّج له الإعلام منذ قيام تظاهرات شباط/فبراير2011.

لماذا إذًا قُتل القذافي؟ حتى لا يثير الفضائح التي أثارها الرئيس العراقي المخلوع صدّام حسين إذا ما حوكِم؟ سؤال تُترك الإجابة عنه للتاريخ.

كان ضروريًا الحديث عن مقتل القذافي قبل النظر إلى المستقبل، إلى السياسات التي يبنيها جيل خلال وما بعد الثورات. كيف ينظر نظام الحكم الليبي الجديد إلى القضايا القومية؟ أين موقع ليبيا "ما بعد 17 فبراير" من قضايا العالم العربي؟

انطلاقاً وبنشوء الوضع الليبي الجديد، تحدّثت الصحف الإسرائيلية عن اتصالات إسرائيلية ــ ليبية سرّية، ترمي لإقامة سفارة إسرائيلية في ليبيا، ومن هذه الأحاديث الصحفية ما قدمته "هآرتس"، التي نقلت عن أحمد شعباني،[11] المتحدث باسم المجلس الانتقالي الليبي، حديثه عن (ضرورة إقامة علاقات مع إسرائيل)؛ أما ال "جيروزاليم بوست"، التي تحدّثت عن ضرورة (تسريع العلاقات الإسرائيلية ــ الليبية التي لا مفرّ منها).[12] هذه الاتصالات، إن صحّت، فهي تُظهر المستفيد الأول من "الثورة"، دونما تجني أو مواربة، كما تُظهر تماهيًا ما بين السياستين الليبية والمصرية، لناحية مهادنة إسرائيل، بل أكثر من ذلك، أي الارتماء في أحضانها. وللحديث عن "مصر ما بعد الثورة" مكانه عبر هذه المقالة (وهذا العدد ايضا).

ثمّة ما يمكن تسميته خيبة الأمل من سياسات ليبيا ما بعد الثورة، فبعد وصول الإسلاميين إلى الحكم، وبعد سقوط الطاغية، كان من المفترض أن تتبدّل سياسة ليبيا، بالحد الأدنى، من سياسة طأطأة الرأس التي مارسها القذافي، إلى سياسة رفع الرأس في وجه من يُفترض أنه العدوّ. لكن هذا خلاف ما وقع، فالجماهير نزلت إلى الشارع للتنديد بفيلم سخيف، حتى في مستوى  المحاكمة الفنية أيضًا، مسيء للرسول مدّته أقل من ربع ساعة، وقتلت السفير الأميركي،[13] وفتحت المجال للولايات المتحدة للتدخل في التحقيق بمقتله، للملاحظة العابرة: إن مستشار البيت الأبيض لشؤون مكافحة الإرهاب جون برينان يزور ليبيا لحظة الشروع بكتابة هذه المقالة،[14] وتحريك قوات المارينز على شواطئ ليبيا.

 هذه الجماهير نفسها لم تحرّك ساكنًا لدى اعتداء المستوطنين على المسجد الأقصى بحماية جنود الاحتلال،[15] كأنّ العقول المخدَّرة بـ (الدِين) تتوقف عن التفكير في السؤال القومي، فحتى أولى القبلتين ومسرى الرسول لا يُحرّكها إذا ما كان في الأمر دفاع عن فلسطين؛ وتعمل وفق أجندة خلق الذرائع للصراع الأميركي ــ الفرنسي على ليبيا، وتقسيم البلاد إلى شرق وغرب، وقد بدأت فعلًا عبر خطوة إنشاء ما بات يعرف عنه ب (مجلس إدارة شؤون المحافظة).[16]

ما ينطبق على ليبيا، ينطبق ما هو أخطر منه على مصر؛ فـ"الإسلاميون"، الذين اغتالوا الرئيس المصري أنور السادات في يوم 6 تشرين الأول/أكتوبر 1981، عادوا وكرّموه على يد الرئيس المصري الحالي محمد مرسي، الذي أصدر "قرارًا جمهوريًا قضى بمنح الرئيس الأسبق محمد أنور السادات قلادة النيل العظمى ووسام نجمة الشرف، تقديراً لقراره التاريخي في حرب أكتوبر 1973"!. اللافت في هذا المنحى أن مرسي لم يكرِّم الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر في ذكرى ثورة 23 تموز/يوليو 1952.[17]

بعد انتصار الثورة المصرية في 11 شباط/فبراير 2011، علت الآمال بعودة مصر رأسَ حربة في مواجهة العدوّ. وتعززت هذه الآمال لدى تفجير أنابيب الغاز أكثر من مرّة،[18] والتظاهر ضدّ السفارة الإسرائيلية في القاهرة،[19] ومطالبة محمد سيف الدولة، مستشار مرسي، بـ"تعديل اتفاقيه كامب ديفيد"، مشيرًا إلى "أن هذه الاتفاقية تحفظ أمن إسرائيل وتتهدد الأمن القومي المصري".[20] إلا أن هذه الآمال نُسفت في نيويورك، عندما صرّح ياسر علي، المتحدث باسم مرسي، "أنه لا حاجة حاليًا إلى تعديل اتفاقية كامب ديفيد"![21] كأنّ (التعليمة) أعطيَت في نيويورك، مثلما كانت قد أُعطِيَت قبلًا للتخلُّص من السادات بعد انتهاء دوره.

من ثم ماذا على العربي أن يتوقَّع من عقلية سياسية تقترح تشريع الزواج من فتاة بعمر التاسعة، أو بعبارة أخرى تشريع البيدوفيليا!؟ ماذا يتوقّع من عقلية ثيولوجية تُصدر فتوى بتحريم ركوب الدرّاجة لأنها تُثير الفتاة جنسيًا؟ "وماذا عن المختونات؟، بهذه العبارة سخرت إحدى الناشطات بسوداوية حزينة مضحكة!

أما في تونس، مُطلِقة الانتفاضات العربية، فما زال لرفض التطبيع قوّة أكثر فعلًا، مع أن زعيم حركة النهضة التونسية راشد الغنوشي أثار جدلًا كبيرًا حين نُسب إليه تصريح إلى إذاعة "صوت إسرائيل".[22] ومهما يكن مضمون حديثه، فمجرَّد حديثه إلى إعلام العدوّ يجعله وسطيًا في الصراع العربي ــ الإسرائيلي، وسطيًا بين الظالم والمظلوم. ومع أن نجيب الغربي، المسؤول عن قسم الإعلام بحركة النهضة، نفى الأمر، إلا أن لا أحد يستطيع أن ينفي مثلًا قول الغنوشي: "إن دستور تونس الجديد لن يحوي على مواد تدين إسرائيل"، وهو ما نقلته مجلة "ويكلي ستاندارد" الأسبوعية الأميركية، من دون أن ننسى أن كلامه هذا جاء على هامش ندوة شارك فيها في معهد واشنطن للدراسات المؤيد لإسرائيل.[23] لكن توقُّعات الغنوشي لم تصحَّ، لأن المجلس الوطني التأسيسي في تونس صادق على سنّ بند في الدستور الجديد يُجرِّم التطبيع مع الكيان الصهيوني والصهيونية.[24]

قد يكون في التميُّز التونسي هذا تفسير أو تأكيد لما كتبه محمود محارب في شأن ما تخشاه إسرائيل من الثورة التونسية؛[25] إذ رأى أن الثورة التونسية قد تتسبب بقطع العلاقات "غير الرسمية" بين تونس وإسرائيل، كما رأى أن إسرائيل تخشى أن تكون تونس نموذجًا تحتذي به الشعوب العربية الأخرى، فتنتشر الديمقراطية في العالم العربي، وهو ما يُعَدُّ قاتلًا للكيان الصهيوني. استند هذا التحليل إلى المخاوف الإسرائيلية بُعيد انتصار الثورة التونسية، ونُشر في 6 شباط/فبراير 2011، أي حتى قبل انتصار الثورة المصرية. هذه المخاوف يجب أن تؤخذ في الحسبان لفهم طريقة تعاطي إسرائيل مع الثورات العربية، ولفهم السبب الذي جعل الأميركيين يدعمون وصول الإسلاميين إلى الحكم، وتراخي النظامين الليبي والمصري الجديدين في التعاطي مع إسرائيل، وتخبُّط النظام التونسي الحالي في هذا الشأن، بين التطبيع، والاستجابة لما يريده الشعب.

-----------------

*جوزف انطونيوس:صحافي لبناني ومحرر في المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات.



[1] موقع «الجزيرة.نت»، معمر القذافي، <http://www.aljazeera.net/news/pages/a8fa00c0-b0ad-4c0f-8d12-0e40b300fb2a>

[2] تسمية لا يتبناها كاتب هذه المقالة، أطلقها الباحث الفرنسي بينوا ميشان في كتاب بعنوان الربيع العربي، وعادت إلى الظهور فجأة في الإعلام الغربي مع الانتفاضات العربية الحديثة. انظر: «’الربيع العربي‘.. تسمية تعود إلى خمسينيات القرن الماضي»، على الرابط الإلكتروني: <http://www.marocpress.com/almassae/article-97076.html>.

[3] اعتمد كاتب المقالة هنا على عدد من المصادر، لكن الأكثر تفصيلًا منها (من دون أن يكون شاملًا): موقع «الجزيرة.نت»، «كيف قتل القذافي؟»، <http://www.aljazeera.net/news/pages/d87f4c62-2c66-4504-b458-4bbc2d2b6cc3>.

[4] Financial Times, «Confusion over Nato role in Gaddafi death», <http://www.ft.com/intl/cms/s/0/af362fc0-fb2e-11e0-8756-00144feab49a.html#axzz28teWxFMi>.

[5] Laura Pitel and Roger Boyes, «A tyrannicide for the 21st century: how hi-tech and hate killed Gaddafi», <http://www.thetimes.co.uk/tto/news/world/middleeast/article3202989.ece>.

وباللغة العربية:

جريدة القدس اللندنية، «’ذي تايمز‘ تصف لحظة بلحظة كيف قتل معمر القذافي بالتكنولوجيا والكراهية»، <http://www.alquds.com/news/article/view/id/303775>.

[6] موقع «الجزيرة.نت»، «دفن جثمان القذافي بصحراء ليبيا»، <http://www.aljazeera.net/news/pages/10cea599-0873-4e3f-97dd-471352e9c896>.

[7] صحيفة المصريون، «بان كي مون: مقتل القذافي هو يوم تاريخي للشعب الليبي»، <http://www.almesryoon.com/news.aspx?id=83129>.

[8] انظر موقع «روسيا اليوم» على الرابط الإلكتروني: <http://arabic.rt.com/news_all_news/news/569584>.

[9] موقع «بي بي سي»، «مفوضية حقوق الإنسان تطالب بالتحقيق بظروف مقتل القذافي»، <http://www.bbc.co.uk/arabic/multimedia/2011/10/111021_gaddafi_killing_questions.shtml>.

[10] موقع «يو بي آي»، «منظمة العفو الدولية تدعو إلى التحقيق في كيفية مقتل القذافي»، <http://arabic.upi.com/News/2011/10/21/UPI-30911319212792>.

[11] جريدة صدى البلد اللبنانية، «أول سفير لإسرائيل في ليبيا يزور طرابلس قريبًا»، <http://www.el-balad.com/8744.aspx>.

[12] The Jerusalem Post, «Accelerating inevitable Israeli-Libyan relations», <http://www.jpost.com/Opinion/Op-EdContributors/Article.aspx?id=243069>.

[13] جريدة الأخبار اللبنانية، «’غزوة بنغازي‘ تودي بالسفير الأميركي»، <http://www.al-akhbar.com/node/167055>.

[14] جريدة المصري اليوم، «مصدر ليبي: مستشار البيت الأبيض لشؤون مكافحة الإرهاب يزور ليبيا الثلاثاء»، <http://www.almasryalyoum.com/node/1163511>.

[15] موقع «الجزيرة.نت»، «إصابة خمسة باقتحام قوات الاحتلال للأقصى»، <http://aljazeera.net/mob/f6451603-4dff-4ca1-9c10-122741d17432/7d251b03-1729-4ad9-976a-a0a19e4746b4>.

[16] موقع «العربية»، «برقة تستقل ذاتيًا وسط مخاوف من تقسيم ليبيا»، <http://www.alarabiya.net/articles/2012/03/06/199010.html>.

[17] جريدة السفير اللبنانية، «مرسي يكرّم الســادات!»، <http://www.assafir.com/Article.aspx?EditionId=2273&ChannelId=54554&ArticleId=606&Author=>.

[18] جريدة المصري اليوم، «تفجير خط الغاز بسيناء للمرة الـ15.. والأولى في عهد مرسي»، <http://www.almasryalyoum.com/node/1001546>.

[19] موقع «الجزيرة.نت»، «مظاهرة لإغلاق سفارة إسرائيل بمصر»، <http://www.aljazeera.net/news/pages/edeecbaf-d752-4087-a38e-a42d183d60ea>.

[20] جريدة الوفد المصرية، «مستشار مرسي: كامب ديفيد تحفظ أمن إسرائيل»، <http://www.alwafd.org>.

[21] جريدة المصريون، «ياسر علي: لا حاجة حاليًا لتعديل اتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل»، <http://www.almesryoon.com/permalink/29166.html..

[22] جريدة الأخبار اللبنانية، «بين الغنوشي والصحافي الإسرائيلي: من نصدّق؟»، <http://www.al-akhbar.com/node/34119>.

[23] The weekly Standard, «Rached Ghannouchi: A Tunisian Islamist Looks to the Future», <http://www.weeklystandard.com/keyword/Rached-Ghannouchi>.

[24] موقع «قناة العالم الإخبارية»، «تونس تقر مبدأ تجريم التطبيع مع الكيان الإسرائيلي»، <http://www.alalam.ir/news/1236294>.

[25] محمود محارب، «ما الذي تخشاه إسرائيل من الثورة التونسية؟»، موقع المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، <http://www.dohainstitute.org/release/fbf11d47-9b17-4c5c-9f71-b87188428834#a3>.

ما بعد الثورات العربية:قراءة في قضايا المرحلة الانتقالية وتأثيرات جدل الداخل والخارج عليها

بقلم: تيسير محيسن*

بعد مرور أكثر من عام ونصف على إندلاعها، تبحث هذه المقالة دينامياتالثورات العربية وقضاياالمرحلة الانتقالية التي تمر بها بلدان الربيع العربي، بتأثير جدلية الخارج والداخل: تأثيرات/تدخلات القوى الإقليمية والدولية من ناحية، وضغوط القضايا القطرية والقومية من ناحية ثانية.

من الواضح أن درجة عالية من الضبابية السياسية تكتنف مصير هذه الثورات. فمن ناحية، توقفت، حتى الآن، عند حدود الدول الست التي اندلعت فيها، ومن غير المعروف متى تنتقل عدواها إلى بلدان أخرى. ومن ناحية ثانية، لم تنجح في إسقاط أنظمة الحكم سوى في أربعة بلدان، هي تونس وليبيا ومصر واليمن، بينما انطفأت نارها في البحرين واستعر لهيبها في سوريا فيما يشبه الحرب الأهلية.

هذا وتتباين الآراء وتختلف المواقف حول ما إذا كانت المرحلة الانتقالية ستفضي حتماً إلى بناء دولة عصرية وانتهاج الديموقراطية. فمن قائل أن صعود الاسلاميين إلى سدة الحكم سيحول بالضرورة دون ذلك، وسيدفع المنطقة إلى مزيد من التطرف وسباق التسلح واستمرار النزاعات. وثمة من يرى أن الإسلاميين سيتصرفون، وهم في الحكم، تماماً مثل بقية مكونات الجماعة الوطنية، وفقاً للمبادئ والقيم التي أملتها الثورات العربية واستناداً لواقع تجربتهم العملية وليس استناداً لشعاراتهم ومواقفهم الأيديولوجية.

يجدر التنويه إلى أن أجندة القضايا تختلف من بلد لأخر، بالرغم من وجود العديد من القضايا/التحديات المشتركة أو المتشابهة. هذا علاوة على أن مواقف وسياسات القوى الإقليمية والدولية، أيضاً، تتباين تجاه بلدان الربيع العربي وفقاً لمصالحها أو لاعتبارات جيو- سياسية أو جيو- إستراتيجية. من القضايا المشتركة، الصراع على شكل الدولة وطبيعة نظام الحكم، التحديات الاقتصادية وتشمل مشاكل الفقر والبطالة وتحقيق النمو الاقتصادي وغير ذلك، العلاقة مع الدول الأخرى ومصالحها في المنطقة.

عند اندلاعها، لم تنشغل الثورات العربية كثيراً بالقضايا القومية، فقد انصبت مطالبها وشعاراتها حول الشأن القطري الداخلي. تغير سلوك القيادات الجديدة بعد انتخابها قليلاً، فقد عبّر بعضها عن مواقف معينة تجاه بعض مما يدور في الإقليم، كما اضطرت إلى إبداء قدر من الاهتمام تجاه بعض القضايا القومية والإقليمية، وصل حد تقديم مقترحات عملية. ومع ذلك، فلا زال الاتجاه الغالب على سلوكها يتمحور حول الأجندات الداخلية، وهو ما يدفع للاعتقاد أن كثيرا من الشعارات التي كانت ترفعها أثناء وجودها في المعارضة، إما إنها كانت لمجرد مناكفة النظام القائم وإحراجه، وإما أنها اكتشفت، وقد وصلت سدة الحكم، صعوبة تحقيق معظمها وخصوصاً تلك المرتبطة بقضايا قومية كالقضية الفلسطينية على سبيل المثال. قد يقول قائل أن الثورات ذاتها التي أوصلت هؤلاء للحكم لم تحمل أي مطالبات إقليمية مكتفية بمطالبها المحلية، وبالتالي فالقيادات الجديدة إنما تعمل وفق منظور الثورة وليس ضده، أو إنها تتمهل حتى تستقر في الحكم وتتغلب على بعض التحديات الداخلية ومن ثم تتوجه للعمل على مستوى إقليمي. وفي ذلك بعض الصحة والمنطق، غير أن سلوك بعض هذه القيادات يدعو للعجب؛ فسرعة تبديل المواقف وتغيير اتجاه السياسة أكبر من أن يتم تبريرها بمنطق الثورة، والإصرار على توجيه رسائل اطمئنان للقوى الدولية والإقليمية يضع قيوداً إضافية على أي فرصة تحرك إقليمي مستقبلي. واللافت أن معظم الرسائل تتمحور حول الاتفاقيات المبرمة وحول الموقف من إسرائيل. بالطبع، لم يكن مطلوباً من أي نظام حكم جديد حملته الثورة من مواقع المعارضة الرنانة إلى سدة الحكم لإدارة أوضاع في غاية التعقيد والصعوبة، أن يعلن الحرب في اليوم التالي، لكن أن يبالغ في طلب ود الولايات المتحدة وإسرائيل على النحو الذي لوحظ بشكل واضح ودون مواربات، فذلك مما يحتاج إلى تفسير وقراءة معمقة. وكلما أمعنت إسرائيل في تهويل ما حدث وشيطنة الحركات الاسلامية، كلما تهافتت هذه النظم أو بعض منظريها، عبر فتاوي وآراء غاية في الخزي، من قبيل إعلان روسيا والصين أعداء للأمة، أو التشكيك في جدوى محاربة التطبيع، واجراء لقاءات سرية كانت تعد من المحرمات في زمن سابق.  

لعله من الانصاف القول أن الثورات العربية، لأسباب عديدة، دفعت وتدفع الحركات الإسلامية في العالم العربي إلي مواقف أكثر مرونة وواقعية، بغية انتزاع اعتراف المجتمع الدولي بها من ناحية، ومن ناحية أخرى تجنيبها الصدام المبكر مع بعض القوى المتربصة. إسرائيل تستغل هذه الحاجة بصورة وقحة، فحملات التحريض علي الحركات الإسلامية تهدف إلي تحقيق أحد هدفين: فإما أن تضفي هذه الحركات مرونة علي مواقفها من إسرائيل والاتفاقيات الموقعة معها، وحتى تقديم تنازلات جديدة لها، وإما أن يتوقف العالم وتحديداً الغرب، عن إجراء الحوار معها، على طريق نزع شرعيتها ومن ثم عرقلة أي توجه لها نحو بناء عوامل القوة وامتلاك زمام مشروعها النهضوي. نقطة ضعف هذه الاستراتيجية يكمن في تجاهل نوايا إسرائيل الحقيقية ومن وراءها الولايات المتحدة التي تعلن ليل نهار أن مصلحتها هي التي تحدد مواقفها تجاه ما يحدث، فقد أعلن وزير الخارجية البريطاني هيج أن "الحكومة البريطانية ستعمل مع الشركاء الدوليين لحفظ الأمن والسلام، وتعزيز التطور الديمقراطي، وحماية مصالح المملكة المتحدة". ويعلق مستشار الأمن القومي الأمريكي الأسبق، بريجنسكي، على أزمة تمويل المنظمات الأهلية المصرية بقوله "وجود مصالح أمريكية في استقرار مصر، وفي معاهدة السلام بين مصر وإسرائيل يحتم التعامل مع تلك القضية بطريقة مبتكرة لعبور ذلك المنعطف الخطير في العلاقة بين البلدين".

 هناك محددات لمواقف وسياسات القوى الخارجية (الإقليمية والدولية) المتنافسة على النفوذ والثروة، تجاه الثورات العربية ونتائجها؛ التي تتراوح بين القبول الحذر بهذه النتائج، وبين محاولات الالتفاف عليها واحتوائها. هذه الأبعاد هي: العلاقات والمصالح الاقتصادية، شبكة المواصلات والتجارة الدولية، شبكات نقل المعرفة، العلاقات العسكرية/الأمنية، التحالفات والترتيبات السياسية، العلاقات الثقافية. وهناك من يرى أن النفط وإسرائيل من بين أكثر العوامل تحديداً لسياسات الغرب تجاه المنطقة وتحولاتها.

تشهد وقائع التاريخ القديم والحديث على أن المطامح ذات الطابع الاقتصادي، تمثل العاملالمشترك بين كافة القوى الخارجية، التقليدية والجديدة، في تحديد مواقفها تجاه المنطقة وتحولاتها، فثمة من يسعى للحصول على نصيب متزايد من أسواق واسعة وواعدة، وذات قوة شرائية متصاعدة بسبب حجم الطبقة الوسطي والمرشحة لمزيد من التوسع والتمكين في ضوء الربيع العربي، ولزيادة حجم وتنويع صادراتها واستثماراتها وتصدير التكنولوجيا وما يرتبط بها من خدمات وأخيراً، الحصول على حصة مضمونة، أكبر حجما وأكثر وزنا مما تحصل عليه حالياً.

المحدد الثاني يرتبط بكون المنطقة العربية تطل أو تتحكم في الكثير من أهم شرايين المواصلات وطرق التجارة الدولية، وفي المقدمة منها قناة السويس، بالإضافة إلى البحر الأحمر وخليج عدن وبحر العرب. وهو ما ظهر بوضوح في تلويح إفرايم عنبر، رئيس مركز بيجن-السادات، بالخطر الناجم عن صعود الاسلام في شرق حوض البحر المتوسط. وهو يحرض بوضوح الدول الاوربية والولايات المتحدة على القيام بتدابير سريعة تحول دون فقدانها مناطق النفوذ والتأثير في شرق حوض البحر المتوسط لصالح الاسلام المتطرف، على حد تعبيره.

يعتبر المنظور الأمني والعسكري من أبرز محددات رؤية ومواقف الأطراف والقوى الخارجية للمنطقة العربية والتحولات الجارية فيها. يستوي في ذلك موقف الولايات المتحدة، وروسيا الاتحادية، التي تبنت مواقف متشددة من الحالة السورية، بإدعاء انتقال الحرب مباشرة الى حدودها. وتزعم إسرائيل، كما جاء في دراسة لإفرايم عنبر، أن شبه جزيرة سيناء تحولت لطريق لتجارة السلاح مع حماس، وأن هذا الوضع يحتاج الى تواجد عسكري أكثر فيها، وقد يدفع لاحتلالها من جديد.

هناك أيضاً، المحدد السياسي، أي أنماط التحالفات وحزمة الأهداف المرجوة. صرح الرئيس الأميركي أوباما بأن "الربيع العربي تحول لا يصدق...، وبينما ما زال الأمر غامضا وغير مؤكد، لكن لدينا مصلحة كبيرة في المحصلة النهائية". كما أطلقت بريطانيا مبادرة "الشراكة العربية"، تهدف، ظاهرياً، إلي تعزيز حرية التعبير والمشاركة السياسية، ودعم دور القانون، ومعالجة الفساد، وفي الواقع هي محاولة لاستعادة نفوذ مفقود. هذا وتسعى إسرائيل إلى اقتناص فرصة سانحة لتحقيق غاياتها وأهدافها التي فشلت في تحقيقها حتى الآن، عبر فك الارتباط وفرض الأمر الواقع باستخدام القوة والخطوات الاستباقية؛ احباط أي فرصة لاستعادة دور مصر الإقليمي القوي، الاجهاز على المسألة الفلسطينية (جغرافيا وديموغرافيا)، احباط أي محاولة لبناء تحالف إقليمي جدي يمكن أن ينشأ ضدها، ضمان حصة الأسد في غنائم المنطقة (الغاز، المياه، الأرض، الملاحة..)، التوصل إلى صيغة توافقية مع إيران وتركيا لتقاسم السيطرة والنفوذ. وهي في كل ذلك تخشى مآلات التحول الديمقراطي في العالم العربي، وهو ما يفسر مبالغتها في تصوير الخطر.

إيران بدورها، وبعد نجاحها في مد نفوذها في العراق وسوريا ولبنان ضمن نظرية الهلال الشيعي، تطمع في أن تستثمر التحولات في زيادة نفوذها إلي دول أخرى. وهي ترى أنها أمام فرصة تاريخية أن تقود العالم الإسلامي، غير أن الثورة السورية تشكل لها تحدياً كبيراً.

روسيا تعتبر الربيع العربي صناعة أمريكية غربية تهدف إلى إعادة تغيير خريطة العالم والشرق الأوسط. وترى القيادة الروسية أن مصالح روسيا تكمن في منع تأسيس عالم أحادي القطبية. هذا ويخشى الكرملين أن يؤثر صعود الإسلاميين في بلدان الربيع العربي على منطقة القوقاز الروسي، وعلى المسلمين الروس عموما.

من الواضح أن العلاقات ما بين المنطقة العربية والأطراف الخارجية الفاعلة فيها تشكل شبكة شديدة التعقيد، لا تخلو من الصراع والتنافس. ولكن ذلك لا يعني أن هذه الشبكة المعقدة من الفعاليات تعمل بمعزل عن الديناميات الموجودة داخل الإقليم العربي، وداخل كل قطر. أبرزها:

-المسألة السورية: وصلت الثورة السورية إلى مأزق خطير باعد فرص الحل السياسي، في ظل النفوذ المتنامي للمجموعات الإسلامية المتطرفة؛ وتحوّل المجتمع إلى مجتمع هش ومتداعٍ. يلاحظ تقرير حديث لمجموعة الأزمات الدولية أن السلفية الجهادية وهي تقدم عناصر حاسمة تتمثل في سرد مقنع وجذاب وشعور قوي بالعمل من أجل هدف سام، إنما نشأت من مأزق، وهي تفضي إلى مأزق آخر. وما يحدث اليوم هو مفاقمة الاستقطاب وتعميق الطبيعة الطائفية للصراع. وهو ليس بعيداً عن تدخلات الخارج، في ظل اختلاف وتباين مصالح القوى الفاعلة والمؤثرة، ما قد يدفع نحو حرب إقليمية طاحنة.  

-موضوع الأقليات: انعكس الربيع العربي على موضوع الأقليات بشيء من القلق والترقب بسبب الفوضى وأعمال العنف، وصعود التيار الإسلامي، وما أثير من علاقة الدين بالدولة وتوابع هذه العلاقة. كان موضوع الاقليات، أو بالأحرى، التنوّع الثقافي قد شهد انتعاشاً عشية انهيار النظام الدولي القديم القائم على القطبية الثنائية. تفاقمت المشكلة عربياً في ظل أنظمة الاستبداد والفساد، الكابتة للحريات والحقوق. فتحت الثورات العربية أفقاً واعداً لحل المشكلة، غير أن محاولات إضفاء الطابع الاسلاموي، والتلويح بشعارات استفزازية، وما يقابلها من محاولات غربية لتهييج المشاعر الأقلوية، من شأنه أن يزيد الأمر توتيرا.

-المسألة الديموقراطية وشكل الدولة: أعادت الثورات الاعتبار للمجتمع كمتغير مستقل ومهم في علاقته بالدولة، وفتحت المجال أمام إعادة النظر في طبيعة العقد الاجتماعي الذي ينظم العلاقة بين الفرد والدولة، وبين المجتمع والدولة.أسقطت الثورة مفهوم الدولة العميقة، القائمة على تشابك مصالح الفساد مع مصالح المؤسسة الأمنية، وعلى حرمان المجتمع من أي قدرة على الحركة المستقلة أو الحرة.لكنها طرحت إشكالية أخرى تتعلق بشكل الدولة وطبيعتها التي تروم إعادة بنائها، وما يتعلق بها من مسائل مثل تطبيق الشريعة،والحريات العامة،ومشاركة المرأة والأقليات. واللافت، أن كثيرا من النخب السياسية المدنية عبرت عن خوفها وفزعها من سقوط الدولة القوية/العميقة ومن نتائج الانتخابات التي حملت الاسلاميين إلى الحكم. بدورهم، قدم الاسلاميون أطروحات متباينة حول الدولة،منهم من يشير إلى نموذج تاريخي معين،ومنهم من يبحث عن نموذج أو تجربة معاصرة على غرار التجربة التركية،ومنهم من يريد أن يستعينبنماذج أوروبية.والواقع، أن الجميع يقع في ذات المغالطة المرتبطة بطبيعة العقد الاجتماعي القديم الذي يضع السلطة السياسية فوق المجتمع، ويري في الشرعية الانتخابية المصدر الأول والأهم لشرعية النظام السياسي، دون أن يحاول تضمين شرعية الإنجاز،وشرعية الاحتواء. الجميع يدّعون أنهم يبحثون عن مخرج من الدولة العميقة، أي من معادلة التناسب العكسي بين ضعف المجتمع وقوة الدولة، غير أنهم يكرسون ذات النمط، مع يافطات ايديولوجية مختلفة. ولا يتورع البعض، حتى من أوساط المعتدلين، عن طرح فكرة دولة الخلافة!  

المسألة الاقتصادية: ثمة تساؤلات كثيرة حول مستقبل الاقتصاد  في دول الربيع العربي، في ظل حكم الاسلاميين. يعترف الاسلاميون بأنهم لن ينجحوا في تحقيق أهدافهم من دون التعاون والمشاركة داخلياً، وخارجياً مع الجهات الدولية الفاعلة. غير أنه من غير الواضح أي نوع من العلاقات سيتطور بين الحكومات الجديدة، وبين مختلف أصحاب المصلحة الاقتصادية. لا يخفى على المراقب أن برامج الاسلاميين وسلوكهم تركز على الطبقة الوسطى وتنشيطها سياسياً. وكيف أنهم يتبنون خيار السوق الاجتماعي، بينما في الواقع يمارسون ذات السياسات الرأسمالية. وكيف أن الأطروحات والحلول المقترحة التي تقدمها حكوماتهم تتسم بأنها حلول جزئية تبتعد عن  المنظور الكلي في تناول القضايا الاقتصادية، وأنها لم تقدم رؤية حول ما هي الأولويات التي يمكن البدء بها، ويمكن أن تحدث التحول المرغوب وتغيير البنى القائمة، التي يمكن أن تحدث تغييراً نوعياً في الاقتصاد.

أخيراً، لا يصعب ملاحظة أن الأنظمة الجديدة في بلدان الربيع العربي تتلمس خطواتها بوجل في بيئة شديدة التعقيد والحساسية، فإذا ما أضفنا قلة الخبرة، والحيرة بين التحيزات الأيديولوجية الوهمية والاستحقاقات السياسية الواقعية، وصعوبة الانتقال من رفض الواقع إلى إدارته بين ليلة وضحاها، أدركنا مدى خطورة المرحلة والخشية من تكالب القوى الخارجية، لتجعل من هذه المرحلة الانتقالية العصيبة، فرصة لتسوية حسابات قديمة، أو تحقيق أهداف إستراتيجية.

بلغة أخرى، أكثر عملية، تعيش الأنظمة الجديدة حالة تخبط واضحة تتجلى في تناقضات وأخطاء وانكفاء على الذات وضعف في الأداء، ناجمة عن: مستوى توقعات عالٍ بينما سقف الإمكانيات منخفض، ارتباك السياسة بين الخوف من صدام مبكر مع إسرائيل والغرب، وبين محاولات استرضاء لافتة، الخشية من انتهاك منظومات القوانين والأعراف الدولية، ومحاولات تغيير الصورة النمطية عن الاسلام السياسي، الطمع في استمرار الدعم المالي والحصول على التسهيلات، مع محاولات خجولة لبناء عوامل القوة الذاتية أو التعويض بتحالفات جديدة تراعي مصالح المنطقة وبلدانها. لذلك كله، يصعب التكهن بمصير هذه الثورات ومآلات التحول في بلدان المنطقة، غير أنه من المؤكد أن الإقليم يدخل زمناً آخر يحمل في طياته الكثير من المفاجآت!  

---------

* تيسير محيسن: عضو المكتب السياسي لحزب الشعب الفلسطيني.