جريدة حق العودة - العدد 17: ٥٨ عاماً على النكبة

جريدة حق العودة - العدد 17: ٥٨ عاماً على النكبة

وكـــالة الأونـــروا وتحديــات الوضــع الراهــن

المفـوض العـام لوكالــة غــوث وتشغيــل اللاجئيــن الفلسطينييــن

التابعــة للأمــم المتحــدة-الأونـــروا

بحلول الذكرى الثامنة والخمسين للنكبة نواجه في الأراضي الفلسطينية المحتلة أزمة كبرى. فقد أصبح الصراع المزمن نفسه تحديا بالنسبة للجميع. ولكن في الوقت الراهن فإن غموض المستقبل وعدم قدرة أي منا على التنبؤ بما قد يحدث هو مشكلة هائلة.  لقد مرت أزمنة بدت فيها الظروف العامة واعدة، كما كان الحال في السنوات الأولى بعد اتفاقيات أوسلو حيث نقلت الوكالة مقرها من فيينا إلى غزة مع تسليمها للسلطة الوطنية الفلسطينية. وبعدها اعترضت بعض العقبات عملية السلام التي تزامنت مع الانتفاضة الثانية والتدهور الحاد في الوضع الإنساني.

لا يأس مع الأمل...ولا قنوط مع العمل

"سُبحانَ الّذي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسجِدِ الْأَقْصَى الَّذي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آياتِنا إِنَهُ هُوَ السَّميعُ الْبَصيرُ" (سورة الإسراء، آية 1)
مما لا يخفى أن اليهود طامعون في فلسطين منذ قرون مضت، وقد عقدوا عدة مؤتمرات سرية، و ذلك لوضع خطط إستراتيجية لتحقيق مأربهم والتهام الأرض الفلسطينية، وطرد وتشتيت الشعب الفلسطيني صاحب الحق الشرعي.
فمنذ القرن التاسع عشر للميلاد حاول اللوبي الصهيوني الضغط على السلطان التركي عبد الحميد الثاني (كان حكمه للدولة العثمانية من العام 1878 وحتى العام 1909م) للسماح لليهود بالهجرة الى فلسطين ولإقامة مستعمرة يهودية فيها.

تحيــة الــى شعبنــا الفلسطينـي البطــل فــي ذكــرى النكبـــة

في ذكرى نكبة شعبنا الفلسطيني لهذا العام، كما في كل عام نجدد تأكيدنا على تمسكنا بحق العودة الى كافة البلدات والقرى الفلسطينية التي أُقتلع منها شعبنا إقتلاعاً وعومل بقسوة متناهية النظير وشرد الى أصقاع شتى. فهذه النكبة هي ماثلة أمامنا في كل حين لأن تداعياتها ونتائجها نراها في كل يوم وفي كل ساعة. فها هي المخيمات الفلسطينية منتشرة هنا وهناك تدلنا على شعب نُكبَ وطُردَ من وطنه ومن أرضه ولعل المخيمات الفلسطينية في الداخل والخارج هي أبرز شهادة حقيقية على نكبة شعبنا وتداعياتها إضافة الى أولئك الذين هُجّروا الى بلاد الاغتراب المختلفة ولسان حال الجميع يقول متى سنعود الى أرضنا وفلسطيننا الحبيبة.

هل نجحت إسرائيل في تصفية حق العودة؟

قضية اللاجئيـن الفلسطينييـن ومفاوضــات الســلام 

ترى الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة منذ تأسيس دولتها – على أراضي اللاجئين الفلسطينيين الذين طردوا من ديارهم تحت وطأة المجازر وتهديد السلاح على يد العصابات الصهيونية عام 1948 - أن استمرار الوجود السياسي للشعب الفلسطيني إنما يحمل في طياته استمرار الصراع، واستمرار تنامي الوجود الفلسطيني، ومطلبه المشروع غير القابل للتصرف في العودة وتقرير المصير بإقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس؛ لذلك أعلنت تلك الحكومات  الحرب العسكرية الشاملة على القضية الفلسطينية  لطمس القضية الفلسطينية، ومسحها عن الخارطة السياسية في العالم إلا أن محاولاتها باءت بالفشل فلجأت عبر المفاوضات لتمرير مشاريعها التصفوية، ولكن هل استطاعت الحكومات الإسرائيلية من تحقيق ذلك؟ ستكون إجابتنا على هذا السؤال من خلال طرحنا الموضوعي لما جرى في مفاوضات السلام منذ إنطلاقتها وحتى بداية انتفاضة الأقصى.

حــق العــودة: بيــن يهوديــة الدولــة و صهينـة المكــان

هنالك من يتعاطى مع حق العودة باستحياء وبشيء من الحرج وكأنه يتخبط في حقل ألغام. وهناك من يتطوع حتى بدون تفاوض رسمي فلسطيني إسرائيلي، لوضع حلول "اجتهادية" لموضوع اللاجئين ويخفض-من حيث قصد إن لم يقصد– سقف أي تفاوض مستقبلي حول حق العودة. 

لا شك أن حق العودة يشكل الملف الأكثر استعصاءً في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي. ولكن التطوع المبتذل والنطنطة الزائدة المذكورين لا يجعلا هذا الملف أقل صعوبة بالنسبة للاجئين أنفسهم من ناحية، ولا يجعل التداول في حق العودة أكثر قبولا عند الإسرائيليين من ناحية أخرى. 

لا شك أيضا في السياقات الدولية والإقليمية أن مساحة إمكانية التقدم في موضوع العودة في موضوع الدولة والاستقلال أكبر من مساحة امكانية التقدم في موضوع العودة. وهذا بذاته يتطلب التقدم بموضوع الدولة، ولكن قطعاً ليس بثمن إغلاق ملف العودة. إن حق العودة يتعرض لمحاولة اغتيال وشطب من أجندة الصراع.

مــن النكبــة الــى الدولــة الواحــدة

سجــن بئر السبع، قسم إيشيل

لعل ما يميز الذكرى السنوية الثامنة والخمسين للنكبة هي جملة المعطيات والتحولات الكبرى التي أفرزها الواقع لدى الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي على حد السواء. فلسطينيا حدثت انتخابات تشريعية هي الثانية من نوعها، بعد تلك التي أجريت في العام 1996. هذه الانتخابات الثانية أدت الى تحول غير متوقع في النظام السياسي برمته، ففوز حماس شكل ضربة موجعة لكل دعاة التسوية عبر إمكانية إقامة دولتين لشعبين، وأعطت شرعية لخيار المقاومة، وشكلت ضربة لكل من أساء استخدام السلطة طوال العشر سنوات الماضية. ولكنها في ذات الوقت، وضعت حركة حماس أمام جملة من الأسئلة المحرجة التي لم تجب عليها لغاية اللحظة بل تحاول الالتفاف عليها كلما طرحت، وأهمها كيفية إدارة المقاومة والسلطة في آن، وما هو مشروعها المرحلي، وموقفها الواضح والصريح من الاتفاقيات الموقعة مع إسرائيل، وهل هي حقا قادرة على الالتزام بكافة متطلبات السلطة في الوقت الذي يشتد الحصار عليها يوما بعد يوم.

فلسطيــن: الذاكــرة التــي تحــرس الحلـــم

ثمانية وخمسون عاماً كافية لاختبار الذاكرة...وهي لا تميل الى الماضي بقدر ما ترصد حركة الحاضر وتحرس الهوية وتصوغ الحلم وتضمن المستقبل...الذاكرة الفلسطينية هي الفضاء الذي يلتقي فيه الأشتات، وتلتئم  الأشلاء وتجتمع الأجيال، ويعود فيه الشهداء لعناق أحبابهم. 

لم يكن رهان الغاصب على قوة الدبابة في المقام الأول، فهذه رهينة النظر في المتغير. وإنما كان الرهان الإستراتيجي على قمع الذاكرة وإطفاء الحلم وتذويب الهوية وتقويض الروح...فهذه هي الأصول التي، ما دامت حية ضاربة في الأرض، فلا بد أن تطرح ثمرها في آخر المطاف، وإن تأخر الموسم.

التمييــز العنصــري فــي فلسطيــن وجنــوب أفريقيـــا

 يبقى العام 1948 من أهم الأعوام بالنسبة للجنوب أفريقيين وللفلسطينيين. ففي كلتا الحالتين، خلق الاستعمار البريطاني الظروف الملائمة لممارسة التمييز والتفرقة العنصرية بحق الشعوب والسكان الأصليين. لقد شهد العام 1948، ولادة نظام التفرقة العنصرية في جنوب أفريقيا وكذلك إنشاء دولة إسرائيل العنصرية على أرض فلسطين.

في كلتا الحالتين أيضاً، رأى كل من الحزب الوطني "الأبيض" والحركة الصهيونية نفسيهما على أنهم "صفوة شعوب الأرض" أو "شعب الله المختار". هاتين المجموعتين وظفت المفاهيم الإنجيلية والتوراتية لخدمة أطماعهم في الأرض بحيث آمنوا بأن الأرض كانت لهم وأنها الآن "أرض بلا شعب لشعبٍ بلا أرض". 

نحن نعلم حتى الآن بأن دولة إسرائيل العنصرية قد أنشأت من خلال ارتكاب سلسلة من المجازر والانتهاكات بحق الكثير من القرى والبلدات الفلسطينية (مثل قرية الطنطورة ودير ياسين) وتدمير ما يزيد عن 530 منها. لقد تم في العام 1948، تهجير ما يزيد عن 750 ألف فلسطيني قسراً من منازلهم وقراهم بهدف خلق الظروف الديموغرافية المواتية لإنشاء دولة مقتصرة على اليهود من قبل الحركة الصهيونية. أما الفلسطينيون الباقون فقد أنكر حقهم في أرضهم دون أي تعويض. نتيجة لتلك الانتهاكات، يشكّل اللاجئون الفلسطينيون المجموعة الأكبر في العالم في تاريخنا الحديث.

فلنسمي الأشيــاء بأسمائهــا

تطهيــر فلسطيــن عرقيــاً في العام 1948

لسنوات طويلة بدا مصطلح النكبة – الكارثة الإنسانية – مصطلحا كافيا لتقديم (وصف) كل من أحداث العام 1948 في فلسطين وتأثير تلك الأحداث على حياتنا اليوم. أعتقد أن الوقت قد حان لاستخدام مصطلح آخر وهو التطهير العرقي في فلسطين. فمصطلح النكبة لا يتضمن أي إشارة مباشرة إلى من يقف وراء الكارثة – بمعنى: يمكن لأي شئ أن يسبب دماراً في فلسطين ويمكن أن يكون ذلك الفلسطينيون أنفسهم. لكن لن يكون الأمر كذلك عند استخدام مصطلح التطهير العرقي، فهذا المصطلح يتضمن اتهاماً وإشارة مباشرين إلى مرتكبيها، ليس فقط في الماضي وإنما في الحاضر أيضا. والأهم من ذلك بكثير أنها تربط سياسات، مثل تلك التي أدت إلى دمار فلسطين في العام 1948 بأيديولوجية معينة. وحيث أن تلك الأيديولوجية ما زالت الأساس لسياسات إسرائيل تجاه الفلسطينيين أينما حلّوا -أي حيث تتواصل النكبة- أو بتعبير أكثر دقّة وقوّة حيث يتصاعد التطهير العرقي. بحلول الذكرى الثامنة والخمسين للنكبة، آن الأوان لاستخدام مصطلح التطهير العرقي بوضوح ودون أي تردد، باعتباره أفضل مصطلح قادر على وصف عملية طرد الفلسطينيين في العام 1948.

للجيــل الذي ضيـّـع البــلاد !

حين كنا نضيق بثيابنا وبواقعنا "الأليم"، كان احتجاجنا يتم بطريقة غنائية، وبمفردات ثورية حالمة، مفردات تمردت على السأم، وتجرأت على اتهام الجيل الذي سبقنا بالتخاذل والتقصير ازاء الوطن الذي تسرب من بين ايديهم ، وتبعثر في زحام البحث عن النجاة والحياة في زمن تكالب الاقوياء  فيه على الضعفاء، في عقر دارهم.. كان الآباء والأجداد، يتفهمون نزقنا وضيقنا "الوجودي والثوري" في آن معا، فيقولون لنا، بصبر الآباء وحزن الانبياء: البركة فيكم. ثم يصمتون، فنهدأ نحن ونزهو بانتزاعنا اعترافهم العلني بالذنب! لكننا لم نكن نلتفت الى ما تبقى من اجابة الآباء والاجداد، كأن اعترافهم بضياع البلاد هو الموضوع ، اما استعادتها فمسألة اخرى، فيها نظر.

الآن، ونحن في ذكرى ضياع تلك الارض، أثر نكبة أو وعكة ألمت بنا وبأمتنا فطرحتنا وطرحتها ارضا، نكتشف ان ما كان يهمنا هو ان نزيح عبء القضية عن كواهلنا، وان نبحث عمن نحمّله مسؤولية نكبات الوطن ونكساته، ربما لاننا لم نستطع التمييز بين المؤمنين والمقامرين، بين الشهداء وقتلى الاشتباكات على مراكز نفوذ يقف على ساق واحدة، وربما لاننا اردنا ان نتفرغ للتغني بالقضية، والانشغال عنها بتفاصيل ثرثراتنا واستعراضاتنا السياسية والثقافية، وخلافاتنا حول الواقعية، واولويات النضال الملتبس، وكيفيات السير في المسارب الضيقة، دون الوقوع بين اشواك الحقيقة والغامها !.

التمويــه والخديعــة خــلال حــرب العــام 1948

 جمعتني ندوة تاريخية بالسيدين أوري ملشتاين، مؤرخ حرب العام 1948 من وجهة نظر المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، والدكتور ايلان بابيه، المحاضر في جامعة حيفا. وكان كيبوتس حَنيتا، على الحد اللبناني، وإلى الشرق من رأس الناقورة،  مكان انعقاد الندوة التي حملت عنوان "الجليل الغربي في حرب العام 1948- نموذجاً للحرب العربية -الإسرائيلية". 

ولحرب العام 1948 عدة مصطلحات، تختلف باختلاف الجهة التي تطلق عليها، وهي تشمل "النكبة" كمصطلح أطلقه الفلسطينيون على هذه الحرب، أو حرب النكبة والصمود. فيما يطلق الاسرائيليون على هذا العام مصطلحات كـ "حرب الاستقلال" و "حرب التحرير". والجليل الغربي هو الجزء الواقع إلى الغرب من جبال الجليلين الأعلى والأسفل، وهو يشمل، إلى جانب المرتفعات الغربية لهذه الجبال، و التي لا يزيد ارتفاعها على 500 متر عن سطح البحر، السهل الساحلي الواقع بين رأس الناقورة شمالا و جبال الكرمل جنوباً. يشمل هذا الجزء من الجليل مدينتين : عكا وهي عاصمة القضاء وشفاعمرو وهي مدينة بحكم الاعتراف بها كمدينة منذ العام 1908. وفي هذه المنطقة عدد كبير من القرى والبلدات العربية إلى جانب عدد غير كبير من المستوطنات اليهودية التي غرست في فترة الثورة الفلسطينية الكبرى (1936- 1939)، والتي كان قد خطط لها ضمن مشروع "السور والبرج". فيما كانت نهاريا أكبر هذه المستوطنات، وقد أقيمت في أوائل ثلاثينيات القرن العشرين، إلى جانب مجموعة من القرى أسموها " هَكريوت"  أُقيمت إلى الشمال من حيفا على امتداد رمال خليج حيفا – عكا ، مثل كِريات بياليك، كِريات موتسكين وغيرهما.

لمــاذا لا تــزال النكبــة مستمــرة؟

السؤال الذي من المفترض أن نتوقف عنده لنطرحه على أنفسنا، ونحن نعيش الذكرى الـثامنة والخمسين لنكبة شعبنا الفلسطيني،  وربما يطرحه علينا آخرون أيضا، لماذا لا تزال النكبة مستمرة إلى الآن؟ وبالتالي ماهي أسباب استمرار حالة اللجوء الفلسطيني، حيث إنه عنوانها الأهم 

بعد الحرب العالمية الثانية، وما تسببته في لجوء أو ترحيل أو نزوح الملايين من الناس قسرا في أوروبا، ازداد الوعي بمسؤولية المجتمع الدولي بضرورة تقديم الحماية لهم ومساعدتهم لحل مشاكلهم. وانعكس ذلك الوعي في تشكيل "منظمة الأمم المتحدة لشؤون الإغاثة والتأهيل" والمشار إليها اختصارا بـ (UNRRA). وكان الدور الهام الذي قامت به هو تنظيمها عودة الملايين من اللاجئين والنازحين إلى أوطانهم. 

وتوضح ذلك الوعي أكثر في عام 1946 عندما أدرجت مشكلة اللاجئين ضمن جدول أعمال أول جلسة للجمعية العامة للأمم المتحدة كموضوع يحظى بالأولوية، التي تم التأكيد فيها على أن قضية اللاجئين عالمية بطابعها ونطاقها، والمجتمع الدولي ككل معني بمعالجتها وحلها على قاعدة تقديم الدعم لهم من أجل عودتهم الطوعية بأي وسيلة متاحة إلى بلدانهم.

نكبـــة فلسطيـــن وأزمــة الخطــاب العربــي المعاصــر

يبدو للمتتبع لحركية الخطاب العربي المعاصر، في النصف الثاني من القرن العشرين وحتى بداية الألفية الجديدة، تأثره الواضح بأطروحة المؤرخ البريطاني أرنولد توينبي في التحدي والاستجابة، والتي ما تزال تفعل فعلها في خطاب عربي يمزج بين الميثولوجيا الدينية وبين السياسة، ولكن بصورة أكثر مأساوية وتراجيدية. فعلى طول المسافة التاريخية الممتدة ما بين نكبة 1948 التي انتهت باحتلال فلسطين الى النكبة / الكارثة ممثلة  بالحرب العدوانية التي شنها التحالف على العراق والتي انتهت باحتلال بغداد، والخطاب العربي المعاصر لم يمل من دفع مرافعاته النكبوية إلى الواجهة باستمرار، التي تنشد النكبة والكارثة، وما يزال يدعو القدر التاريخي لأن ينزل بنا مزيداً من النكبات والكوارث والصدمات علَّنا نستفيق من هول الكارثة ونرد على التحدي. أليس التحدي الخارجي هو المهماز الذي أيقظ وعينا القومي بعد أن تكلست بيضته ؟ ويتساءل المتتبع لمسيرة هذا الخطاب عن سر هذه الانفعالية التي تلازم خطابنا المعاصر بكافة صنوفه (القومي والديمقراطي والنهضوي عموماً) والتي  تكاد أن تكون علامته الفارقة؟ عن السر الذي يدفع بهذا الخطاب إلى مزيد من الهروب إلى الأمام كما يرى محمد عابد الجابري في تشخيصه لنقاط قوة وضعف هذا الخطاب؟ إلى تخوم الانفعال السياسي في الوقت الذي يزعم فيه أنه يؤسس لخطاب عقلاني في النهضة والسياسة؟ وإلى تخوم الفكر الميثولوجي الذي لا يرى إمكاناً للقيامة والبعث إلا عبر المرور بدرب الآلام؟ وأخيراً عن البؤس النظري الملازم لهذا الخطاب والذي لم يفارقه أبدا؟

تداعيـات النكبــة علــى أوضـاع الفلسطينييــن فــي إسرائيــل

 إن أهم ما يميز النكبة عن غيرها من الأحداث التي عصفت بالفلسطينيين وحركتهم الوطنية هو في كونها شاملة ومستمرة. شاملة من حيث عمق ما نتج عنها من ضرب الفلسطينيين وجوانب حياتهم المختلفة بحيث لم يترك أي مجال أو جانب من جوانب حياتهم من غير أن يتضرر مما حدث؛ ومستمرة بما يتعلق بحقيقة أن ما حدث خلال النكبة من خراب واحتلال وهدم وإجلاء ومظاهر أخرى، كلها لا زالت مستمرة ومؤثرة يومياً على حياة الفلسطينيين وعلاقتهم بإسرائيل. بل وأكثر من ذلك، فإن الأحداث التي تواكب الفلسطينيين عامة، بما في ذلك مواطني اسرائيل خاصة، هي بالاساس نتيجة لعلاقتهم بإسرائيل والتي أقيمت على خلفية النكبة وكأحد أهم نتائجها. 

يمكن الإدعاء أساسا وبشكل بديهي تقريبا، بأن مشروع الصهيونية هو مشروع شامل أطبق على كل مناحي الحياة الفلسطينية، بحيث عرض وطبق كمشروع بديل وشامل لكل الوضع الفلسطيني. بني وخطط له لكي يستبدل الوجود الفلسطيني السياسي والمادي بدولة يهودية ذات أغلبية ديمغرافية يهودية وتم تنفيذه من خلال قرارات وخطوات عينية نفذت ضد الوجود الفلسطيني، في المدينة والقرية والتجمعات البدوية.

نتوارثها جيلا بعد جيل

"يجب أن نفعل كل ما بوسعنا لنضمن أنهم (الفلسطينيون) لن يعودوا...سيموت الكبار وسينسى الصغار" هكذا قال دافيد بنغوريون مؤسس دولة إسرائيل عام 1949.  لم ينسى الصغار. فهم اليوم القائمون على الاحتفالات الشعبية والاجتماعات الحاشدة والمسيرات ومظاهرات العودة والذكرى. الفلسطينيون الشبان في كافة أرجاء العالم يحيون ذكرى النكبة الثامنة والخمسين ليستذكروا كارثة 1948 تلك اللحظة التي ترمز لدمار فلسطين والمجتمع الفلسطيني والتهجير والتشتيت العنيفين اللذين حلاّ بالشعب الفلسطيني. حلّة كاملة من المناسبات تجري في مخيمات اللاجئين وفي ساحة مدينة رام الله وفي كافة أرجاء فلسطين المحتلة وكذلك في ساحات جامعات أوروبا وأمريكا وكندا، في المنافي وفي تجمعات اللاجئين في كافة زوايا العالم: أمسيات وشهادات مصورة ومحاضرات ومعارض وذكر أسماء أكثر من 400 قرية مدمرة في الكنائس المحلية وقراءات شعرية على ضوء الشموع ورحلات منظمة إلى تلك القرى يقوم عليها الفلسطينيين الذين ما زالوا يعيشون في ما أصبح يسمى دولة إسرائيل منذ أيار 1948، وعلى مدى الأسبوعين الماضيين اجتمع مواطنين إسرائيليين – عربا ويهودا – معا في مسيرات يومية تقريبا واجتماعات حاشدة وزيارات للقرى المدمرة على متن حافلة زوخروت رقم 194، (الذي سمي باسم قرار الأمم المتحدة الصادر عام 1949 والذي يدعوا إلى عودة الفلسطينيين المنفيين إلى ديارهم)

رسـالــة الــى شعــبنا الفلسطينــي الحــي:

إن حياتــك وقفــة عــزٍ تتغيــر فيهــا الأقـــدارُ

 في منتصف أيار من كل عام، ترتسم  في الذاكرة مشاعر الحزن والأسى على ما آلت اليه أوضاع أهلنا الفلسطينيين. في هذا التاريخ تحل ذكرى أكبر نكبة شهدها التاريخ البشري، وقد حلت بشعب أعزل عشق الأرض المجبولة بزهر الليمون، والمظللة بأغصان الزيتون. 

عصابات أتت من بعيد وأطلقت عليه حكم التشريد، وسجل التاريخ على صفحاته  أن أرضا اغتصبت، وعائلات شردت، ودماء هدرت، وأطفالا ورضعا استشهدت، وحناجر هتفت: أين العدالة الإنسانية؟ أيجوز احتلال أراضي الغير بالقوة؟ 

نعم. لقد تم ذلك، وعلى مرأى ومسمع الشعوب، وخاصة المتحضرة منها التي باركت هذا العمل الإجرامي وأيدته ومدته بالسلاح والعتاد!

قضيــة عــودة اللاجئيــن الفلسطينييــن هــي قضيتــي الأولــى

حينما شرعت في الكتابة عن القضية الفلسطينية وشعب فلسطين بالذات، أخذت أفكر في هذا الشعب الذي مرت علية الأهوال تلو الأهوال منذ نكبته في العام 1948. أذكر أنه عندما كنت طفلة وأنا أسمع أغنية فيروز الرائعة "سنرجع يوماً" كان لدي اليقين والإيمان الذي لا يتزعزع في أن قضية عودة اللاجئين الفلسطينيين هي قضيتي الأولى. هي جزء من مشكلتي، فلم أشعر يوماً أنها قضية منفصلة أو أنها قضية شعب آخر حتى ولو كان شعباً شقيقاً. لم يكن هذا شعوري وحدي بل كان شعور أجيال سبقتني وأجيال جائت بعدي. لقد كانت قضية مصير بالنسبة لنا جميعاً. وهي خط الدفاع الأول الذي يحمي الجميع من التساقط والسقوط. وعندما أناضل اليوم، أجد أن المحظور قد حدث. خصوصا مع بروز إحساس محايد لدى الأجيال الجديدة التي للأسف لا تع تماما ما يدور حولها من أحداث جسام. هذا الكيان الضخم المسمى بالوطن العربي الذي كان صخرة كبيرة في وجه الاستعمار لم يعد كما كان.

بتدميــر الحلــم الفلسطينــي!

بقلم:الفنانــة ريــم بنّــا

نكبة فلسطين ليست مجرد حدث من الماضي، بل هي الحاضر بعينه. أنا لن أكتب كثيراً عن نكبة فلسطين في العام 1948، ولا عن الجرح الفلسطيني الذي لن يندمل، ولن أكتب عن النزوح والتشرّد، ولا رائحة الموت والذكريات الأليمة.

حاجز قلنديا شتاء 2003.

الجو بارد، والسماء على وشك أن تنزل غضبها على الأرض.

حاجز قلنديا البائس والمليء بمئات الفلسطينيين الذين يعبرونه لقضاء حاجاتهم اليومية. حاجز يجعل الإنسان الفلسطيني عاجز عن أدنى حقوقه الإنسانية في التحرك والعمل لتدبير لقمة العيش له ولأطفاله.

في هذا اليوم الشتائي، سافرت مع زوجي وأطفالي إلى القدس ومنها إلى رام الله، لتقديم مجموعة من العروض الفنيّة للأطفال في المخيمات الفلسطينّية للاجئين هناك، علّنا بذلك نخفف من وطأة الخوف عليهم جرّاء القصف الإسرائيلي المتواصل على رام الله والمدن والقرى الفلسطينيّة الأخر.

مــاذا تعلمنـــا؟

بقلم:الفنان والمخرج محمــد بكــري 

سألت أحد المقاتلين في جنين المخيم أثناء تصويري لفيلم "جنين جنين" (الذي أقام اسرائيل وأقعدها حتى أصبح شغلها الشاغل على مدار سنتين جرجرتي الى المحاكم التي ما زالت مستمرة حتى اليوم، وآخرها اولئك الجنود الخمسه "الأبرياء" الذين تقدموا بشكوى تطالبني بدفع "شرفية" لتلويث سمعتهم)، سألته: أخشى أن يكون قد ذهب دم الشهداء  هدرا!! إستفز المقاتل من سؤالي، تريث قليلا ثم أجاب متلعثما وكأنه يقرأ أفكاري: لا تخف هنالك من يطالب!!! صمت، ولم أكن من جهتي مقتنعا بالإجابة. فجوابه كان متأخرا، وبه قدر من الإحباط المدثر بالدبلوماسية!

لقد لاحقني الجيش الاسرائيلي والاعلام الاسرائيلي، الكنيست والحكومة الاسرائيلية لم تبخلا ايضا، وبقيت وحدي أحارب دولة عظمى  فرضت علي الحرمان على انواعه، وهدرت دمي في الشارع الاسرائيلي بصفتي خائن أعظم لمواطنتي الاسرائيلية على حد قولهم، وها أنا ذا قابع في قريتي البعنة الباقية، محبوس في وطني أحارب من أجل بقائي بكرامة في بلدي. لم تدافع عني صحفنا العربيه لا في فلسطين المحتلة (ما عدا وليد أبو بكر في جريدة الايام) ولا في صحفنا في الداخل، استثني أيضا "الاتحاد" التي وكمن يؤدي واجبه عندما يذهب لتعزية من فقد غاليا. كتبت هنا وهناك استنفارا ضد من هاجموني.

عــودة مخــدة-حكايــة لأحمـــد

بقلم:الفنــان أحمــد قعبـــور

كان عمر أحمد ثماني سنوات عندما أهداني رسماً لحلمه وكان الرسم يجسّد بيتاً يظهر في داخله سرير تتربع عليه مخدة هائلة الحجم. وإلى جانب الرسم كتب أحمد ما يلي:

"إسمي أحمد الحاج، أنا ساكن بمخيم عين الحلوة مع بابا وماما وإخواتي وستي وجدي، بالشارع التحتاني.. بحب إرسم وإلعب مع رفقاتي، والربيع لأن السماء بتصير زرقاء وبتطلع الحشرات، نحلات فراشات صراصير..بحلم يصير عندي حصان إركب عليه وإرجع على فلسطين علشان إزرع وإلعب على أرضي".

قررت أن أحكي حكاية لأحمد لكني لم أحكها أبداً لأني ما عدت أراه. وكم أود أن أنقلها لكم علّكم تحكونها لكل طفل يحلم أن يصير عنده حصان يرجعه إلى فلسطين.

أحــبُ فلسطيــن، أحــبُ شعــب فلسطيـــن

بقلم:الفنــان مارسيــل خليفــة

ليس سهلاً الكلام عن فلسطين، عن شعب فلسطين، بمعزل عن حالنا العام ووضعنا الشامل. فنكبة فلسطين مسَّت شفاف كياننا بأكمله. وعندما يمس فلسطين الجزع، ينال منا الوجع حتى العظم. لذلك، سوف نعتبر هذا الظلم الفادح بشعب وأرض فلسطين هو بمثابة الشك في قمر الحب الذي يغمر ليلنا الدامس بالفضة الصريحة.

نحن الذين لم تبق لنا في هذا العالم إلا شعلة هذا الشعب المقاوم من أجل الحرية: فلماذا يعتقد البعض إننا سوف نتنازل عن حقنا في الدفاع عن حق الشعب الفلسطيني في استعادة أرضه (بشتى الأشكال) في حين أن الاحتلال يمعن في القتل والنهب والحرق والتدمير ونصب الفخاخ لأجمل خطواتنا نحو المستقبل.

علــى أمــل العــودة ذات يــوم، ذات نصــر !

بقلم:الشاعـر والصحفــي زاهــي وهبــي

طفلا ً طري َّ العود ِ والأحلام، نشأتُ على حكايات مثخنة بالوجع والحنين. كانت جارتنا عائشة، سيدة فلسطينية، تهجرت من مدينتها يافا وجاءت إلى جنوب  لبنان برفقة أسرتها. راحت الأيام توطد عرى العلاقة الإنسانية التي جمعت عائشة بوالدتي، ومعها توطدت علاقتي بحكايات عائشة وأخواتها عن فلسطين، وليمون فلسطين، وزيتون فلسطين، وبّيارات فلسطين، وكل ما يمت بصلة إلى ذلك الفردوس المفقود الذي كان يزداد سحرا ً وغواية كلما تباعدت المسافة الزمنية بين الوطن ومواطنيه. 

كانت عائشة فلسطينية بكل معنى الكلمة، شكلا ً ومضمونا ً، تشبه إلى حد بعيد تلك النسوة الفلسطينيات في لوحات إسماعيل شموط، وفي الملصقات التي كانت تعلق على الجدران في ذكرى انطلاقة الثورة، أو تشبه النسوة في روايات غسان كنفاني، لكنها تختلف عنهن بأنها أكثر من حبر، إنها لحم ودم وحنين وذكريات وأمل دائم بالعودة إلى الديار، ذات يوم، ذات نصر.

ها قد اصبحت أخيراً..فلسطينياً

بقلم:المخرج: حاتم علي 

 منذ سنوات بعيدة، كتبت ثلاث مسرحيات فلسطينية بالاشتراك مع الصديق "زيناتي قدسية" نشرت في كتاب واحد بعنوان فرعي ((الحصار)) ثم نشرت نصا مسرحيا آخر بعنوان: ((من قتل ناجي العلي)). 

وعندما انتقلت إلى الإخراج، راودتني الرغبة في صنع عمل تلفزيوني يتناول "القضية الفلسطينية" ولكنه كان حلما بعيد المنال، فالاقتراب من الموضوع الفلسطيني، يشبه المشي في حقل ألغام. 

كنت قد نشأت على أطراف "مخيم اليرموك" في ضواحي دمشق، ودرست سنواتي العشر الأولى في مدارس "وكالة الغوث للاجئين الفلسطينيين". وبدا لي أن "نزوح- 1967" هو فصل آخر من مسرحية تراجيدية، لم تنته فصولها بعد، وكان ذلك الإحساس يولد رعبا لدى جيل يبدو مستقبله دون أفق، ودون أمل.

الى أحبتنــا أطفــال فلسطيــن في الذكــرى الثامنــة والخمسيـن للنكبة

بقلم:بيلا فرويد وجميما خان 

أحبتنا وأطفالنا،  

نرسل رسالة حب وتقدير لكم ولشعبكم، رسالة احترام وتضامن ومناصرة سواء كنتم قابعين تحت الاحتلال العسكري او في المنافي القسرية. 

رسالتنا هذه تأتيكم في ظل ظروف صعبة تعيشونها، ولكننا على قناعة بأنكم قادرون على تجاوزها كما تجاوزتم سابقاتها، ونحن ننهل منكم القوة والعزم والمعنوية، فانتم المبدعون والملهمون وستنجزون مستقبلا مستقرا وآمنا لكم ولشعبكم.

بيلا فرويد هي فنانة ومصصمة أزياء، وهي حفيدة عالم النفس سيجموند فرويد. جميما خان هي ناشطة في ميدان التضامن مع الشعب الفلسطيني، وهي زوجة لاعب الكريكيت الباكستاني أمران خان. أسست فرويد وخان، مع عدد من الشخصيات البريطانية مؤسسة "الامل من اجل أطفال اللاجئين الفلسطينيين".

 

الشعب الفلسطيني أقوى من الآلام وأقوى من إرادة المحتل

بقلم:الفنان يوسف شعبان

هل مرت فعلا كل هذه السنين؟ والإجابة نعم؟- فهل هي تعتبر فترة طويلة أم قصيرة؟ والاجابة هي قصيرة في أعمار الأمم لكنها طويلة وطويلة جداً في عمر الشعب الفلسطيني- ثلاثة أجيال مرت وتمر بها كل صنوف القهر والظلم والاستبداد والاستعباد والعذاب والاجحاف والتشريد والإذلال واللإنسانية...أجيال ذاقت وما زالت كل هذه الأهوال...فهل أوصلتها إلى حافة اليأس وفقدان الامل؟ والإجابة...لا وألف لا فها هو الشعب كله الرجال والنساء والشباب والصبية والاطفال يؤكدون ويثبتون للعالم أنهم اكبر من كل الآلام وأقوى من إرادة المحتل الغاشم وأنهم أبطال ونبلاء وعمالقة أقوى من كل المحن ومن كل أسلحة وترسانة وأساليب البربرية والنازية والفاشية بل أن العدو وهو الذي أقترب من حافة اليأس رغم عنفوانه وجبروته...والدليل أنه لجأ إلى السلاح الفعال والأقوى على مر التاريخ ألا وهو سلاح التفرقة والتمزيق وفرق تسد ... يضربون حماس بفتح وفتح بحماس. فلننتبه ونصحوا ونستيقظ، نختلف فيما بيننا في الرأي لكن نجمع على الهدف الاوحد مصلحة الشعب الفلسطيني...هو الأكبر من كل المنظمات والاحزاب والأشخاص. 

هذا السلاح "فرق تسد" قد برع فيه العدو على مر العصور، إذا ما أبطلناه نكون أوصلناهم إلى حالة اليأس التي سوف لا يجدوا بعدها بداً غير التسليم لنا بكل حقوقنا.

فهل نحن قادرون؟؟

 

لاجئـــون بــلا وجــوه

بقلم: عيــسى قراقـــع

حــق العــودة فــي المنــاهج التعليميــة الاسرائيليـــة

مــأزق أخلاقــي فــي الثقافــة العبريــة 

عندما بدأت الحركة الصهيونية نشاطها في فلسطين في نهاية القرن التاسع عشر وضعت مشروعاً ثقافياً الى جانب مشروع احتلال الارض واحتلال العمل في فلسطين. ولم تأت الحركة الصهيوينة لتقوم بنشاط في فلسطين الا مع مشروع ثقافي وهذا كان مصدر قوتها، وكان مصدر تأثيرها على الرأي العام العالمي أي توظيف الثقافة لبناء مشروع قومي توسيعي وكولونيالي في صلب اهدافه. 

إن أدبيات الحركة الصهيونية قد صورت فلسطين كبلاد مستنقعات وانها كانت صحراء قاحلة وخالية لا بشر فيها وان وجد البشر فهم بدائيون متخلفون وكان الهدف من ذلك اقناع الرأي العام العالمي والاوروبي بأهمية قيام الدولة اليهودية-الحضارية في فلسطين لتكون كما وصفها هرتسل "محطة للغرب المتمدن كي يصل الى الشرق المتخلف" وكذلك تسهيل عملية التغلغل اليهودي في فلسطين.

 

إسرائيــل بعــد انتخابــات 2006:

بقلم: أنطــوان شلحـــت

الخارطــة الحقيقيــة تنــزاح يمينــًا وبصــورة متطــرفة" 

حملت نتائج الانتخابات للكنيست الإسرائيلي الـ 17 (التي جرت في 28 آذار 2006) عدة دلالات سياسية واجتماعية وفكرية، فيها ما أحال أساسًا إلى التركيبة المتوقعة للحكومة الإسرائيلية المقبلة وإلى أجندتها العامة، بمقدار ما يحيل إلى مستقبل علاقة إسرائيل الخارجية مع الجانب الفلسطيني وخصوصًا ما هو متعلق بالعملية السياسية، فضلاً عن إحالاتها إلى التطورات الداخلية السياسية والاجتماعية والحزبية. يتناول هذا المقال أبرز هذه الدلالات وتأثيرها على مستقبل النزاع الفلسطيني- الإسرائيلي، وكيفية انعكاسها في مجال السياسة الداخلية حيال المواطنين العرب. 

هل انهار اليمين المتطرّف؟ 

إعتبر الكثير من المعلقين والمحللين وكتاب الأعمدة الصحافية الهزيمة النكراء التي مُني بها حزب "الليكود" مؤشرًا دالاً إلى انهيار اليمين المتطرف، الاستيطاني، وتحديدًا على خلفية موقفه ضد خطة الانفصال عن قطاع غزة وأجزاء من شمال الضفة. فهل انهار اليمين المتطرف فعلاً؟.

 

شظايا النكبة تجرح الحاضر

بقلم:هشام نفاع

بداية متفائلة: خلال المسيرة إلى قرية أم الزينات المهجّرة على كتف الكرمل، يوم الثاني من أيار الجاري ، في نفس اليوم الذي احتفلت فيه إسرائيل باستقلالها المنقوص (لأنّ الاحتلال والعنصرية ينهشانه)، سمعتُ ملاحظة لافتة، من شخصين. فقد علّق كلّ منهما، على حدة، بأنّ المشاركات والمشاركين في المسيرة يبتسمون ويتبادلون التحيّات والحديث، بل إنّ بعض الشباب كان يغنّي. 

برأيي أنه لا يمكن هندسة ما يشعر به البشر (رغم قدرة السلطة على غسل الأدمغة وتهويش الغرائز!). وحين يحافظ المحتجّون في أمّ الزينات على معنوياتهم العالية ويعبّرون عنها، فهم يعلنون ثقتهم بعدالة مطالبهم وبتفاؤلهم بأنّ الظلم ليس قدرًا محتومًا. 

مرّة أخرى: في واقع كواقعنا الراهن، بكل ما فيه من بطش وقمع واستغلال وجرائم سياسية، سيصبح التشاؤم سلاحًا قاتلا يدفع الجماهير لليأس أو للبحث عن فردوس مفقود في الماضي، أو ملجأ في عوالم الوهم، من الشعوذات وحتى المخدرات.

قضية اللاجئين الفلسطينيين في الذكرى الثامنة والخمسين للنكبة

بقلم:د. نايــف جــراد

هــل مــن أفــقٍ للحــل؟

بعد ثمان وخمسين عاماً على النكبة الفلسطينية الكبرى في العام 1948، يتساءل اللاجيء الفلسطيني عن مصير قضيته، المتمثلة بحقه في العودة إلى الديار، التي أخرج منها عنوة وبقوة السلاح. فهل لا زالت هذه القضية وبحق مركزية للشعب الفلسطيني وتمثل جوهر قضيته الوطنية، أم أن تطورات الأحداث والتغيرات النوعية والجذرية، التي طالت الجغرافيا والديمغرافيا والاجتماع والسياسة والفكر، قد ألقت بظلالها على قضية عودة اللاجئين فجعلتها، ليس فقط حلما، بل و"سرابا" أيضا؟ 

لا شك أن الأمر بحاجة إلى تفكر وتمحيص. فإذا كان الفلسطينيون اليوم قد باتوا غير قادرين على إعادة مبعدي كنيسة المهد، الذين لم يمض على إبعادهم أكثر من بضعة سنوات، فهل من المعقول بأنهم قادرين على إعادة ملايين اللاجئين الذين مضى على هجرتهم عدة عقود ومن كان منهم في العاشرة من عمره حين هجّر بات اليوم يناهز السبعين، ومنهم من قضى نحبه وهو ينتظر دون طائل؟ وهل صحيح أن اللاجيء الذي استقر في بلدان الشتات وأصبحت له مصالح فيها، ظل متحمسا إلى اليوم للعودة كما هو حماس اللاجيء الفقير والمعوز الذي لا زال يقبع في مخيمات البؤس والشقاء؟ وإذا كان بعض الفلسطينيين الذين تمردوا على الإجماع الفلسطيني المتمسك بحق العودة إلى بيوت النشأة والديار الأصلية، وتحت مسميات الواقعية، قد تنازلوا عن ذلك لصالح عودة "مأمولة "لدولة فلسطينية "موعودة" على الأراضي المحتلة في العام 1967، فما الذي سيقولونه اليوم وقد بات حلم الدولة أبعد، وقد أستبدل بمشروع كيان مسخ من المعازل لا تتعدى مساحته 10 % من مساحة فلسطين التاريخية؟! وماذا سيقول من ركض وراء وهم "النمر الآسيوي الجديد" وهو يرى اليوم الأرض تبتلع من قبل  المستوطنات والجدار وسيلحق الجزء الأكبر منها بالسيادة الإسرائيلية في إطار مشروع الفصل أحادي الجانب، وما تبقى لن يصلح في أحسن الأحوال لإقامة كيان كأوندورا مثلا أو دولة ميكرونيزيا حليفة إسرائيل الدائمة في الأمم المتحدة.

حــق العــودة عمــاد الســلام العـــادل

بقلم:عــادل ســالم

في الخامس عشر من أيار من كل عام يحيي أبناء الشعب الفلسطيني ذكرى النكبة التي عصفت بهم في العام 1948، فيما يحتفل فيه الإسرائيليون بذكرى استقلالهم الذي جسدوه على أنقاض الوطن الفلسطيني بإعلانهم استقلال إسرائيل في 15 أيار من العام نفسه. إلا إن النكبة الحقيقية للشعب الفلسطيني بدأت قبل ذلك بكثير، وخصوصا في نهاية العام 1947 بعد أن شنت العصابات الصهيونية حربها المنظمة والمدعومة من بريطانيا وأمريكا ودول أوروبية عديدة، على الشعب الفلسطيني لطرده من أرضه وتشتيته في بقاع الأرض المختلفة، لتبدأ مرحلة جديدة ومهمة في تاريخ الشعب الفلسطيني، مرحلة تجسدت بترحيله القسري عن أرضه ثم تواصلت لإنهاء قضيته، وشطبه عن الوجود تماما كما حصل للشعوب الأصلية في الأمريكيتين، والذين تم تسميتهم مجازا بالهنود الحمر رغم أنهم ليسوا حمرا ولا هنودا. 

و بعد أكثر من 58 عاما على بدء الحرب الصهيونية على الشعب الفلسطيني بغية اقتلاعه من أرضه، تحاول الحركة الصهيونية مدعومة أمريكيا وبريطانيا حل الصراع العربي الإسرائيلي بخصوص القضية الفلسطينية من خلال القفز عن جوهر الصراع الوطني وحصره بخلاف على حدود هنا وحدود هناك، ودون  أي استعداد لحل قضية اللاجئين، قضية الشعب الفلسطيني التي شكلت جوهر الصراع كله منذ حوالي ستين عاما.

فلسطيــن.. خطــر مزدوج!

بقلم:ميشيــل كيــلو

مرت فلسطين، إلى اليوم، في لحظتين تاريخيتين مهمتين. بدتا منفصلتين، ثم بدأتا في السنوات الأخيرة تتداخلان، مع أن الأولى منهما كانت خارجية المصدر أساسا، جسدها الاحتلال الصهيوني، الذي اقتلع شعبها العربي ومزقه، بمعنى الكلمة الحرفي، وثانيتهما لحظة راهنة، تفاعلية، يختلط فيها الخطر الخارجي بالداخلي، في ظل انقسام ذاتي لا مثيل له في تاريخ ما بعد العام 1965 ، عندما فجرت حركة فتح المقاومة، وشكلت منظمة التحرير الفلسطينية مع بقية قوى وأطياف العمل السياسي والمسلح، ووضعت البرامج التي تكفلت بتوحيد الإطار الاستراتيجي العام، الملزم لفصائل العمل الوطني، الذي اكتسب، ضمن هذه الحاضنة، طابعا يتجاوز الفصائل،   استمر يفعل فعله في الساحة. وقد صار الخطر الخارجي الإسرائيلي، أكثر فأكثر داخليا، ويتنوع ويتعاظم، وتتناقص القدرة على احتوائه نتيجة هذا الانقسام بالذات، الذي إما أن يتم احتواؤه بسرعة وحكمة، في إطار يتسع للجميع، يرجح أن لا يكون إطار المنظمة القديم عينه، أو أن يقال ذات يوم ما لا يستطيع أحد قوله عن المرحلة الراهنة، مرحلة 1885 – 1965: لقد انقسمنا وتفرقنا ففشلنا.

الإمعان فــي الذنـــب

بقلم:د. أحمــد فائــز الفــواز

هيئة للشعوب تمعن في الذنبِ          ولا تـــــــوبة ولا تكــفيرُ

شارك القوم كلهم في أذانــــــا          ومن القوم غيّب وحضورُ

من قوانينها المداراة للظـــــلم           ومنها التغريب و التهجيرُ

من قصيدة " من وحي الهزيمة" لبدوي الجبل

تعود ذكرى النكبة كلّ عام، في الخامس عشر من أيار، فتنكأ الجراح القديمة التي تنزّ ولم يقيّض لها أن تندمل، وتحدث جراحاً جديدة، وتعيد طرح الأسئلة القديمة التي لم تجد لها جواباً، وتطرح أسئلة جديدة. كم هي عظيمةٌ معاناة شعب فلسطين! كأن أرض المسيح، الأرض عينها التي عاشت الحدث قبل أكثر من ألفي عام، تتكرر فوقها منذ ستين عاماً، وكل يوم، وأمام أنظار البشر جميعاً، مأساة الملايين من الفلسطينيين، وجوهرها صمودهم بوجه الظلم

58عاما على نكبة فلسطين

بقلم:د. أمــل يـازجـــي

أيــن الأمــم المتحــدة مـن قضيــة اللاجئيــن الفلسطينييــن؟

تعود علينا الذكرى الثامنة والخمسين للنكبة، ذلك اليوم المرادف لمولد دولة إسرائيل، واليوم الذي تختزل فيه إحدى أهم المسائل القومية إلى حق "شعب بلا أرض حصل على أرض بلا شعب"، وتتحول الأنظار كلها إلى الدولة الديمقراطية الحديثة وكأن الجميع ينتظر منها أن تكون ما لم تكن يوما قادرة أو راغبة أن تكون، وشرق أوسط جديد، بقيادة جديدة ومعالم مختلفة، حتى ولو كان ذلك على جثث شعب يقتل من أكثر من ستين عام، وتنكر حقوقه، ويعامل وكأنه الغائب، الغائب الحاضر، الغائب الذي لا يدري العالم كيف يواجهه، بل كيف يمكن أن يقنعه بحلول مختلفة تضمن عدم عودته ونسيان الهوية والوطن، وكأن الذاكرة الجماعية بمتناول أصحاب القرار يمحونها ويحلون مكانها هويات وأوطان جديدة، تبدأ في الشرق وتنتهي في أقاصي الغرب. ويلح علينا السؤال أين حق العودة بعد 58 عاما من النكبة بالنسبة للجمعية العامة ومجلس الأمن أهم أجهزة الأمم المتحدة؟

الذاكــرة الشفاهيــة بيـــن العــرب والصهاينـــة

بقلم:حسيــن جمعــــة 

ومن هنا فإننا سنحاول معالجة الذاكرة الجماعية الشفاهية، في تناول القضية الفلسطينية وبخاصة ما يتعلق بالأرض والنكبة في إطار ما تروجه الحركة الصهيونية من آراء، وفي إطار ما يقوم به الشعب العربي من خلال ردات الفعل غالباً. إن كل من يتصدى لهذا الموضوع يدرك أن الجهود العربية والدولية بما فيها جهود أطراف فلسطينية متعددة تتكثف ـ اليوم ـ لإيجاد تسويات وتفاهمات جدية لإنهاء الصراع الصهيوني العربي، على الرغم من الإدراك الراسخ في قرارة النفوس أن إسرائيل مصطنعة وجدت بقرار أممي، ولا يستند إلى الشرعية الحقيقية التي تستند إليها الدول، مهما كانت مزاعمها التوراتية التاريخية. نشات في سياق تاريخ غربي إثر محاولات كثيرة بدأت في القرن التاسع عشر ثم أثمرت عن ظهورها في القرن العشرين؛ في الرابع عشر من ايار من العام 1948.

التهجيــر، الصمــود ومحــاولات العــودة

بقلم:جنــان عبــده- مخـّـول

النكبــة كمـــا عاشتــها نســاء فلسطيـــن 

مع مرور ما يقارب الستين عاما على أحداث النكبة، ما زالت قصص تلك الأيام وما جرى خلالها تراود ذاكرة من عاشوها ثم حملوها معهم كأنها تحدث اليوم معهم. الانفعال ذاته، التوتر والترقب، القلق والخوف من الحاضر كما المستقبل. ينعكس هذا الخوف في التعامل مع الحاضر على أنه يحدث بالأمس، ومع الأمس على أنه حاضر اليوم. بعض النساء اللاتي قابلتهن ضمن بحث أجريه حول هذا الموضوع، ما عدا الناشطات السياسيات منهن، تخوفن من تسجيل المحادثة أو من استعمال تفاصيلهن الشخصية، وذلك مقابل رغبة شديدة لديهن في الحديث والمشاركة بما جرى.* فقد عبّرن عن إنفعالهن من المقابلة، كون بعض التفاصيل تذكر للمرة الأولى ضمن سياق بحثي، يتعامل مع تجاربهن وذاكرتهن الحية بمحمل الجد والتقدير. بعضهن أبدين تخوفا من أن المعلومات التي سيتم نشرها لربما تضر بشكل أو بآخر أحد أفراد العائلة- بهذه الحالة كان المقصود أبناء تلك النساء- الذين إما يعملون أو يتعلمون في معاهد أو مؤسسات ضمن حدود دولة إسرائيل.

إن التعابير المتواضعة وغير المعقدة التي إستعملتها النساء عكست خوفاً من المؤسسة الحاكمة، وخوفاً من أن تقوم أجهزتها الأمنية بشكل أو بآخر بوضع العراقيل أمام الأبناء بسبب تصريحات الأمهات، بمعنى أن تعاقبهم أو تضيق عليهم الخناق.  هذه النساء، كما يبدو، تعيش حالة من الخوف تنعكس في تصرف الترقب والتحسب من المستقبل ومن الحاضر أيضا. يبدو من أحاديثهن أن هذه الوضعية ما زالت مستمرة منذ النكبة وبسبب ممارسات الأجهزة الحاكمة القمعية تجاه أبناء هذا الشعب.

أم الزينــات والرمــز الأخضـــر

بقلم:سلمـان ناطـــور

دخــل الزيــر ابـن المهلهـل علـى ظهـر السبـع،

ولــم يجـرؤ أحــد علـى أكــل حميـر العــرب.

الشارع المنفلت من دالية الكرمل شرقا يقطع مساحة شاسعة من كروم الزيتون. يصعب عليك أن تتصور أن في هذه المنطقة كانت قريتان : الريحانية وأم الزينات. تنحرف يسارا على مسرب وعري بحثا عن أثر لبيوت من حجر، لكنك تضيع بين أشجار الصنوبر التي غرستها "الكيرن كييمت" بعد أن وصلت جرافات الجيش وقلبت الأرض في حزيران من ذلك العام الأسود، وإذا عاد أهلها المشردون في مخيم جنين وكل بقاع الأرض، ليشاهدوا ما تبقى من قريتهم، فلن يجدوا سوى أشجار الصنوبر، الرمز الأخضر لتحويل "صحراء فلسطين القاحلة!!" الى كروم، وأحراش كمهمة وطنية قام بها طلائعيو "الهجرة الاولى والثانية والعاشرة "!

قال الشيخ مشقق الوجه الذي نتحدث عنه: " نشفوا الميّ. كانت حفنة من مية بير الناطف تطول العمر عشر سنين، خفا الله راح البير". هل يأتي يوم ويشرب ثانية من ماء بير الناطف؟ كم كانت هذه الأمنية فاتحة حديث طويل معه، ينتهي بأكثر من حفنة ماء، وبأكثر من بئر، وبأكثر من كرم زيتون، خصوصا وأن حكاية هذا البئر ترتبط بالزير ابن المهلهل، أكثر بكثير مما يرتبط به أكراد مستوطنة " عين عيمق " الذين يحرثون الأرض ويفلحونها كمن يفلح أرضه "أبا عن جد"، دون خجل أو حياء.

تكتــل الجمعيــات والهيئـات الأهليــة اللبنانيــة نموذجــاً

بقلم:د. حيــدر دقمـــاق

نحو تعزيز دور الجمعيــات والهيئــات الأهليــة فـي دعــم النضـــال الشعبي

 كل مجتمع يقوم بدوره في مواجهة استحقاقاته المصيرية، أفراداً وجماعات، يتفاوت حجم هذا الدور بين بلد وآخر، بين جهة وأخرى، بين تنظيم وآخر، بين شكل نضالي وآخر، إن كان سياسياً، جماهيرياً أم مطلبياً. أما في الوطن العربي، فلم يلعب المجتمع الأهلي دوراً مميزاً إبان الأزمات الداخلية والخارجية التي عايشها ومر بها، بل كان دوره يعكس الواقع العربي رسمياً وشعبياً بكل تعقيداته وتناقضاته وتداخلاته وتشابكاته، وطبيعة العلاقات التي تحكم وتتحكم فيه.