المكتبات الفلسطينية والنكبة تدمير المكتبات الفلسطينية احد تجليات النكبة المستمرة

 تتمتع فلسطين باهمية حضارية ودينية خاصة، وبهوية عربية مميزة، لموقعها الجغرافي ولمكانتها الدينية؛ فهي تضم أشهر الأماكن المقدسة كالمسجد الاقصى وقبة الصخرة المشرفة، وكنيسة القيامة وحائط البراق وغير ذلك مما أعطاها مكانة خاصة واهتماما من قبل المثقفين والعلماء ورجال السياسة. لذلك تحولت فلسطين الى مركز ثقافي وحضاري عالمي بشهادات العديد من الرحالة العرب والاجانب. ومع تنامي المد الثقافي في فلسطين برزت ظاهرة انتشار المكتبات العامة والخاصة في فلسطين ومدنها الكبرى الى جانب القدس.

وفي هذه المقالة سوف اسلط الضوء على اوضاع المكتبات في فلسطين قبل النكبة ودور الاحتلال الإسرائيلي في سرقة وتدمير هذه المكتبات ونهب محتوياتها وجعلها احدى مجموعات مكتباته؛ حيث أن الاحتلال منذ بدء النكبة لم يحارب الارض والبشر في فلسطين فقط؛ بل وحارب الثقافة والكتاب والتي تمثلت بالمكتبات.

وبداية لا بد أن نشير بأن فلسطين لم تكن حديثة العهد في عالم المكتبات بل كان لها باعا طويلا منذ 1826 في العهد العثماني حيث صدر أول قانون للتعليم الإلزامي؛ مما جعل ظاهرة المدارس والمعاهد تنتشر في مختلف المدن الفلسطينية، والتي بدورها بدأت تأسس المكتبات لخدمة طلبتها ومعلميها. وقد كان للمكتبات التابعة للمساجد حضور كبير في تلك الفترة. وكذلك انتشرت ظاهرة المكتبات الخاصة للشخصيات الثقافية والدينية والسياسية والتي لعبت دوراً هاما في الثقافة الفلسطينية.

وفي عام 1948، عام النكبة، وقيام العصابات الصهيونية باحتلال المدن الفلسطينية والقرى وتهجير سكانها، ونهب محتويات المنازل بما فيها سرقة وتدمير العديد من المكتبات التي كانت منتشرة في هذه المدن.

لم يحدث ان حوربت المكتبات والثقافة بهذه الوحشية سوى في عهدين: عهد المغول بقيادة هولاكو، عام 656 هـ  وإحتلالهم للعراق وقيام قوات المغول بتدمير المكتبات واغراق نهر دجلة بجميع الكتب والمخطوطات الاثرية، وعهد الاحتلال الصهيوني لفلسطين بقيادة بن غوريون.

وكان من نتائج استيلاء إسرائيل على الأراضي الفلسطينية عام 1948، سقوط الكثير من المكتبات العامة والخاصة في أيدي قوات الاحتلال التي استولت على أفضل هذه الكتب ونقلت قسماً منها الى مكتبات معاهدها والى مكتبة الجامعة العبرية والمكتبات الإسرائيلية الأخرى، حيث لا يزال كثير من الكتب مكتوبا عليها عبارة (ممتلكات متروكة) ( Abandoned property ) .

أما المكتبات الحكومية التي كانت تابعة لدوائر الحكومة الفلسطينية في عهد الانتداب البريطاني فقد ضمت الى مكتبات الدوائر التي أسسها الاحتلال.

وبايجاز شديد اذكر هنا بعض المكتبات التي تعرضت للسرقة والنهب والتدمير منذ عام 1948 وحتى 2009 :

مكتبة الشيخ أسعد الشقيري، في عكا التي كانت تحتوي على العديد من الكتب العربية النادرة ومذكراته.
مكتبة الحاج راغب الخالدي في يافا (والتي تعرف باسم المكتبة الخالدية ) وكانت هذه المكتبة في منزله، وقامت قوات الاحتلال بالاستيلاء عليها في عام 1948.
مكتبة الأستاذ درويش عارف الدباغ ( اليافي )، والذي كان يهتم بالتراث وقدرت عدد محتويات هذه المكتبة في ذلك التاريخ بما يقارب ثلاثين الف مجلد غير مؤلفاته ومؤلفات شقيقه الشاعر إبراهيم الدباغ.
مكتبة الاديب الكبير عجاج نويهض، في مدينة القدس.
مكتبة خليل بيدس.
مكتبة عادل جبر.
مكتبة خليل السكاكيني والتي نقلت كاملةً الى الجامعة العبرية.
مكتبة العلامة إسحاق موسى الحسيني والتي كانت تضم زهاء 4000 كتاب ومخطوطة.
مكتبة أديب فلسطين محمد إسعاف النشاشيبي.
المكتبة الخليلية في القدس لمؤسسها الشيخ محمد بن محمد الخليلي والتي كانت تحتوي على 7000 كتاب ومخطوطة.
مكتبة العلامة عبدالله مخلص المقدسي.
ولا شك ان هناك العديد من المكتبات الأخرى التي لا يسعنا في هذه المقالة ذكرها .

وبعد احتلال القوات الإسرائيلية عام 1967 للضفة الغربية وقطاع غزة والقدس الشرقية استمرت سياسة محاربة المكتبات والمؤسسات الثقافية الفلسطينية من خلال المصادرة والاغلاق وخاصة المكتبات الجامعية والمكتبات العامة. وبدأت سياسة الاحتلال في هذه الفترة تاخذ منحى جديدا وهو منع بيع الكتب واستيرادها من الخارج والقيام بمصادرتها، لمحاربة المكتبات الفلسطينية وممارسة سياسة التجهيل والطمس، وقد شمل هذا الاجراء 5410 كتب منع الاحتلال الفلسطينيين من تداولها منذ عام 1967.

وكان من أهم عمليات الاحتلال ضد المكتبات في هذه الفترة قيام قواته، بحرق محتويات مخازن شركة التوزيع الأردنية في القدس عام 1983، ومداهمة مكتبة جامعة بيرزيت عام 1984 ومصادرة عدد من الكتب والوثائق والخرائط.

ولم يكتف الاحتلال بسرقة المكتبات داخل فلسطين، بل امتدت يد السرقة والنهب الى المؤسسات والمكتبات خارج فلسطين، فعندما غزت قوات الاحتلال الصهيوني لبنان عام 1982 واجتاحت بيروت كانت اول خطوة قامت بها هي مهاجمة مركز الأبحاث التابع لمنظمة التحرير الفلسطينية واستولت على المكتبة وكل الوثائق والارشيف المركزي فيه. ويقدر مجموع ما نهب بحوالي عشرين الف مجلد منها خمسة عشر الفاً باللغة الانجليزية عدا المجلات والصحف الدورية. قام الاحتلال بوضعه بعدها في الجامعة العبرية قسم الدراسات الفلسطينية. وبعد عملية تبادل الأسرى عام 1985 بين المقاومة الفلسطينية والإسرائيليين قاموا بإعادة معظم الكتب والمواد الأخرى ولكن بعد أن قامو بتصويرها.

وفي فلسطين التاريخية شكلت حركة المقاومة الفلسطينية، وقواها الشعبية والمدنية حاضنة حمت ما تبقى من مكتبات ووثائق رغم المصادرات المتكررة لها، وبرز في هذا المجال دور الجامعات والمعاهد والبلديات والمدارس ورغما عن عصا ومقص الرقيب العسكري استطاعت ان تبني مكتبات فلسطينية عامرة وزاخرة، ولعب الاهل في داخل اراضي 1948 دورا مميزا من حيث الانتاج والاستيراد والتوزيع.

وبعد عودة السلطة الوطنية الفلسطينية عام 1994 شهدت المكتبات نهضة ثقافية كبيرة، فقد اولت المكتبات  بانواعها المختلفة عناية خاصة فانتشرت المكتبات الحكومية التابعة لمؤسسات السلطة والمكتبات الاهلية التابعة لمؤسسات المجتمع المدني بالاضافة الى مكتبات المدارس والمكتبات العامة، وايضا ازداد الاهتمام باقامة معارض الكتب التي لعبت دوراً هاماً في اغناء هذه المكتبات بالعديد من الكتب والدراسات التي كانت ممنوعة ايام الاحتلال والتي كانت تصادر  بوصولها إلى المعابر.

ومع بداية عام 2000 وبدء انتفاضة الاقصى وبدء الاجتياح الاسرائيلي للمدن والقرى والمخيمات الفلسطينية عادت يد السرقة والنهب والتدمير من جديد لتحارب المكتبات الفلسطينة التي تأبى لهذا القطاع ان يستمر ويتطور؛ لمعرفة الاحتلال مدى خطورة هذه المؤسسات على كيانه، حيث دمر ونهب مكتبة مؤسسة الحق في رام الله، مكتبة المجلس التشريعي، مكتبة بلدية رام الله، مكتبة بلدية نابلس، والعديد من المؤسسات الثقافية الاخرى.

وتستمر رحلة المكتبات الفلسطينية مع الاحتلال لتصل عام 2008 / 2009 و بدء الحرب على قطاع غزة حيث دمر خلال عدوانه هذا العديد من المؤسسات الثقافية وعلى رأسها المكتبات مثل مكتبة الجامعة الإسلامية المكونة من خمسة طوابق والتي تحوي مئات الالاف من الكتب والمراجع والمصادر، مكتبة جامعة الأزهر، مكتبة جامعة القدس المفتوحة، مكتبة دار الفتوى والتشريع، مكتبة خالد الحسن العامة بالنصيرات... الخ.

وفي الختام نقول أن الاستهداف الصهيوني لفلسطين والفلسطينيين لم يستهدف الارض فقط بل استهدف الانسان بكل مكوناته وفكره وتراثه، سعيا منه للقضاء على كل ما هو عربي فلسطيني، فالمكتبات مكون اساسي من مكونات الانسان الفلسطيني وهي مركب من مركبات النكبة التي لم تعر اهتماما بحثيا كما تستحق. ولعل هذا بمثابة دعوة للجهات فلسطينية المهتمة، والباحثين المهتمين لبحث التدمير المتواصل للمكتبات باعتبارها احد أوجه وتجليات النكبة الفلسطينية المستمرة.

---------------------

عنان حمد: مدير مكتبة المجلس التشريعي الفلسطيني – رام الله
--------------------------------------------------------------------------------