ها قد اصبحت أخيراً..فلسطينياً

بقلم:المخرج: حاتم علي 

 منذ سنوات بعيدة، كتبت ثلاث مسرحيات فلسطينية بالاشتراك مع الصديق "زيناتي قدسية" نشرت في كتاب واحد بعنوان فرعي ((الحصار)) ثم نشرت نصا مسرحيا آخر بعنوان: ((من قتل ناجي العلي)). 

وعندما انتقلت إلى الإخراج، راودتني الرغبة في صنع عمل تلفزيوني يتناول "القضية الفلسطينية" ولكنه كان حلما بعيد المنال، فالاقتراب من الموضوع الفلسطيني، يشبه المشي في حقل ألغام. 

كنت قد نشأت على أطراف "مخيم اليرموك" في ضواحي دمشق، ودرست سنواتي العشر الأولى في مدارس "وكالة الغوث للاجئين الفلسطينيين". وبدا لي أن "نزوح- 1967" هو فصل آخر من مسرحية تراجيدية، لم تنته فصولها بعد، وكان ذلك الإحساس يولد رعبا لدى جيل يبدو مستقبله دون أفق، ودون أمل.

 

كنت أحمل معي صورا ومشاهد، بدت مع الأيام ، غائمة ومشوشة، اختلطت مع حكايا وأقاصيص الكبار، فحاولت إعادة اكتشافها في مجموعة قصصية بعنوان "ما حدث وما لم يحدث". 

واحدة من أكثر تلك المشاهد وضوحا هي صورتي محمولا على كتفي أحد أخوالي، كانت تشبه إلى حد بعيد صورة "صلاح" على كتفي "مسعود" في أوراق الدكتور "وليد سيف"، وكانت آنذاك تحت عنوان "الدرب الطويل". 

كان دربا طويلا حقا، وكان درب آلام، وقد شكلت لي معاناة تلك الشخصيات في دربها الطويل، إغراء كبيرا، وكانت تلك الآلام جوهر كتابة المؤلف، وبدت لي في حينها كنزا حقيقيا، فمعظم الأعمال الفنية التي كنت قد شاهدتها، كانت تصور الفلسطيني السوبرمان، متناسية جوهره الإنساني، وعذاباته، ومعاناته، التي كان من المفترض أن تثقل الضمير الإنساني العالمي، وكان لتلك الأعمال عذرها، فقد جاءت في فترة ظهور الكفاح المسلح، وكانت جزء من الحالة التعبوية.

ولأن كل تعميم أحمق، فلابد من ذكر استثناءات كثيرة، أهمها فيلم "توفيق صالح- المخدوعون" عن رواية "غسان كنفاني"، وكانت رحلة رجاله تحت الشمس في طريقهم إلى "الكويت" جزء من كتابة "وليد سيف"، في ملاحقة شخصياته في دروبهم الطويلة.

كان عنوان "التغريبة الفلسطينية" أكثر ملائمة لروح النص، لما يحمله من دلالات وإحالات إلى الذاكرة الشعبية، وكانت ذروة تلك التراجيديا، في مشاهد "التهجير" في منتصف الحلقات الثلاثين، وكان تنفيذها مؤلما ومجهدا، ليس فقط بسبب مشاق التصوير، ولكن أيضا بسبب الآلام والأحزان التي اكتشفناها... وقد كان جزء من المجاميع التي شاركت في تنفيذ تلك المشاهد من أصول فلسطينية، وكان مدهشا أن أسمع أحيانا، شهقات بكاء حقيقي... 

كنت أقف أحيانا وسط هؤلاء الناس المتعبين، وقد سيطرت عليهم روح واحدة، بحيث بات من الصعب التفريق بينهم، واكتشاف الفلسطيني من غيره، وأنا غير مصدق، أنني استطعت أخيرا أن أنجز حلمي، ممتنا للظروف التي ساعدتني على ذلك، مؤمنا بأن شعبا جرب كل تلك الآلام، ثم قام، يستحق أن يكون له وطنه، وأن تكون له دولته. 

كنت حينها، أود لو أصرخ، ولكن خجلي منعني: ها قد أصبحت أخيرا، فلسطينيا.