التمييــز العنصــري فــي فلسطيــن وجنــوب أفريقيـــا

 يبقى العام 1948 من أهم الأعوام بالنسبة للجنوب أفريقيين وللفلسطينيين. ففي كلتا الحالتين، خلق الاستعمار البريطاني الظروف الملائمة لممارسة التمييز والتفرقة العنصرية بحق الشعوب والسكان الأصليين. لقد شهد العام 1948، ولادة نظام التفرقة العنصرية في جنوب أفريقيا وكذلك إنشاء دولة إسرائيل العنصرية على أرض فلسطين.

في كلتا الحالتين أيضاً، رأى كل من الحزب الوطني "الأبيض" والحركة الصهيونية نفسيهما على أنهم "صفوة شعوب الأرض" أو "شعب الله المختار". هاتين المجموعتين وظفت المفاهيم الإنجيلية والتوراتية لخدمة أطماعهم في الأرض بحيث آمنوا بأن الأرض كانت لهم وأنها الآن "أرض بلا شعب لشعبٍ بلا أرض". 

نحن نعلم حتى الآن بأن دولة إسرائيل العنصرية قد أنشأت من خلال ارتكاب سلسلة من المجازر والانتهاكات بحق الكثير من القرى والبلدات الفلسطينية (مثل قرية الطنطورة ودير ياسين) وتدمير ما يزيد عن 530 منها. لقد تم في العام 1948، تهجير ما يزيد عن 750 ألف فلسطيني قسراً من منازلهم وقراهم بهدف خلق الظروف الديموغرافية المواتية لإنشاء دولة مقتصرة على اليهود من قبل الحركة الصهيونية. أما الفلسطينيون الباقون فقد أنكر حقهم في أرضهم دون أي تعويض. نتيجة لتلك الانتهاكات، يشكّل اللاجئون الفلسطينيون المجموعة الأكبر في العالم في تاريخنا الحديث.

 

احتل المستعمرون البريطانيون والهولنديون الأراضي بالقوة العسكرية والإرهاب المتمثّل بخوض سلسلة من الحروب الهجومية الدموية. وقد حقق النظام العنصري أطماعه في الاستحواذ على الأراضي من خلال تشريعه لسلسلة من القوانين التي سهّلت مهمته في السيطرة على الجنوب أفريقيين وتفريقهم في "كانتونات" جغرافية عنصرية. وتشمل هذه القوانين قانون "نظام العبور" للسيطرة على حركة السكان الأصليين وإجبارهم على العيش فقط في أماكن تواجدهم أو "معازلهم" المخصصة. هذه "المعازل" أو أماكن حصر النمو الجغرافي، والتي تشكّل ما نسبته 13 من الأرض، اعتبرت على أنها أراضي السكان الأصليين. قوانين أخرى شرّعت لضمان تقسيم السكان بحسب عروقهم وقبائلهم، وكذلك تم تقسيم المصادر والموارد من قبل الدولة بشكلٍ غير عادل وعلى جميع المستويات الحياتية. 

أما في حالة دولة الإسرائيلية العنصرية و"الأراضي الفلسطينية المحتلة"، فباستطاعتنا أن نرى مزيجاً من القوانين شبه-العنصرية والديكتاتورية العسكرية القمعية. حواجز تفتيش، إغلاق وحصار، جدار الفصل العنصري، مستعمرات، طرق لاستخدام المستعمرين فقط، بطاقات تعريف الهوية، لوحات رقمية ملوّنة للسيارات وتصاريح ذات أصناف مختلفة، تشير بمجموعها على تفرقة عنصرية، وكذلك حال "المواطنين من الدرجة الثالثة" من السكان الفلسطينيين القاطنين داخل الخط الأخضر. كما نلاحظ وجود قوانين (مثل قانون "اكتساب الأرض"، وقانون "الدخول إلى إسرائيل"، قانون "الخدمة العسكرية") وكذلك اعتماد تشريعات دينية حاخامية عنصرية. نلاحظ كيف سيطرت دولة إسرائيل بشكلٍ واضح من خلال نظام عنف وتفرقة عنصرية ممنهجة. لقد عملت دولة إسرائيل العنصرية على تطوير نظام تفرقة معقّد، وأرفقته بنظامها القضائي/القانوني مضاهيةً بذلك النظام العنصري الجنوب أفريقي. 

لقد وُعِدَ قادة حركات التحرر الجنوب أفريقية بالحرية إذا ما أدانوا العنف وقبلوا بـ "نظام المعازل/الكانتونات". لم يقبل القادة بمهزلة هذا النوع من تقرير المصير مؤكدين على مطلبهم بأن من حق الشعب الجنوب أفريقي أن تكون له دولة موحدة ومتكاملة بحقوق ديمقراطية أساسية للبيض والسود على حدٍ سواء. أعلنت شعوب العالم بأن النظام الحاكم في جنوب أفريقيا هو نظام تفرقة عنصرية واعتباره جريمة بحق الإنسانية وباشرت بمقاطعة مكثّفة لهذه الدولة العنصرية. بالطبع، الدول المنبوذة مثل إسرائيل، تشيلي إبان حكم "بينوشيه"، وحكومات أغلب الدول الغربية، دعمت شراكاتها التجارية، الثقافية، والعسكرية وروابطها النووية مع نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا. 

واليوم، تقترح أمريكا المهيمنة وأوروبا على الفلسطينيين دولة "معازل" ذات اقتصاد غير مستقل، وبدون تواصل جغرافي ومنزوعة السلاح، بحيث يزداد حجم استغلال الفلسطينيين والسيطرة عليهم في كانتونات تسيطر عليها الدولة العنصرية. إن اقتراح إيجاد "معازل" تابعة وخاضعة لدولة عنصرية هي إسرائيل هو نوعٌ هزيل من تقرير المصير على غرار تلك التي أوجدها النظام العنصري في جنوب أفريقيا. وفوق كل هذا، يريدون من العالم أن يتناسى ملايين اللاجئين الفلسطينيين. 

في إسرائيل، وليس أقل من جنوب أفريقيا، يطلب إحلال الحد الأدنى من العدالة لتفكيك بنى نظام التفرقة العنصرية واستبداله بفلسطين الديمقراطية لجميع مواطنيها من عرب ويهود، يعيشون جنباً إلى جنب بحقوق متساوية. وعلى وجه الخصوص، لن يكون بالإمكان إيجاد حل للصراع العربي/ الفلسطيني-الإسرائيلي دون تطبيق حق اللاجئين والمهجرين الفلسطينيين وأحفادهم في العودة إلى منازلهم.

إننا نقف معكم، ملايين الناس حول العالم، لإحياء ذكرى النكبة. إننا نحيي شجاعة وصمود اللاجئين الفلسطينيين المشتتين في جميع أرجاء العالم. إننا نتذكّر معكم مجزرة صبرا وشاتيلا، وغيرها من المجازر التي ارتكبت بحقكم. إن قوة إرادة البقاء لديكم، وقوة وثبات المقاومة، بالرغم من سياسة الإبادة الجماعية البطيئة هي صفعةٌ على وجه الطغاة الذين يريدونكم أن تختفوا من على وجه الأرض. رفض الفلسطينيون أن يصبحوا مثالاً حديثاً للهنود الحمر في أمريكا، والذين شتتتهم الإمبريالية ومن بقي حيٌ منهم أجبر على العيش في "معازل" يهان فيها يومياً. للمضطهدين ومحبي العدالة في هذا العالم، نضالكم ومقاومتكم هي منبع غير متناهٍ من الدعم، الأمل، والإلهام. في وجه كل الحكومات والهيئات الدولية المنافقة في هذا العالم، إننا ندعو جميع الشعوب للتضامن والتعاضد مع الشعب الفلسطيني وتكثيف عزلة دولة إسرائيل العنصرية ورفع شعار حق العودة للاجئين الفلسطينيين إلى ديارهم الأصلية. 

______________________

د. سليم فالي هو رئيس لجنة التضامن الجنوب أفريقية مع الشعب الفلسطيني، وهي ناشط في الحركة العالمية المناهضة للحرب.