هكذا سرّبت ونزعت الأرض في فلسطين

بقلم:راسم خمايسي

تؤكد دراسة التحولات في نظام الأراضي، تسويتها وإدارتها، أن هنالك مسلسل شبه منظم أدى إلى تسرب وانتقال الأرض في فلسطين من يد الفلسطينيين العرب إلى سيطرة الحركة الصهيونية. فإن صدور قانون الأراضي العثماني في العام 1858 وقانون الطابو في العام 1861 اللذان أكدا على وجوب تسجيل الأرض الخاصة على اسم مستعملها ومالكها، قد مكًن من تسرب الأرض من يد العرب إلى الغرباء. وأن تسرب، نزع وانتقال ملكية الأرض كان أحد المركبات الأساسية لغرض تحولات جيوسياسية بما في ذلك تقسيم فلسطين وطرد الفلسطينيين من قراهم ومدنهم خلال حرب 1948، وتحول معظم أرض فلسطين من السيطرة العربية الفلسطينية إلى السيطرة الصهيونية. حالياً، ما زال الصراع على الأرض يشكل لب الصراع بين العرب الفلسطينيين وبين الحركة الصهيونية بما في ذلك منع منح اللاجئين الفلسطينيين حقوقهم في ديارهم. وهناك من ينظر إلى الأرض بحدود تقنية مثل الملكية، الإدارة والحيازة. هذه النظرة الميكانيكية والمحدودة لوحدها لا تكفي لفهم إسقاطات وتبعات كيفية انتقال الأرض من اليد العربية الفلسطينية إلى اليد الصهيونية، بل نظرة شاملة وماهية إلى الأرض تؤكد أن نزع وانتقال ملكية وحيازة الأرض والسيطرة عليها ما زال يهدد الوجود العربي الفلسطيني بما في ذلك اللاجئين وتوفير حقوقهم الطبيعية والمشروعة في وطنهم.

 

من الإجحاف أن ندّعي أننا في هذه المقالة الموجزة يمكن أن نتناول موضوع كيفية انتقال الأرض من اليد العربية الفلسطينية إلى الحركة الصهيونية وأذرعها؛ بل سوف نعرض بعض المركبات لآليات انتقال الأرض وحجمها والإشارة إلى إسقاطاتها. لا شك أن هذا الموضوع ما زال بحاجة إلى أبحاث أكاديمية كثيرة للكشف عن الحقائق. ونكتفي بعرض شامل أولي في هذه المقالة الموجزة، والتي ندعي بها أن الآليات التي استخدمت في إدارة حيازة الأراضي في فلسطين خلال نهاية الفترة العثمانية، وخلال الوصاية والانتداب البريطاني ولاحقاً السياسة الإسرائيلية التي سعت إلى تهويد الحيز ومصادرته كانت مركب رئيسي في نقل الأرض من اليد العربية الفلسطينية إلى اليد والسيطرة الصهيونية عليها 

بدأت عملية تسريب الأراضي في فلسطين إلى الأجانب وتغلغل النفوذ الأوروبي في الدولة العثمانية، بما في ذلك فلسطين، بعد إقرار إصلاحات وتنظيمات عرفت باسم "التنظيمات الخيرية" في العام 1856. بموجب هذه التنظيمات أصدرت الدولة العثمانية قانون الأراضي 1858 "المجلة" ثم تبع ذلك إصدار العديد من القوانين اللاحقة، فأصدرت لائحة تعليمات بحق سندات الطابو 1859، ثم إعلان قانون الطابو 1861، ونظام تملك الأجانب 1869. إن فتح إمكانية تملك الأجانب وتسجيل أراضي كأملاك خاصة، والسماح للأجانب بشراء الأراضي وما تبع ذلك من عملية بناء المستعمرات الألمانية والصهيونية في أنحاء مختلفة من فلسطين، خاصة بعد إلغاء نظام إدارة الأراضي وفق الشريعة الإسلامية الذي ساد قبل إقرار قانون الأراضي العثمانية، كانت المحرك للمرحلة الأولى من تسرب وانتقال الأراضي من العرب الفلسطينيين إلى غيرهم بما في ذلك مندوبي الحركة الصهيونية. 

قسّم قانون الأراضي العثمانية الأرض إلى خمسة أنواع: الأراضي الموات، الأراضي الأميرية، الأراضي المتروكة، الأراضي الموقوفة، الأراضي المملوكة. وفقاً لهذا القانون هنالك ثلاثة أنواع من الأراضي تبقى تحت السيطرة العامة (الدولة): الأراضي الموقوفة تستعمل لأغراض دينية شبه عامة، وقد قدرت مساحتها في فلسطين بين 750-1000 ألف دونم، تشمل أملاك الأوقاف الصحيحة وغير الصحيحة. أما تسجيل الأراضي المملوكة فكان محدود، خاصة في فترة سيادة نظام الملكية المشاعية. حيث استهدف قانون الأراضي العثماني لعام 1858 تفتيت الملكية المشاعية بما في ذلك في فلسطين. فحتى عام 1918 كانت نسبة 70% من الأراضي الفلسطينية أراضي مشاع، ثم أخذت هذه النسبة بالتقلص تدريجيا لتصل إلى 56% من مجمل الأراضي الفلسطينية عام 1923، ثم إلى 46% عام 1929 ووصلت إلى حوالي 40% عام 1940م. من الجدير بالذكر أن لنظام المشاع سلبيات وايجابيات، إذ عمل على عدم تفتيت الأراضي المشاع لفترة من الزمن استمرت حتى إقرار الانتداب البريطاني قانون تسوية الأراضي عام 1928 والشروع بعملية تسوية الأراضي الفلسطينية. هكذا فإن نظام المشاع شكل عائقاً أمام بيع الأراضي المشاع للأجانب وخاصة للحركة الصهيونية. لذا ليس من قبيل الصدفة أن عملية تسوية الأراضي وتسجيل الملكية وإلغاء نظام المشاع ركزت في المناطق السهلية في فلسطين بدءاً من الحولة مروراً في غور بيسان، مرج بن عامر والسهل الساحلي، وهي المناطق التي تمكنت الحركة الصهيونية من السيطرة وشراء الأراضي بها وإقامة المستوطنات عليها والتي تعرف بإسم ال – "N " الاستيطاني للحركة الصهيونية، ولاحقاً شكلت الأساس لتقسيم فلسطين بعد إقرار وعد بلفور وإنجازه خلال فترة الانتداب، خاصة من خلال تسوية الأراضي وتسجيل الملكية وتمكين الأجانب من تملك الأراضي بموجب قانون الأراضي العثماني. 

من الجدير بالذكر، أن جزء كبيرا من الفلاحين والمالكين المستعملين للأراضي من الفلسطينيين لم يقوموا بتسجيل الأراضي على أسمائهم تهرباً من الخدمة العسكرية ودفع الضرائب. مما يعني أن اعتماد سجلات الأراضي الرسمية كأساس لتحديد أو لتقدير ملكية الأراضي الخاصة للفلسطينيين هو أمر خاطئ ولا يمثل حقيقة ملكية وحيازة الأراضي الخاصة في فلسطين. ولا يمكن اعتماده لتحديد حجم ملكية اللاجئين الفلسطينيين حسب ما يتم عرضه من قبل المؤسسات الصهيونية والإسرائيلية لإنكار حق الفلسطينيين في الأراضي في مضاربهم، قراهم ومدنهم. 

بالمقابل فإن إدعاء بيع الأراضي من قبل الفلسطينيين كأساس لإقامة دولة إسرائيل يجب أن يتم فحصه، فمنذ عام 1878 وحتى نهاية الحرب العالمية الأولى كانت الأراضي تشترى من قبل اليهود الصهاينة بواسطة :

أ‌-        الجمعيات التي أسسها "عشاق صهيون" والأفراد اليهود.

ب‌-    البارون روتشيلد وبعد عام 1900 شركة ال – أ.س.أ.

ت‌-    شركة تطوير أراضي فلسطين والصندوق القومي اليهودي. 

وحتى عام 1918 كان بحيازة اليهود الصهاينة أراضي تقدر مساحتها بحوالي 418 ألف دونم. وهذا ما يؤكد أن تهافت الفلاحين الفلسطينيين لبيع أراضيهم هو إدعاء باطل وغير دقيق. لكن الوصاية البريطانية وانتدابها على فلسطين، سهل على الحركة الصهيونية شراء الأراضي وتعزيز الهجرة اليهودية وإقامة المستوطنات، وذلك كجزء من تحقيق وعد بلفور 1917، بمنح وطن قومي لليهود في فلسطين. كانت مهمة الانتداب البريطاني نقل نظام إداري غربي، تطور بعد الثورة الصناعية، وفرضه على الواقع في فلسطين وذلك شمل نظام إدارة، تخطيط، تسوية وتسجيل الأراضي، مطبقاً قانون الأراضي العثماني ومعدلاً له لخدمة الأهداف الانتدابية والصهيونية لاحقاً. في سيل ذلك صدرت عدة أوامر وقوانين حددت نظام تسجيل الأراضي تخطيطها واستعمالها، بما في ذلك فرض الضرائب على الأراضي بعد تخمينها. هذه الضرائب المرتفعة ساهمت في تردد بل رفض جزء من مالكي الأراضي العرب الفلسطينيين تسجيل الأراضي على أسمائهم، محاولين التهرب من عبء الضرائب مثل  العشر، الويركو، ضريبة المسقفات في المدن 1928، ضريبة الأملاك في القرى 1935، والذي صنف الأراضي إلى 16 صنف وحدد الضرائب المفروضة على كل صنف. وحسب المخمنين تمت مطالبة المالك بالضرائب الباهظة. بالمقابل، نشأت عملية تسجيل الأراضي على أسماء العائلات والملاكين الكبار الذين شغلّوا الفلاحين في الأراضي. هؤلاء الملاكين الكبار والذين جزء منهم ليسوا بفلسطينيين، قاموا ببيع جزء من أراضيهم للحركة الصهيونية أو سماسرتها الذين بدورهم سربوها لها. فمثلاً عام 1924 كان في فلسطين 144 مالكاً كبيراً، يقدر ما بحوزتهم من الأراضي بحوالي 3.130 مليون دونم. وفي أوائل عهد الانتداب البريطاني كان حوالي 250 مالكاً كبيراً يملكون حوالي 4.142 مليون دونم. هؤلاء المالكين الكبار، خاصة من غير الفلسطينيين كانوا من بين الذين باعوا أراضي للحركة الصهيونية خلال فترة الانتداب. ومن أجل تسهيل عملية تسريب الأراضي وتنظيم الملكية بما في ذلك فصل الأراضي الخاصة من أراضي الدولة (الأميرية)، الموات والمتروكة، كان لا بد من تسوية الأراضي لمعرفة موقعها بدقة، ومالكيها الحقيقيين وتسجيلهم بصفة رسمية في سجل الطابو. وكل قطعة أرض لا يوجد ادعاء ملكية لها تسجل على اسم الدولة. خاصة أن الانتداب البريطاني كان "الوريث" للسلطة العثمانية التي سادت على البلاد حتى نهاية الحرب العالمية الأولى. لأجل ذلك أقرت السلطة الانتدابية أمر تسوية الأراضي وتسجيلها لعام 1928، بموجبه بدأ عملية مسح الأراضي وتسويتها من خلال طرح جداول ادعاءات وحقوق. حسب هذا الأمر بدأت عملية التسوية في الأراضي السهلية، وبذلك سهلت من عملية فك المشاع وتسجيل الأراضي مما سهل من عملية بيعها بعد تحديد مالكها وموقعها. خلال فترة الانتداب سادت البلاد مناوشات وقلاقل، وزاد الوعي الفلسطيني بأهداف المشروع الصهيوني والدور الانتدابي في تحقيقه، وكان لذلك أثر على تسرب الأراضي إلى الحركة الصهيونية. ورغم أن سلطات الانتداب أصدرت الكتاب الأبيض الذي حدد المواقع التي يجوز للحركة الصهيونية شراء الأراضي بها وحجم الهجرة اليهودية إلى البلاد لكن تطبيق هذا الكتاب كان محدوداً. 

خلال فترة الانتداب استمرت عملية تسرب الأراضي للحركة الصهيونية، إن كان ذلك بواسطة الإغراءات، المضايقات، بيع الأراضي من قبل العائلات المالكة للأراضي. من أجل شراء الأراضي من الفلسطينيين بذلت الحركة الصهيونية موارد مالية كبيرة وجهد عظيم إضافةً للضغوط على سلطة الانتداب والفلسطينيين.على الرغم من هذا الضغط فإن حجم الأراضي التي تمكنت الحركة الصهيونية من حيازتها والسيطرة عليها لا تتجاوز  6.4% من مساحة فلسطين الانتدابية. وهذا يعني أنه في عام 1947 وصلت الأملاك اليهودية في فلسطين (الخاصة والعامة) إلى حوالي 1.850 مليون دونم. وقد حصل المالكون اليهود على 180 ألف دونم من حكومة الانتداب على شكل امتيازات، مثل امتيازات الحولة وامتياز البحر الميت وامتياز كثبان قيسارية الرملية. وتم شراء 120 ألف دونم من الكنائس المختلفة، 1.550 مليون دونم من المالكين العرب، تم شراء معظمها من ملاكين كبار وحوالي 500 ألف دونم من الفلاحين ذوي الموارد المتوسطة والمحدودة. 

هكذا فإن عملية انتقال حيازة وملكية الأراضي من اليد العربية الفلسطينية إلى اليد الصهيونية خلال حوالي 100 عام لم تتجاوز 6.4% من مساحة فلسطين رغم التسهيلات القانونية، الإدارية والسلطوية، خاصة في فترة الانتداب ورغم الإغراءات التي مارستها الحركة الصهيونية والضغوطات والأعباء الضريبية التي فرضت على المالكين خلال الفترة العثمانية والانتدابية، والتي دفعت جزء منهم إلى إرجاء تسجيل الأرض، ولكن لا يمكن الادعاء أنهم تنازلوا عنها. 

ولكن التحول الكبير في السيطرة على الأرض كان بعد حرب 1948 وحدوث النكبة. بعد النكبة أقيمت دولة إسرائيل كدولة يهودية صهيونية على كل المناطق التي حددها قرار التقسيم 181 لتقسيم فلسطين إلى دولتين عربية ويهودية، إضافة إلى ذلك احتلت أراضي إضافية خلال الحرب وضمت إليها أراضي حسب اتفاقات الهدنة 1949. 

بعد إقامة دولة إسرائيل وامتلاكها السيادة لإدارة الأراضي في الحيز الذي أعلن عن إحالة القانون الإسرائيلي عليه، قامت بسن قوانين تهدف إلى تأمين سيطرتها على الأراضي وتحويلها من اليد العربية الفلسطينية إلى الحركة الصهيونية. وكذلك استمرت بعملية شراء الأراضي تهويدها ومصادرتها، رغم أنها بسطت سيادتها الجيوسياسية عليها. يمكن إيجاز هذه القوانين مثل قانون مصادرة الأراضي العام والذي اعتمد أمر الأرض (حيازتها لتحقيق أغراض عامة 1943) والذي مكن مصادرة أراضي عربية بحجة المصلحة العامة، قانون أملاك الدولة 1951 والذي ينص على أن جميع أراضي الحكومة البريطانية ستسجل باسم الدولة (إسرائيل). قانون أملاك الغائبين 1950، بموجب هذا القانون وضعت كل أراض اللاجئين الفلسطينيين بما في ذلك أراضي الوقف الإسلامي المسجلة على اسم المجلس الإسلامي الأعلى تحت سيطرة "حارس أملاك الغائبين". القانون يمنع بيع أملاك الغائبين، عدا استثناء واحد قاطع؛ وهو نقل ملكيتها إلى سلطة التطوير. بموجب قانون سلطة التطوير (نقل الأملاك) 1950، وفي 29 أيلول 1953 وقعت اتفاقية بين سلطة التطوير والقائم على أملاك الغائبين وبموجبها نقلت كافة أملاك الغائبين الموضوعة تحت تصرف القائم على أملاك الغائبين إلى سلطة التطوير. سلطة التطوير هذه قامت بيع جزء من الأراضي التي منحت لها من القائم على أملاك الغائبين إلى الصندوق القومي اليهودي. حتى قبل تأسيس سلطة التطوير بشكل رسمي قررت حكومة إسرائيل بيع غالبية الأراضي الريفية التابعة للغائبين (اللاجئين) للصندوق القومي اليهودي. بموجب الاتفاقية الأولى الموقعة في كانون الثاني 1949 بيع 1.101.942 دونما للصندوق القومي اليهودي، 98.5% منها كانت أراضي ريفية. وفي تشرين الأول 1950 عقدت اتفاقية ثانية بموجبها بيع 1.271.734 دونما إضافية للصندوق القومي اليهودي. هكذا تم نقل حوالي 2.4 مليون دونم من أراضي اللاجئين العرب الفلسطينيين إلى الصندوق القومي اليهودي. بعد أن كان كل ما يملك الصندوق، حتى إقامة دولة إسرائيل، ما لا يزيد عن 936 ألف دونم. هكذا فإن عملية تهويد الأراضي استمرت بعد إقامة دولة إسرائيل. ومن أجل إحكام السيطرة على إدارة الأراضي قامت إسرائيل بسن قانون أساسي عام 1960 والذي يعرف باسم "قانون دائرة إسرائيل 1960"، هذه الدائرة تدير كل الأراضي العامة – غير الخاصة في إسرائيل والتي تشمل حوالي 93% من مساحة إسرائيل. هذه الأراضي تشمل أراضي اللاجئين الفلسطينيين وتلك التي صودرت من العرب الفلسطينيين والتي نقلت كأراضي مصنفة موات، أميرية، ومتروكة، وفق القانون العثماني، إلى السلطة الانتدابية ومنها إلى السلطة الإسرائيلية. وقامت إسرائيل بسن قانون الأراضي 1969 والذي يعدل قانون الأراضي العثمانية 1858، ويُمَكِّن إسرائيل من إحكام سيطرتها على الأرض وعدم السماح بعودة أراض للعرب الفلسطينيين، فمثلا تم إلغاء بند تمليك الأرض اعتمادا على التقادم، والذي أجازه القانون العثماني. وبذلك حرم العرب في منطقة النقب من تسجيل أراضي بحوزتهم على أسمائهم. 

بالإضافة إلى قوانين الأراضي المتعلقة بالملكية والتي أدت إلى مصادرة أراضي عربية وتهويدها رسمياً من خلال تسجيلها على اسم الصندوق القومي اليهودي أو دولة إسرائيل، استخدمت السلطات الإسرائيلية سلطتها بإدارة الحيز بواسطة تقليص مناطق نفوذ البلدات العربية الفلسطينية، واستخدام التخطيط الحيّزي الضابط والمحدد كآلية لإحكام السيطرة على العرب الفلسطينيين وتقليص مجال حياتهم وحيزهم. 

هكذا فإن عملية نزع وانتقال الأرض من ملكية وحيازة عربية فلسطينية إلى يهودية صهيونية بدأت بوادرها في نهاية الفترة العثمانية، رغم أنها لم تهدف لذلك، وخلال الفترة الانتدابية وضعت الأسس لنزع الملكية العربية الفلسطينية وتحويلها للمؤسسات الصهيونية. وكان التحول الفصل والرئيسي بعد النكبة عام 1948، حين أصبح بمقدور السلطات الإسرائيلية رسمياً، قانونياً وعسكرياً انتزاع الملكية، مصادرتها، شرائها وإغلاقها، بما في ذلك إغلاق مناطق عسكرية، فرض أوامر طوارئ ومنع عودة اللاجئين الفلسطينيين إلى أراضيهم. وهنا لا بد من الإشارة إلى أن الحديث هو ليس عن الأراضي المملوكة فقط، بل يشمل مجمل الحيز الطبيعي للعرب الفلسطينيين والذين حرموا منه بعد إقامة دولة إسرائيل. وما زال الصراع قائما لامتلاك هذا الحيز والسيطرة عليه، رغم محاولات البحث عن تسويات غير عادلة حتى الآن. ولأجل بيان التحول في السيطرة وامتلاك الحيز سوف نلخص هذا التحول في الجدول التالي. 

تحول من سيطرة وحيازة عربية إلى سيطرة إسرائيلية صهيونية

البند
 نسبة مئوية
 دونم
 
مساحة فلسطين الانتدابية
 100
 26.323.000
 
حسب قرار التقسيم 1947، رقم 181
 
دولة عربية
 41.35
 10.885.848
 
دولة يهودية
 57.99
 15.261.648
 
القدس (وضع خاص)
 0.66
 175.504
 
مساحة إسرائيل بعد 1949
 77
 20.325.000
 
باقي مساحة الأراضي الفلسطينية الضفة الغربية وقطاع غزة
 23
 5.998.000
 
مساحة الأراضي التي امتلكها اليهود قبل 1948
 6.4
 1.681.586
 
مساحة الأراضي التي بقيت بحوزة/ملكية العرب الفلسطينيين داخل الخط الأخضر
 
 1.465.414
 
مساحة الأراضي بملكية وبحوزة اللاجئين الفلسطينيين والأوقاف
 
 5.178.000
 
أراضي موات في النقب بما في ذلك تلك الموجودة بنزاع بين دولة إسرائيل والمواطنين العرب البدو في النقب
 
 12.000.000
 
مساحة الأراضي التي كانت بحوزة اليهود قبل 1948
 
 1.681.586
 
مجمل مساحة إسرائيل
 1000
 20.325.000
 
توزيع الأرض في إسرائيل

- أراضي دولة وتحت سلطة التطوير
 

74.8
 

15.205.000
 
- الأراضي المسجلة على الصندوق القومي اليهودي
 18.4
 3.570.000
 
- الأراضي المسجلة ملك خاص (يهود وعرب فلسطينيين)
 6.8
 1.480.000
مما تقدم يتضح أن عملية نزع ملكية الأراضي من الفلسطينيين جرت خلال القرن الأخير وأنشأت مسألة اللاجئين الفلسطينيين الذين ما زال حقهم بالعودة محفوظ وحقهم في أملاكهم يجب أن يؤمن ويستعاد 

وهنا لا بد من الإشارة إلى وجوب إجراء دراسات تفحص كيف تسربت ونزعت الأرض من الأيدي العربية الفلسطينية، وتحليل مسبباتها ودوافعها لأجل فهم ماذا حدث وكيفية التعامل مع الحقوق في الأراضي مستقبلا 

مصادر

الحزماوي محمد، (1998)، ملكية الأراضي في فلسطين 1918- 1948، مؤسسة الأسوار، عكا.

أفنيري أريه، (1987)، دعوى نزع الملكية؛ الاستيطان اليهودي والعرب، 1878-1948، دار الجليل للنشر ترجمة بشير شريف البرغوثي.

خمايسي راسم، (2003)، أجهزة السيطرة على الأرض وتهويد الحيز، مركز التخطيط والدراسات، كفركنا.

كريتشمر دافيد، (2002)، المكانة القانونية للعرب في إسرائيل، مركز دراسات المجتمع العربي في إسرائيل، فان لير، القدس.

______________

د. راسم خمايسي هو محاضر كبير في جامعة حيفا وهو جغرافي ومخطط مدن.