مقاطعــة العمـــل في المشــاريع الإسرائيلية

بقلم:ربحــي قطامــش

طــرد جزئــي.. مقاطعــة جزئيـــة

لم تؤد سياسات الاحتلال الاسرائيلي منذ العام 1967 والقيود التي فرضها على القطاعات الاقتصادية الفلسطينية المختلفة للحد من القدرة التشغيلية للاقتصاد الفلسطيني فقط، بل وإلى انخفاض حجم التشغيل في هذه القطاعات، وبشكلٍ خاص في قطاعي الزراعة والصناعة، ولم تستطع الفروع الاقتصادية الأخرى (النسيج والخياطة) والتي نمت في إطار العلاقة التعاقدية من الباطن أن تعوّض النقص الكبير في فرص العمل نتيجة للزيادة الطبيعية في عدد القوى العاملة الفلسطينية في الضفة الغربية و قطاع غزة. هذا كله دفع أعداداً متزايدة من العمالة الفلسطينية للانتقال للعمل في الاقتصاد الاسرائيلي وفي المستوطنات الكولونيالية التي أقيمت في الأراضي المحتلة في الضفة الغربية وقطاع غزة، حتى وصلت لحوالي 40 % من حجم القوى العاملة الفلسطينية في السبعينيات ولغاية العام 1993.

أي أن انعدام فرص العمل، وعجز القطاعات الاقتصادية الفلسطينية عن توسيع قدرتها  التشغيلية، والتي تستوعب 65 % فقط من إجمالي القوى العاملة الفلسطينية، وتستوعب 62 % سنوياً من الزيادة في القوى العاملة فقط. (انعدام فرص العمل البديلة) أي ضعف عوامل " الجذب الداخلي" والذي تزامن مع التوجهات السياسية – الاقتصادية – الأمنية للاحتلال تسخيراً للفكرة القائلة أن التعايش مع الحالة الجديدة (حالة الاحتلال العسكري) غير ممكن إلا في ظل السيطرة الاسرائيلية الشاملة. وفي المقابل قامت الرأسمالية الكولونيالية الاسرائيلية بتوفير عناصر "جذب اقتصادي خارجي" للقوى العاملة الفلسطينية في مقدمتها الأجور الجيدة مقارنةً بالأجور في السوق الوطنية، حيث بلغت فجوة الأجور بالمتوسط 167.0 % مقارنة بالضفة الغربية، و 210.8 % مقارنة مع قطاع غزة، وذلك للفترة 1996- 2003. (1) كما قدمت تسهيلات وإغراءات لامتصاص العمالة الفلسطينية لاعتبارات اقتصادية وأمنية وسياسية، ووفرت فرص عمل لفئة العاملين غير المهرة والذين يشكلون غالبية العاطلين عن العمل في الضفة الغربية و قطاع غزة.

تؤكد التجربة التاريخية أن الرأسمالية الكولونيالية الاسرائيلية التزمت منذ العام 1967 بسياسة تحول دون إحداث أي تنمية في الضفة الغربية وقطاع غزة  من شأنها أن تؤدي إلى منافسة مع اقتصاد دولة الاحتلال، ولتحقيق هذا الهدف الاستراتيجي  استخدم الاحتلال العسكري الاسرائيلي كل الاجراءات الإدارية والقانونية والقوة العسكرية وذلك لتهميش القطاعات الاقتصادية والتعمد في الحاق ضربات متتالية بالبنية التحتية تمهيداً لدمجها وإلحاقها بعلاقة تبعية اقتصادية.

تشير المعطيات الرقمية بأن عدد العاملين الفلسطينيين في المشاريع الاسرائيلية استمر في التزايد منذ العام 1970 ولغاية العام 1993. فقد تزايد العدد من 47.9 الف عامل في المتوسط خلال فترة 1970-1975 وتزايد الى 106.7 الف عامل في المتوسط خلال فترة 1991-1992. وأخذ عدد العاملين الفلسطينيين في المشاريع الاسرائيلية بالتناقص ما بين أعوام 1993-1994 إلى 78.8 ألف عامل. (2) وعاد عدد العاملين الفلسطينيين في المشاريع الاسرائيلية ليتزايد من جديد ما بين أعوام 1997- 2000 ليصل إلى 91.3 ألف عامل في المتوسط. ومن ثم اشتعلت الانتفاضة الثانية وانعكس ذلك على عدد العاملين في المشاريع الاسرائيلية وأخذ في التناقص ما بين اعوام 2001- 2004  حيث وصل في المتوسط الى 59 ألف عامل

يعود سبب انخفاض عدد العاملين الفلسطينيين في المشاريع الاسرائيلية في سنوات 95/97 أو في سنوات 2000/2004 إلى سياسة منع العمال الفلسطينيين من التوجه للعمل في المشاريع الاسرائيلية ولسياسة الحصار وإغلاق الأراضي الفلسطينية ومنع التنقل بين المدن الفلسطينية واسرائيل، لأسباب أمنية تارة ولأسباب سياسية تارة أخرى . وهذا يؤكد أن المقرر الرئيس في عدد العاملين ليس الرغبة أو الحاجة الفلسطينية بل القرار الاسرائيلي، مما يدفعنا لدراسة عمق المأزق وعلاقة التبعية بالاقتصاد الاسرائيلي ووضعية تشغيل العمالة الفلسطينية وأثر ذلك على المشروع الاستقلالي الفلسطيني، خاصة وأن العمالة الفلسطينية تشكل نسبة كبيرة من مجموع القوى العاملة الفلسطينية في الضفة الغربية و قطاع غزة.

لا تقتصر نتائج الحصار ومنع العمال من الوصول لأماكن عملهم في المشاريع الاسرائيلية على عدد العاملين، بل أيضا على جميع الأنشطة الاقتصادية الفلسطينية بنسب متباينة (على الناتج المحلي الإجمالي والدخل القومي والاستثمار والتشغيل والبطالة ومستوى المعيشة) أي على الاستقرار السياسي و الاجتماعي .

الضفــة والقطــاع:  تبعيـة غيــر متكافئــة

لا بد من ذكر أن حجم العاملين في المشاريع الاسرائيلية من الضفة الغربية أعلى بكثير من حجم العاملين من قطاع غزة. فخلال الفترة 1995-2003 بلغ متوسط حجم العمالة من الضفة الغربية في اسرائيل والمستعمرات 72 ألف عامل، وأعلى مستوى لها بلغ 108 آلاف عامل في العام 1999، واقلها 46 ألف عامل في العام 2002. في حين بلغ متوسط عدد العاملين من قطاع غزة في اسرائيل والمستعمرات خلال الفترة نفسها 12 ألف عامل، وبلغ أعلى مستوى 27 ألف عامل في عام 1999، و أقله 2000 عامل في عام 2001. (4)

إن هذا التراجع في عدد العاملين من قطاع غزة إنما يعكس استهدافا إسرائيليا، وليس ميلا لفك ارتباط اقتصادي من جانب واحد، أي الطرف الفلسطيني. فالتجربة التاريخية تشيرالى أن العمل في المشاريع الاسرائيلية اكتسب أهمية أكبر لدى سكان قطاع غزة منه لدى سكان الضفة الغربية. ففي الفترة من 1975- 1990 استوعبت المشاريع الاسرائيلية اكثر من 40 % من مجمل عمال قطاع غزة مقارنة بنسبة 30- 35% من العاملين في الضفة الغربية.

ويعود قلة عدد العاملين من قطاع غزة في المشاريع الاسرائيلية مقارنة بعدد العاملين من الضفة الغربية الى قدرة التحكم في حركة العاملين الفلسطينيين العاملين في المشاريع الاسرائيلية لكون اجراءات الإغلاق والحصار محكمة تماما وسهلة (حاجز ايرز). والسبب الثاني، للضغط السياسي والأمني وخاصة بعد العام 1995 وبشكلٍ خاص في سنوات الانتفاضة الثانية تمهيداً للانسحاب من قطاع غزة أولاً.

مقاطعـــة العمــل

يتضح من السياق التاريخي لتشغيل العمالة الفلسطينية في المشاريع الاسرائيلية، أن هنالك إشكالية  في الإجابة على السؤال الأساسي التالي : هل يستطع الفلسطينيون تنفيذ مقاطعة شاملة للعمل في المشاريع الاسرائيلية ؟ و هل يستطيع الاسرائيليون الاستغناء الكلي عن العمالة الفلسطينية ؟ وفي المقابل هناك إجابة واضحة، تقول أن الفلسطينيين يرغبون في فك الارتباط ولا يستطيعون، والاسرائيليون يستطيعون ولا يريدون.

 فالاقتصاد الاسرائيلي والاستيطان لا يزالا بحاجة للقوى العاملة القادرة على العمل في ظروف استثنائية وبالحد الأدنى من الحقوق. إذن، ما العمل في هكذا علاقة اقتصادية غير متكافأة وتتسم بالتبعية واللحاق والاستغلال الحدي للعمالة الفلسطينية؟

هل على الفلسطيني أن يبقى أسير هذه العلاقة ووفق الشروط والظروف التي يحددها رب العمل الاسرائيلي بتجلياته كرأسمالي فرد أو كرأسمالي – دولة. ام أن هناك إمكانية لتحسين شروط وظروف العمل ما دام العامل الفلسطيني غير قادر على مقاطعة العمل في المشاريع الاسرائيلية. وإذا كانت أهداف المشغل الاسرائيلي واضحة ومدعومة من الهستدروت (نقابة العمال الإسرائيلية) وذلك ( بمنع العمال الفلسطينين من الانضمال للنقابة الاسرائيلية للدفاع عن مصالحهم ومنع العمال الفلسطينيين من التنظيم النقابي الخاص بهم لتمثيلهم)، ومن مكاتب العمل غير المعنية في تنظيم عملية التشغيل للعمالة الفلسطينية بشكل قانوني والتي غضت الطرف عن دور متعهدي العمال والسماسرة الذين يعملون على تشغيل العمال بشكل غير قانوني ومن القضاء الاسرائيلي الذي يميز ويحرم العمال الفلسطينيين من حقوقهم.

وإذا كان سناريو المقاطعة قد مر بثلاثة تجارب فاشلة. أولا: الدعوة للمقاطعة الكلية  في السنوات الاولى للاحتلال المستندة لقرار سياسي – إرادوي لم يأخذ بالحسبان ديمومة الاحتلال والقدرات التشغيلية للاقتصاد الوطني . ثانيا: الدعوة للمقاطعة كصدى للفعل الانتفاضي في الأعوام 1987-1992 وتمشياً مع الرؤية السياسية المرتكزة على فرضية أن الدولة على مرمى حجر وبالتالي علينا زج الفلسطيني بكامل عناصر قوته دون تقديرحقيقي لقدراته الاقتصادية. وثالثا: الدعوة لمقاطعة العمل في المشاريع الاسرائيلية في زمن الانتفاضة الثانية وفي عهد السلطة الفلسطينية مستندين الى الشعارات السياسية الحماسية "هذه المرة آخر مرة" والى الأمل في أن السلطة قادرة على خلق بدائل تشغيلية.

وفي مقابل دعوات المقاطعة الشاملة غير "الواقعية" أخذت القيادة السياسية والتي تتحمل المسؤولية لعدم قيامها بإحداث تنمية حقيقية وبالتالي توفير فرص عمل تستجيب للشعار المرفوع في زمن تعالي الوتيرة النضالية (الانتفاضة الحالية) وبعد العام 2002 أخذت تستجدي تشغيل العمال الفلسطينيين في المشاريع الاسرائيلية دون أي اتفاق على آليات التشغيل، أي ساهمت في إعادة إنتاج المأزق التشغيلي.

وللأسف لم تستجب القيادة السياسية ولا النقابية للدعوات التي أطلقها العديدين والداعية إلى تجزئة معركة مقاطعة العمل في المشاريع الاقتصادية، وعلى سبيل المثال مقاطعة العمل في المستوطنات لأسباب سياسية ولأسباب عملية كون عدد العاملين في المستوطنات لا يتعدى عشرة الاف عامل فلسطيني.

وفي الجهة الأخرى ظهرت دعوات اسرائيلية نقيضة تطالب بطرد العمال الفلسطينيين مرة واحدة وإلى الأبد، لأسباب ايديولوجية وسياسية وأمنية، وهذه الدعوات لاقت الفشل لأنها لم تأخذ بالاعتبار مصالح الرأسمالية الكولونيالية والحاجة الماسة للعمالة الفلسطينية، والتي تعمل بلا حماية قانونية في معظم الأوقات، وفي الأعمال والمهن الدنيا وبأجور متدنية مقارنة بالعمالة الاسرائيلية. ولكن واضح أن كلا الدعوتين فشلتا، وبقيت العمالة الفلسطينية تعمل وتتذبذ صعوداً وهبوطاً ارتباطاً بالحالة السياسية – الأمنية وليس بالقدرة الاستيعابية للاقتصاد الاسرائيلي أو بحاجة الأيدي العاملة الفلسطينية للعمل.  وعليه يثار السؤال كيف للعامل الفلسطيني العمل والنضال من أجل حماية حقوقه الاقتصادية في ظل هذه المعادلة المعقدة؟

برتوكول باريس الاقتصادي: ينص البرتوكول الاقتصادي على السماح بحرية تنقل القوى العاملة بين المنطقتين الفلسطينية والاسرائيلية. لكنه لم يحدد العدد الفعلي للعمال المسموح لهم بالتنقل المتبادل، حيث أصر الجانب الاسرائيلي على ضرورة ترك هذه المسألة لاحتياجات السوق، ورغم أن (المادة 7/1) من البرتوكول تجيز للجانب الفلسطيني الحق في التدخل في مسألة تشغيل العمال في اسرائيل من خلال مكاتب الاستخدام الفلسطينية، ولكن هذا لم يحدث في الواقع وتحولت مكاتب التشغيل الفلسطينية لساعي بريد لاستلام التصاريح وتلقي الشكاوى.

 كما نصت المادة (7/3،6،7) على حق الفلسطينيين المطلبة بالاقتطاعات التي ذهبت الى الخزينة الاسرائيلية، والتي تقدر بمئات الملايين من الدولارات (حيث يتم خصم خمسة أنواع من الاستقطاعات من العامل الفلسطيني تعادل في المتوسط 9 % من إجمالي الراتب الشهري). واضح أن برتوكول باريس الاقتصادي هدف جزئياً إلى تنظيم وضعية العمالة الفلسطينية في المشاريع الاسرائيلية، وهذا إن دل على شئ فهو يعكس قيمة وأهمية الموضوع واهتمام السلطة الفلسطينية في وقت مبكر، ولكن تطورات الواقع السياسي والاقتصادي جاءت مخيبةً للآمال.

فمكاتب التشغيل التابعة لوزارة العمل الاسرائيلية، تتعاطى مع العمالة الفلسطينية وفق مصالح الطرف الاسرائيلي بالمطلق، فهي تصدر التصاريح وفق احتياجات وشروط المشغل الاسرائيلي، ودون الاخذ بالاعتبار مصالح العمال الفلسطينيين طالبي العمل في المشاريع الاسرائيلية، وأقصي عن عمد أي دور لمكاتب التشغيل الفلسطينية التابعة لوزارة العمل الفلسطينية، وتم حصر العلاقة مع  الجانب الفلسطيني باستلام عدد من التصاريح فقط.  فكشف التصاريح المرسل من الجانب الاسرائيلي في 24 تشرين ثاني 2005 يظهر أن هناك (14255) تصريح تخص عمال فلسطينيين، ولكن الجانب الفلسطيني استلم (6587) تصريح فقط، والباقي تم توزيعه وفق آليات الارتباط الاسرائيلي (إما مباشرة للعمال و/أو بواسطة أرباب العمل الاسرائيليين) مما يعني أن مكاتب التشغيل الفلسطينية  لا تعرف عن تصاريح العمال العاملين في المناطق الصناعية في الضفة الغربية والأغوار والمستوطنات والقدس.

أي أن مكاتب التشغيل الفلسطينية لا تقوم بأي دور حقيقي، لا من ناحية تنظيم عمليات التشغيل، ولا من ناحية المتابعة و تحصيل الحقوق، ولا من ناحية التحكم بالأعداد كما كان يفترض استناداً لبرتوكول باريس الاقتصادي. وهذا يعني أن العامل الفلسطيني وحيداً في مواجهة مكاتب العمل الاسرائيلية والهستدروت و بالتالي محاكم العمل الاسرائيلية.

 وهذا أمر مقصود وهو بمثابة سياسة متبعة ومبرمجة ساهمت وتساهم في استمرار انتهاك حقوق العمال الفلسطينيين من قبل أرباب العمل الاسرائيليين، لما لها من تداعيات و مردود اقتصادي يصب في مصلحة المشغل الاسرائيلي ، وذلك من خلال:

أولا: التعاطي مع قضايا العمال الفلسطينيين كحالات فردية يسهل التحكم فيها من قبل الطرف الاسرئيلي. مما يخلق صعوبة حقيقية أمام الجانب الفلسطيني في متابعة القضايا العمالية الفردية وذلك لعدم توفر آلية وإدارة خطة خدمات، لا لدى وزارة العمل ولا لدى النقابات العمالية. ومثال ذلك حين تم انهاء خدمات عمال منطقة إيرز والبالغ عددهم حوالي 4500 عامل بعد أن (تم نقل بعض المصانع وأغلق البعض الآخر) فلم يتم متابعة حقوق هؤلاء العمال، لا على المستوى السياسي ولا على المستوى  القانوني، (رغم أن أرباب العمل والعمال  الاسرائيليين تم تعويضهم من قبل الحكومة الاسرائيلية).

ثانيا: إن مكاتب العمل الاسرائيلية غير معنية بتاتا بتنظيم عمليات تشغيل العمال الفلسطينيين وبالتنسيق مع مكاتب التشغيل التابعة لوزارة العمل الفلسطينية، وذلك لكي تسهل على أرباب العمل الاسرئيليين حرمان العمال الفلسطينيين من حقوقهم الاقتصادية والاجتماعية.

ثالثا: إن مكاتب العمل الاسرائيلية معنية بتقليص عدد العمال الفلسطينيين القانونيين أي الحاصلين على تصاريح عمل ومسجلين بشكلٍ رسمي. لذا فالقائمين عليها، وتمشياً مع السياسة الاسرائيلية لا يلاحقون متعهدي العمل ولا السماسرة الذين يتكفلون بتوريد الأيدي العاملة الفلسطينية للعمل في السوق الاسرائيلية بشكل غير قانوني مما يصعب معه تحصيل أية حقوق في حالات الفصل أو إصابات العمل. هذا النوع من العمال لا يتمتعون بأية حماية، وهذا الواقع المؤسف مستمر منذ سنوات طويلة وأصبح واقعاً ثابتاً دون أي إجراء فعلي من قبل وزارة العمل الفلسطينية أو اتحاد النقابات الفلسطينية. وتراجعت خدمات المؤسسات الأهلية للعمال العاملين في المشاريع الاسرائيلية لذات الحجة وهي قلة الامكانيات المالية. فبرنامج الخدمات القانونية في وزارة العمل توقف عن العمل وتم إنهاء التعاقد مع المحامي الوحيد والمدفوع الأجر من منظمة العمل الدولية، بحجة أن الخدمات القانونية هي من اختصاص النقابات العمالية. (7) وتجربة دائرة الخدمات القانونية للنقابات العمالية ليست بأحسن حال رغم أن اتحاد النقابات وقع اتفاقية مع الهستدروت في العام 1995 بموجبها تعاد رسوم التنظيم النقابي التي تعادل 1 % من الأجر الشهري للعامل الفلسطيني "كانت تجبيه الهستدروت".

تشغيــل العمــالة: سياســة أم اقتصــاد

لقد سادت قناعة راسخة لدى قطاعٍ  واسع من الشعب الفسطيني بأن ربط الاقتصاد الفلسطيني بعلاقة تبعية بالاقتصاد الاسرائيلي هو الوجه الآخر للاحتلال العسكري والاثنان معاً استهدفا الحيلولة دون تقرير المصير وقيام الدولة الوطنية المستقلة للشعب الفلسطيني، ولكن هذه الرؤية تخلخلت بعد اتفاقيات التسوية بين اسرائيل و م.ت.ف، وتحديداً بعد اتفاقيات باريس الاقتصادية والمتعلقة بالعمل. وكان من المتوقع أن تحدث تغييرات جذرية تمشياً مع الوعود الأمريكية والأوروبية حول التنمية الاقتصادية للأراضي الفلسطينية وان يتم تخفيف القيود على العاملين ويتم تحسن ظروف عملهم وتسهيل انتقالهم وأن تجري توقيع اتفاقيات عمل وتنظم العلاقة، بما يضمن وقف انتهاك حقوق العمال الفلسطينيين والذي استمر لثلاثة عقود. إلا أن التطورات السياسية اللاحقة حملت معها إجراءات وسياسات أكثر قسوة وصلت حد إغلاق الأراضي الفلسطينية لفتراتٍ طويلة وتم طرد جماعي لعشرات الآلاف من العاملين الفلسطينين لدواعي سياسية وأمنية. وحولت إسرائيل مسألة العمالة الفلسطينية لقضية تفاوض سياسي ( ورقة ضغط على الجانب الفلسطيني) وهي متأكدة أن العمالة الفلسطينية في المشاريع الاسرائيلية مضطرة للعمل بغض النظر عن شروط وظروف التشغيل، لأن هذا العمل يشكل الدخل الوحيد لعشرات الالاف من الأسر الفلسطينية والتي لا تجد بديل آخر، لا في الضفة الغربية وقطاع غزة ولا في دول الخليج والكويت والعراق وليبيا بعد حرب الخليج الثانية  وتفاقم الوضع سوءاً بعد احتلال العراق والهيمنة الامريكية على المنطقة. اي أن اسرائيل تستخدم العمالة الفلسطينية كورقة ضغط سياسي في المفاوضات وفي تفجير الوضع الداخلي الفلسطيني. وعليه فالسلطة الفلسطينية واتحاد النقابات والمنظمات الأهلية مجتمعين ومنفردين عليهم أن يدركوا خطورة الحالة التي وصلت إليها العمالة الفلسطينية في المشاريع الاسرائيلية. من هنا تبرز ضرورة التعاطي مع موضوعة العمالة الفلسطينية العاملة في المشاريع الاسرائيلية، وذلك في ظل عجزالسلطة الفلسطينية وعجز الاقتصاد الفلسطيني عن توفير فرص عمل وحل مشكلة البطالة، وفي ظل عدم القدرة على استيعاب القوى العاملة الناتجة عن الزيادة السنوية للسكان، وفي ظل عدم القدرة على ايجاد بديل تشغيلي في الدول العربية  لا بد من العمل على:

أولا: تحويل موضوع العاملين الفلسطينيين العاملين في المشاريع الاسرائيلية لقضية سياسية - اقتصادية تفاوضية أساسية بعيداً عن الانفعال والعفوية، فإسرائيل تتحمل مسؤولية الحالة المتأزمة التي يعيشها الشعب الفلسطيني عموماً والقوى العاملة الفلسطينية على وجه التخصيص.

ثانيا: لا بد من الاهتمام بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية للعاملين الفلسطينيين ومتابعة حقوقهم والانتهاكات التي تمارس بحقهم بشكل منتظم من قبل الجهات الاسرائيلية المختلفة.

ثالثا: العمل على المستوى الدولي والمنظمات العمالية الدولية وفي مقدمتها منظمة العمل الدوليه للضغط على الحكومة الاسرائيلية والهستدروت للتسليم بحقوق العمال الفلسطينيين المستقطعة وبحقهم في العمل والتنقل والحماية القانونية تمشياً مع الاتفاقيات والقانون الدولي.

رابعا: وضع قضايا العاملين الفلسطينيين على أجندة المنظمات الأهلية وبشكلٍ خاص المنظمات المختصة في الحقوق الاقتصادية والاجتماعية. وأخيرا: إعادة تنظيم الحركة النقابية الفلسطينية وتعزيز دورها لكي تتمكن من تبني قضايا هذه الفئة.

______________________

ربحي قطامش هو محام وخبير قانوني، وباحث في الشؤون العمالية. 

المراجع

(1) د. ماجد صبيح. القوى العاملة الفلسطينية في إسرائيل والمستعمرات 1995-2003. سلسلة الدراسات التحليلية المعمقة (59). رام الله: الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني. حزيران 2005. ص84.

(2) د. عبد الفتاح ابو الشكر. العمالة الفلسطينية في إسرائيل. ورقة مقدمة الى المؤتمر الدولي للتشغيل في فلسطين ايار 1998. منشورات وزارة العمل الفلسطينية المجلد الاول ص112.

(3) د. عبد الفتاح ابو الشكر المصدر السابق ص 114. و الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني  مسح القوى العاملة الفلسطينية – التقرير السنوي أعداد مختلفة .

(4) ربحي قطامش.  قضايا المرأة العاملة الفلسطينية – منشورات جمعية المرأة العاملة 1999 ص122.

(5) مقابلة مع موظف في دائرة التشغيل بوزارة العمل الفلسطينية بتاريخ 22/12/2005.