قــراءة فــي دور مؤسســات المجتمــع المدنــي الفلسطينــي في الترويـج لحملــة مقاطعـــة إسرائيــل

بقلم: جــورج أبــو الزلــف 

منذ انطلاقتها، استطاعت حملة مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمار منها وفرض العقوبات عليها اجتذاب مئات المؤسسات وآلاف الأفراد المناصرين لقضية فلسطين على مستوى العالم أجمع. هذه المبادرة التي انطلقت شرارتها الأولى من فلسطين، انتشرت بشكل واسع في أوساط العديد من المؤسسات الشعبية والأهلية، واستطاعت في وقت قصير نسبياً استقطاب رأياً عاماً عالمياً واسعاً حولها.

لقد استندت هذه الحملة في جوهرها وما تدعو اليه، الى القانون الدولي لحقوق الانسان، والقانون الانساني الدولي، والرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية بخصوص جدار الضم والتوسع الاسرائيلي. واعتمدت في آليات عملها على المكونات الهائلة لحركة الجماهير والمؤسسات الشعبية كقوة محركة وقادرة على إحداث التغيير في إلزام دولة الاحتلال بالانصياع الى مباديء القانون الدولي واحترام القرارات الصادرة عن مؤسسات الشرعية الدولية.

لقد جاء هذا التحرك أيضاً على ضوء القراءة الدقيقة لمعطيات الواقع السياسي في المنطقة، وعجز السلطة الفلسطينية عن القيام بما هو مطلوب منها لمتابعة ملف الجدار والانتهاكات الاسرائيلية المستمرة لحقوق الإنسان الفلسطيني. هذه القراءة التي ترى أن دولة الاحتلال استطاعت عبر سنوات الانتفاضة الحالية التهرب من إلتزاماتها الدولية في ظل نظام عالمي يوفر لها غطاءاً سياسياً لجرائمها، وحصانة وحماية من الملاحقة والمحاسبة. إذن، إنها معركة الجماهير والمؤسسات الشعبية. معركة كل من يدافع عن حقوق الانسان في وجه غطرسة المحتلين وجرائمهم المستمرة.

واليوم، وعلى ضوء تنامي الحملة، نجد أن دور مؤسسات المجتمع المدني الفلسطينية محدود جداً. ففي حين أن بعض هذه المؤسسات قد اكتفت بالتوقيع على بيان المقاطعة "وكفى الله المؤمنين شر القتال"، نجد البعض الآخر يقف متفرجاً ومراقباً فقط. بعض التجمعات والاتحادات، كشبكة المنظمات الأهلية الفلسطينية على سبيل المثال، تجنبت حتى التوقيع على البيان لأسباب ومنطلقات ذاتية، في حين أن معظم المؤسسات الأعضاء في الشبكة وقعت على البيان، لا بل أن بعض أعضاء الشبكة هم من المؤسسات الفاعلة في حملة المقاطعة. ومن حق الجميع أن يتسائل هنا: إذا كانت الشبكة تمثل إطاراً تنسيقياً، فكيف لها أن ترفض التوقيع على بيان وقعه معظم أعضائها؟ فإذا كانت هيئة تنسيقية منتخبة من قبل أعضائها، فإنه لزاماً عليها أن تحترم إرادة ورغبة أعضائها وألا تتصرف بفردية في هذا المجال. كان المطلوب أن تتحمل اللجنة التنسيقية مسؤوليتها في هذا المجال وتدعو كافة أعضاء الهيئة العامة لمناقشة الموضوع واتخاذ القرار المناسب بطريقة ديمقراطية وشفافة، لا أن تستفرد بالقرار.

الأهم من ذلك أنه وللأسف الشديد فإن العديد من مؤسساتنا الأهلية ما زالت تتسوق المنتجات الاسرائيلية في مقراتها، فعلى سبيل المثال، زرت في أحد الأيام مؤسسة فلسطينية ومعي وفداً نقابياً من عدة دول أوروبية بهدف الحصول على شرح عن الوضع الفلسطيني في القطاع الذي تعمل به هذه المؤسسة. الوفد كان من النشطاء في مقاطعة اسرائيل في أوروبا ويمثل خمسة دول. تفاجأت بأن المؤسسة الموقرة قامت بتضييف زوارها بالعصير الاسرائيلي، وهذا ما أدهش الوفد الذي امتنع عن الشرب، وساد الاجتماع حالة من الصمت والاحراج للمتحدث. ربما كان هذا الصمت أبلغ من أية كلمة قد تقال.

إذن، ما العمل؟؟ وكيف يمكن أن تدخل هذه الحملة كل بيت فلسطيني؟ وكيف يمكن أن نتحرك باتجاه تفعيل المشاركة الشعبية والمؤسساتية الواسعة في الحملة؟ كيف يمكن أن تصبح الحملة جزءاً أساسياً على أجندتنا الوطنية؟

أولاً: المطلوب التغيير من الداخل في البداية، وعلينا العمل على تشكيل لجنة متابعة وطنية منبثقة عن كافة الأطر والمؤسسات والفعاليات الجماهيرية المختلفة، بهدف وضع خطة عمل وطنية لتفعيل الحملة ووضعها على رأس الأجندة الوطنية.

ثانياً: فتح حوار جدي وبنّاء بين كافة مؤسسات المجتمع المدني الفلسطيني وشرح أهداف الحملة لهم وأهمية مشاركتهم الفاعلة وانضمامهم للحملة وفعالياتها. من الضرورة بمكان تفعيل المؤسسات والأطر الشبابية والنسوية والاتحادات العامة والنقابات المهنية المختلفة.

ثالثاً: المباشرة بتنظيم حملة توعية شعبية وجماهيرية، تشمل كل بيت ومكان عمل، كل مصنع ومطعم وناد، الفنادق والمحلات التجارية، في المدينة والقرية والمخيم، وعبر كافة وسائل الاعلام، من أجل شرح أهمية الدور الذي يمكن أن يلعبوه، وكيف يمكن لجهد جماعي جماهيري وشعبي أن يٌحدث نقلة نوعية على الأرض.

رابعاً: الضغط والمناصرة على مستوى السياسة الرسمية للسلطة الفلسطينية، والعمل على وضع قضية الجدار والمقاطعة على رأس سلم أولويات المجلس التشريعي المنتخب والحكومة الفلسطينية المرتقبة. إن القرار السياسي مهم جداً لتوفير الحاضنة الوطنية للحملة، وبدون ذلك سيبقى الموقف الرسمي معيقاً ومفرملاً لهذه الحركة الواعدة.

وأخيراً، أقول أنه علينا أن ننطلق من أنفسنا وبتحصين جبهتنا الداخلية وتفعيل العامل الذاتي، والتوجه الى العالم بخطاب موحد يمتلك آليات النمو والتأثير على الساحة العالمية، يكون قادرا على إحداث التغيير المنشود.

__________________

جورج أبو الزلف هو المدير العام للحركة العالمية للدفاع عن الأطفال (DCI)/ فرع فلسطين.