دولــة أم دولتـــان؟ الحقــوق والتحديـــات

 بقلم:د. عبــد الفتـــاح أبـــو ســـرور

عندما وقف الرئيس الفلسطيني الشهيد ياسر عرفات في مقر الأمم المتحدة عام 1974، وطرح خيار الدولة الواحدة التي يعيش فيها المسلم والمسيحي واليهودي سواسية على قدم المساواة، كان هذا خيارا يضمن وحدة الأرض والإنسان والهوية بعد التقسيم المعقد الذي تم التصويت عليه في الأمم المتحدة- حسب القرار 181، والذي لم يدم سوى وقت قليل حتى قامت الحرب عام 1948 واستولت دولة إسرائيل الوليدة على جزء كبير من فلسطين، واحتلت 78% من الأرض تاركة 22% تحت السيطرة الأردنية والمصرية، لتعيد احتلالها خلال حرب 1967. ومع أن الأمم المتحدة أصدرت أيضا القرار 194 الذي يطالب إسرائيل تسهيل عودة اللاجئين إلى الأراضي التي شردوا منها أو تركوها، إلا أنها لم تسمح لأي كان بالعودة بل على العكس، استعملت كل قواها لطردهم مرارا ومنعهم من العودة.

 

وجاءت اتفاقية أوسلو الشهيرة لتتحدث عن أمل إقامة دولة فلسطينية على اراضي الضفة الغربية وقطاع غزة، إلا أن الحديث عن الحدود وآليات السيطرة على هذه الدولة منزوعة السلاح وإمكانية ضمان قدرة هذه الدولة على الحياة لم يكن من أولويات هذه الاتفاقية والمفاوضات التي تبعت لتعود وتبدأ مرارا وتكرارا من نقطة الصفر. وكانت المطالبة والمناداة المستمرة والمستميتة سواء فلسطينيا أو عربيا أو دوليا بإقامة الدولة الفلسطينية ولو كان ذلك على شبر من ارض فلسطين التاريخية، ولو كان ذلك يعني عدم وجود سيادة على ارض أو ماء أو هواء أو حدود، ولو كان ذلك يعني عدم القدرة على التحكم بالموارد الطبيعية وبالصادرات والواردات وما يمكننا تصنيعه وما لا يمكننا عمله، ولو كان ذلك يعني الخضوع لما تفرضه علينا إسرائيل أو ما تفرضه علينا قوى العالم.

 

وقد كانت إقامة دولة فلسطينية حسب هذه الاتفاقية تتعثر دائما بحق عودة اللاجئين إلى أراضيهم التي هجروا منها واستعادة ممتلكاتهم وتعويضهم عما عانوه طوال عمر اللجوء والتشرد والمعاناة، والقدس كعاصمة للدولة الفلسطينية وإنهاء الاحتلال بتفكيك المستوطنات التي قضت على الأخضر واليابس وما زالت تقف سدا أمام وحدة الضفة الغربية وغزة جغرافيا. ثم جاء جدار الفصل العنصري لينسينا الهموم الأولى ويفرض علينا ملاحقته قضائيا حتى نفرح بقرار اعتباره غير شرعي، رغم عدم اكتراث دولة الاحتلال بقرارات المحاكم الدولية والقرارات والتشريعات الدولية.

 

ورغم كل ما يحدث، نرى وجهات النظر الدولية والعربية وحتى الرسمية الفلسطينية تتمسك بحل دولتين، حيث أن الدولة الفلسطينية المقترحة تقام على الأراضي التي تسيطر عليها الدولة الفلسطينية، مع أن هذه السيطرة الفلسطينية ليست فعلية أو حقيقية، لأن إسرائيل وجيشها المحتل يحتفظ بحق دخول الأراضي التي تخضع نظريا لسيطرة السلطة الفلسطينية وانتهاك حرمتها متى شاء، كما أن هذه الأراضي لم تعد تشكل حتى نصف الـ 22% التي تم الاتفاق عليها، وذلك لاستمرار دولة الاحتلال الإسرائيلي ببناء المستعمرات غير القانونية وبناء جدار الفصل العنصري مخالفة كل القوانين والشرائع الدولية.

 

مــا هــو الحــل؟

 

من الواضح أن احتمال قيام الدولة الفلسطينية بجانب دولة الاحتلال الإسرائيلي ليس قريبا، سواء من ناحية منطقية أو حسب تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي وقادة دولة إسرائيل. والواضح كذلك أن إسرائيل لا تكترث بالتهديد ولا بالرجاء، ولا تخجل من عدو أو صديق. ولا يهمها في النهاية إلا تنفيذ مخططاتها المدروسة، وعلى العالم أن يخضع لذلك؟ إذا، هل نقبل بما يقترحه شارون الذي يريد لنا دولة بانتوستانات او كانتونات؟ وما الذي يجعل الدولة دولة؟ هل يكفي أن يكون لهذه الدولة حكومة فيها رئيس، ورئيس وزراء، ومجلس وزراء، وبرلمان، وأجهزة امن، وعلم، ونشيد وطني؟ هل يكفي هذا حتى نعتبر ان لنا دولة، حيث لا يستطيع أي فرد التنقل من مدينة الى اخرى، وحتى أحيانا من قرية الى اخرى دون اذن من القوة المسيطرة، وهي اسرائيل، على هذه المعابر؟

 

من الواضح ان الدولة يجب ان يكون لها حكومة وسلطة وجيش وعلم ونشيد وطني، لكن الأهم من هذا كله ان يكون لها حدود ومعابر تسيطر عليها، ووحدة جغرافية يملك مواطنوها حرية التحرك في ارجائها كيفما شاءوا، والسفر منها والعودة اليها متى رغبوا دون شروط او قيود من أي دولة اخرى. يجب ان يكون عند هذه الدولة الاستقلالية التامة والسيطرة الكاملة على ارضها ومائها وهوائها وحدودها بكل بساطة. ولكن من الواضح ان هذه ليست الحالة فيما يتعلق بنا كفلسطينيين يعيش جزء منا في ظل سلطة وطنية فلسطينية.

 

فما يمكننا ان نعمله اذا؟ هل نطالب كما يقترح البعض بدولة كونفدرالية مع المملكة الاردنية الهاشمية و/أو جمهورية مصر العربية؟ ام هل نسلم بالأمر الواقع وهو انه رغم هذه الحرية الجزئية الا اننا ما زلنا نعيش تحت الاحتلال، لا نتحرك الا بتصريح اسرائيلي ولا نسلك طريقا او نركب سيارة او نقطع حدودا دون اذن من اسرائيل تساوى فينا القائد والمواطن؟ أم انه يمكننا ان نصرخ عاليا انه لم يعد امامنا الا ان نوقف كل هذه المهاترات التي لن نخرج منها الا بضياع الوقت والارض ونطالب بالدولة الواحدة التي يتساوى فيها كل المواطنين بغض النظر عن اصلهم ولونهم ودينهم، ويتم انتخاب الحكومة بالتصويت الديموقراطي، او بالتمثيل النسبي؟

 

أن هم الدولة الواحدة ليس سهلا أيضا وله مشكلاته التي يجب التفكير في آليات لحلها. ومن اهم هذه المشكلات قضيتان أساسيتان، إن سلمنا ان جميع المواطنين سواسية في ظل هذه الدولة الواحدة: الأولى، قضية اللاجئين الذين تم البناء على اراضيهم والسكن فيها من قبل اسرائيليين والثانية فيما يتعلق بقضية المستوطنات في الضفة الغربية، ووضع المتوطنين في مثل هذه الحالة.

 

ان القضية الاولى تتعلق بأمرين: قضية حق اللاجيء في ارضه وممتلكاته، وقضية الأمر الواقع ان هذه الأرض لم تعد كما كانت، وبالتالي بما ان حل الدولة الواحدة هو عدم طرد الاسرائيليين بل اعتبارهم كمواطنين في هذه الدولة يعني بالتالي ايجاد صيغ وآليات تبادل واعادة توزيع للممتلكات وبعض التنازلات. وقضية المستوطنات ايضا تستدعي ايجاد آليات لإعادة توزيع المتوطنين او اصحاب الأراضي الأصليين وتعويضهم عن فترة استخدامها أو إيجاد أراضي مثيلة لهم. وهنالك ايضا قضية المعاناة الفلسطينية طوال سنين التشتت واللجوء والمنفى والاحتلال. هل نسامح؟ هل نطالب بتعويض مادي واعتذارات رسمية من الاسرائيليين؟

 

في كل الأحوال، ومهما كان الحل المقترح، يجب اعداد الآليات للتغلب على المصاعب التي تواجه كل حل. والناظر الى واقع الحال يرى ان حل الدولتين لا يمكن ان يكون حلا عمليا حتى لو عدنا الى القرار 181 بسبب التشابك الجغرافي والتداخل بين الدولتين المقترحتين. ولكن انا المواطن الفلسطيني، انا اللاجئ في ارضه، ماذا اريد؟

 

انني كأنسان اريد ان اعيش في دولة احس فيها بالامان، استطيع التنقل في برها وبحرها وجوها دون شروط وتعقيدات ضمن الاعراف السارية في بلدان العالم التي تحترم نفسها ومواطنيها، استطيع فيها تغيير مكان اقامتي ان اردت، ويطبق فيها القانون بنفس الروح على كل المواطنين. اريد ان اعيش في دولة لها حكومة تمثلني او تمثل معظم ابناء وطني ان اردنا ان نكون اكثر ديموقراطية، دولة مبنية على اسس الحق والعدالة وعدم التمييز واحترام الحق الفردي والجماعي لمواطنيها كافة. وانا شخصيا لا ارى ان هذه الامور والهموم البسيطة لمواطن عادي يمكن ان تتحقق في ظل حل الدولتين المقترح. وسيكون اكثر منطقيا الانطلاق الايجابي نحو العمل على بناء الدولة الواحدة يعيش فيها من يريد ان يعيش على قدم المساواة واحترام الحقوق وحل الخلافات والصعوبات التي تطرقنا اليها.

 

سيكون من حق كل فلسطيني مواطنا كان ام لاجئا ام منفيا ان يعود ويستقر حيث يشاء، ضمن آليات واضحة وجلية لتطبيق هذه العودة واسترجاع الحقوق لأصحابها. وعلينا ان نستفيد من تجارب شعوب اخرى عاشت ضمن ظروف مشابه وعاد اللاجئون الى اراضيهم واوجدت حلول لهم كما في البوسنة ورواندا وغيرها. من حقنا على أنفسنا، ومن حق الأجيال القادمة علينا أن لا نقبل بأي حل كان لمجرد ان يكون لنا دولة ليس لها من مقومات الدولة شيء.

 

____________________

د. عبد الفتاح أبو سرور من مواليد مخيم عايدة في عام 1963. حصل على شهادة الدكتوراة من جامعة باريس نورد في موضوع الهندسة البيولوجية الطبية. عمل بعدها في مناصب عدة ومنها محاضرا في جامعة بيت لحم. أسس أبو سرور في العام 1998، مسرح الرواد ولا يزال يقوم على إدارته. د. أبو سرور هو أيضا عضو في مجلس إدارة بديل/المركز الفلسطيني لمصادر حقوق المواطنة واللاجئين