بقلم:غيل بولينع

خـلفيــة قانونيــــة

 مقدمـــة

 حق اللاجئين في العودة إلى بيوتهم وممتلكاتهم، مثبت في أربع مجموعات قوانين منفصلة ضمن القانون الدولي، هي قانون الجنسية كما هو مطبق عندما تحل دولة محل دولة أخرى في الحكم، والقانون الإنساني، وقانون حقوق الإنسان، وقانون اللاجئين (وهو جزء من قانون حقوق الإنسان الذي يضم أيضا القانون الإنساني). وينطبق قانون العودة على الحالات التي يمنع فيها الأشخاص عمدا من العودة بعد مغادرة مؤقتة، وعلى حالات الطرد الإجباري (على مستوى جماعي أو غير ذلك). وفي الحالة الأخيرة، فإن واجب دولة المنشأ بموجب القانون الدولي قبول عودة الأشخاص الذين طردوا بشكل غير قانوني هو واجب أشد وأقوى. تُمنع بشدة أية سياسة حكومية تسعى إلى منع العودة الطوعية للأشخاص المهجرين.

 

 

من المنظور التاريخي، كان حق العودة مع حلول عام 1948 قد اكتسب صفة عرفية في القانون الدولي. والمعايير العرفية ملزمة قانونا لكل الدول، وبالتالي فان الدول ملزمة قانونا باتباع القواعد التي تقننها هذه المعايير. وقد أعادت الأمم المتحدة تأكيد وضعية حق العودة باعتباره معيارا عرفيا ينطبق على اللاجئين الفلسطينيين في قرار الجمعية العمومية رقم 194. بل أن التزام الأمم المتحدة بدعم حكم القانون وضمان التنفيذ الفوري والكامل لحق العودة هو التزام أكبر من ذلك، بسبب الدور الذي لعبته الأمم المتحدة (من خلال قرار الجمعية العمومية رقم 181 مثلا، الذي اقترح "تقسيم" فلسطين)، في تسلسل الأحداث التي قادت إلى نشوء قضية اللاجئين الفلسطينيين بالدرجة الأولى. ومع ذلك، فلكون إسرائيل هي "دولة المنشأ" الوحيدة، فإنها بالتالي الدولة الوحيدة التي يقع عليها الواجب الملزم وفق القانون الدولي في قبول عودة لاجئي عام 1948 الفلسطينيين.

 واعتمادا على ما ورد، فان قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 194 الصادر في 11 كانون أول 1948 باعتباره إطارا للحل الدائم والشامل لقضية اللاجئين الفلسطينيين، لم يخلق حقوقا ومعايير جديدة. على العموم، فإن القرار قد حدد ثلاثة حقوق أساسية للاجئين يجب أن يمارسوها بموجب القانون الدولي، هي العودة الى الديار واستعادة الممتلكات والتعويض. كما يحق للاجئين الذين يختارون عدم العودة ان يتم توطينهم وان يتم تعويضهم عن خسائرهم. ويشير اشتراط الجمعية العمومية دخول إسرائيل عضوا في الأمم المتحدة بتنفيذها قرار 194 بوضوح، إلى أن الجمعية اعتبرت إسرائيل ملزمة تماما بضمان التنفيذ الكامل "لحق العودة" للاجئين الفلسطينيين. وقد أعادت الجمعية العمومية تأكيد قرار 194 سنويا دون نقصان، منذ إصداره في عام 1948.

 حــق العــودة في قانــون الجنسيــة

 قانون الجنسية هو مجموعة فرعية من "قانون الأمم" الأوسع الذي ينظم التزامات الدول تجاه بعضها. أما المبدأ الأساس الأول لعلاقته بحق العودة، فهو أنه رغم أن للدول بعض حرية التصرف الداخلية في تنظيم وضع الجنسية لديها (بمعنى تقرير من هو مواطنها)، إلا أن لمثل حرية التصرف هذه حدودا واضحة بموجب القانون الدولي. ولا يتم الاعتراف على المستوى الدولي بحرية الدول في التصرف لتنظيم وضع الجنسية لديها، إلا بمقدار انسجام هذه الحرية مع القانون الدولي. وهذا المبدأ معترف به عالميا، وجرت إعادة تأكيده من خلال رأي استشاري قدمته المحكمة الدائمة للعدالة الدولية عام 1923، وفي معاهدة لاهاي الرسمية 1930 حول مسائل معينة تتعلق بالتضارب ما بين قوانين الجنسية، كما أكدته محكمة العدل الدولية عام 1955. ولقد تمت صياغته أيضا بوضوح من جانب مؤسسات الأمم المتحدة المختلفة، بما في ذلك اللجنة (القانونية) السادسة للجمعية العمومية ومفوضية الأمم المتحدة العليا لشؤون اللاجئين. وبموجب قانون الجنسية، فإن حرية التصرف الداخلية للدول في تنظيم وضع الجنسية الخاصة بها، تقيدها التزامات إضافية عديدة بموجب القانون الدولي.

القانون الخاص بتوارث الدول

ينطبق القانون الخاص بتوارث الدول (The Law of State Succession) على أية حالة تخلف فيها دولةٌ (دولةٌ خلف) دولةً سابقة (دولةً سلف) في الإدارة الدولية لمنطقة جغرافية. وفي حالة اللاجئين الفلسطينيين، فان الدولة السلف كانت هي دولة فلسطين "الجنينية"، التي شكل الانتداب البريطاني على فلسطين بموجب القانون الدولي بالنسبة لها "وصيا" وخلفته جزئيا دولة إسرائيل. وعندما تمر منطقة بتغيير السيادة فيها، فان القانون الخاص بتوارث الدول يتطلب منح السكان العاديين في المنطقة الجغرافية، الذين يقعون تحت السيادة الجديدة جنسية الدولة الجديدة. إضافة إلى ذلك، فان هذه القاعدة تنطبق بغض النظر عما إذا كان السكان العاديون في المنطقة المعينة المتأثرون بذلك موجودين فعليا في المنطقة التي حدث فيها تغيير السيادة في تاريخ حدوثه أم لا. وتمثل هذه القاعدة معيارا عرفيا للقانون الدولي وهي ملزمة لكل الدول.

المادة 14 (2) من مواد جنسية الأشخاص الطبيعيين فيما يتعلق بخلافة دولة لدولة أخرى التي صاغتها لجنة القانون الدولي وتبنتها حرفيا الجمعية العمومية، تحدد بشكل خاص حق العودة في القانون الخاص بتوارث الدول لكل الأشخاص العاديين لمنطقة يجري فيها تغيير للسيادة. هناك ثلاث نواح من المادة 14 مهمة في توضيح القواعد الخاصة بالالتزام الإجباري للدولة الخلف (إسرائيل) في تنفيذ حق العودة للاجئين الفلسطينيين في هذا السياق الخاص بتوارث الدول. أولا: مسألة الجنسية لا محل لها (ليست عنصرا مطلوبا)، بالنسبة لحصول السكان العاديين على حق العودة إلى منطقة جغرافية يجري تغيير للسيادة فيها. ثانيا: المادة 14 (2) من حق العودة تنطبق باصطلاحاتها الواضحة على كل السكان العاديين لمنطقة معينة يجري فيها تغيير للسيادة حتى لو كانوا فعليا خارج المنطقة الجغرافية المعينة في التاريخ الفعلي لحلول دولة محل الدولة الأخرى، ثالثا: إن تنفيذ المادة 14 (2) هو إجباري لكل الدول الخلف كما هو مشار من خلال استخدام كلمة (تكون) في المادة 14 (2)، كما تكرر المادة 5 قاعدة المادة 14 (2)، وبموجب هذه القواعد فانه لا يمكن دحض الافتراض بأن السكان العاديين في منطقة ما تمر بتغيير سيادة سيحصلون على جنسية الدولة الخلف، إلا من خلال إجراءات للجنسية تكون هي نفسها منسجمة مع القانون الدولي.

هناك مادتان أخريان من المواد الخاصة بالجنسية، ملائمتان إلى حد كبير لقضية اللاجئين الفلسطينيين، وهما المادة 15 التي تحظر على الحكومات ممارسة التمييز عند منح الجنسية، والثانية هي المادة 16 التي تتطلب توفير ضمانات قانونية ملائمة عند التقرير في شأن الجنسية. لقد انتهكت إسرائيل المادة 15 من خلال صياغة قانون الجنسية لعام 1952 "لغير اليهود"، بطريقة تؤدي إلى تجريد اللاجئين الفلسطينيين من الجنسية بشكل فعال، وتسمح في الوقت نفسه لليهود من أي مكان في العالم بالحصول على "الجنسية"، من خلال نصوص قانون العودة الإسرائيلي الخاص بعودة اليهود التي هي أكثر سخاء وكرما. كما انتهكت إسرائيل المادة 16 من خلال عدم قيامها بالسماح للاجئين الفلسطينيين بدخول إسرائيل ثانية، وحرمانهم بالتالي من فرصة أساسية لإسماع صوتهم في محكمة قانونية، والطعن في شرعية قانون الجنسية لعام 1952- وخاصة بموجب القانون الدولي.

تطبيق قانون العودة هو التزام تدين به الدولة للدول الأخرى جميعها

إن واجب تطبيق حق العودة للفرد بموجب قانون الجنسية، هو التزام على كل دولة تجاه الدول الأخرى كلها. وتقول القاعدة هنا بأن الدول مطالبة بأن تعيد إدخال مواطنيها (أي السماح بممارسة حقهم في العودة)، بمن فيهم المهجرون مؤقتا في حالة حلول دولة محل دولة أخرى، لأن رفض ذلك قد يفرض على دولة أخرى التزاما ينجم عن ذلك، ويتمثل في استقبال أو إيواء الشخص المرفوض. ويعرف هذا المبدأ "بقاعدة إعادة الدخول". وتستند القاعدة إلى المقدمة المنطقية القائلة بأنه من غير المسموح للدولة أن تختار رفض قبول مواطن من مواطنيها، أو تركه "مقطوعا" خارج حدودها برفض السماح بادخاله، لأن مثل هذا العمل قد يفرض عبئا مماثلا غير مقبول على دولة (متلقية) أخرى لقبول الفرد "المقطوع". وبموجب القانون الدولي لا يمكن للدول أن تثقل على بعضها بهذه الطريقة.

الحظر ضد التجريد (الجماعي) من الجنسية

هناك قاعدة عرفية (ملزمة) أخرى بموجب قانون الجنسية تعرف"بحظر التجريد من الجنسية"، وهي ملازمة بشكل طبيعي لقاعدة السماح بإعادة الدخول التي ذكرناها أعلاه. ويمنع حظر التجريد من الجنسية الدولة من استعمال إلغاء الجنسية وسيلة لتجنب التزامها في السماح بدخول مواطنيها. وقد اكتسبت هذه القاعدة- مثل قاعدة إعادة الدخول، التي هي قاعدة "شقيقة" لها في قانون الجنسية، وضعا عرفيا قبل حرب عام 1948. إذ أن حظر التجريد من الجنسية موجود في صياغة رسمية لمعاهدة دولية تعود إلى عام 1930، وفي إعلانات إقليمية مختلفة (مثل إعلان ستراسبورع لعام 1986 حول حق المغادرة والعودة)، وفي قرارات صادرة عن مؤسسات الأمم المتحدة، كما كتب العديد من الشارحين المرموقين عن حظر التجريد من الجنسية على أنه معيار ملزم من معايير القانون العرفي منذ عام 1927. ويشير إدخال "السكان والطرد والنقل (الترانسفير)" في الموسوعة الرسمية للقانون الدولي العام، إلى نص القانون صراحة، على أنه لا يجوز منع المواطنين من الدخول ثانية على أساس الادعاء أنهم لم يعودوا مواطنين. والتجريد من الجنسية محظور بموجب القانون الدولي عندما تكون الحالة مفردة وتؤثر على شخص واحد، وبناء على ذلك فان حظر التجريد من الجنسية هو أقوى وأشد عندما تتم ممارسته ضد جماعات ويكون قصد الحكومة التي تقوم به طرد فئة واسعة كاملة من المواطنين من الهيئة الاعتبارية للدولة. فقانون الجنسية في إسرائيل لعام 1952 (لغير اليهود)، ينتهك تماما حكم قانون الجنسية الذي يحظر التجريد من الجنسية. ورغم تجنب قانون الجنسية لعام 1952 بحذر، استخدام مصطلح "غير اليهود" في وصفه فئات الأشخاص التي عرفها بدقة، وهي التي قد تكون مؤهلة بموجبه للحصول على المواطنة الإسرائيلية، إلا أنه استهدف غير اليهود فقط، حيث انه من الواضح أن بإمكان اليهود الاستفادة من الشروط والإجراءات الأسهل بموجب قانون العودة (لليهود). إن الأغلبية الساحقة من اللاجئين الفلسطينيين غير قادرة حقيقة على تلبية المتطلبات الصارمة لقانون الجنسية الإسرائيلي لعام 1952، ولذا فإن هؤلاء تعرضوا فعليا للتجريد من الجنسية.

 

_____________________

هذا المقال مقتبس بتصرف من: غيل بولينع. حق العودة الفردي واللاجئين الفلسطينيين عام 1948 دراسة في القانون الدولي. بيت لحم: بديل/ المركز الفلسطيني لمصادر حقوق المواطنة واللاجئين، شباط 2001. الدراسة مؤرشفة على موقع مركز بديل على شبكة الانترنت: www.badil.org