بقلم:رفيــف زيـــادة 
اللاجئــون الفلسطينيـــون فــي العـــراق


تعيش اليوم المئات من العائلات الفلسطينية اللاجئة على الحدود العراقية الأردنية والحدود العراقية السورية؛ هذه العائلات التي هربت من الحرب الأمريكية في العراق وجدت نفسها محاصرة في أرض غير محكومة. وتعيش هذه الأسر الفلسطينية اللاجئة في الخيام وفي القذارة مع القليل من الأمل، تماما مثلما فعل آباؤهم وأجدادهم بعد طردهم من وطنهم فلسطين خلال نكبة عام 1948 من قبل المستعمرين الإسرائيليين. وتشكل مخيمات "الهول"، "التنف"، "الرويشد" و"الوليد" في الصحراء العراقية أمثلة حية للنكبة المستمرة التي يواجهها الفلسطينيون. حيث أن مصير 34,000 لاجئ فلسطيني الذين عاشوا في العراق يوما ما؛ يمكن أن يضاف إلى القصص المأساوية العديدة للغزو الأمريكي لتلك البلاد العربية.

يتواجد اللاجئون الفلسطينيون حاليا في جميع أنحاء العالم، ويتم التنكر لحقهم في العودة إلى بيوتهم وقراهم وديارهم الأصلية التي طردوا منها، هذا الحق في العودة الذي لا يمكن إلغاءه ولا يسقط بالتقادم. وبينما يواصل الفلسطينيون المطالبة بحقهم في العودة، يجري انتهاك حقوق أخرى لهم بصورة روتينية، مثل حقهم في الأمن الشخصي، حقهم في حرية الحركة، والحق في العمل والحصول على الملجأ والحق في الغذاء. وقد أصبحت أسماء مخيمات اللاجئين الفلسطينيين مقترنة بالإشارات إلى عناوين المذابح والجرائم المرتكبة ضد الشعب الفلسطيني: مذبحة صبرا وشاتيلا (لبنان)، مذبحة مخيم جنين (الضفة الغربية)، ورفح (قطاع غزة)، واليوم نضيف "التنف"، "الهول"، "الوليد" و"الرويشد".

جاء الفلسطينيون إلى العراق في عدة موجات، وفي كل موجة هربا من حرب. وتعود المجموعة الأولى إلى قرى حيفا ويافا التي قاومت الهجمات الإسرائيلية الأولى في عام 1948، ولكنها أجبرت في النهاية على الهرب إلى جنين حيث تواجد الجيش العراقي، وقد تم في حينه إخلاء جميع الأطفال والنساء إلى العراق، فيما تم إلحاق جميع الرجال البالغين بوحدة خاصة في الجيش العراقي هي لواء الكرمل. وعندما ترك الجيش العراقي فلسطين في عام 1948 غادر معه هؤلاء القرويون الذين بلغ عددهم حوالي 4,000 فلسطيني. وكانت الموجة الثانية من اللاجئين الفلسطينيين الذين وصلوا العراق في أعقاب حرب 1967، والمجموعة الثالثة بعيد نهاية حرب الخليج عام 1991 عندما أجبر اللاجئون الفلسطينيون على مغادرة الكويت.

وبخلاف اللاجئين الفلسطينيين في أماكن أخرى من العالم؛ فإن اللاجئين الذين عاشوا في ظل نظام البعث العراقي لم يقعوا ضمن ولاية وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، ولم يتسجلوا في سجلاتها. وقد منح اللاجئون الفلسطينيون في العراق وثائق سفر خاصة، وتمتعوا بالحق في العمل وبحرية كاملة في الحصول على الرعاية الصحية والتعليم والخدمات العامة الأخرى، كما تم تزويدهم بمساكن تملكها الحكومة أو تقديم دعم حكومي لاستئجار مساكن من مالكين خصوصيين؛ وقد شكل ذلك مصدرا لاستياء فقراء العراقيين، وغالبا من بين السكان الشيعة الذين اعتقدوا أن الفلسطينيين يحظون بمعاملة تفضيلية على العراقيين. وبالرغم من ذلك، لم يتم منح الجنسية العراقية للفلسطينيين، ولم يسمح لهم بامتلاك الأصول مثل السيارات أو البيوت أو الأرض. ولقد كشف الغزو الأمريكي عن حالة اللجوء الهشة المحفوفة بالمخاطر، وعن تلك المعاملة التفضيلية التي كانت في معظمها ظاهرية وليست حقيقية؛ حيث باتوا أهدافا للأعمال الانتقامية.

بعد الاحتلال الأمريكي للعراق عام 2003؛ تم طرد المئات من العائلات الفلسطينية من قبل المالكين الذين كانوا مجبرين في السابق على منح إسكان مدعوم من قبل الحكومة البعثية للفلسطينيين، ثم كان على هؤلاء الفلسطينيين أن يمروا بعملية مذلة من أجل تجديد تصاريح إقامتهم. ومع أن هؤلاء اللاجئين قد ولدوا في العراق وعاشوا كل حياتهم في هذا البلد؛ إلا أنهم لا زالوا ملزمين بتقديم طلب الحصول على الإقامة بصورة منتظمة وبدون أية ضمانات بالحصول عليها، علما أن عدم وجود وثائق الإقامة سارية المفعول في عراق اليوم قد يعرض الشخص لخطر التوقيف والاعتقال على حواجز التفتيش المنتشرة في كل مكان.

ومع تدهور الوضع السياسي، تعرض اللاجئون الفلسطينيون في العراق للمضايقة والتهديدات من قبل المليشيات المسلحة التي رأت فيهم كبقايا للنظام البعثي؛ ومع تنامي المقاومة ضد الاحتلال تمت إدارة حملة إعلامية لربط الفلسطينيين بالتفجيرات؛ حيث كانوا هدفا سهلا لقوات الاحتلال الأمريكي والنظام المرتبط به في إطار البحث عن عناصر "أجنبية أو خارجية" لإلقاء اللوم عليها.

وقد أفادت تقارير أدلى بها لاجئون فلسطينيون هربوا من العراق عن أعمال اعتقال تعسفية، وحالات اختفاء وتعذيب تعرض لها الفلسطينيون، وفي بعض الأحيان كان يتم اعتقالهم من قبل أشخاص يرتدون الزي الرسمي للأجهزة السرية العراقية، وأحيانا من قبل أناس يرتدون الزي المدني كانوا فقط يقومون بطرق أبواب مساكن الفلسطينيين ويقومون باختطافهم، وفي مرات عديدة وجدت جثث المخطوفين ملقاة في الشوارع وآخرين من المخطوفين تم إلقاءهم في أماكن عامة بعد أن عذبوا باستخدام الكهرباء؛ وفي أحيان أخرى تم الاحتفاظ بأولئك الذين لم يتم قتلهم من أجل الابتزاز وإجبار أسرهم على بيع كل ما تملكه من أجل إخراجهم من مساكنهم، كما قام رجال مسلحون بتسليم تهديدات بالقتل للعديد من الفلسطينيين في بغداد مما تسبب في نشر الرعب بصورة واسعة في أوساط السكان الفلسطينيين في العراق.

وعلى أمل الحصول على السلامة في الدول العربية المجاورة؛ حاولت العديد من العائلات الفلسطينية مغادرة العراق باتجاه الأردن وسوريا لتجد الحدود مغلقة في وجهها؛ وكانت الأردن قد قبلت في البداية 386 لاجئا فلسطينيا عام 2003؛ ممن اعتبروا أن لهم ارتباط عائلي في الأردن؛ ثم رفضت الأردن منذ ذلك الحين قبول دخول المزيد من اللاجئين الفلسطينيين القادمين من العراق، وطالبت الدول الأخرى في المنطقة بتقديم مأوى للفلسطينيين معلنة عدم قدرة الأردن على التعامل مع الأعباء المترتبة على دخولهم لأراضيها. ومن أجل زيادة الطين بلة؛ تدبرت المفوضية السامية لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة بنجاح؛ عملية إسكان العديد من اللاجئين غير الفلسطينيين الذين هربوا من العراق إلى الأردن منذ عام 2003. أما بالنسبة لسوريا؛ فقد قبلت في البداية 305 من اللاجئين الفلسطينيين القادمين من العراق؛ ولكنها وضعتهم بعد ذلك في مخيم "الهول" على الحدود؛ ومنذ ذلك الحين أغلقت سوريا حدودها أيضا أمام اللاجئين الفلسطينيين القادمين عبر الحدود العراقية-السورية. مرة أخرى يرى اللاجئون الفلسطينيون كيف تعرض الأنظمة العربية لا شيء أكثر من خطابات القمم العربية؛ فعندما يتعلق الأمر بحماية الفلسطينيين تتخلى هذه الأنظمة بثبات عن مسئولياتها.

المخيمات الحدودية

لقد تم حشر الفلسطينيين الفارين من العراق في عدة مخيمات حدودية للاجئين؛ مخيم "الهول" للاجئين الواقع في الجانب السوري من الحدود، والذي تم إعداده في الأصل من قبل مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين عام 1991؛ بغرض إيواء اللاجئين العراقيين الفارين من العراق بعد إخماد الانتفاضة التي حدثت إثر حرب الخليج. معظم اللاجئين الفلسطينيين في مخيم "الهول" وصلوا في شهر أيار 2006؛ هؤلاء اللاجئين لا يمتلكون وضعا قانونيا، كما لا يمتلكون الحرية في الحركة أو العمل، ومن حيث الجوهر، هم الآن سجناء في هذا المخيم.

اللاجئون الفلسطينيون الباحثون عن ملجأ في سوريا منذ إغلاق حدودها أمامهم؛ انتهت بهم الحال في مخيمي "التنف" و"الوليد" الواقعة على أرض غير محكومة على الحدود السورية - العراقية؛ حيث يوجد 356 لاجئا فلسطينيا محشورين في مخيم "التنف" منذ أيار عام 2006؛ ويقع هذا المخيم على بعد 260 كيلومتر عن أقرب منطقة مأهولة، مع ظروف حياتية محزنة وعدم توفر الرعاية الصحية المناسبة، وعدم وجود أنظمة الصرف الصحي وخدمات النظافة. ويقع مخيم "الوليد" للاجئين في الجانب العراقي من الحدود العراقية-السورية عند معبر الوليد الحدودي، وهي منطقة نائية وليست بعيدة عن مخيم "التنف". وقد تم تأسيسه في 16 كانون أول 2006، ويضم الآن 340 مقيما من اللاجئين القادمين من العراق.

وللأردن مخيمها الخاص للاجئين الفلسطينيين القادمين من العراق؛ هو مخيم "الرويشد" الواقع في الجانب الأردني من الحدود الأردنية - العراقية، وقد حولته الأردن جوهريا إلى معسكر اعتقال؛ فاللاجئون في هذا المخيم لا يسمح لهم بمغادرته ولا يسمح لأحد بزيارته بدون استصدار تصريح رسمي، وحاليا يوجد 148 فلسطيني محشورين في هذا المخيم وبعضهم يقيم في المخيم طيلة السنوات الثلاث الماضية، والأطفال محرومون من الحصول على التعليم طيلة هذه الفترة، والخيام الموجودة في هذا المخيم سريعة الاشتعال، وعندما التهمت النيران إحدى الخيام في السنة الماضية؛ لم تستطع طفلة بعمر ثلاث سنوات الخروج من الخيمة بالسرعة الكافية، مما تسبب لها بحروق قاتلة أدت لوفاتها.

الوصول إلى كندا

في الأول من تشرين ثاني من العام 2006 منحت كندا لجوءا لـ 54 من اللاجئين المقيمين في مخيم "الرويشد" للاجئين، وقد تم قبول هذه الأسر فقط بعد خضوعها لسلسة من الفحوصات الصحية وللانتماءات السياسية، ولم يتم قبول طلبات أكثر الفئات ضعفا وهم كبار السن من بين المقيمين. والولايات المتحدة وهي المسؤولة عن تهجيرهم لم تقدم أي عرض لقبول أيا منهم، ولم تقدم الدول العربية عرضا حتى بالمساعدة. وقد أصدرت السلطة الوطنية الفلسطينية بيانا أعربت عن استعدادها لاستقبالهم؛ ولكن السلطة الوطنية الفلسطينية لا تمتلك السيطرة على حدودها الخاصة، وبالتالي لا تمتلك القوة لإدخال هؤلاء اللاجئين إلى منطقة محتلة أخرى.

عندما وصلت الأسر الفلسطينية إلى كندا تم توزيعهم على زوايا متباعدة في البلاد الواسعة بدون أي اعتبار لشرطهم، ولم يتم احترام آمالهم في البقاء سوية من أجل توفير الدعم المتبادل فيما بينهم؛ وهؤلاء الأفراد الذين قاموا بقبول الذهاب لكندا، ووصلوا إليها يشعرون بالمسؤولية تجاه عائلاتهم التي بقيت خلفهم في العراق وفي المخيمات؛ ولكنهم لا يستطيعون فعل أي شيء لجلبهم إلى  بر السلامة. وحاليا تعيش العائلات التي وصلت لكندا في حالة صدمة كاملة؛ فبعد شهرين من الوصول لكندا لا زال أب لستة أطفال ينام وراء باب شقته؛ لأن الأطفال يرفضون الذهاب للنوم بسبب خوفهم الشديد من مهاجمين أثناء الليل.

وقد تم قبول 25 شخصا آخر من مخيم "الهول" للذهاب إلى كندا تحت إشراف خاص كفالة مجموعة من خمسة أشخاص، وهذا يعني أن مجموعة من خمسة أفراد يأخذون على عاتقهم مسؤولية شخصية عن هؤلاء اللاجئين؛ وعلى هؤلاء الكفلاء أن يضمنوا الاستقرار والدخل؛ هذه العملية للكفالة لا تؤهل هؤلاء اللاجئين للحصول على أية خدمات اجتماعية، كما تفرض على الكفلاء كامل نفقات العائلات اللاجئة طوال السنة الأولى لإقامتهم في كندا؛ ولن يكون هؤلاء اللاجئين قادرين على الوصول والحصول على الخدمات التي يتم تقديمها للاجئين الـ 54 الآخرين الذين تمت كفالتهم من قبل الحكومة الكندية. هذه هي الخصخصة لقضية اللاجئين الفلسطينيين.

ولكن؛ وكما قالت امرأة فلسطينية من مخيم "الرويشد" مؤخرا في اجتماع في "تورينتو": "هذه استمرارية لنكبة عام 1948، لقد عشنا في مخيم "الرويشد" ظروفا قاسية جدا، وتعرضنا يوميا للإذلال، ولكن الجميع يعرف مدى قدرتنا نحن الفلسطينيين على الصمود، لقد فعلناها ونحن بحاجة للعمل من إخراج الباقين من هذه المحنة".

__________________

رفيف زيادة هي لاجئة فلسطينية من أبناء الجيل الثالث، وهي عضو الائتلاف لمكافحة التفرقة العنصرية الإسرائيلية والصمود. تدرس العلوم السياسية في جامعة تورنتو/كندا. نشر هذا المقال لأول مرة في "الانتفاضة الالكترونية" باللغة الانكليزية، في 11 آذار 2007، وطلبت الكاتبة نشره في جريدة "حق العودة".