1948 - قريــة سلمـــة لم تسْـــلــَم.. ولكنــها لم تـُـسَــلـِّـم

بقلم:رنيـــن جريــس

تقع بلدة سلمة الى الشمال من الطريق العام المؤدي الى يافا، تداول اهلها قصص عديدة حول مصدر تسميتها، فقد كانت الجدّات تنسجن أساطير خيالية حول الاسم ويخلطن بين اسم الصحابي سلمة وبين سلمة ابن زوجة الرسول وعند سؤالي عبد العزيز صقر (1939)، حول مصدر التسمية أجابني: "اقيمت سلمة على انقاض بلدتين كنعانيتين، سمّوها سلمة على اسم الصحابي سلمة بن الهشام الذي استشهد مع اربعه اخرين عام 13 هجري في معركة اجنادين التي دارت جنوب شرق الرملة ودفنوه في القرية. مقام سيدنا سلمة موجود لليوم والمقبرة قريبة منه. بذكر كانت نساء يافا في أول يوم جمعة من شعبان ييجو ويقعدوا عند المقام ويحتفلوا بهذا اليوم كانوا يسموه "شعبونيه".. وتضيف زهرة ابو حاشية (1932): "قريب من المقام كانت شجرة سدرة كبيره تتبارك فيها الناس، أنا ما بذكر الشجرة بس إمي كانت تحكيلي عنها، يعني مثلاٌ اللي ما كان يجيها اولاد كانت تروح وتتبارك وتصلي عند السدرة".

بيــادرنا ملاعبـــنا


لقد قام في العام 1937 بعض من شباب سلمة بإنشاء نادي شباب سلمة الرياضي ولكن اشتعال ثورة فلسطين أدى الى عدم الاهتمام به وسرعان ما اغلق. وفي عام 1943 قام نفر من شباب القرية بإعادة تشكيل النادي. عنه حدثني بلهفة محمود حسن حماد (1928): "بسلمه كان عنا نادي وملعب للفوتبول... الملعب كان عبارة عن بيادر، بعد ما يخلص البيدر يستعملوه كملعب، يعني بيادرنا ملاعبنا، مرات كانوا يتنافسوا مع فرق من قرى ثانية مثل العباسية واللد او مع الألمان من مستعمرة سارونا... بذكر اليهود كانوا يجيوا على الملعب بدرّاجاتهم واهل سلمة كانوا ينفسولهم العجال".


شــركة سيــارات سلمــة

بسبب عدم كفاية الأراضي الزراعية نشط اهالي سلمة في تعاطي التجارة وإقامة المؤسسات الأقتصادية وعن بعض شركات سلمة حدثني يوسف حماد (1939): "بسلمة كان في شركة سيارات وكانت تملك سيارات تشتغل على خط يافا - اللد، وكان عنا شركة الألبان العربية الحديثة، وهي عبارة عن تربية الأبقار الهولندية وتصنيع منتجات الألبان.. كان في كمان شركة سلمة للغزل والنسيج ومدابغ للجلود ومطاحن للحبوب ومصنع للشراب.. سلمة كانت قرية مزدهرة ومثقفة".


ذكريــات مــن مقــاعد الدراســـة


تأسست أول مدرسة حكومية عام 1920. وكانت قبل ذلك كتاتيب أهلية في العهد العثماني وفي عام 1936 تأسست مدرسة الإناث التي ضمت 121 طالبة، وكان في المدرسة مكتبة تحوي على 300 كتاب. اضافة الى ذلك تواجدت 3 مدارس أهلية. ومن الجدير بالذكر أنه تم تأسيس فرقة مدرسة سلمة الموسيقية بقيادة الأستاذ خير الدين بشناق حيث حصلت على شهرة واسعة وشاركت في إحياء الحفلات المدرسية في البلده وفي القرى المجاورة وحفلات الأفراح والمناسبات العامة. من مخزون ذكرياتها، حدثتني زهرة أبو حاشية ضاحكة (1932): "بيتنا بعيد عن المدرسة... بيّارتنا بآخر سلمه، عنا كان من جميع أنواع الفواكه، كانت لما تطلب منا المعلمة نرسم مثلا الموز كان أبوي يعبي السلة موز ونوخذها للصف عشان نرسمها... المدرسة كانت مجهزه واللي علمونا كانوا مدرّسات من يافا، في ناس ما بعتت بناتها للمدرسة عشان تشتغل بالأرض. أنا تعلمت للصف الثاني وبعدها صارت الحرب وطلعنا، اغلب الأهالي اتركوا بناتهم من المدرسة لأنهم خافوا”.

 
"بليلــة هجــم اليهــود علــى بيتنــا.."
 
عن خطف زوجها واشتداد المعارك حدثتني زهرة ابو حاشية (1932): "أول ما حسينا بالخطر كان لما خطف اليهود ابن عمي وزوجي عثمان أبو حاشية (أبو طلعت)، وأخوي عبد الغفور... أخوي وقتها كان يدرس بمدرسة ببير زيت وكان جاي لإجازه... عمي موسى ابو حاشية كان قائد فصيل وقال انه المعارك بدأت مع المستعمرات المجاورة وإحنا قررنا ندافع عن أرضنا... وزّع لعثمان وأخوي وبعض الشباب سلاح وبدأ بتدريبهم... بليله هجم اليهود على بيتنا وعلى بيت عمي، بذكر إنهم هجموا قبل صلاة الصبح، إحنا كنا نايمين، والشباب نايمة ببستان الورد. عثمان كان سلاحه جنبه... لما شاف اليهود رمى السلاح جنب شجرة الليمون، اجو اليهود عليه وخطفوه هو واخوي... حطوا على وجهم أكياس وحطوهم بسيارة وأخذوهم... وحاولوا بعدها يدخلوا عنا على البيت... كان عنا خشبه بالبيت مسكتها أنا وأخوي الصغير... اليهود يدفعوا بالباب وأنا واخوي ندفع بالباب عشان ما يدخلوا علينا... بعدها هجم اليهود على والدي وصاروا يضربوا فيه... فتشوا البيت وما لاقوا أي سلاح.. السلاح كان مخبأ... أمي طلعت على الشباك تصرخ.. قاللها اليهودي اخرسي وضربوا قنابل دخان عشان ما تشوف... بعدها ضربوا عمي على ايده وكسروله إصبعه ودخلوا على عمي الثاني وضربوه... راحوا على البيارّه وحفروا عشان يفتشوا على السلاح..
كان في سلاح خبيناه عند الحمام وقسم تحت الخيل وقسم عند الدجاج... كان اليهود يضووا على السلاح وما يشوفوه.. قالوا لعمي موسى إذا لاقينا عندك فشكه راح نقتلكوا... قسم هذا السلاح سرقناه من اليهود... سرقهم واحد بدوي أصله من السبع كان يحرس البيارات العربية جنب المستعمرات، وخبوهم بدارنا. عمي هددهم إذا الأولاد ما رجعولي إحنا بدنا نهاجم الكوبانيات... اليهود رجّعوا الشباب ورموهم مربوطين عند البير... شافهم واحد راعي وفكهم، بهذا الوقت كنا مفكرين انه الشباب انقتلوا وكان عنا عزاء بالبيت، رسمية  جارتنا شافت عثمان وعبد جايين، صارت تزغرد،  وصار أبوي يكبّر ودموعه تنزل... لما رجعوا كانت الفرحة عنا كبيرة.. وبدأت الحرب... صارت اليهود تيجي عنا وتدور على سلاح ببيارتنا.. اليهود نسفوا بيت جيراننا دار الحاج أبو داوود لأنه كان على مرتفع والشباب يقعدوا، اخوي هرب من بالبيت وضلهم يركضوا وراه عشان يمسكوه ولما يأسوا ضربوه قنبلة برجله... دخلت الشظايا فيها وبقيت رجله متصاوبه لبعد ما طلعنا من سلمة".


معركـــة "هاتكفـــا".. حــرب وزغاريــد

عن احدى معارك سلمة حدثني عبد العزيز صقر (1924): بعد صدور قرار التقسيم  صارت حادثه بسلمه، كان اليهود مبسوطين واحنا العرب كنا غاضبين من القرار.. كان في بنت من سلمة اسمها عائشة ابراهيم الحوتري، كانت تجمع الحشائش لأبقارها من بياره جنب مستعمرة هتكفا، اجو اليهود وحاولوا يعتدوا عليها.. صرخت البنت واجت الناس بسرعه لنجدتها... الحادثة صارت بساعات الغروب، اهل سلمة هجموا على مستعمرة "هاتكفا" وبدأوا باطلاق النار على حرّاس المستعمرة... النساء حملت اوعية الكاز وأعواد الثقاب لتزويد الرجال وبعد ساعتين احترقت المستعمرة... لما سمعت القرى المجاورة بالمعركة اجت تشارك وقويت المعركة، استمرت المعركة لغاية نص الليل، وصلوا المسلحين لحي شابيرا بتل ابيب، واليهود هربوا للبواخر بساحل البحر من خوفهم. قام اليهود بالاتصال مع سلطات الإنتداب بالقدس ورغم انه البريطانيين بهاي الفترة اعلنوا انهم ما راح يتدخلوا بالإشتباكات بين العرب واليهود، قامت جيوش الأنجليز بالتدخل لإنهاء المعركة وصاروا ينادوا بالمكبرات انه كل مسلح راح نلاقيه بعد الساعة الواحدة راح نطلق عليه النار. ثاني يوم المعركة كتب اليهود بصحيفه Palestine Post  انه "قوات سعوديه ويمنية تهاجم وتشارك المسلحين من اهالي سلمه"...لانه الناس لما هاجمت كانت تقول "الله اكبر" وفكر اليهود انه هذا شعار اليمنيين والسعوديين".

ويضيف محمود حماد (1928): "الهدنة اللي عملوها البريطانيين مشيت لفتره، اليهود بعد فتره رجعوا يطخوا على الناس اللي على الشارع الرئيسي.. اللي مثلا بده يروح على البياره كانوا يطخوا عليه بالطريق. سمعت عن بنت من دار علي صالح يمكن اسمها شفيقه كانت ماشي مع بقراتها اليهود مسكوها وقتلوها.. وفي واحد كان اسمه ابو شريف ياسين كان يوزّع فشك على المسلحين، كانت الدنيا ليل وعتمه... اجا عليه اليهود وطخوه.. انا كنت مسلح مع المسلحين ولما يجي دوري اطلع للحراسة بالليل...ما كنت اخاف... كنا نتشجع ولما تصير معركة النسوان تخبي فشك للمسلحين بحجرها  وتبقى وهي ماشية تزغرد عشان تشجّع غيرها انه ما يخافوا... النسوان بالبلد كانت تجمّع حالها وتساعد المقاتلين ... حرب... وزغاريد... يا ريت متنا ايامها وما طلعنا...".


"سلمــة تستصرخكـــم... وهيئتنـــا غافلــــة"

هذا ما كتبة عبد العزيز صقر (1924) للهيئات العربية. حول برقيته حدثني قائلا: "المعارك استمرت وسقط كتير شهداء من سلمة، صارت الذخائر تخلص وصارت الشباب تجمع مصاري وتروح تشتري سلاح من الجيش البريطاني، ومن قرى الرمله ووادي الصرار. بعدها بفترة ارسلت البلد ثلاث اشخاص يكتبوا برقية للمسؤولين ويطلبوا المساعدة. انا كتبت البرقية بايدي: "سلمة تستصرخكم... قوات كبيره تهاجم القرية ليل نهار.. اسلحتنا وذخائرنا قديمة وقليلة.. هيئتنا غافلة، انتم معقل الأمل، فحققوا املنا في إنقاذ سلمة". أرسلنا البرقيه لفوزي القاوقجي وعبد الرحمن عزام أمين جامعة الدول العربيه وحمدي الباجهجي  وزير خارجية العراق وشكري القوتلي، للاسف وصلت البرقية لحسن سلامة قائد المنطقة الوسطى غضب وقال كيف بتقولو "هيئتنا غافله" وحكموا علينا بالإعدام وارسلوا اشخاص على سلمه حتى يجيبونا لتنفيذ الحكم. اهل سلمه تجمعوا حول الشباب وقالوا ما راح نسلمهم.. طالما انتو ما بدكم تعطونا اسلحة اخرجوا من سلمة... عندها ادرك قائد ثورة سلمة موسى ابو حاشية خطورة الأمر وقاللهم انتو روحو وبكرا انا باجي عند القائد حسن سلامه وانا بجيب الشباب.. وبالفعل ثاني يوم اخذ احد الشباب وراح عند حسن سلامه وحكالهم انه هاي الشباب غايتهم مساعده اهل سلمة لانه ما في ذخيرة.. وبعد ما تفهم الموضوع وعدنا انه يمدّ البلد بالذخيرة وبالفعل صار يجيب ذخائر للمسلحين وبعد 3 ايام رد علينا فوزي القاوقجي وقال "إثبتوا والنجدة في الطريق" وارسل 7 مقاتلين، وبقينا نحارب حتى بعد ما سقوط القرى المجاورة. طلبنا من حسن سلامه المزيد من الذخيرة وقال "يافا استسلمت وصعب نأمن ذخائر... كل القرى سقطت وسلمة سقطت عسكريا وما في فائدة من اي مجهود للدفاع عن البلد"... رحلوا بقيت المسلحين وهيك سقطت سلمة ب 28 نيسان 1948".

"خســارة عليــك يا سلمــة"

عن تهجيره من سلمة، حدثني يوسف حماد: "صارت اليهود ترمي مناشير وتقول ارحلوا... وصارت الناس تحمّل عفشها بالسيارات وترحل، أنا طلعت مع عائلتي واعمامي على بيت نبالا واللد ولما صار الطخ طلعنا على بيت ريما.. نمنا بين الزيتون... لما كنا ننقل من مطرح لمطرح كنا كلنا كبار وصغار نحمّل.. مره واحنا ننقل من مطرح لمطرح اجت قنبلة بنص الزيتونة...كانت ايام تعيسه...الناس خافت على حالها وعلى عرضها. بذكر بالأعراس كانت الناس تسهر للصبح وكان واحد اسمع راجح الجعبري يغني ويألف لحسن سلامة:

حسن سلامه لما راح حزنت عليه الثوار

واما الطيره الشعبية صدت هجمة قوية

خساره عليك يا سلمة ترفعي للعدو العلمي

والله فيك كل زلمة ما يهاب من ضرب النار

واما اللد يا خسارة والرمله الها جارة

بيت شمن المكارة استولينا على الكفار"

وحدثتني زهره ابو حاشيه: "أهل سلمه حاربوا ستة أشهر.. لما كانت اليهود تهجم كنت اخذ اخوي صلاح والدنيا عتمه، صلاح يمسك برقبتي واليهود يطخوا علينا... ونوصل عند دار سيدي جوا البلد وجوهنا صفرا من الخوف... سمعنا انه بدير ياسين كانوا يذبحوا الطفل ويقطعوا صدر المرأة ويعتدوا على النسوان، الناس خافت وطلعت... لما طلعنا عمي ما فكّر انه راح نطوّل.. خالتي صارت تجمع أغراض بس قاللها يا أم حسين اتركي كل شي ما إحنا راجعين.. إحنا قررنا نطلع لما صارت اليهود تحارب فينا ليل ونهار...عمي بعت الأطفال والنسوان والختيارية على الرمله.. والشباب بقيت تحارب، ما بقي كتير بسلمة.. بقي بس عشرات الناس من أصل 8 آلاف نسمة. لما طلعنا بنينا خيم بالبرد ببيت نبالا، نولع حطب عشان نسخن الشاي، كنا نروح من الصبح نملي مي  وبالليل نلم حطب على روسنا عشان نطبخ ونغسل، شفنا المرارة، أجينا بعدها على سهل بلاطه وسكنا بالكروم على طرف البلد... العين كانت وسط البلد والنساء الصبح كانت تروح تملي عن العين بعد صلاة الفجر حاملات الجرار.. كان في بعض الناس اللي عندها إمكانيات وكانت تروح على الحمير. بلاطه كان بداية نواه لمخيم، إحنا كنا من أوائل اللاجئين اللي وصلوا المخيم... الناس المثقفين من سلمة كانت ترفض التعامل مع وكاله الغوث لأنه إذا سجلنا في المخيم معناه انه إحنا اقرينا الهجرة وما راح نرجع. اليوم كل عائلتي بمخيم بلاطه وعسكر.. ابن عمتي وأبوي راحوا يزوروا سلمه بعد ال 67 ... لما دخل على بيته قاله اليهودي "إحنا مظلومين مثلكم، لما جينا هون فكرنا فلسطين ذهب .. ضحكوا علينا.. جوزي عثمان ضلّوا مناضل لحد ما مات ورغم انه أنا ما تعلمت بس كنت كثير افهم بالسياسة، الأرض النا ولازم ندافع عنها... جيلنا عم بموت ولازم نزرع بالأجيال الجديدة حب الأرض والوطن".

________________________

رنين جريس هي منسقة مشروع شهادات التاريخ الشفوي في مؤسسة "زوخروت". أجريت جميع المقابلات في الاردن.