يحتوي هذا العدد من جريدة حق العودة على مجموعة من المقالات التي تحاول تسليط الضوء على مسألة عملانية عودة اللاجئين والمهجرين الفلسطينيين، والظروف الواجب توفرها من أجل تحقيق العودة واستعادة الممتلكات والتعويض.

ويأتي هذا العدد استكمالاً للعدد السابق الذي تناول موضوع عملانية العودة، ومحاولة وضع حق العودة في إطار عملي يمكن تنفيذه؛ ودحض الادعاءات القائلة بان العودة غير قابلة للتطبيق بفعل مرور الزمن، أو بحكم التغيرات الفعلية الديموغرافية والحقائق على الارض.
ويتزامن هذا العدد مع مرور 100 عام على وعد بلفور، واستمرار نكبة الشعب الفلسطيني والتنكر لحقوقه لا سيما الحق في العودة وتقرير المصير، واستمرار تقاعس المجتمع الدولي عن الايفاء بالتزاماته في إنهاء معاناة الفلسطينيين في كافة مناطق تواجدهم، ونشوء حالات لجوء جديدة جراء الصراعات الدائرة في المنطقة العربية.

وفي الوقت الذي تظهر فيه الحاجة الماسة لمعالجة جذور الصراع وتبني منهج قائم على الحقوق من شأنه انهاء الصراع وارساء اسس الحل الدائم والعادل، يستمر التعامل مع القضية الفلسطينية وقضية اللاجئين الفلسطينيين، وفقاً لموازين القوى وبمنطق الصفقات السياسية التي تُطرح بين الفينة والاخرى، أو كقضية إغاثية وإنسانية بحتة.

وعوضاً عن التوصل لحلول نهائية وعادلة للقضية الفلسطينية، ساهم هذا المنهج في تكريس سياسات الاستعمار والإحلال الاسرائيلية بحق الفلسطينيين، ولعل إعلان الادارة الأمريكية بأن القدس عاصمة لإسرائيل يأتي كنتيجة متوقعة لهذا المنهج، والذي بدوره يعطي الضوء الأخضر لإسرائيل بالاستمرار في تطبيق سياسات التهجير القسري والاسرلة في القدس وباقي ارجاء فلسطين بحدودها الانتدابية. كما أن وقف المعونات الأمريكية للأونروا والدعوات الاسرائيلية المستمرة لتفكيكها تأتيان في سياق المحاولات الممنهجة، لإنهاء قضية اللاجئين والمهجرين وحقوقهم.  

يهدف هذا العدد الى تقديم مجموعة من المقالات التي من شأنها تقديم منهج حقوقي وعملي  بديل  في التعامل مع جذور الصراع.

يطرح العدد الأزمة المالية المزمنة لوكالة الأونروا وأسباب هذه الأزمة وتداعياتها، وماهية الآليات الواجب اتخاذها من أجل الحفاظ على هذه الهيئة الدولية كشاهد دولي على نكبة الشعب الفلسطيني المستمرة لغاية الان، وضمان إبقاء قضية اللاجئين الفلسطينيين حية على الصعيد الدولي.

كما ويستعرض تجربة عودة اللاجئين والمهجرين وآليات استعادة الممتلكات في البوسنة والهرسك. ولا يأتي هذا الاستعراض بهدف استنساخ التجربة البوسنية أو حتى اسقاطها على الحالة الفلسطينية، وإنما بهدف التعلم من النجاحات والاخفاقات في هذه التجربة والاستفادة منها لا سيما وان هناك تشابه كبير بين الحالتين فيما يتعلق بالحق باستعادة الممتلكات.

بالإضافة إلى ذلك، يناقش العدد مسألة العدالة الانتقالية وضرورة تهيئة الظروف اللازمة لإنفاذ حقوق اللاجئين والمهجرين، وتفكيك المنظومة الاستعمارية وبناها المؤسساتية والقانونية والايدولوجية، وذلك بهدف التوصل لحل عادل ونهائي للشعب الفلسطيني بشكل عام، وقضية اللاجئين بشكل خاص، ما يقتضي بالضرورة الاعتراف بحقيقة ما حل بالشعب الفلسطيني، وضمان عدم تكرار ما جرى، ومحاسبة القائمين على النظام الاستعماري.

بجانب ذلك، يتناول العدد تخيلية مستقبلية للهوية الوطنية الفلسطينية في ظل الدولة الفلسطينية على كامل الأرض الفلسطينية، وما هي مكونات هذه الهوية، والصعوبات التي تواجه تشكيلها، بعد مرور أكثر من سبعين عاماً على تهجير وتجزئة الشعب الفلسطيني، ومع الاخذ بعين الاعتبار تنوع واختلاف هويات المواطنين في الدولة الجديدة التي تطورت خلال أكثر من سبعين عاما من الاستعمار والتشرد، ومدى امكانية صياغة هوية جامعة تنصهر فيها الهويات الفرعية.

يُبين هذا العدد أنه بالرغم من ان مسألة اللاجئين الفلسطينيين قضية سياسية بامتياز، الا انه لا يمكن التعامل معها فقط في إطار الصفقات والتسويات السياسية، والتي غالباً ما تفتقر لأسس العدالة. وعليه، يجب وضع هذه القضية ضمن إطار قانوني وحقوقي بما يضمن حقوق اللاجئين والمهجرين كأفراد ومجموعات.

في النهاية، تتطلب معالجة جذور الصراع وتفكيك المنظومة الاستعمارية بما يضمن حقوق اللاجئين والمهجرين، وضع تخيلات سياسية تعيد تعريف المرحلة التحررية والتعريف بالاستراتيجية اللازمة، بما يضمن معالجة المسائل المصيرية للفلسطينيين كعودتهم واستعادة ممتلكاتهم وجبر الضرر الذي لحق بهم، وشكل الدولة، بما يشمل الهوية والمواطنة وغيرها من الحقوق بهدف ضمان عدم تكرار ما جرى.
هيئة التحرير