افتتاحية العدد: استراتيجية التهجير وانعدام استراتيجيات المعالجة

في الوقت الذي يكمل فيه وعد بلفور المشؤوم عامه المئة، وتدخل النكبة الفلسطينية وحالة التشرد الفلسطيني عامها السبعين، تنشغل محافل القرارات الدولية بالأزمات والحروب التي تمزق الوطن العربي بشكل عام وسوريا بشكل خاص. وبينما تتسابق القوى المتنفذة في القرار الدولي الى استثمار هذه الأزمات والحروب وفقاً لمصالحها الاستعمارية والمستقبلية، يظل ميزان القوى يراوح بين داعم ومحارب للإرهاب في ظل استمرار التهجير والتشريد في المنطقة.

وقد أدى تفاقم الأوضاع في سوريا ونشوء حالات لجوء ونزوح جديدة الى تغير في الأولويات الدولية، مما انعكس سلباً على قضية اللاجئين والمهجرين الفلسطينيين. فلم تعد قضيتهم تحظى باهتمام دولي في ظل اتساع حالات اللجوء. لقد بات الخطاب الدولي يُركز على مواجهة الارهاب وتحقيق الأمن القومي في ظل الفوضى التي تجتاح الاقليم العربي والعالم. ولعل التقليصات التي طالت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، ليست الا جزءٌ من تراجع الاهتمام الدولي والاقليمي بقضية اللاجئين الفلسطينيين، والتي لم يتم التوصل الى حل نهائي لها بالرغم من مرور قرابة 70 عاماً عليها.

في الوقت الذي يتعرض فيه اللاجئون في دول الشتات الى التهجير، لا يزال الفلسطينيون يخضعون لسلسلة ممنهجة ومستمرة من سياسات التهجير القسري التي تُنفذها اسرائيل على جانبي الخط الأخضر بهدف تفريغ الأرض من سُكانها؛ بالإضافة الى الزج بهم في النزاعات القائمة وتشتيتهم في دول لجوء جديدة، وتدمير البنية الاجتماعية والسياسية لهم، واستمرار حرمانهم من حقهم في العودة. ففي سوريا ومنذ بداية الحرب الأهلية، تم تهجير أكثر من 110.000 فلسطيني الى الدول المجاورة، إضافة الى ما يزيد عن 280.000 اخرين تم تهجيرهم داخل حدود سوريا.

في الوقت ذاته وفي ظل هذه الفوضى، تبدو القيادة الفلسطينية عاجزة عن تطوير استراتيجية وطنية وشاملة في مواجهة الاستعمار الصهيوني بما يُرسخ الثوابت الوطنية الفلسطينية، لا سيما حقوق اللاجئين غير القابلة للتصرف. فالحلول السياسية التي تتعاطى معها القيادة الفلسطينية والمبادرات الدولية السياسية، في جوهرها تنتقص وتهمش قضية اللاجئين الفلسطينيين ولا تعتمد ولا تتخذ من القرارات الدولية مرجعية لها.

ان التعامل مع قضية اللاجئين وفقاً للمبادرة العربية التي يجري العمل حالياً على تعديلها لتناسب المقاس الاسرائيلي، والتي ترى أصلاً أنه بالإمكان حلها بالتسويات السياسية من خلال "حل متفق عليه"، يُجرد قضية اللاجئين من مفهومها القانوني الذي نص عليه القرار 194. إن هذه المنهجية تشكل استمراراً لتجاهل إشراك اللاجئين الفلسطينيين في صنع القرارات المتعلقة بمصيرهم وحقوقهم.

ان الحل النهائي لقضية اللاجئين الفلسطينيين لن يكون بفرض الحلول السياسية المجحفة، أو تجزئة القضية الفلسطينية تحت اطار التكتيكات التي لن تؤدي في النهاية الا الى تصفية القضية والحقوق، وانما من خلال تبني النهج القائم على الحقوق وتطبيق اسس العدالة للاجئين الفلسطينيين والمتمثلة في تنفيذ القرار 194. بلا شك، ان ميزان القوى الحالي لا يسمح بذلك، ولكن اختلاله لا يجيز التنازل بأي شكل من الأشكال؛ بل يجب أن يُشكل حافزاً على التمسك بالثوابت من جهة والعمل على تغيير ميزان القوى المختل من جهة ثانية.

ان منظمة التحرير الفلسطينية، باعتبارها الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني، وكافة القوى والمؤسسات الوطنية التي تُعنى بقضية اللاجئين والفلسطينيين عليها أن تقف على برامجها واولويتها واعادة صياغة هذه الاولويات والبرامج بما يدعم تحقيق حقوق اللاجئين الفلسطينيين من خلال العمل بطريقة منظمة وقابلة للتراكم.
هيئة التحرير