لا يكتمــل الحديــث عــن فلسطيــن بـدون التطــرق الــى إسماعيــل شمّــوط

بقلم:الفنـــان يوســف كتــلو

الساعة السابعة ذات صباح وصلتني رسالة عبر الهاتف المحمول تنعي وفاة الفنان الفلسطيني اسماعيل شموط، والبقاء لله. بدأت الدموع تنهمر من عيني، اسماعيل شموط في ذمة الله وجسده خارج الوطن وروحه ترفرف في سماء اللد تراقب شخوصه ورموزه التي صنعها على مدى أكثر من أربعين عاما من العمل الدؤوب بالقلم واللون صانعا مجدا فلسطينيا مجسدا حلمه وطموح شعبه. لم يتنازل عن حقه في العيش الكريم في وطنه. تابعت أخبار شموط عبر الأصدقاء في الخليج العربي فجاءت نهايته جسدا ولن تنتهي اللوحات الخالدة التي بقيت تحاكي  اجيالاً وراء أجيال

. قبل وفاته بأيام وصلني آخر أعماله الفنية، لوحة لفتاة جالسة، إلى جانبها قطة تجلس بهدوء على كرسي، ولا تحرك ساكنا. الشعر مسترسل بانسيابية، وعلى خلفية اللوحة تلك الحمامات التي طالما رمز من خلالها الفنان لفكرته. اتحدث عن ضمير الحركة التشكيلية الفلسطينية. فهو أبرز رموز الفن التشكيلي  الفلسطيني والعربي، شكل المدرسة الواقعية واستحوذ على اهتمامه الهم الفلسطيني ومعاناة شعبه، فرسم عروسين على الحدود فتاة وشابا فلسطينيين  يحدقان بنظرات ثاقبة نحو حيفا ويافا ليقولا أن العروس هي فلسطين والعريس هو فلسطين ونحن كلنا فلسطين.

  لا يكتمل الحديث عن فلسطين بدون التطرق الى اسماعيل شموط، رائد المدرسة المعاصرة التي نهضت بالفن الفلسطيني المعاصر عربيا وعالميا. افتخر على الدوام أنه ابن عائلة بسيطة مكونة من عشرة انفار خمسة ذكور وثلاث اناث، ورث والده عن جده مهنة البيع. وكان  يتمتع بصوت جميل. اما مدينة اللد التي غادرها قسرا فبقيت في ذاكرته الصورة الوجدانية المجسدة لآمال آلاف اللاجئين الفلسطينيين المشردين التائهين في عالم الغربة والشتات. تشكيلاته الفنية ترسم في أذهان محبي فنه تلك الجموع المهاجرة المزنرة  بالأ مل، وتخلد في الوجدان مدن حيفا ويافا  والناصرة والقدس والمعاناة الفلسطينية. في لوحات شموط إصرار على حق العودة وتأكيد له. في عام 1953،  بعد النكبة أقام الفنان معرضه الاول في غزة، متضمنا ستين لوحة مهدت لانطلاق الفن التشكيلي الفلسطيني. سعى شموط على الدوام لإبراز الجوانب المأساوية والتاريخية لقضية فلسطين، جاعلا من رموز لوحاته دفقات أمل للحلم الفلسطيني. ومضى اسماعيل وبقي الحلم الفلسطيني، كي يخلد.

توفي رئيس اتحاد الفنانين التشكيليين الفلسطينيين إسماعيل شموط في ألمانيا عن عمر يناهز 76 عاما بعد معاناة مع المرض. والفنان الراحل يعتبر المؤسس الفعلي للحركة الفنية التشكيلية الفلسطينية التي لم تعرف قبله فنانا استطاع أن يربط حياته الفنية بحياة شعبه في مختلف المراحل التي مرت بها القضية الفلسطينية، كما تقول الفنانة الفلسطينية المقيمة في القاهرة لطيفة يوسف.

شمّــوط في سطـــور

تخرج إسماعيل شموط من كلية الفنون بالقاهرة ثم توجه عام 1956 إلى روما لمتابعة دراسته في أكاديمية الفنون الجميلة في العاصمة الإيطالية. وانتقل بعدها إلى لبنان وهناك شكل مع زملائه أول اتحاد للفنانين التشكيليين الفلسطينيين عام 1969 وتولى بعد ذلك بعامين منصب الأمين العام لاتحاد الفنانين التشكيليين العرب. ثم غادر لبنان إلى الكويت ومنها رحل عام 1992 إلى ألمانيا، واستقر به المطاف في العاصمة الأردنية، عمان.

وشموط هو المؤسس الحقيقي للحركة الفنية الفلسطينية وفرضت الحياة التي عاشها أن يلجأ إلى المدرسة الواقعية في الفن التشكيلي ورسم المعاناة التي عاشها اللاجئون والشعب الفلسطيني بعد النكبة. ومن لوحاته في تلك الفترة "إلى أين؟" و"سنعود" و"بداية المأساة" و"جرعة ماء" و"ذكريات ونار". بين الأعوام 1950- 1956 درس فن الرسم والتصوير في كلية الفنون الجميلـة بالقاهرة ثم في أكاديمية الفنون الجميلة بروما، تخللها في العام 1953 إقامة أول معرض للوحاته في مدينة غـزّة. وفي العام الذي تلاه أقام معرضه الثاني في القاهرة ، بمشاركة زميلته تمام الأكحل، رعاه وافتتحه الرئيس الراحل جمال عبدالناصر. وكانت العلاقة بينه وبين الفنانة تمام الأكحل قد تكللت في العام 1959 بالزواج. وبعد عشر سنوات من هذا التاريخ انتخب شموط كأول أمين عام لاتحاد الفنانين التشكيليين الفلسطينيين. وانتخب في العام 1971 كأول أمين عام لاتحاد الفنانين التشكيليين العرب.

لشمّوط العديد من المؤلفات والكتابات الفنية والثقافية والتراثية، والمعارض الشخصية (معظمها بمشاركة زوجته الفنانة تمام الأكحل) في معظم البلاد العربية وفي عدد كبير من بلاد العالم. إسماعيل شموط حاصل على درع الثورة للفنون والآداب وعلى وسام القدس وعلى جائزة فلسطين للفنون وجوائز عربية ودولية عديدة.

_________________

يوسف كتلو هو فنان تشكيلي فلسطيني مقيم في دورا/ الخليل، وهو عضو رابطة الفنانين التشكيليين في فلسطين وهو نائب رئيس مؤسسة إبداع للثقافة والفنون في دورا. لكتلو العديد من المعارض الفنية في فلسطين. للمزيد حول يوسف كتلو: www.geocities.com/yousefartist/index