القرى المهمشة: الضحية الاولى للتهجير القسري

بقلم: حلا مرشود*

دأبت إسرائيل ومنذ نكبة عام 1948 على منهجة تهجير الفلسطينيين بشكل قسري ومستمر بمختلف الطرق، حيث سنّت قوانين وتشريعات وسياسات تهدف إلى إجلاء الفلسطيني عن أرضه وإحلال مُستعمرين جدد مكانه. وبالرغم من اختلاف هذه السياسات في التنفيذ، إلا أنها تتقاطع في جوهرها مع الأيدولوجية الصهيونية القائمة على إنكار حق الآخر في الوجود. سيُسلط هذا المقال الضوء على سياسة هدم البيوت، التي تُعتبر إحدى السياسات التي تُوظفها "إسرائيل" على جانبي الخط الاخضر بُغية تهجير الفلسطينيين، كما سيتطرق إلى السُبل والوسائل المُتاحة لحماية هذه البيوت والحيلولة دون الإنصياع لأهداف المُستعمر بالرحيل.

في عام 2013، خرج الشعب الفلسطيني في كافة أماكن تواجده ليواجه مخطط برافر الذي جاء إستكمالاً للتهجير الذي شهدته نكبة عام 1948، حيث انطلقت ايام غضب من أجل مواجهة الالة الاستعمارية ومخططها الاقتلاعي الذي يقضي بمصادرة 800 الف دونم من الاراضي الفلسطينية في النقب. وقد حققت هذه المسيرات والشعارات نجاحاً في تجميد اقتراح القانون في الكنيست، إلا أن هذا النجاح لم يكتمل، إذ لم تتوقف عمليات هدم البيوت في جميع قرى النقب منذ تجميد القانون.

إن سياسة نقل السكان الفلسطينيين وهدم بيوتهم ليست إلا جزءاً من النمط الإستعماري الإسرائيلي الهادف إلى إنكار وجود الفلسطيني وتشتيت هويته ومسح أي علاقة فيزيائية أو ثقافية تربط الفلسطيني بالأرض، حيث أن القرى الوحيدة التي اعترف بها القانون الإسرائيلي هي تلك التجمعات الجديدة التي أقامتها إسرائيل والتي هي أساساً تُجرد البدوي من هويته البدوية وتخالف نمط حياته البدوية. أنشأ الاحتلال كل البلدات والمدن البدوية التي أقامها على رقعة أرضٍ صغيرة، حيث يعيش أكثر من 31% من مجمل سكّان النقب على 1% من أراضي النقب.

لم يتوقف نهج إسرائيل الإستعماري عند مخطط برافر الذي بدأ يُنفذ بشكل بطيء، حيث تستمر إسرائيل في السير على هذا النهج أملاً بالوصول إلى هدفها بتفريغ فلسطين من أهلها لتحقيق هدفها بالسيطرة على: "أكبر مساحة من الارض باقل عدد من الفلسطينيين". فقد نشرت المحكمة العليا الإسرائيلية قراراً بهدم قرية أم الحيران من أجل بناء مستعمرة "حيران" على أنقاضها. ومن الجدير ذكره أن أهالي قرية أم الحيران تعرضوا للتهجير عام 1948 من قريتهم الأصلية "وادي الزبالة" الى قرية ام حيران بأمر من الحاكم العسكري.

لا تختلف سياسات هدم البيوت والقرى في النقب والداخل المحتل عن سياسات التهجير في الضفة الغربية، حيث تُشكل القرى المصنفة "ج" حسب إتفاقية أوسلو هدفاً سهلاً للسياسات الإستعمارية الإسرائيلية كونها قرى مهمشة ومنقطعة عن المناطق المجاورة.

تشكل قرى جنوب تلال الخليل نموذجاً مثالاً على تماثل سياسات التهجير على جانبي الخط الأخضر، حيث تعاني هذه القرى المتمثلة في المفقرة، سوسيا والتواني من سياسات التهجير منذ سنوات عديدة لكن دون ان نرى اي تحرك او نضال شعبي واسع يحميها، فالذي يقف في خط الدفاع الاول هم ابناء القرية الذين يرابطون فيها ويعيدون بناءها بعد الهدم.
 
ولا تقتصر السياسات التي تتبعها إسرائيل في هذه القرى على هدم البيوت، وإنما تعمل على حرمان الفلسطينيين من التمتع بالخدمات وتفرض عليهم واقعاً صعباً كالعيش في خيام بلاستيكية او قماشية بسبب منعهم من البناء، الكهرباء، المياه، الخدمات الصحية، المدارس وغيرها بهدف تضييق الخناق على الفلسطينيين وإجبارهم على ترك بيوتهم ومغادرتها. فعلى سبيل المثال، هدمت إسرائيل خلال عام 2011 ما يقارب24 مبنى في قرية سوسيا مما ادى الى تهجير 5 عائلات اضطرت للعيش في مكان اخر. وبالرغم من انعدام سُبل حماية رسمية تحمي الفلسطينيين، يواجه أهل القرية هذه السياسات من خلال التوجه الى منظمات عالمية، وتنظيم مظاهرات شعبية يومية، استخدام الاعلام الاجتماعي وغيرها.
وترتبط سياسة هدم البيوت والقرى بسياسة فرض نظام التصاريح على الفلسطينيين، حيث تفرض إسرائيل نظام تصاريح على حاجة الفلسطينيين الى البناء والتوسع. ومن البديهي في حالة الإستعمار أن لا تتهاون القوة المستعمرة مع الشعب المُستعمر وتمتنع عن منح تصاريح البناء، الأمر الذي يُجبر الفلسطيني ان يبني من غير ترخيص ليواجه من بعدها تهديد بالهدم وهدم فعلي، حيث تتبع إسرائيل هذه السياسة بهدف مراكمة ظروف غير إنسانية يجد فيها الفلسطيني نفسه مُجبراً على الهجرة.

لا يختلف الهدم في القدس المحتلة او في قرى جنوب الخليل في الضفة الغربية عن الهدم في النقب، اذ انه يهدف في النهاية إلى تطبيق المشروع الصهيوني الاقتلاعي على الاراض المحتلة عام 1948، الضفة الغربية، القدس وقطاع غزة. وتتنوع اساليب التهجير، من هدم، مصادرة اراضي، بناء الجدار، فرض نظام التصاريح، التضييق، وبناء المستوطنات. وقد رأينا انه وفي بعض الحالات، كبرافر، ثار الفلسطيني في كل مكان، لكن وجب الانتباه الى النضالات اليومية الفردية او التي تقتصر فقط على أهالي البلدة، لاننا نشهد يوميًا عمليات هدم فيها، وأبرز هذه النضالات هي الصمود الفعلي في القرية. قد يبدو مصطلح الصمود على الارض مصطلحا عاما، لكن بالفعل انه الوسيلة المتبعة من قبل اهالي البلدات لمقاومة الهدم وسياسات التهجير الاخرى.

وللاسف، يتم تغييب غالبية هذه القضايا والبلدات في الاعلام، والعديد منها هي بلدات صغيرة تقع على الهوامش ولا يتم التركيز عليها بالشكل الكافي. بالطبع، لا يمكن القول ان سياسة الهدم هي السياسة الوحيدة المتبعة في كل بلدة، فان أهالي البلدة قد يعانون من جميع انواع التهجير في آن واحد (كاعتداءات المستعمرين، عدم توفير الخدمات الأساسية، بناء جدار الفصل والضم، الحواجز وغيرها)، لكن قد تكون سياسة الهدم هي الاثبات الحقيقي والواضح لطبيعة إسرائيل وأهدافها الاستعمارية، التي تتبع سياسة "الهدم [على الجانب الفلسطيني] من أجل البناء [ للجانب الاسرائيلي]" فهذه هي الايديولجية ذاتها التي ادت الى النكبة وما زلنا نراها حتى يومنا هذا.

--------------------------------------------------

حلا مرشود: ناشطة طلابية ومشاركة في مشروع مؤسستي بديل وبلدنا " تواصل وعودة".