القيود الاسرائيلية على حرية الحركة

بقلم: أماني أسعد*
تمهيد:
يُشكل الحق في الحركة والتنقل أحد أهم الحقوق الأساسية التي نصت عليها الشرعية الدولية في قوانينها ومواثيقها مثل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان واتفاقية حظر التمييز العنصري وغيرها. التب تركز على حرية الانسان في التنقل ومغادرة البلاد والعودة إليها، وحق الإقامة داخل حدود الدولة ومغادرتها، كحقوق وحريات أساسية. على النقيض تماماً، تنتهك إسرائيل باستمرار ومن خلال سياساتها هذه الحقوق والحريات وتُقيد حركة الفلسطينيين وتنقلهم في ظل نظام عُنصري قائم على التحكم بحرية التنقل والحركة بناءً على سياسات استعمارية.
بناء على هذه المعطيات، سيتطرق هذا المقال إلى السياسات التي تستخدمها إسرائيل للحد من حرية حركة الفلسطينيين وتقييدها والإطار القانوني للمعاهدات والمواثيق الدولية ذات الصلة مثل الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ومعاهدة حظر التمييز العنصري، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

الإطار القانوني

نصَّ الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أهمية حرية الحركة والتنقل لكافة الأفراد دون أدنى تمييز بينهم، حيث نصّت المادة 13 من الإعلان على: "لكل فرد حرية التنقل واختيار مكان إقامته داخل حدود كل دولة، ويحق لكل فرد أن يغادر أية بلاد بما في ذلك بلده كما يحق له العودة إليه". وعليه، فمن حق كل فرد أن يتنقل بحرية دون الحرمان من هذا الحق أو الانتقاص منه. كما أكد العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في المادة 12 على أن الحق في الحركة هو حق لكل إنسان مقيم بصفة قانونية داخل إقليم دولة معينة، وفي اختيار مكان إقامته ضمن ذلك الإقليم، وله الحرية في مغادرة أي بلد بما في ذلك بلده، ولا يجوز حرمان أحد من حق الدخول إلى بلاده. وتأتي اتفاقية حظر التمييز العنصري لتؤكد على أن حرية التنقل وفقاً للمادة 5 من الاتفاقية التي نصت على الحق في حرية الحركة واختيار مكان الإقامة داخل حدود الدولة وخارجها وحق كل فرد في مغادرة البلد التي يقيم بها ومغادرتها وقت شاء والعودة إلى أي بلد يريدها ومغادرتها.[1]

العنصرية في التنقل

دأبت إسرائيل، من خلال سياساتها وأنظمتها، على ممارسة أشكال عديدة من التمييز العنصري ضد الشعب الفلسطيني بما في ذلك حريته في الحركة والتنقل، حيث عملت على تخطيط وتنظيم سياساتها وبنيتها التحتية بطريقة عنصرية تخدم حركة المُستعمرين الإسرائيليين وتعمل على تضييق حركة الفلسطينيين. ومن المهم ذكره هو أن إسرائيل ومن خلال هذه السياسات والأنظمة تهدف إلى تضييق الخناق على الفلسطينيين ودفعهم إلى التفكير في الهجرة والرحيل عن الأرض، حيث تأتي الإجراءات ضمن العقيدة الصهيونية الهادفة إلى السيطرة على أكبر مساحة من الأرض بأقل عدد من السكان الفلسطينيين. وقد عملت إسرائيل على تقييد حرية حركة الفلسطينيين من خلال عدة قيود أبرزها:

  1. جدار الضم والفصل العنصري

يعد جدار الضم والفصل واحدا من أبرز القيود التي فرضتها إسرائيل على حركة الفلسطينيين في الضفة الغربية، حيث يمر 85% من الجدار في أراض الضفة الغربية المحتلة. احد الاهداف الأساسية في بناء الجدار هو تأمين وربط المستعمرات الإسرائيلية ببعضها البعض من أجل تسهيل حركة المستعمرين، حيث ضم الجدار ما يقارب 69 مستعمرة. في الوقت ذاته، عَزَلَ الجدار 267 ألف فلسطيني عزلاً مباشراً عن شعبهم، كما قيَّد حركة الفلسطينيين إلى ما لا يٌقل عن 50% من الأراضي الزراعية في الضفة الغربية.[2] وفي السياق القانوني، أكد الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية في 2004 بأغلبية 14 قاضياً على عدم شرعية جدار الضم والعزل، إلا أن إسرائيل لم تُعر احتراماً لقرار المحكمة.

  1. القيود العسكرية

تفرض إسرائيل قيوداًعلى حرية حركة الفلسطينيين داخل الضفة الغربية من خلال القيود العسكرية المتمثلة في عشرات الحواجز العسكرية، حيث تهدف هذه الحواجز إلى عزل مدن الضفة الغربية عن بعضها البعض، بالإضافة إلى التحكم بدخول الفلسطينيين إلى القدس وداخل الخط الاخضر.

  1. نظام التصاريح

يخضع الفلسطينيون لشروط وقيود عديدة تحرمهم من التمتع بحرية الحركة أثناء سفرهم أو تنقلهم، حيث تنتهك هذه القيود الاتفاقيات التي سبق أن ذكرناها. وتستخدم إسرائيل نظام التصاريح بانواعها التي تتجاوز المئة بهدف التضييق على الفلسطينيين وتهجيرهم. فنظام التصاريح يتجاوز مجرد تقييد حرية الحركة، فهو يؤثر في مختلف جوانب الحياة المدنية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية. في المقابل، توفر اسرائيل الراحة والأمان للمستعمرين وتيسر تنقلهم في أنحاء الضفة الغربية.

  1. سياسة الاغلاق

تقوم إسرائيل بشكل متكرر باتخاذ إجراءات إغلاق "المناطق" الفلسطينية خلال الاعياد اليهودية او لأسباب أمنية، وهي بذلك تقوم بمنع حركة الفلسطينيين بالتنقل داخل المناطق الفلسطينية أو ما بين هذه المناطق وداخل الخط الاخضر او حتى بالسفر خارج البلاد. وتستخدم اسرائيل هذا الاجراء كعقوبة جماعية تستهدف منطقة معينة او السكان الفلسطينيين عموما.

  1. المعيقات المادية

تفرض اسرائيل سياسة اغلاق العديد من الطرق الفرعية في الضفة الغربية التي تتصل بالشوارع الرئيسية بالقيام بوضع المئات من المعيقات المادية التي تحد من حرية الحركة والتنقل مثل مكعبات الباطون، الكتل الترابية، البوابات الحديدية، حيث يواجه الناس والسيارات صعوبة في تجاوز هذه المعيقات مثل السيارات في حالة الطوارئ، والمرضى، والمسنين، والنساء الحوامل، والاطفال.

  1. الشوارع الممنوعة

يُحظر على العديد من الفلسطينيين التنقل او استعمال شوارع معينة في الضفة الغربية، والتي خصصت للمستعمرين اليهود فقط. تُقيد هذه السياسة وصول الفلسطينيين الى الشوارع المجاورة التي لا يسري عليها حظر الاستخدام. وقد يحظر على الفلسطينيين استخدام المركبات في شوراع معينة كما هو الحال في البلدة القديمة في الخليل. وقد يحظر عليهم استخدام شوارع معينة سواء سيرا على الاقدام او بالمركبات. ونتيجة لهذا، يضطر الكثير من الفلسطينيين النزول من السيارات وقطع الشارع سيراً على الاقدام او العثور على مواصلات بديلة من الناحية الاخرى، او التوجه عبر شوارع اخرى يقطعون خلالها مسافات طويلة وملتوية للوصول الى منطقة قريبة.

  1. سياسة حظر التجول

تُمارس إسرائيل سياسة حظر التجوال كنوع من السيطرة على الأماكن الفلسطينية في حالات الحصار والاقتحامات، حيث تستخدم إسرائيل هذه السياسة كعقاب جماعي ضد الفلسطينيين. وقد مارست إسرائيل هذه السياسة بشكل مكثف خلال فترة بناء جدار الفصل العنصري عام 2002 في الضفة الغربية، وخلال الاجتياحات الاسرائيلية للمناطق الفلسطينية عام 2002.
وعليه، فان إسرائيل تنتهك القانون الدولي من خلال انتهاكها لحق التنقل الوارد في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان واتفاقية التمييز العنصري والعهد الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والعهد الدولي الخصا بالحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، حيث تُعتبر كافة السياسات والإجراءات السابقة جزءاً من مجمل الانتهاكات التي تفرضها إسرائيل على حرية الحركة والتنقل.


----------------------------------

أماني اسعد: حقوقية وناشطة فلسطينية، مشاركة في مشروع "تواصل وعودة".


[1]عكاوي ديب، التمييز العنصري والقانون الدولي، الطبعة الأولى , مؤسسة الأسوار، . 2000

[2] النقل القسري للسكان: تهجير الفلسطينيين في السياسات الإسرائيلية، مطوية صادرة عن مركز بديل