مخيم "سايبر سيتي" في الأردن: تجسيد لليأس الذي يعيشه اللاجئون الفلسطينيون والوضع القانوني العائم الذي انتهوا إليه

بقلم: حنين حسن*

كان ما مجموعه 540,000 لاجئ فلسطيني يعيشون في سورية قبل اندلاع شرارة النزاع فيها في شهر آذار 2011. ففي سياق الحرب الأهلية التي تعصف بسورية، جرى قصف مخيمات اللاجئين الفلسطينيين، ممّا تسبب في وقوع أعداد هائلة من الإصابات في صفوفهم وإلحاق دمار فادح بهم وبممتلكاتهم. وحسب التصريحات الصادرة عن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، فقد بات ما يربو على 70% من اللاجئين الفلسطينيين في سورية في حاجة إلى المعونات الإنسانية الطارئة، كما أمسى ما يزيد على 50% منهم مهجرين داخل الإقليم السّوري.1

الأردن ليس ملاذاً آمناً للاجئين الفلسطينيين النازحين من سورية

سمحت السلطات الأردنية لما لا يقل عن 1,300 فلسطيني فرّوا من سورية بالعبور إلى الأردن خلال السنة الأوّلى من النزاع الذي نشب في هذه البلاد،2 وطبقت عليهم نفس الإجراءات المعتمدة عند دخول المواطنين السّوريين إلى أراضيه.3 وعقب تصاعد وتيرة النزاع في سورية وتحوله إلى حرب أهلية، قرر الأردن تعديل السياسات التي يعتمدها تجاه اللاجئين الفلسطينيين وباشر العمل على منع دخولهم إلى أراضيه في شهر نيسان 2012. ويعني هذا الأمر أنّ اللاجئين الفلسطينيين لم يعودوا يلقون معاملة تتساوى مع معاملة اللاجئين السّوريين. وبذلك، حُرم اللاجئون الفلسطينيون الذين سُمح لهم بدخول الأردن من قبل من الانتفاع بالمخيمات المقامة في الأردن، كمخيم الزعتري وغيره، وأُلغيت التصاريح التي تتيح لهم مغادرة أماكن إقامتهم المؤقتة، كما أُبعد اللاجئون الذين تمكنت السلطات من إلقاء القبض عليهم إلى سورية قسراً.

وفضلاً عن ذلك، اعتمد الأردن سياسة تقضي بمنع عبور الفلسطينيين الفارين من النزاع الذي يضرب سورية ووضعها موضع التنفيذ خلال العام 2013، وقد أفضت هذه السياسة إلى استفحال حالة الضعف المريرة التي يكابدها الفلسطينيون الذين يسعون إلى بلوغ بر الأمان، وتلك التي يعاني منها أولئك الذين لجأوا إلى الأردن في بداية الأزمة السورية طلباً للأمان على أنفسهم. فقد حرمت السلطات الأردنية اللاجئين الفلسطينيين-السّوريين، بإعلانها أنّهم أشخاص غير مرحّب بهم، من حقهم في الحماية، وتسببت بفعل ذلك في تعريضهم للانتهاكات والاستغلال والاعتقالات والإبعاد. وفضلًا عن ذلك، حُرم جميع اللاجئين الفلسطينيين غير المسجلين من الحصول على خدمات التعليم والرعاية الصحية، وباتوا لا يستطيعون الالتحاق بسوق العمل. وعلاوةً على ذلك، لا يسمح للاجئين الفلسطينيين المهجرين من سورية بالدخول إلى المخيمات المقامة والإقامة فيها، وهم لذلك يضطرون إلى تأمين السكن لهم ولأسرهم في عقارات خاصة باهظة الثمن. وأخيرًا، ترتكب السلطات الأردنية حالات خرق جسيمة للقانون الدولي بإبعاد هؤلاء اللاجئين وإعادتهم إلى سورية. ونتيجة لذلك، فقد بات من الصعب على اللاجئين الفلسطينيين العبور إلى الأردن. وفي هذا السياق، تقر وكالة الأونروا بأنّ "الوضع عن المنظم للاجئين الفلسطينيين النازحين من سورية في الأردن يعني أنهم يتعرضون لدرجة مستفحلة من أنّعدام الأمن، وأنهم يواجهون الصعوبات في الإجراءات المدنية، من قبيل تسجيل المواليد، وفي الحصول على الخدمات الحكومية، كما يواجهون الخطر الدائم المتمثل في طردهم وإعادتهم قسرًا من حيث جاؤوا."4

ووفقًا لما جاء على لسان الأونروا، فقد توجه 13,836 لاجئًا فلسطينيًا من سورية إلى الوكالة حتى شهر نيسان 2014. "ويكابد معظم [اللاجئين الفلسطينيين النازحين من سورية] العوز والفقر ويفرض وضعهم القانوني الهش الصعوبات أمامهم في الاستفادة من الإجراءات المدنية، والحصول على الخدمات وتأمين فرص العمل التي تلزمهم. وإلى جانب ما يقرب من 200 سوري، يُحتجز 188 [لاجئًا فلسطينيًا من سورية] في مخيّم ’سايبر سيتي‘، وهو عبارة عن مؤسسة أقامتها الحكومة على مقربة من مدينة الرمثا."5 وفي هذا السياق، أفادت منظمة مراقبة حقوق الإنسان (Human Rights Watch) في أحد التقارير الصادرة عنها في العام 2012 إلى أنّ "السلطات الأردنية قامت بإعادة بعض الفلسطينيين إلى سورية بعد أن فروا منها مؤخرًا، وهددت آخرين بالترحيل. كما قامت السلطات منذ أبريل 2012 باعتقال فلسطينيين هاربين من سورية بشكل تعسّفي في مركز للاجئين دون أن توفر لهم أي خيارات لإطلاق سراحهم سوى العودة من حيث جاؤوا."6 وفي العامين 2013 و2014، وثّقت منظمة مراقبة حقوق الإنسان حالات سبعة فلسطينيين أعادهم الأردن بشكل قسري إلى سورية، حيث قُتل واحد منهم على الأقل بعد أن أعادته السلطات الأردنية إلى سورية مع زوجته وولديه الصغيرين. كما نُقل أربعة آخرين إلى مخيّم "سايبر ستي"، وهو مركز احتجاز مغلق ومخصص باللاجئين الفلسطينيين والسّوريين.7

مخيم "سايبر سيتي": احتجاز اللاجئين الفلسطينيين النازحين من سورية في الأردن 

مخيم "سايبر سيتي" عبارة عن مركز مغلق تخصصه السلطات الأردنية لاحتجاز اللاجئين الفلسطينيين، وهو يقع منطقة صناعية شمال الأردن. ويؤوي "سايبر سيتي" ما يقرب من 180 فلسطيني و200 سوري في أحد مبانيه الذي يتألف من ست طبقات. ومعظم اللاجئين السّوريين المحتجزين في مخيّم "سايبر سيتي" هم من الرجال أو النساء المتزوجين أو المتزوجات من فلسطينيين أو فلسطينيات أو تجمعهم علاقة قرابة أو معرفة بهم، أو آباء أو أمهات لأطفال فلسطينيين. وقد تعمّدت السلطات الأردنية إنفاذ هذه السياسة التي تجمع السّوريين مع الفلسطينيين في مخيّم "سايبر سيتي". فمن خلال جمع أشخاص ينحدرون من جنسيتين مختلفتين معًا في مخيّم واحد، لا يمكن أن يكون مخيّم "سايبر سيتي" مخيماً مخصصاً للاجئين الفلسطينيين دون غيرهم. وقد دأبت السلطات الأردنية على إطلاق التصريحات على مدار سني النزاع الذي تشهده سورية بأنّ الأردن لن يفتح حدوده أمام نصف مليون [لاجئ فلسطيني من سورية] وأنه لن يتحمل إقامة المخيم رقم 11 للاجئين الفلسطينيين على أراضيه،8 وهو ما من شأنه أن يحوّل الأردن إلى البديل الدائم لما يقرب من مليونيّ لاجئ فلسطيني موجودين في الأصل في البلاد. 

وتمثل هذه السياسة المدروسة التي تقوم على احتجاز اللاجئين الفلسطينيين في مخيّم "سايبر سيتي" وإحكام الإغلاق عليهم فيه وعلى نحو يعزلهم ويحرمهم من الحصول على حقوقهم في الحماية وحرية الحركة والتعليم الحكاية التي تختزل 66 عاماً من التهجير والسلب الذي كابدته أربعة أجيال متعاقبة من اللاجئين الفلسطينيين وعانت منه.

وقد نصبت السلطات الأردنية سياجاً حول المخيم المذكور بجميع مرافقه، وأقامت حاجزين للشرطة يقع أحدهما على المدخل المؤدي إلى المنطقة الصناعية والآخر ضمن حدود هذا المخيم الذي يُحتجز فيه اللاجئون الفلسطينيون بغية فرض مستوى متقدم من الأمن فيه. ويعمل أفراد الشرطة المتمركزون على الحاجز الثاني على تقييد حرية اللاجئين في الحركة والانتقال إلى المبنى الذي يُحتجزون فيه وإلى المنطقة القريبة منه. وفضلًا عن ذلك، يعمل في المخيم مكتب تابع لجهاز المخابرات تحت قيادة الجيش الأردني، وهذا المكتب مكلف بمسح ومتابعة كل حركة داخل المخيم، بما فيها حركة اللاجئين أنفسهم أو تدفق المعونات من الأمم المتحدة وغيرها من المنظمات الإنسانية. وفي بعض الأحيان، تحظر السلطات الأمنية على المنظمات غير الحكومية والعاملين في المنظمات الإنسانية ممّن يحملون تصاريح سارية المفعول من الوصول إلى المخيم ودخوله، ممّا يصعب معه التأكد من ضمان حقوق اللاجئين القابعين فيه وإنفاذ الإجراءات المرعية في معاملتهم.9 ويُسمح للاجئين المقيمين في مخيّم "سايبر سيتي" بمغادرته كل أسبوعين أو ثلاثة أسابيع ولفترة لا تتجاوز 48 ساعة لزيارة أقارب لهم في بعض المدن الأردنية. وبخلاف ذلك، لا يُسمح للفلسطينيين المقيمين في هذا المخيم بمغادرته إلا للعودة إلى سورية.

وقد اشتكى اللاجئون المحتجزون في مخيّم "سايبر سيتي" من سوء المعاملة، وما يزالون يطلقون النداءات والمناشدات التي يطلبون فيها المساعدة للخروج منه.10 وحسبما جاء في تقرير صادر عن منظمة مراقبة حقوق الإنسان (Human Rights Watch)، "تُوفي ما لا يقل عن شخص واحد، اسمه محمود مرجان، بعد أن قامت السلطات الأردنية بترحيله من سايبر سيتي إلى سورية في سبتمبر 2012." فقد أُعيد مرجان بصورة قسرية إلى سورية، مع زوجته واثنين من أبنائه الصغار.11 وتشير منظمة العفو الدولية في أحد التقارير الصادرة عنها إلى أنّ مرجان "أُرغم على التوقيع "طوعًا" على ورقة تقول إنه سيعود إلى سورية على الرغم من أنّه مطلوب للسلطات السورية بحسب ما زعم".12 قال واحد ممّن أجرت المنظمة معهم المقابلات إنه تحدث مع مرجان هاتفيًّا أثناء إعادته، وإن مرجان قال إنه لا يريد العودة وإنّ "السلطات التي أخذته إلى الحدود هددته بإطلاق النار عليه إذا لم يواصل السير عائداً إلى سورية."13 وبعد 20 يوماً، في 15 تشرين الأوّل، قُتل مرجان في سورية بعد أن جاء رجال مسلحون إلى منزله وأطلقوا النار على رجله بحضور زوجته وأبنائه، ثم سحبوه داخل سيارة. وفي وقت لاحق من ذلك اليوم، ألقيت جثته أمام منزل والده، وعليها آثار تعذيب.14

وفي مناسبتين منفصلتين، تحدث لاجئان يقيمان في مخيّم "سايبر سيتي" إلى المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان وذكرا أنّ أحد اللاجئين حاول الإقدام على الانتحار بعد أن هدّدته السلطات الأردنية بإبعاده إلى سورية. وتمكن أربعة طلاب من الهروب من المخيم بغية استكمال تحصيلهم التعليمي، وكان الثمن الذي دفعوه لقاء ذلك أنهم لم يروا عائلاتهم مرة أخرى.

ولا يشكّل سوء المعاملة والإبعاد الدليلين الوحيدين على الحصار المفروض على اللاجئين الفلسطينيين في الأردن، فحالة العوز تعمّ مخيّم "سايبر سيتي"، والغرف الضيقة تستحيل ظروف السكن فيها ويعاني اللاجئون المحتجزون فيها من الاكتظاظ ومن العفن والرطوبة، ناهيك عن مواصلة احتجاز هؤلاء اللاجئين، واقتصار الموارد التي تقدمها السلطات لهم ضمن الحدود الدنيا التي تقيم أودهم، بحيث لا تزيد على أنّ تبقيهم على قيد الحياة، وحرمانهم من أسباب الراحة بغية إرغامهم على مغادرة الأردن أو البحث عن بدائل أخرى. وفي الوقت الذي أبدت فيه السلطات الأردنية الاستجابة تجاه اللاجئين السّوريين، ومنحتهم الخدمات الإنسانية وسمحت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بتقديم الدعم لهم، فلا يُعتبر اللاجئون الفلسطينيون النازحون من سورية مؤهلين للحصول على مثل هذه الخدمات إلا في أحوال نادرة. 15

فئات الفلسطينيين 

يجسد اللاجئون الفلسطينيون في مخيّم "سايبر سيتي" حالة انعدام الجنسية والإهمال القانوني الذي يعيشه أقرانهم اللاجئون من أبناء جلدتهم في كل يوم من حياتهم في جميع أنحاء المعمورة. ومعظم هؤلاء اللاجئين مسجلون لدى وكالة الأونروا، وقد هُجرت عائلاتهم من فلسطين إلى سورية في العام 1948. ويحمل هؤلاء الفلسطينيون نوعين من الوثائق القانونية: بطاقات الأونروا ووثائق السفر السورية تصدرها لهم الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب في سورية. 

وتشمل الفئة الثانية من اللاجئين الفلسطينيين أولئك الذين يحملون جوازات أردنية أو وثائق هوية أردنية أخرى (انتهت صلاحيتها)، مثل دفاتر العائلة أو شهادات الميلاد. وكانت السلطات الأردنية قد أبعدت هؤلاء اللاجئين إلى سورية في العامين 1970 و1971، عقب أحداث أيلول الأسود التي شهدت اندلاع القتال بين الجماعات المسلحة الفلسطينية والجيش الأردني. ولا يحمل هؤلاء الفلسطينيون، ولا أبناؤهم الذين وُلدوا في سورية، بطاقات هوية صادرة عن الحكومة السّورية، ولم يُسمح لأبنائهم بحمل جوازات السفر الأردنية أو وثائق السفر التي كان آباؤهم يحملونها، ولم يَجْرِ منحهم وثائق سفر سورية كذلك. وما يزال أبناء اللاجئين الفلسطينيين الذين شاركوا في أحداث أيلول الأسود قبل ما يزيد على 40 عامًا وأحفادهم يتحملون المسؤولية أمام الحكومة الأردنية، وحتى هذا اليوم، عن أمور فعلها أجدادهم قبل أن يبصروا هم أنفسهم النور.

وقد حصلت الفئة الثالثة من اللاجئين الفلسطينيين على وثائق الهوية التي تصدرها بعثة منظمة التحرير الفلسطينية في دمشق. ويستطيع هؤلاء الفلسطينيون بهذه الوثائق وشهادات الميلاد التي يملكونها أن يثبتوا الفئة التي ينتمون إليها من فئات اللاجئين الفلسطينيين. وأخيرًا، تضم الفئة الرابعة أولئك الفلسطينيين الذين سحبت السلطات الأردنية مواطنتهم الأردنية وحرمتهم من أي وثيقة من الوثائق الصالحة التي تتيح لهم إثبات هوياتهم. وفي هذا السياق، أبعدت السلطات الأردنية ما لا يقل عن فلسطينيين اثنين إلى سورية بعد أن ألغت جوازيهما الأردنيين. وبذلك، عرضت تلك السلطات حياة هذين الفلسطينيين للخطر لأنه لم يعد بإمكانهما أن يثبتا هوياتهما على الحواجز التي تقيمها قوات الحكومة أو قوات المعارضة في سورية، ممّا دفع بهم إلى مجابهة المخاطر في حياتهم دون أن تتاح أمامهم أي إمكانية لبلوغ المعونات الإنسانية. 

يعيش علي إحدى هذه الحالات، فهو شاب في العقد الثاني من عمره، وقد وُلد لأب فلسطيني يحمل جواز سفر أردنيًّا مؤقتًا ولأم تحمل وثيقة سفر لبنانية تصدر للاجئين الفلسطينيين المقيمين في لبنان. وقد سبق أن أُبعد جد علي من الأردن إلى سورية عقب أحداث أيلول الأسود في العام 1970. "لم يكن علي قد وُلد حينئذ، ولكن جميع أفراد عائلته هم الآن على القائمة السوداء وممنوعون من اللجوء إلى الأردن - على الرغم من أنّ والد علي يحمل الوثائق الأردنية، ولا يملك علي أي وثائق رسمية تثبت جنسيته. وهو لم يكن قادرًا على وراثة جواز والده الأردني ولا أن يضاف إلى بطاقة العائلة اللبنانية التي تحملها والدته من وكالة الأونروا، ولا أن يحصل على أية وثيقة سورية، ممّا يجعل منه شاهدًا يجسد حالة اللاجئ الفلسطيني العديم الجنسية إلى الأبد." 16

وفي هذا المقام، صرّح رئيس الوزراء الأردني عبد الله النسور: "علينا أن نأخذ كل الاجراءات التي تحول دون أن يصبح الأردن وطنًا بديلاً للفلسطينيين."17 وبذلك، فقد صرف النسور نظره عن الحقيقة التي تقول بأنّ هؤلاء الفلسطينيين الفارين من سورية هم بشر قبل أن يكونوا فلسطينيين. وأضاف رئيس الوزراء الأردني بأنه ينبغي السماح للفلسطينيين بالعودة إلى وطنهم الأصلي في فلسطين، وأن "الأردن ليس هو المكان الذي تحل فيه إسرائيل مشاكلها". وفضلاً عن ذلك، أطلع رئيس الديوان الملكي الهاشمي في الأردن منظمة مراقبة حقوق الإنسان على أنّ "تدفق الفلسطينيين سيتسبب في تغيير التوازن الديموغرافي في الأردن، وربما يؤدي إلى عدم الاستقرار."18 ويشكّل إبعاد الفلسطينيين إلى سورية خرقاً للالتزام الدولي الذي يملي على الأردن الإحجام عن إعادتهم قسراً من حيث أتوا، ويرتب القانون الدولي العرفي هذا الحظر الذي يكفل الحماية للاجئين من إعادتهم إلى الأماكن التي يمكن أن تتعرض فيها حياتهم أو حرياتهم للتهديد. 

وعلى خلاف بقية أفراد السكّان السّوريين، فلم يكن هذا هو الخروج الأوّل للاجئين الفلسطينيين إلى البلدان المجاورة. فبالنسبة إلى بعض الفلسطينيين، فهذه هي المرة الثانية أو الثالثة التي يتعرضون فيها للتهجير منذ أن طُردوا من فلسطين أول مرة في العام 1948. ومن سوء طالع اللاجئين الفلسطينيين أنهم أضحوا عالقين في وضع عائم يقترن بالسياسة الإقليمية وينشأ عن الثغرات الضبابية التي تشوب القانون الدولي، ممّا يجعلهم أكثر الفئات ضعفًا في أوساط اللاجئين على امتداد منطقة الشرق الأوسط. فقد بات ما يربو على نصف مليون فلسطيني في سورية لاجئين وأشخاصًا عديمي الجنسية وأفرادًا ينتمون إلى شعب سليب، حيث بات جيل آخر من الفلسطينيين مرغم على تكبد مأساة التهجير في مسعى أبنائه للوصول إلى بر الأمان. 

إنّ مخيّم "سايبر سيتي" في الأردن يشكّل مثالاً حياً على أنّ سريان حقوق الإنسان لا يُعَدّ مفهوماً عالمياً، فنحن نشهد ممارسة التمييز على أساس الخلفية الإثنية في حرمان اللاجئين الفلسطينيين النازحين من سورية من حقوقهم في الحماية والتعليم وحرية الحركة في ذات الوقت الذي يخشون فيه من الإبعاد والتهديد. 

وما يزال اللاجئون الفلسطينيون من سورية محجوبون عن كل وكالة من وكالات هيئة الأمم المتحدة، والمنظمات الإغاثية والدول المانحة التي لم تبذل العناية الواجبة للوقوف على المخاوف الإنسانية التي تواجههم في الأردن. وحسبما جاء على لسان منظمة مراقبة حقوق الإنسان في أحد تقاريرها، فإنّ "القسم الخاص بالأردن في خطة الاستجابة الإقليمية لسورية في 2014، الذي يرسم سياسة الحوار وتنسيق العمليات، لا يتطرق إلى الفلسطينيين. كما أنّ قوة المهام المشتركة بين الوكالات، وهي آلية تنسيق محلي بين وكالات المساعدة العاملة على الاستجابة لحاجيات السّوريين اللاجئين في الأردن، والتي ترأسها المفوضية السامية للاجئين، لم تتناول بالنقاش مسائل متعلقة بالفلسطينيين القادمين من سورية."19

لقد تعرّض اللاجئون الفلسطينيون للخذلان من السّلطة الفلسطينية قبل أي جهة أخرى، لأنها قصّرت في تنفيذ التدخل المطلوب وشجب عمليات الإبعاد على الملأ ومطالبة السلطات الأردنية بإلغاء السياسة التي تنتهجها في منع دخول اللاجئين الفلسطينيين النازحين من سورية وعبورهم إلى أراضيها. إنّ الحكومة الأردنية ترتكب انتهاكات صارخة للقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي بمعاملتها الراهنة للاجئين الفلسطينيين. نعم، صحيح أنّ إسرائيل هي المسؤول الأوّل والأخير عن المعاناة التي يكابدها هؤلاء اللاجئون بحرمانهم من حقهم في العودة إلى ديارهم وقراهم وبلداتهم في وطنهم فلسطين، ولكن - إلى أنّ يتم إجبار إسرائيل على الرضوخ للقانون الدولي واحترامه - لا ينبغي ترك اللاجئين الفلسطينيين الفارين من أتون الحرب في سورية يقعون فريسة للهلاك والفناء. 

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 

* حنين حسن: هي زميلة في مكتب العميد وطالبة في برنامج الدكتوراه في دائرة دراسات الشرق الأوسط وجنوب آسيا وأفريقيا بجامعة كولومبيا في نيويورك. 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

  1. UNRWA, “The UNRWA Syria Regional Crisis Response Plan 2014: A Briefing on Recent Developments,” January 23, 2014, http://www.unrwa.org/newsroom/press-releases/unrwa-syria-regional-crisis-response-plan-2014-briefing-recent-developments.

  2.  “Syrian Civil War,” Encyclopedia Britannica, n.d., http://www.britannica.com/EBchecked/topic/1781371/Syrian-Civil-War.

  3. منظمة مراقبة حقوق الإنسان (Human Rights Watch)، "غير مرحّب بهم"، 7 آب 2014، http://www.hrw.org/ar/reports/2014/08/07-0#_ftnref10

  4. UNRWA, “PRS in Jordan,” accessed August 20, 2014, http://www.unrwa.org/prs-jordan.

  5. UNRWA, “Syria Regional Crisis Response Update 75,” May 25, 2014, http://www.unrwa.org/newsroom/emergency-reports/syria-regional-crisis-response-update-75.

  6. منظمة مراقبة حقوق الإنسان (Human Rights Watch)، "معاملة أردنية للفلسطينيين على الحدود السورية تتسم بالتمييز: فلسطينيون يواجهون الاعتقال والتهديد بإعادة الترحيل إلى سوريا بشكل قسري"، 4 تمّوز 2012، http://www.hrw.org/ar/news/2012/07/04

  7.  منظمة مراقبة حقوق الإنسان (Human Rights Watch)، "غير مرحّب بهم".

  8. UNRWA, “Where We Work - Jordan,” accessed August 21, 2014, http://www.unrwa.org/where-we-work/jordan.

  9. Hanine Hassan, “Palestinian Refugees from Syria War Left to Suffer by Jordan,” The Electronic Intifada, March 10, 2014, http://electronicintifada.net/content/palestinian-refugees-syria-war-left-suffer-jordan/13229.

  10. Neil Sammonds, “‘A Dog Has More Freedom’ – Palestinians at Cyber City Camp for Refugees from Syria,” Amnesty’s Global Human Rights Blog, July 29, 2013, http://livewire.amnesty.org/2013/07/29/a-dog-has-more-freedom-palestinians-at-cyber-city-camp-for-refugees-from-syria/.

  11. منظمة مراقبة حقوق الإنسان (Human Rights Watch)، "الأردن - يجب أن يضغط أوباما على الملك عبدالله لوقف إعادة طالبي اللجوء: إجبار اللاجئين الفلسطينيين والرجال غير المتزوجين وغير الموثقين على العودة إلى سوريا بشكل غير قانوني"، 21 آذار/مارس 2013،  http://www.hrw.org/ar/news/2013/03/21-0

  12.  منظمة العفو الدولية، "الأردن: قيود متزايدة وظروف قاسية: محنة الفارين من سوريا إلى الأردن"، ص. 14، file:///C:/Users/IBM/Downloads/mde160032013ar.pdf

  13. منظمة مراقبة حقوق الإنسان (Human Rights Watch)، "الأردن – يجب أن يضغط أوباما على الملك عبدالله لوقف إعادة طالبي اللجوء: إجبار اللاجئين الفلسطينيين والرجال غير المتزوجين وغير الموثقين على العودة إلى سوريا بشكل غير قانوني".

  14. منظمة مراقبة حقوق الإنسان (Human Rights Watch)، "غير مرحّب بهم".

  15. Akram et al., Protecting Syrian Refugees: Laws, Policies, and Global Responsibility Sharing.

  16. Hassan, “Palestinian Refugees from Syria War Left to Suffer by Jordan.”

  17.  وكالة الأنباء الأردنية (بترا)، "النسور: الأردن لن يكون وطنًا بديلًا للفلسطينيين،" 26 شباط/فبراير 2014، http://www.petra.gov.jo/Public_News/Nws_NewsDetails.aspx?lang=1&site_id=2&NewsID=141665&Type=P

  18.  منظمة مراقبة حقوق الإنسان (Human Rights Watch)، "غير مرحّب بهم".

  19. المصدر السابق.