التفاوض على القرارات الدولية أم النضال من أجل تطبيقها

بقلم: احمد ابو غوش*

منذ الحرب العالمية الثانية تم تشكيل مؤسّسات دولية مثل الأمم المتحدة هدفها الأساسي والمعلن هو ضمان الامن السلم العالميين، ودعم التعاون بين الشعوب والدول. السؤال المهم هنا، أين وكيف ومتى نجحت الأمم المتحدة في تنفيذ قراراتها؟ ولماذا، تحديداً، هي عاجزة عن فرض قراراتها المتعلقة بإدانة إسرائيل وعدوانها المستمر على الشّعب الفلسطيني؟

 اتّخذت الأمم المتحدة حوالي عشرين قراراً يدين إسرائيل في العام 2014، وواحد وعشرين  في عام 2013 - مقابل أربع قرارات بخصوص بقية دول العالم. ومع ذلك، لم تستطع الأمم المتحدة فرض قرار واحد من القرارات لصالح الشّعب الفلسطيني. والسؤال هو لماذا؟ ان الإجابة على هذا السؤال تساعد على تبني الاستراتيجية الملائمة اتجاه القرارات الدولية. ارتكزت الثورة الفلسطينية على الشرعية الوطنية والتاريخية في ممارسة نضالها، وكان نضالها متصاعداً، وحقّق رغم كل أزماتها نجاحات مهمة. إلّا أنّها في ظل إقامة السّلطة الوطنية الفلسطينية بدأت تجنح باتّجاه اعتماد الشرعية الدولية كأساس لنضالها. والسؤال هو هل الشرعية الوطنية هي أساس النضال التحرري أم الشرعية الدولية؟ وهل تناضل قوى الثورة من أجل تطبيق القرارات الدولية أم تتفاوض عليها؟ وما هي مخاطر وإيجابيات كل من الخيارين الاستراتيجيين؟

قرارات الأمم المتحدة مرتبطة بموازين القوى الدولية أساساً ومن ثمّ بموازين القوى المحلية، وكانت وما زالت تعبّر عن مصالح الدول الكبرى، وعن هيمنتها على هذه القرارات، وإنّ تطبيق أي قرار من قرارات الأمم المتحدة يجب أن يصاحبه تغيير في موازين القوى المحلية مدعوماً بموازين قوى دولية ملائمة. إنّ تحليل ظروف ومسار اتخاذ القرار 181 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة يثبت ما قلناه. لقد صدر هذا القرار عام 1947 حيث كان اليهود يملكون فقط 6.5 % من أراضي فلسطين، ومنحهم هذا القرار 56.4% من مساحتها، بينما منح الفلسطينيين 43.6 % من هذه المساحة. وبالرغم من كون هذا القرار غير عادل، وعبّر عن مصالح الدول الكبرى في إقامة دولة إسرائيل، إلّا أنه فرض على إسرائيل العديد من الالتزامات، فقد حدّد بوثيقة حدود إسرائيل، وأرفق بها خرائط تبين حدودها. وقد لوحظ أن الدول التي أيّدت هذا القرار سهّلت تنفيذ الشق المتعلق بإقامة إسرائيل، ووضعت عراقيل أمام تنفيذ شقه الثاني "إقامة دولة فلسطين"، وصارت تطالب بمشروع وصاية على فلسطين بهدف المماطلة والتسويف. أما القرار المهم الآخر، فهو القرار 194 الصادر عام 1948 عن الجمعية العامة للأمم المتحدة، وأهميته تنبع من أنّه دعا إلى إعادة اللاجئين الفلسطينيين. ومرة أخرى، موازين القوى الدولية والمحلية هي التي كانت سببا رئيسيا في عدم تطبيق هذا القرار؛ بل وفي افشال لجنة التوفيق الدولية التي اتنشئت لتطبيقه. وفي مواجهة العرب، أعلنت الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا عن استعدادها لحماية حدود دولة إسرائيل رغم سيطرتها على 23% من الأراضي المخصصة للدولة العربية بحسب القرار 181.

القرارات الأخرى كلّها مهمة، ومنها أيضا قرار مجلس الأمن رقم 242 وذلك إذا أخذت من وجهة نظر تكتيكية، فهذا القرار يدعو إلى انسحاب إسرائيل من أراض عربية احتلت سنة 1967، وتطبيقه يمكن من وضع حد لتوسّع إسرائيل المتواصل. وهنا يجب القول أنّه في حالة أخرى غير حالة إسرائيل فان إصدار هذا الكم من القرارات وفرض عقوبات عليها كان سيضعفها وسيساهم في فرض حلول عادلة للصراع معها؛ إلّا أنّ العقوبات وحدها عجزت في حالات كثيرة عن ثني دول عن عدوانها، أو عجزت عن إجبار دول تناضل من أجل حقوقها على الرضوخ لدول عظمى، وحالة كوبا وكوريا الشمالية وإيران وروسيا دليل على ذلك.

ان استراتيجية التفاوض على القرارات الدولية منذ أوسلو وحتى اليوم أثبتت أن إسرائيل المدعومة من قبل الولايات المتحدة والمحمية منها غير راغبة وليست مجبرة على تطبيق أي قرار دولي لصالح الشّعب الفلسطيني. تبني هذه الاستراتيجية هو عبث ومضيعة للوقت. بالمقابل تبني استراتيجية النضال من أجل تطبيق القرارات الدولية غير ممكن إلّا إذا رافقه نضال جاد وفعال لتغيير موازين القوى محلياً، واعتماد أسلوب التحريض ضد ممارسات إسرائيل العنصرية وتكوين جبهة أهلية وجماهيرية في دول الغرب التي تساند إسرائيل لتضغط على حكوماتها. إنّ تحقيق انجازات على هذا الصعيد والتحالف مع الدول التي تواجه استفراد الولايات المتحدة بالعالم، لا إلقاء كل الأوراق في حضن الولايات المتحدة المنحازة لإسرائيل، من شأنه أن يحقق إنجازات أفضل للشعب الفلسطيني . 

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*احمد ابو غوش: باحث وكاتب فلسطيني.