مصادرة ممتلكات اللاجئين في المحاكم الإسرائيلية منذ العام 1948

بقلم: ايزابيــل همفريـــز

مهجــرو "اللجــون" متمسكـــون بحقوقهـــم

تقع قرية "اللجون" المهجرة في أسفل مرج ابن عامر عند تقاطع الطرق القديمة؛  حيث يتقاطع الطريق بين حيفا ولبنان مع الطريق العام العابر من دمشق إلى القاهرة. ولقرية "اللجون" تاريخ طويل من حيث الأهمية السياسية؛ فعندما استولى العثمانيون على المنطقة من حكم المماليك في عام 1516؛ كانت بلدة "اللجون" إحدى الألوية الخمسة في فلسطين، وخلال فترة الانتداب البريطاني؛ لعب القرويون دورا هاما في الثورة الفلسطينية الكبرى ضد الاستعمار بين عامي 1936 – 1939، وهذا التراث في المقاومة يتم استذكاره بفخر في معركة القرويين القانونية الحالية من موقعهم كمهجرين داخليا على بعد ست كيلومترات أسفل الطريق.فبعد احتلال البلدة على يد لواء "غولاني" الإسرائيلي في عام 1948؛ بقي حوالي 80 % من سكانها البالغ عددهم حوالي ألف نسمة في مدينة أم الفحم المجاورة، في البداية كجزء من الضفة الغربية التي أصبحت تابعة للأردن، ثم انتقلت البلدة لتخضع للاحتلال الإسرائيلي بعد حوالي السنة على إثر اتفاق "رودس"؛ وبهذا أصبح أهالي "اللجون" مواطنون إسرائيليون، ولكنهم لا يستطيعون العودة إلى قريتهم حتى الآن.


في أعقاب نكبة العام 1948؛ كانت مجموعات عديدة من الفلسطينيين المهجرين داخليا بجنسيتهم الإسرائيلية، قد عقدت الأمل بأن الدولة الإسرائيلية الجديدة ستسمح لهم بالعودة إلى أراضيهم التي هجروا منها. وقد حاول العديد من المهجرين؛ من قرى مثل صفورية، الغابسية، كفر برعم وإقرث، متابعة قضايا أراضي قراهم عبر المحاكم الإسرائيلية، وبحلول أواسط الخمسينات من القرن الماضي، كانت معظم القضايا قد تم رفضها، أو أن قرارات المحاكم قد لقيت تجاهلا من قبل السلطات العسكرية؛ وهكذا شعر المهجرون بالإحباط من المتابعة عن طريق الملاحقة القانونية.

يتربع اليوم كيبوتس "مجيدو" على أراضي قرية "اللجون" التي دمرت معظم مبانيها؛ وعندما احتج رئيس بلدية أم الفحم السابق على قيام مستوطنو الكيبوتس باستخدام مسجد القرية كورشة للنجارة، قام كيبوتس "مجيدو" بإحاطة القرية بسواتر ترابية تمنع أي زائر محتمل للقرية من القيام بأية تصليحات، ولكن مقبرة القرية لا زالت موجودة، وقبر "يوسف الحمدان"، أحد شخصيات الثورة البارزين، لا زال واضحا للعيان؛ ولكن أهالي القرية لا يستطيعون دخولها في مجموعات كبيرة سواء للزيارة أو للقيام بأعمال الترميم، وبدلا عن ذلك استقروا على القيام بزيارات هادئة أثناء "الأعياد اليهودية" حيث يتوقع عدم وجود أفراد الكيبوتس في المكان.

والقضايا التي تتم متابعتها اليوم، عادة ما تتعلق بالتماسات من أجل الوصول إلى الأماكن المقدسة وحمايتها؛ ولكن بالنسبة لأهالي "اللجون"، فقد استمروا في الكفاح من اجل حقوقهم في قسم من أراضي القرية. ويقوم مركز  "عدالة"/المركز القانوني للدفاع عن حقوق الأقلية العربية في إسرائيل؛ بدعم كفاح مجموعة من 200 قروي من أهالي "اللجون" من أجل الطعن في قرار مصادرة 200 دونم من أراضي القرية في عام 1953.

وموضوع الحملة الحالية عبارة عن قطعة أرض مساحتها 200 دونم تمت مصادرتها جنبا إلى جنب مع قطع أراضي أخرى بلغت في مجموعها 34000 دونم من قبل وزير المالية آنذاك (ولاحقا رئيس وزراء إسرائيل) ليفي إشكول بتاريخ 15 تشرين ثاني 1953؛ وقد تم ذلك الإجراء استنادا إلى المادة الثانية من قانون استملاك الأراضي، الذي يمكن من المصادرة من أجل "احتياجات حيوية للاستيطان والتنمية". ويشير مركز "عدالة" إلى أن قطعة الأرض موضوع البحث مغطاة اليوم بغابة إسرائيلية وبمنشآت صناعية تملكها شركة المياه الإسرائيلية "ميكوروت". وبعد سنوات من النضال؛ رفضت المحكمة اللوائية في الناصرة الدعوى في آذار 2007، وقبلت حجة سلطة التطوير الإسرائيلية بأن الأرض يتم استخدامها لأغراض الاستيطان بالمعنى الواسع للكلمة، وردا على ذلك؛ توجه مركز "عدالة" بالتماس للمحكمة العليا، مدعيا بأن الأرض لم تستخدم قط لمثل هذا الغرض.

ويوضح محمد فايد، رئيس جمعية "اللجون" الثقافية، كيف أوصل القرويون القضية للمحكمة في العام 1990، وذلك عندما أثير التساؤل حول الملكية القانونية لقسم آخر من أراضي القرية، وكيف قامت الحكومة الإسرائيلية بتوزيع صيغة نموذج لوثيقة على عائلات "اللجون" في أم الفحم، تطلب هذه الوثيقة من كل صاحب قسيمة في قطعة الأرض أن يقوم بالتوقيع على هذه الوثيقة وأن هذه القسيمة/القطعة المحددة من الأرض تعود له؛ وبناء على ذلك التوقيع، تستطيع الحكومة رسميا تقديم "تعويض" لذلك الشخص، وبالتالي الادعاء بأن هذه الأرض قد تم شراءها بشكل قانوني، وليس مصادرتها، وإذا رفض أهالي قرية "اللجون" التوقيع على تلك الصيغة/الوثيقة فإنهم ببساطة لن يحصلوا على تعويض، وأن الحكومة ستحتفظ بالأرض في كل الأحوال.

وفي إحدى الحالات التي قامت فيها إحدى الأسر الممتدة باتخاذ قرار بالتوقيع على الوثيقة وقبول التعويض مع أنه تم تخفيض قيمته، في حين أن عائلة أخرى رفضت قبول تلك الشروط ولم تحصل على شيء. وقد قرر الفايد، وهو لاجئ من الجيل الثاني، بأن على الأهالي  متابعة هذه القضية بصورة جماعية، وقال أنه اكتشف العديد من الأشخاص الحريصين على عمل ذلك، وبأنهم يجمعون سجلاتهم التاريخية الخاصة بأملاكهم، ومصممون على مواجهة المزيد  من استراتيجيات الحكومة التي تخدع القرويين فيما يخص حقوقهم باعتبارهم مواطنين إسرائيليين. وهكذا عندما ظهرت قضية القطعة الثانية من الأرض؛ كان القرويون جاهزون للنضال عبر المحاكم بصورة جماعية.

وفي نيسان 2007، استضافت قرية "اللجون" المسيرة السنوية لإحياء ذكرى النكبة، وهو حدث تجمع خلاله الآلاف من لاجئي "اللجون" مع آخرين من كل أنحاء البلاد لكي يسيروا عبر الحقول ويجتمعوا في موقع القرية. وكان هذا في مصلحة القضية المثارة في المحكمة؛ حيث أن  الفايد وآخرين في اللجنة مصممون على غرس الدافعية للفعل لدى الجيل الشاب، وهو عمل ليس سهلا في مجتمع تلمس فيه بوضوح أثر الهيمنة والسيطرة الإسرائيلية على جميع مستويات الحياة؛ الاجتماعية، الثقافية والسياسية. وبينما تم توزيع كراسة خلال المسيرة، فإن الفايد يعمل على إصدار مطبوعة أطول عن تاريخ القرية.  ولد محمد الفايد في العام 1955، ولم يعش يوما واحدا في قرية اللجون؛ ولكن بحثه الدقيق في أوساط كبار السن من الأهالي، قد زوده حول أسماء الينابيع والآبار والمواقع  وقام بتثبيتها على خارطة لأراضي القرية، وهي أسماء تمت إزالتها من الخرائط الإسرائيلية منذ فترة طويلة.

يعمل محمد الفايد أيضا على إيجاد موقع في مدينة أم الفحم من اجل تصميم نموذج للقرية القديمة كموقع للزيارات التعليمية، كما يوجد عدد من المتطوعين الذين يعملون على الحصول على تصريح من رئيس جمعية المعلمين المحلية؛ من اجل عقد حلقات أو تقديم محاضرات تثقيفية في مدارس أم الفحم. وكما في حالة كل اللاجئين الفلسطينيين؛ فإن هذه المجموعة تعي أن الأمل الأساسي للأهالي لا يتعلق بنتائج حالة محددة من النضال القانوني، بل في تثقيف الجيل الجديد من أجل النضال لتأمين حقوقهم الأساسية، ومن أجل الحق في الحصول على أراضي أسلافهم الذين جردوا منها بطريقة غير مشروعة.

____________________

إيزابيل همفريز هي باحثة في شؤون المهجرين داخليا، ومرشحة لنيل شهادة الدكتوراة من جامعة سوري في لندن، وموضوع رسالتها حول المهجرين الفلسطينيين في اسرائيل.