المجموعات اليهودية المناصرة للشعب الفلسطيني في الولايات المتحدة الأمريكية

بقلم: دونا نيفيل ومارلين كلينبيرج نيمرك*

منذ نشوء الحركة الصهيونية نهايات القرن التاسع عشر وحتى يومنا هذا، كان هناك وبشكل دائم، العديد من اليهود حول العالم الذين تناولوامسألة أو فكرة وجود دولة قومية لليهود في فلسطين. العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، والذي أطلقت عليه اسرائيل عملية "الجرف الصامد"، تمخّضت عنه نقلة نوعية وغير مسبوقة في أوساط اليهود في أمريكا نحو مناهضة الممارسات والسياسات الإسرائيلية. بينما يقوم هذا النشاط المناهض على أسس متعددة تطورت على مدى نصف قرن،خاصة منذ عام 1967، إلّا أنّه في نفس الوقت يكشف عن بعض التوجهات الجديدة والمشجعة. يمكن رؤية هذا التطورات بشكل فعلي في تصعيد أنشطة الحركة على أرض الواقع وتوسيع نطاق النقاش حول كل ما هو على المحك، وفي فضح المواقف والاتّجاهات الثابتة للصهاينة الليبراليين. كل هذه العوامل تظهر، على نطاق أوسع، داخل الولايات المتحدة (بل وعلى النطاق العالمي). ليس مستغربا في حدث عاجل مثل عدوان "الجرف الصامد" أن تعمل مجموعات مستعدة وقادرة على الضغط والتعبئة من أجل تطبيق العدالة في فلسطين وإسرائيل.

تُشكّل منظّمة "الصّوت اليهودي من أجل السّلام (Jewish Voice for Peace)" والتي تأسّست في عام 1996، مثالاً حياًّ على هذه الجماعات. يأتي على رأس قائمة العمل والانشطة المستمرة لمنظّمة الصّوت اليهودي من أجل السّلام توسيع المشاركة الأمريكية واليهودية-الأمريكية من خلال القاعدة الشعبية، الإعلام، وغيرها من الحملات (مثل لعب دور بارز في تعزيز القرار الذي اتخذته الكنسية المشيخية في الولايات المتحدة في شهر حزيران 2014 المتعلق بسحب مبلغ 21 مليون دولار من شركات كاتربلر وموتورولا وهيوليت باكرد (HP)والتي تعتبر شركات داعمة للاحتلال). اضافة الى ذلك، فإنّ توسيع المشاركة في الحملات التي تنفذها منظّمةالصّوت اليهودي من أجل السّلام كان واضحاً من خلال حشد النشطاء والأعضاء المؤيدين للرد الفوري على الهجوم الذي تتعرض له غزة، وذلك من خلال تنظيم المسيرات في الشوارع، والاعتصام المدني، والاحتجاجات في عشرات المدن، إضافة إلى تقديم العرائض المنشورة على الانترنت وخطابات الضغط ومبادرات الإعلام الاجتماعي القائمة على المشاركة وغيرها. هذا أيضاً ما قامت به العديد من المجموعات اليهودية الاخرى، من بينها مجموعة "على اليهود قول كلمة لا"! ومجموعة "يهود من أجل حق العودة للفلسطينيين"، و"شبكة اليهود العالمية المعادية للصهيونية"، حيث نظّمت وشاركت في العديد من الفعاليات والمظاهرات العالمية في الشوارع وعلى الشّبكة العنكبوتية. أيضاً، على الشبكة العنكبوتية، يمكن الدخول الى العديد من المدونات ومواقع الأخبار التي يكتبها اليهود، والتي تتضمّن تعليقات وتقارير شديدة اللهجة، مثل التقارير التي ينشرها مدوّني www.mondoweiss.net.

ما لم يكن متوقعاً كان التصاعد الكبير في اهتمام هذه المجموعات، فضلاً عن تأسيس واطلاق العديد من المجموعات الجديدة. فخلال عملية "الجرف الصامد"، شهدت منظّمةالصّوت اليهودي من أجل السّلام نقلة نوعية في عدد مشتركي قائمة بريدها الالكتروني، بحيث ازدادت قرابة الـ50,000 مشترك في فترة لا تتجاوز الأربعة أسابيع، فيما تضاعف عدد معجبيها على موقع الفيس بوك ثلاث مرات، ليصل 184,000 معجب، وبالكاد أصبحت المنظّمة قادرة على مواكبة الطلبات لتشكيل مجموعات جديدة لها في الولايات المتحدة الأمريكية، حيث هناك قرابة 18 مجموعة جديدة تستعد لمباشرة العمل في الآونة الأخيرة.

في الوقت ذاته، ظهرت مجموعة جديدة تحمل اسم "إن لم يكن الآن" #IfNotNow(والتي أخذت اسمها من الدعوة الأخلاقية الشهيرة من القرن الأول للحكيم والباحث اليهودي هيليل) عبر مواقع التواصل الاجتماعي. عملت المجموعة بشكل سريع على تحريك الشارع وتنظيم الانشطة المناهضة، التي تضمّنت تنفيذ اعتصام مدني في مكتب نيويورك لمؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الكبرى، حيث قام اعضاء هذه المجموعة بتلاوة "الكاديش" (صلاة الحداد اليهودية) على أرواح الضحايا الذين قتلوا في غزة وقرأوا أسماؤهم. وقد وجهوا رسالة الى رئيس المؤتمر "مالكوم هوينلن"، الذي رفض التحدث إليهم، جاء فيها انهم "كانوا غاضبين لأن هناك الكثيرين ممّن تحدثوا عن أرواح الفلسطينيين وكأنها أقل أهمية أو اقل شأناً من أرواحنا، غاضبين لأن هنالك العديد من الذرائع التي تُقدّم لتبرير قتل الفلسطينيين."

وبينما نشهد اليوم تحولاً غير مسبوق في المواقف تجاه اسرائيل من جميع الأعمار، فإنّ الجيل الجديد من اليهود يشكّل النسبة الأكبر في هذا التحول. فـ"مسح السكان اليهود" الذي أُجري السنة الماضية، لفرز الآراء ووجهات النظر لليهود الأمريكان، أظهر انخفاضاً مضطرداً بحسب العمر بين اولئك الذين يعتبرون أنفسهم "متعلّقين بإسرائيل": 38% من اليهود ممّن تتجاوزت أعمارهم 65 و 25% ممّن تتراوح أعمارهم بين 18 و29. (مثل هذه التغييرات لا تشمل اليهود فحسب، بل تتعداه لتشمل الأمريكيين بشكل عام أيضاً. أظهرت استطلاعات الرأي التي أجراها مركز "بيو وغالوب" للأبحاث في أواخر تموز عام 2014 أنّ 55% من الذين تزيد أعمارهم عن 65 يعتبرون أعمال إسرائيل في غزة مبرّرة، بينما أجمع 25% ممّن تتراوح أعمارهم بين 18 و29 قالوا عكس ذلك).

بينما يزداد عدد اليهود المنخرطين في الاحتجاجات ضد الاحتلال الاسرائيلي، فإنّ مطالبهم تتغير، أيضاً. في السابق كانت التحرّكات الجماهيرية لهذه الجماعات عادةً ما تُنظّم تحت شعار "حل الدولتين". بينما يمتلك نشطاء اليوم آراء متعددة،فإنّ "حل الدولتين" لم يعد موقفاً جماعياً ولا حتى امكانية واقعية في ظل التوسّع الكبير للمستعمرات اليهودية في الضفة الغربية. في حين ترّكزت الاحتجاجات هذا الصيف على العدوان على غزة، إلّا أنّها تناولت أيضاً مسائل أساسية وجوهرية مثل، الحصار على غزة، الاحتلال، النّكبة وحق العودة للاجئين الفلسطينيين (تلقى مشروع التعليم حول النكبة في الولايات المتحدة (Nakba Education Project – NEP) العديد من الطلبات من ناشطين ومعلمين للتزود بالمعلومات ذات الصلة). إنّ منظّمةالصّوت اليهودي من أجل السّلام والعديد من النشطاء اليهود يدركون أنّ هذه القضايا يجب أن تكون في الطليعة كجزء من جدول الأعمال المستمر على المدى البعيد، ولتنظيم العمل المتواصل كشركاء في الحراك الأوسع لتحقيقالعدالة في فلسطين.

يشكّل النّداء الفلسطيني لمقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها وفرض العقوبات عليها (BDS) جزءاً هامّاً من هذا العمل المتواصل. في الواقع، استهدفت العديد من نشاطات الاعتصامات المدنية الشّركات التي تدعم الاحتلال في مختلف أنحاء الولايات المتّحدة. ففي "سياتل" مثلاً، قامت منظّمةالصّوت اليهودي من أجل السّلام ومنظّمة مثليون لمكافحة نظام الفصل العنصري الإسرائيلي بإغلاق مدخل مصنع بوينج للدفاع، بينما نظّم متظاهرون آخرون مسيرة تمثيل لمشاهد الموت في غزة، وقاموا بقراءة أسماء الشّهداء الفلسطينيين الذين قُتلوا في الحرب. أيضاً، أُلقي القبض على نشطاء من منظّمةالصّوت اليهودي من أجل السّلام داخل مقر شركة "بوينغ" في شيكاغو. قامت "بوينغ"، والتي صُنّفت عام 2012 كثاني أكبر مورّد للأسلحة في العالم، ببيع مقاتلات F-15Aومروحيات أباتشي من نوعAH 64لإسرائيل، والتي تقوم اسرائيل حاليا باستخدامها في الهجمات على غزة.

بينما تتعلق قلوبنا وأجسادنا بهؤلاء النشطاء، فإنّه من المهم أيضاً، بالاستناد الى الى التحليل الجذري للوضع القائم، الاعتراف بالتحول الهام داخل الصهيونية الليبرالية اليهودية-الأمريكية التي أصبحت جليّة هذا الصيف. يقوم المحلّلون والنقّاد من أصحاب المكانة الرّفيعة، الذين طالما أظهروا دعمهم المتواصل لإسرائيل في الأزمات السابقة (نذكر منهم الكاتب في صحيفة نيويورك تايمز روجر كوهين، وجوناثان تشايث من مجلة نيويورك، وليون ويسلتير من نيو ريبابلك) بكتابة العديد من المقالات حول عدم ارتياحهم وضرورة دق ناقوس الخطر بشأن العنف الإسرائيلي ضد سكّان غزة، وإزاء ما أسموه التّردّي في قِيَم اليهودية والديموقراطية في إسرائيل. هؤلاء المعلِّقون يصرّون دوماً على إيصال مفاهيمهم وانتقاداتهم للغير مؤكّدين على حبّهم ودعمهم لإسرائيل. مع ذلك، ولأنهم يشهدون حكومة إسرائيلية لم تظهر وبأي شكل من الأشكال أيّة إرادة في السّعي إلى تحقيق السّلام مع الفلسطينيين، وتحمل دعوات سافرة للتطهير العرقي (وأسوأ من ذلك ايضا)، وعاصروا كيف كانت تقمع أصغر المعارضات في اسرائيل، فإنّ عليهم الآن أن يتعاملوا مع التناقضات الملازمة لالتزامهم بمعتقداتهم في دولة من الممكن أنت تكون إثنوقراطية يهودية وديموقراطية.

يمكن للنشطاء الذين توقفوا عن الايمان، أو الذين لم يؤمنوا يوماً بالفكر الصهيوني، أن يعتبروا هذا الكلام مضيعة للوقت: يبدو أن الكتّاب منزعجين ممّا يسبّبه التنافر المعرفي لديهم أكثر من المعاناة الحقيقية للفلسطينيين. ومع ذلك، كونهم يكشفون عن التناقضات فيما ينشره الإعلام السائد على الأقل، فإنّ ذلك يظهر التصدّعات التي تُعاني منها أسس الدّعم اليهودي الليبرالي الأمريكي لإسرائيل، أو بالأحرى تزيد من هذه التصدعات وتوسعها.

في الوقت ذاته، قامت الجريدة الوطنية اليهودية الأسبوعية، "ذا فورورد"، بنشر بعض التحليلات والتقارير الإخبارية الناقدة. فعلى سبيل المثال، لم يعاني الكاتب الصهيوني "جوناثان جيرمي غولدبرغ"، صاحب العمود الأسبوعي في مجلة "ذا فورورد" منذ فترة طويلة، من أيّ تأنيب للضّمير عندما صرّح قائلاً: من أجل جني التأييد والدعم الشّعبي للحملة ضد حماس والحرب على غزة، فإنّ حكومة نتنياهو كذبت بشأن حالة المستوطنين الثلاثة المخطوفين. كما وتنشر الجريدة أيضاً رسوماً كريكاتورية حادّة مصحوبة بتعليقات بريشة الكاريكاتير "الي فالي". وبالرغم من محدودية هذه المساهمات، إلّا أنّها تشكّل إشارات قوية تدل على تغير في السياق.

واحد من الأشياء الذي نبّهنا اليها تاريخ اليسار اليهودي النّاشط في الولايات المتحدة، يتمثل في تزايد أعداد اليهود الأمريكان المعارضين للعنف الإسرائيلي. شهدت الانتفاضة الفسلسطينية الأولى ارتفاعاً غير مسبوق في أعداد المنظّمات المناهضة للاحتلال، والتي ضمّت مجموعات من جميع أنحاء البلاد. ومرّة أخرى، خلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية، نزل اليهود الى الشوارع ووظّفوا صفحاتهم التحريرية المحلية في جميع أنحاء الولايات المتحدة. وهذا ما آلت إليه الأمور مع كل تصعيد للأعمال العدائية: المنظّمات اليهودية الرئيسية تتآزر مع بعضها البعض، وتشتد المعارضة.

ولكن، في الواقع، نحن نعتقد أنّ هذه المرّة مختلفة لسببين: الأوّل وهو القفزة النوعية للحراك، سواء في الأرقام أو على أرض الواقع، والثاني مواصلة التنظيم الجماهيري وبرغبة شديدة من اليهود في الولايات المتحدة لمعالجة القضايا الأساسية مثل النكبة وحق العودة. تعمل مجموعات مثل منظّمةالصّوت اليهودي من أجل السّلام باستمرار كحلفاء مع الحركات التي يقودها الفلسطينيون من أجل العدالة، وتشارك بكلّ إخلاص في حملات مقاطعة إسرائيل وسحب الاستثمارات منها، وفرض العقوبات عليها. ومع دخول أعداد أكبر في الحراك، أصبحت الجماعات اليهودية في وضع أفضل للعمل مع حلفاء اخرين (مثل الحملة الأمريكية لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي) لتحدّي نفوذ اللوبي الإسرائيلي (آيباك، وحتّى الأكثر عدداً مثل المسيحيين الصهاينة ومصنّعي الأسلحة).

نحن نعرف أنّ العمل لتغيير سياسة الولايات المتحدة لا يزال هائلاً. فخلال عشرة أيّام منذ إطلاق عملية "الجرف الصامد،" أقرّ مجلس الشيوخ الأمريكي بالإجماع على قرار يدعم إسرائيل. وفي الأوّل من آب، صوّت الكونغرس على تمويل طارئ لاسرائيل بقيمة 225 مليون دولار أمريكي لـ "القبة الحديدية" للدفاع الجوي ضد صواريخ حماس (وكان هذا القرار بالإجماع في مجلس الشيوخ، و395 مقابل 8 في مجلس النواب). ولكن، قبل أسابيع قليلة فقط، أعلن البيت الأبيض أنّهم يُراجعون كلّ شحنات الأسلحة التي ترسلها وزارة الدفاع إلى إسرائيل. وبالرّغم من كونها بداية صغيرة جدّاً، إلّا أنّها بالتأكيد حركة جيدة في اتجاه إيجابي.

مع تغيّر السّياق، واستمرار ضعف الدعم اليهودي غير المشروط لإسرائيل - سواء لسياساتها أو مكانتها كدولة اثنوقراطية – فإنّنا نجد اليوم في ذلك سبباً يدعو للتفاؤل. ولكن العمل المستمر للجماعات اليهودية التي تقف مع، وتشارك في، الدعوة الحثيثة لمقاطعة اسرائيل وسحب الاستثمارات منها، وفرض العقوبات عليها، والجهود الأخرى لتحقيق العدالة والمساواة والالتزام نحو تحقيق حقوق الشعب الفلسطيني، وكذلك التزام السياسة الخارجية للولايات المتحدة بهذه المبادئ، فإنّ ذلك يظلّ أكثر أهميّة وأكثر صعوبة من أي وقت مضى.

-----------------------------------------

*دونا نيفيل ومارلين كلينبيرج نيمرك: أعضاء في منظّمة "الصّوت اليهودي من أجل السلام" وتعمل دونا أيضاً مع منظّمةالصّوت اليهودي من أجل السّلام. وكلتاهما عضوتان في اللجنة التنسيقية لمشروع التعليم حول النكبة في الولايات المتحدة، ودونا عضو مؤسس في مجموعة "على اليهود قول كلمة لا".