٦٦ عاماً من الاستعمار المستمر

بقلم: امجد القسيس*

دأبت دولة اسرائيل منذ نشأتها الى استهداف الفلسطينيين بنظام حكم مبني على التفرقة العنصرية بهدف استعمار الأرض الفلسطينية. إن مجمل السياسات والقوانين الإسرائيلية العنصرية، والتي تعمل على تهجير السكان الأصليين (الفلسطينيين) بعدة طرق تتمثل في الاحتلال المباشر، وتطبيق نظام الفصل العنصري (الابارتهايدتبرز الانتهاك الإسرائيلي المستمر للقانون الدولي والذي يتمثل في انتهاكات حقوق الإنسان، والقانون الإنساني والقانون الدولي الجنائي، مما جعل الكيان الإسرائيلي في مأزق قانوني واضح.

لذلك بات من المهم إثبات أن القانون الدولي ليس مجرد حبر على ورق، وإنما منظومة قانونية صممت للحفاظ على الحقوق وفرض الالتزامات، والاهم أنها تعمل على خلق وتطبيق وقائع مرتبطة بقيم ومبادئ القانون الدولي وبالتالي محاكمة النظام الإسرائيلي. في الحقيقة، قد يكون من المستبعد التوصل إلى حل لمسألة الاستعمار والاضطهاد الإسرائيلي المستمر من خلال المفاوضات السياسية، وإنما من خلال فرض جملة من القوانين  الحاسمة والالتزام بتطبيقها حسب معايير القانون الدولي.

في الحقيقة، لا يعتبر الفلسطينيون اللذين يقطنون في الارض الفلسطينية المحتلة عام 1967 الضحية الوحيدة للنظام الإسرائيلي الاستعماري، حيث أن هذا النظام العنصري يستهدف أيضا الفلسطينيين الذين يسكنون داخل ما يعرف بإسرائيل (أي داخل خط الهدنة لعام 1949). يهدف النظام الإسرائيلي من خلال هذه الممارسات العنصرية ضد الفلسطينيين المصنفين كغير يهود الى التحكم في الديموغرافيا الفلسطينية من اجل السيطرة على اكبر مساحة من الأرض بأقل نسبة السكان الفلسطينيين. من الواضح ان ممارسات هذا النظام العنصري تؤدي إلى انتهاك في حقوق الفلسطينيين في عدة جوانب مثل (الحقوق القومية، حقوق المواطنة، والسكن وملكية الأراضي). ومن المهم الاشارة الى أنه تم استخدام هذا النظام العنصري خلال النكبة 1948 من اجل السيطرة على الأرض وسلب جميع من تم تهجيرهم قسرا، بما فيهم 150,000 فلسطيني ممن نجوا وتبقوا داخل حدود 1948.

في الواقع، كان لتوصية الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين التاريخية إلى دولتين بين اليهود والعرب الأثر الكبير في إثارة الصراع المسلح بين السكان المحليين (الفلسطينيين) والمستعمرين اليهود، حيث استغلت الحركة الصهيونية هذا الصراع للعمل على تهجير الفلسطينيين من أجل إقامة الدولة اليهودية. إن مجريات مهمة بناء دولة يهودية على ارض ليست يهودية أدت إلى تهجير الأغلبية الفلسطينية، والتي تبلغ في يومنا هذا 66% من إجمالي الفلسطينيين أي أكثر من 7 ملايين لاجئ فلسطيني تم تهجيرهم قسرا من قبل النظام الإسرائيلي.

بعد إقامة الدولة اليهودية وتهجير السكان الأصليين، قامت الحكومة الإسرائيلية بإصدار العديد من القوانين التي تحظر عودة اللاجئين مثل قانون منع التسلل لعام 1954، بالإضافة إلى الأوامر العسكرية 1649 و1650 والتي منعت الفلسطينيين من العودة إلى ديارهم داخل حدود 1948 أو في الارض الفلسطينية المحتلة عام 1967، حيث تعتبر هذه الممارسات إحدى سياسات إسرائيل المتعمدة والممنهجة والتي بدأت قبل عام 1948 وما زالت مستمرة حتى اللحظة بغرض تهجير الفلسطينيين واستعمار أرضهم.

النهج المبني على الحقوق

يمكن وصف النهج القانوني المبني على الحقوق والمعايير الدولية بأنه يهدف الى نشر وحماية حقوق الإنسان الاساسية بشكل عام. بناءً على ذلك، ومن أجل الحفاظ على الكرامة الإنسانية وتحقيق العدالة، فان هذا النهج يتضمن معايير ومبادئ والحقوق الدولية في خططه وسياساته ومنهجيته التي صممت من أجل انهاء الصراعات، لضمان تحقيق العدالة والمساواة، علما بان تحقيق السلام غير ممكن في ظل انتهاك الحقوق والحريات الأساسية. إن الحل العادل لقضية الفلسطينيين يجب ان يكون مبنيا على قواعد ومعايير القانون الدولي وليس على موازين القوى التي تحكم المفاوضات السياسية، وبالتالي فإنه من غير المقبول النظر الى المستوطنات غير الشرعية كمعوقات لعملية السلام، بينما في الواقع هي عبارة عن انتهاكات للمعايير والمبادئ الدولية. وبالتالي فان مسألة تطبيق القانون الدولي لا يجب ان تكون موضوعا للنقاش؛ بل مطلبا اساسيا لوقف الانتهاكات الإسرائيلية.

يعتبر حق تقرير المصير من القضايا الاساسية في القانون الدولي، حيث قامت محكمة العدل الدولية بتعريف حق تقرير المصير كحق يمتلكه الشعب وليس الحكومات. بناء على هذا التعريف، فإن جميع النصوص والمواثيق الدولية مثل (العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية، ومن قبله الاعلان العالمي لحقوق الانسان، واعلان منح الاستقلال للشعوب والبلدان المستعمرة) تقر وتعترف بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره. إن حق تقرير المصير يعتبر أساس تطبيق الحقوق الأساسية الأخرى مثل ضمان حقوق الأقليات في ممارسة ثقافتهم ودياناتهم والحق في التحرر من جميع انواع العنصرية.

ان عودة اللاجئين الفلسطينيين الى ديارهم التي هجروا منها لا تقل اهمية عن حقهم في تقرير المصير، حيث أن المواثيق الدولية أكدت على ضرورة إشراك اللاجئين في حل قضيتهم ودمجهم في صياغة وتطبيق التدخلات (الهادفة الى تحقيق حل نهائش ودائم) الداخلية والخارجية التي تخص قضيتهم.هذا وقد قامت المفوضية العليا لحقوق اللاجئين بتبني هذا المنهج (حرية اللاجئين في الاختيار) القائم على مبدأ الطوعية من خلال الحث على مشاركة اللاجئين في إيجاد حلول دائمة لقضيتهم كما نص عليه البند 11 من قرار الجمعية العامة 194 الذي يدعو الى السماح  للفلسطينيين بالعودة الى ديارهم التي هجروا منها والتعويض عن الخسائر بما في ذلك للأشخاص للذين اختاروا عدم العودة.

الخاتمة

تفرض الحقوق والمبادئ المعترف بها دوليا على الدول غير المنخرطة بالصراع الوقوف امام مسؤولياتها وواجباتها القانونية في وضع حد للانتهاكات والمخالفات الإسرائيلية الخانقة والمفروضة على الشعب الفلسطيني من خلال رفض تقديم اي مساعدات او دعم لإسرائيل ومتابعة حيثيات هذه الانتهاكات في ظل القانون الدولي. إن المتابعة القانونية للانتهاكات الإسرائيلية ستؤدي الى الكشف عن جرائم ضد الإنسانية ارتكبت من قبل النظام الإسرائيلي، وبالتالي يجب محاكمته بناء على هذه المعطيات، لكن استمرار صمت القوى المحورية في المجتمع الدولي –والذي يعتبر تواطئا- سوف ينتج السيناريو الاسوأ والذي يتمثل في استمرار المعاناة الشديدة والمطولة للشعب الفلسطيني المستعمَر والمحتَل بالتزامن مع تسيس وعدم احترام للقانون الدولي.

---------------

*  امجد القسيس: مدير وحدة المناصرة في مركز بديل.