الفلسطينيون في سوريا: نكبة متجددة في ظل الأزمة السورية

بقلم: د. رجا ديب*

كان الوجود الفلسطيني في سوريا -حتى بدء أزمتها الحالية- وجوداً مستقراً آمناً، ويعتبر النموذج الأمثل لمثيله في البلدان العربية المضيفة الأخرى (الأردن، لبنان، مصر، العراق). لكن وبعد أشهر قليلة من اندلاع الأزمة وتصاعدها واتساعها، بدأ الفلسطينيون في سوريا يعيشون فصلاً جديداً من فصول نكبتهم الكبرى التي حلت بهم عام 1948، عندما بدأ يتهدم هذا الوجود على جميع الأصعدة، الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وذلك عندما أخذت الأزمة منحىً مسلحاً. فمعظم المخيمات الفلسطينية باتت مكاناً يتصارع فيه طرفي الأزمة السورية، مما تسبب في نزوح غالبيتهم، تاركين ممتلكاتهم وبيوتهم ومصدر رزقهم، بحثاً عن مكان آمن لهم يلوذون فيه حفاظاً على حياتهم.

لقد بات الفلسطينيون في سوريا في ظل أزمتها في محنة جديدة، لتفاقم من محنتهم المستمرة الناتجة عن نكبتهم العام 1948 التي كانت السبب في لجوئهم إلى سوريا. محنة تفكك بنيانهم الاجتماعي والاقتصادي، الذي تمكنوا من بنائه خلال عقود من الصبر والكد والعمل. وما يزيد من مأساتهم إغلاق البلدان العربية حدودها أمامهم، خاصة تلك منها المجاورة لسورية. فالأردن تمنع دخول أي فلسطيني يحمل وثيقة سفر صادرة عن السلطات السورية من الدخول إلى أراضيها تحت أي ظرف أو سبب كان، ولبنان تتخذ من الإجراءات ما يصعب دخولهم إليها، ومصر منعت دخولهم إليها في ظل سلطتها الجديدة.

التواجد الفلسطيني في سوريا: لمحة عامة
التواجد الفلسطيني في سوريا مرتبط بنكبة 1948، حيث لجأ إليها حوالي 90 ألف نسمة، وفيما بعد جاء إليها بضعة الآف من الذين كانوا قد لجأوا إلى مصر أو الأردن أو الضفة وغزة، وحسب التقديرات من مصادر مختلقة لحين اندلاع الأزمة السورية، فإن عدد الفلسطينيين المقيمين في سوريا يتجاوز النصف مليون نسمة بقليل،1 يتوزعون على ثلاثة عشر مخيماً، وعدد من التجمعات في المدن الرئيسية.
عملت السلطات السورية على تقنين هذا التواجد على أراضيها، بما يكفل للفلسطينيين حقوقاً أساسية، أهمها حق العمل وحرية الإقامة والتنقل. وهذا فتح المجال لهم للاندماج في المجتمع السوري على كافة الأصعدة؛ الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والثقافية، ليكونوا جزءاً من المجتمع السوري وأحد مكوناته لحد ما.
بعد أشهر قليلة على اللجوء الفلسطيني إلى سوريا أصدر رئيس الجمهورية السورية القانون رقم 450 تاريخ 25/1/1949 المتضمن إحداث مؤسسة اللاجئين الفلسطينيين العرب،2 وكما جاء في المادة الأولى (الفقرة الثانية) من القانون المشار ان الغاية من إحداث هذه الهيئة هي: "تنظيم شؤون اللاجئين الفلسطينيين العرب ومعونتهم وتأمين مختلف حاجاتهم وإيجاد الأعمال المناسبة لهم واقتراح التدابير الخاصة باقامتهم وأوضاعهم في الحاضر والمستقبل". وبعد أن أنشأت الأمم المتحدة الأونروا في عام 1950، وقعت الحكومة السورية اتفاقية مع وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في عام 1952 كي تمارس عملها في سوريا، وذلك بالتنسيق والتعاون مع الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب.3
وبالإضافة إلى ذلك فقد أصدرت السلطات السورية القرارات والمراسيم والقوانين الخاصة بالفلسطينيين الذين لجأوا إليها العام 1948 والمسجلين في قيود الهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب، لصالح تحسين أحوالهم ومعاملتهم معاملة اخوتهم السوريين مع احتفاظهم بجنسيتهم. ويعتبر القانون رقم 260 الصادر عن رئيس الجمهورية السورية،4 بتاريخ 10/7/1956 هو الأساس الذي يستند إليه في معاملة اللاجئين في سورية منذ صدوره وحتى الآن. تنص المادة رقم (1 ) من هذا القانون (260): "يعتبر الفلسطينيون المقيمون في أراضي الجمهورية العربية السورية بتاريخ نشر هذا القانون كالسوريين أصلاً في جميع ما نصت عليه القوانين والأنظمة النافذة المتعلقة بحقوق التوظيف والعمل والتجارة وخدمة العلم مع احتفاظهم بجنسيتهم الأصلية". ونص في المادة 3: "تلغى جميع الأحكام المخالفة لهذا القانون. وبموجب هذا القانون فإن للاجئ الفلسطيني المقيم في سورية الحق في:
1- التوظيف في جميع ملاكات الدولة.
2- الانتساب لجميع النقابات المهنية.
3- العمل بالتجارة والصناعة.

تداعيات الأزمة السورية على الفلسطينيين المقيمين فيها:

مع تحول الحراك الشعبي السوري الذي بدأ في آذار 2011، والذي كانت شرارته الأولى مدينة درعا، والذي انتقل لاحقاً الى معظم المدن والبلدات السورية، وتحوله إلى صراع مسلح، بدأت التداعيات السلبية لهذا الصراع على المخيمات الفلسطينية، ومعه بدأت المحنة الجديدة للفلسطينيين في سوريا، بعد محنتهم الكبرى العام 1948، مع بدء تهدم وجودهم على جميع الأصعدة الحياتية. وفيما يلي ملخص لهذه التداعيات السلبية على الفلسطينيين المقيمين في سوريا على الأصعدة المختلفة: الديمغرافية والإنسانية والسياسية، ومن ثم نموذج تلك التداعيات في مخيم اليرموك.

على الصعيد الديمغرافي:
يتواجد في سوريا حوالي نصف مليون لاجئ فلسطيني، يتوزعون على 13 مخيماً، يقيم فيها حوالي 350 ألف نسمة، والجزء المتبقي يقيم في التجمعات في المدن الرئيسية. يتركز معظمهم في منطقة دمشق، حيث يصل عدد المقيمين فيها منهم إلى 400 ألف نسمة، موزعين على 7 مخيمات وعدد من التجمعات في دمشق.
عندما أصبح عدد من المخيمات مكاناً للصراع المسلح بين طرفي الصراع في الأزمة السورية، بدأت تتعرض للقصف بكل أنواعه، مما تسبب إلى افتقاد الآمن فيها، فاضطر سكانها للنزوح منها. ويمكن توزيع المخيمات على هذا الصعيد إلى ثلاث فئات:5

وبحسب مصادر الأونروا فإن ما يقارب 270 ألف لاجئ فلسطيني في سورية قد أصبحوا مهجرين داخل سورية، أكثر من 200 ألف منهم في دمشق وحوالي 6600 في حلب إلى جانب 4500 في اللاذقية وفي حماة، 6450 في حمص وأخيراً 13100 في درعا. وتضيف هذه المصادر أنه تم تسجيل 10687 لاجئ فلسطيني من سورية لدى الأونروا في الأردن مقابل 51300 في لبنان، وهناك تقارير تفيد بوجود 6000 في مصر و1100 في ليبيا و1000 في غزة، وعدد آخر في تركيا وماليزيا وتايلند وإندونيسيا.6 ويضاف إليهم بضعة الآف تمكنوا من الوصول إلى البلدان الأوروبية، وخاصة السويد، وتقدموا بطلبات لجوء في تلك البلدان.

على الصعيد الإنساني:
تمكن الفلسطينيون في سوريا من إعادة بناء ذاتهم، متجاوزين العديد من جوانب مأساتهم الناتجة عن نكبتهم في العام 1948، وذلك بفضل التسهيلات التي قدمت لهم من السلطات السورية للعمل في مختلف المجالات الاقتصادية، التي ساوتهم بالمواطنين السوريين، والخدمات الأساسية التي قدمتها الأونروا في الوقت الذي كانوا بأمس الحاجة لها.
جاءت الأزمة السورية، وخلال أشهر قليلة لتجعل أكثرية الفلسطينيين المقيمين في سوريا نازحين خارج مناطق سكنهم، داخل سوريا أو خارجها، فقدوا بيوتهم بما فيها من أثاث وتجهيزات، والعديد منهم فقدوا كذلك مصدر رزقهم، وتشتت أبناء العائلة الواحدة، وباتوا في وضع إنساني مأساوي. والأهم من ذلك أن حياتهم باتت مهددة بفعل الحرب الدائرة في مختلف المناطق السورية. وترى الأونروا أن هذه الحرب تعمل "على تدمير أرواح ما يزيد على نصف مليون لاجئ فلسطيني كانوا ولا يزالوا يعيشون في المنفى منذ ستة عقود".7 لقد تأثر لاجئو فلسطين من سورية بشكل كبير جراء النزاع المسلح الدائر حيث أن كافة مناطقهم السكنية تقريبا تشهد اشتباكات مسلحة أو تتعرض لهجمات باستخدام الأسلحة الثقيلة. ومن أصل 540,000 لاجئ فلسطيني في سورية، فإن جميعهم تقريبا بحاجة للمساعدة، وتوقعات الأونروا بالنسبة للاجئي فلسطين من سورية قاتمة بشكل متزايد، حيث أن المجتمعات وسبل المعيشة والأصول وشبكات الدعم التي تم بناؤها بشق الأنفس عبر عقود طويلة تتعرض حاليا للتدمير. ومن حيث النسبة والتناسب، فإن النزوح في أوساط الفلسطينيين يعد أعلى بكثير منه في أوساط السوريين، كما أن تهديد الملاذ الآمن في سورية جنبا إلى جنب مع خيارات الهروب المقيدة بشكل حاد قد وضعت لاجئي فلسطين بمواجهة تحديات غير مسبوقة.
وتقوم الأونروا بدور أساسي للتخفيف من المأساة الإنسانية التي بات يواجهها الفلسطينيون في سوريا. وفي هذا السياق، أطلقت الاونروا في الشهر الأخير من العام الماضي (17/12/2013) ما أسمته "خطة الاستجابة الطارئة للأونروا المتعلقة بسورية لعام 2014"، والتدخلات التي ستقوم بها الوكالة بموجب هذه الخطة هي من أجل تعزيز صمود لاجئي فلسطين ومساعدتهم على تجاوز أخطار هذا النزاع الدائر في سوريا. ويقول "فيليبو غراندي" المفوض العام للأونروا أن "خطة الاستجابة الطارئة للأونروا المتعلقة بسورية تستحق الدعم الكامل من المانحين، ذلك أنها إطار عمل عملي وفعال لتسهيل معاناة لاجئي فلسطين داخل سورية والمنطقة". ويضيف "على الرغم من الصعوبات التي لا توصف والنزوح المنتشر والذي طغى الآن على معظم مجتمعات الفلسطينيين ومخيماتهم، إلا أن الأونروا ستقوم بالبناء على تجربتها للعامين الماضيين من أجل الاستمرار بمساعدة لاجئي فلسطين على تجاوز الظروف القاسية التي يفرضها النزاع السوري".8
يضاف الى ذلك، ونتيجة للصراع الدائر في سوريا، فقدت المئات من العائلات الفلسطينية أحد أفرادها، ما بين قتيل أو معتقل أو مفقود. وبحسب تقديرات "مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا"، بلغ عدد الضحايا الفلسطينيين في هذا الصراع 2081 فلسطينياً حتى نهاية شهر شباط/ فبراير من هذا العام (2014)، منهم 2050 قتلوا داخل سوريا و 31 خارجها. وتوزع هؤلاء الضحايا -حسب احصائيات هذه المجموعة- الذين قضوا إثر استهداف التجمعات والمخيمات الفلسطينية 1447 فلسطينياً و 603 فلسطينياً قضوا خارج تلك الأماكن.9


اما على المستوى الإغاثي، فان الأونروا تلعب الدور الرئيسي، اذ تقدم مساعدات غذائية عينية ومساعدات مالية نقدية لكل العائلات الفلسطينية المسجلة في قيودها، بناء على تقيمها بأن جميع الفلسطينيين في سوريا تقريباً بحاجة لمساعدة. وتنشط لجانب الأونروا عدد من المؤسسات الإغاثية الفلسطينية، وتقدم مساعدات غذائية، لكن يبقى ما تقدمه محدود جداً.

مخيم الزعتري، ١ شباط ٢٠١٣ (تصوير: جيف متشيل)

على الصعيد السياسي:
علاقة الفصائل الفلسطينية في سوريا مع النظام السوري مبنية على الموقف السياسي من محور المقاومة والممانعة، الذي يتزعمه النظام بالإضافة إلى إيران وحزب الله في لبنان. لهذا كان الاتجاه الذي يمثله ما يعرف بـ "تحالف فصائل المقاومة الفلسطينية"، هو الأكثر قرباً من النظام السوري من الاتجاه الذي يعرف بـ "فصائل منظمة التحرير الفلسطينية"، باعتباره جزءاً من هذا المحور. وإن كانت بشكل عام فصائل هذا التحالف تميزت عن فصائل المنظمة في علاقتها مع النظام، إلا أن حركتي حماس والجهاد الإسلامي تحظيا بعلاقة خاصة معه، بالإضافة إلى الجبهة الشعبية –القيادة العامة، التي تميزت تاريخياً بتلك العلاقة.
من تداعيات الأزمة السورية لجوء النظام السوري لوضع معيار لعلاقته مع الفصائل، بطرفيها، فصائل التحالف وفصائل المنظمة، تمثل في الموقف من هذه الأزمة، وهذا ما وضع عددا منها في موقف صعب، مثل حركتي حماس والجهاد الإسلامي، اللتين تحظيا بعلاقة خاصة مميزة مع النظام والعمود الفقري بالنسبة لتحالف فصائل المقاومة الذي يعتبر جزءاً من محور المقاومة والممانعة. وما صعب عليهما الموقف أكثر فصائل التحالف الأخرى، الجبهة الشعبية- القيادة العامة وحركة فتح الانتفاضة وجبهة النضال الشعبي (خالد عبد المجيد) التي حملت السلاح إلى جانب النظام، الأمر الذي يعني أن الموقف المطلوب ليس موقفاً سياسياً فقط.
حاولت حركة حماس أن تجمع ما بين انتمائها الأيديولوجي لحركة الإخوان المسلمين باعتبارهم القوة الأساسية فيما يجري في سوريا وبقية بلدان الربيع العربي (تونس، مصر، ليبيا) وانتمائها لمحور المقاومة والممانعة الذي تمثل سوريا مركزه، لكنها لم تنجح في ذلك. فلم تعد تحضر اجتماعات فصائل التحالف وكذلك اجتماع الفصائل ككل، وغادرت قياداتها سوريا بهدوء، وصرح بعض قياداتها بمواقف حول الأزمة السورية فهم منها أنها لجانب المعارضة السورية. بناء على ذلك، باشر النظام إلى إغلاق مكاتبها، وقطعت العلاقة بينهما، ولا تزال إلى الآن. أما حركة الجهاد الإسلامي فلم تتخذ أي موقف سياسي من الأزمة السورية بما يؤثر سلباً على علاقتها مع النظام، وبنفس الوقت لم تحمل السلاح لجانبه مثل بقية فصائل التحالف، ولم تحمله ضده ايضا، وبالمجمل تمكنت من المحافظة على علاقتها الايجابية مع النظام.
أما فصائل المنظمة (حركة فتح، الجبهتان الشعبية والديمقراطية، حزب الشعب، جبهة النضال الشعبي (سمير غوشة)، جبهة التحرير الفلسطينية (أبو العباس)، فدا) فقد أعلنت أن الصراع الجاري في سوريا شأناً داخلياً وأنها تتخذ موقف الحياد، وعملت على رفض زجها به بأي شكل من الأشكال، وتجسد موقفها هذا برفض حمل السلاح في المخيمات تحت أي ذريعة كانت، وإن كان بعض هذه الفصائل قد أعلنت أنها تقف إلى جانب النظام سياسيا، وتتبنى خطابه حول ما يجري في سوريا، والجبهة الشعبية تعكس هذا الاتجاه داخل محور فصائل المنظمة، بالإضافة إلى عدد من أعضاء اللجنة المركزية لحركة فتح.

مخيم اليرموك:
يقدر عدد سكان مخيم اليرموك بـ 150 ألف نسمة من الفلسطينيين وثلاثة أضعافهم من السوريين، وهو أحد الأحياء الجنوبية لمدينة دمشق، ويتبع لها إدارياً، له بلدية خاصة به، وتتشارك على تقديم الخدمات له الأونروا والحكومة السورية من خلال الهيئة العامة للاجئين، ويشرف على إدارته مجلس محلي يتبع وزارة الإدارة المحلية السورية. وعلى الصعيد الفلسطيني يمثل عاصمتهم السياسية أو عاصمة الشتات الفلسطيني، وتتواجد فيه المقرات الرئيسية للفصائل، ومكان أنشطتها المركزية المختلفة.
مع تصاعد الأزمة السورية وتحولها لصراع مسلح، استقبل المخيم عشرات آلاف العائلات السورية من الأحياء المجاورة له، مثل الحجر الأسود ويلدا وببيلا وحيي التضامن والقدم، التي نزحت إليه كملاذ آمن لها، وفتحت لهم بيوت أهالي المخيم قبل الأماكن العامة، مثل المدارس والجوامع، وعملت على إغاثتهم وتأمين احتياجاتهم الأساسية، من طعام ومأوى ودواء، وتشكلت لجان محلية من أبناء المخيم بمبادرات ذاتية.
عقدت الفصائل الفلسطينية عدة لقاءات لتدارس وضع المخيم بعد انتشار المجموعات المسلحة التابعة للمعارضة السورية في الأحياء والبلدات المجاورة له،10 وطرح تحالف فصائل المقاومة تشكيل لجان مسلحة لحماية المخيم، لكن لم يلق هذا الطرح قبولاً من فصائل منظمة التحرير، فبادرت الجبهة الشعبية- القيادة العامة لتشكيل هذه اللجان بمفردها، هذا ما أعلنه أحمد جبريل أمينها العام في حفل تأبين أحد كوادرها، قائلاً: "قررنا أن نتحمل المسؤولية وحدنا، ونأخذ زمام المبادرة في حماية المخيمات، وقمنا بتسليح أبناء شعبنا بهدف حماية أطفالنا ونسائنا وممتلكاتنا، لا سيما وأن هذه العصابات تحاول جاهدة الدخول بسلاحها إلى مخيماتنا لجرها إلى أتون الأزمة وليحولوها إلى بؤر تفجير".11 مقابل ذلك انتهجت فصائل المنظمة الإعراب عن موقفها إدانة الاعتداءات التي يتعرض لها المخيم بين الحين والآخر بسقوط عدد من القذائف فيه، واكتفت بإصدار بيانات إدانة لمرتكبي تلك الاعتداءات دون أن تسميتهم، ودعت إلى التوقف عن استهداف الفلسطينيين والمتاجرة بدمائهم، وترى في تلك الاعتداءات المتكررة على مخيم اليرموك محاولة لن يكتب لها سوى الفشل الذريع لتوريط الفلسطينيين في الأزمة الداخلية السورية.
بانتشار اللجان المسلحة في المخيم، التي شكلتها الجبهة الشعبية- القيادة العامة، بدأت الاحتكاكات مع المجموعات المسلحة المتواجدة في الأحياء المجاورة التابعة للمعارضة السورية، وتطورت إلى اشتباكات متفرقة بين الحين والآخر. وفي منتصف كانون أول/ ديسمبر 2012 اجتاحت مجموعات مسلحة من المعارضة المخيم، قدمت من الأحياء والبلدات المجاورة له، الحجر الأسود ويلدا وببيلا والتضامن، وتمكنت من السيطرة عليه وطرد مسلحي اللجان التي كانت متواجدة في المخيم لحمايته من تلك المجموعات المسلحة.
مع سيطرة المجموعات المسلحة التابعة للمعارضة السورية على المخيم في كانون أول/2012، بدأت محنة المخيم التي لا تزال مستمرة حتى الآن، بدايتها نزوح غالبية السكان وتعرض الكثير من ممتلكاته للنهب والتدمير، وفرض الحصار عليه بالتدريج، واكتمل في تموز 2013، فمنذ ذلك التاريخ وهو يقبع في حصار تام، لا تدخل إليه أي مواد غذائية أو طبية، وبدون كهرباء، وممنوع الخروج منه أو الدخول إليه، الأمر الذي تسبب بحدوث حرمان حاد وواسع النطاق، بما في ذلك حدوث سوء تغذية حاد، وتعرض المتواجدين فيه باستمرار لخطر الموت والتعرض للإصابات والصدمات جراء النزاع المسلح. وقد سجل حتى نهاية شهر شباط/ فبراير الماضي 230 حالة وفاة بسبب الجوع.
وقد قام المفوض العام للأونروا "فيليبو غراندي" بدخول مخيم اليرموك خلال استئناف الأونروا لأعمال توزيع المساعدات الغذائية صباح يوم 24/2/2014. وحسب ما نشرته الأونروا في موقعها الالكتروني حول هذه الزيارة أن المفوض العام قد أصيب بالصدمة لما آل إليه حال اللاجئين الفلسطينيين الذين تحدث إليهم ومدى الضرر الذي سببته الحرب للمنازل. وأعرب غراندي عن صدمته تلك بالقول "إنني منزعج للغاية ومصدوم لما شاهدته هذا اليوم. إن لاجئي فلسطين الذين تحدثت إليهم كانوا يعانون من الصدمة جراء الأحداث التي مروا بها، والعديد منهم كانوا بحاجة واضحة لدعم فوري، لا سيما الغذاء والعلاج الطبي. إن ما شاهدته وسمعته اليوم يؤكد أن هذا هو الوقت المناسب لقرار رقم 2139 والمتعلق بسبل الوصول الإنساني والصادر عن مجلس الأمن الدولي للأمم المتحدة وضرورة قيام كافة الأطراف بتطبيق القرار بثبات".12

الخلاصة:
إن الوجود الفلسطيني في سوريا بات مهدداً في ظل أزمتها الداخلية التي تعيشها، وبحاجة لمعالجة من منظمة التحرير الفلسطينية كونها هي المعنية كجهة سياسية، وعمل اللجنة التي شكلها وأداءها لا يتناسبان مع ذلك التهديد. فالفلسطينيون كبشر باتت حياتهم مهددة، معرضين للأذى بكل أنواعه، بالتالي لم تعد سوريا بالنسبة لهم مكاناً آمناً، وبات همهم الأول البحث عن مكان بديل يحفظ لهم حياتهم وهذا ما دفع المئات منهم لركوب البحر نحو المجهول أو النزوح خارج سوريا، هذا من جهة. ومن جهة أخرى تتفاقم ظروف حياتهم المعيشية، فمعظمهم فقد مصدر رزقه، وجميعهم بحاجة للمساعدة.
------------
*د. رجا ديب: مجموعة عائدون/سوريا.
-------------
الهوامش:
1. حسب سجلات الأونروا عدد الفلسطينيين اللاجئين في سوريا 540000 نسمة.
2. وبموجب هذا القانون تتبع المؤسسة وزارة الداخلية، ثم اتبعت وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل بموجب القرار رقم 1130 تاريخ 15/9/1958 الصادر عن رئيس الجمهورية. وحالياً تتبع وزارة الشؤون الاجتماعية بعد أن احدثت وزارة العمل.
3. وافق مجلس الوزراء السوري بموجب قراره رقم 77 تاريخ 24/7/1952 على كتاب وزارة الخارجية السورية المتضمن طلبها الموافقة على عقد اتفاقية بين الحكومة السورية والأونروا.
4. نوقش هذا القانون في مجلس النواب السوري انذاك وأقره، ثم صدر عن رئيس الجمهورية كقانون برقم 260 تاريخ 10/7/1956.
5. أرقام عدد سكان المخيمات بناء على سجلات الأونروا، أما ارقام عدد النازحين منها أو المتواجدين فيها حالياً فهي تستند إلى تقديرات الهيئات العاملة في مجال الاغاثة.
6. http://www.unrwa.org/ar/syria-crisis#zoom=5&lat=34.05266&lon=38.49609&layers=00B00T
7. الرابط السابق.
8. الرابط السابق.
9. صفحة مجموعة العمل من أجل فلسطينيي سوريا:Facebook
10. لم تشارك في هذه الاجتماعات حركة حماس، وعرفت باللقاءات الـ 14 نسبة إلى عدد الفصائل المشاركة في هذه اللقاءات.
11. مجلة إلى الأمام، العدد 2420، آب 2012، ألقيت الكلمة في حفل تأبين أحد كوادر الجبهة الشعبية/ القيادة العامة، أقيم بتاريخ 31/7/2012 في تجمع الخالصة بمخيم اليرموك.
12. http://www.unrwa.org/ar/syria-crisis#zoom=5&lat=34.05266&lon=38.49609&layers=00B00T