قرية الرأس الأحمر هي إحدى قرى الجليل الأعلى، وهي كغيرها من القرى الفسطينية هجّر سكانها وتم توطينها باليهود الأتراك والمغاربة خلال أشهر قليلة من تهجير أهلها وتحويلها الى مستعمرة "كيرم بن زمرا". لم يبق من أهلها في فلسطين سوى رجل مُسن، حيث هُجر جميع أهلها الى لبنان ومعظمهم يسكن اليوم في مخيم عين الحلوة.
في سنة 1596، بلغ عدد السكان في قرية الرأس الأحمر الواقعة في لواء صفد، 418 نسمة. وفي أواخر القرن التاسع عشر، وصفها رحالة مرّ بها بأنها قرية مبنية من الحجارة على تل مرتفع حيث أقام القرويون عليه بساتينهم. وفي العام 1948، قُدر عدد سكانها بحوالي 1000 نسمة.
عن تسمية القرية وحدودها حدثنا صالح العوض (1925): "البلد كانت مركز بركاني، كان فيها بركان وسمّوها رأس الأحمر لأنه ترابها كله أحمر.

بحيط بالبلد من الشمال قرية صالحه وفاره، من الجنوب طيطبا والصفصاف، من الغرب الجش وسعسع، من الشرق علما والشركس (الريحانية) وماروس. وفي عين الزيتون كانت قريبة على صفد، كنّا لما نطلع على صفد نبيع بندورة وتين وعنب ونمرّ من قلب عين الزيتون".
مدرســة الـرأس الأحمــر:

"كان عنا مدرسة للصف الرابع"، حدثتنا فاطمة منصور(1926)، "أيام الثورة أجت الإنجليز ونسفت عشرات البيوت وراحت المدرسة مع النسف؛ بعدها رجعوا أهل البلد وقدّموا طلب للحكومة وعمّروا مدرسة جديدة بعيده عن البلد للناحية القبلية". ومن مخزون ذكرياته، حدثنا أحمد الخطيب (1912): "أنا كنت بالمدرسة أذكى واحد بأولاد البلد، لما يسأل المعلم سؤال بس أنا اردّ عليه. مرّه سألنا الأستاذ، يا أولاد بتعرفوا طير السنونو شو بياكل، رفعت اصبعي، قال لي شو يا أحمد، قلت له بياكل سوس العدَس، قال لي شو عرّفك، قلت له لما منرمي العدس وانا ادرس، العدس بسوّس، بصير السوس يطير والسنونو حايم عليه. بالمدرسة كنّا حوالي 30 تلميذ معظمهم أولاد، بس كان فيها ثلاث أو أربع بنات. أستاذ المدرسة كان من صفد اسمه محمد عبد سكّره. بس اوّل مُدرّس كان من تركيا اسمه أبو أنور؛ كانت المدرسة بمنطقة بعيدة عن البلد، كان فيها حديقة، نعمل مثلا دروس الزراعة نظري وعملي؛ من دلاثه وطبيطبا كانوا يجوا يتعلموا عنا قبل ما فتحوا مدارس عندهم. أيام فلسطين، خضراوات بلدنا أخدت جائزة بالنبدوره والشمام بمعرض القدس".
بيــت الغسّــالات

كان في الركن الشمالي من القرية نبع يستمد سكانها المياه منه للاستخدام المنزلي. وكانوا يستنبتون الحمضيات وغيرها من الفاكهة في الأراضي الواقعة شمالي القرية. اشتهرت القرية في زراعة التين والزيتون وفي 1944/1945، كان تملك القرية ما مجموعه 4728 دونماً مخصصاً للحبوب، و1008 من الدونمات مروياً أو مستخدماً للبساتين. عن وادِ الرأس الأحمر حدثتنا فاطمة منصور: "في البلد كان في واد، بس بعيد عن البلد حوالي ساعة، المي فيه كانت قويّة صيف شتا، الأنجليز بنوا لنا خزّانين مي وحطّوا ست مواسير؛ الناس كانت تروح تملّي على الدواب وعلى الخيل، تحطّ الجرار على الدواب وتنزل على الوادي تملي. كان في بالوادي "بيت الغسالات"، (ضاحكة) هاي بالصيف كان في يوم خاص للنسوان ينزلوا فيه على الوادي ولمّا يكون في غسيل للنسوان ممنوع الرجال تقرّب.

يضيف محمود الأيوب (1938): "كان عنا بركة بالمنطقة الشرقية نجمّع فيها مي الشتا، اسمها الحافور، كانت مبنية من تراب أبيض لحتى المي ما تروح منها وكانت تضلها مليانه صيف وشتا. بلدنا كانت صغيرة بس أرضها كبيرة، على أيام العثمانيين كان الأتراك ياخدوا ضريبة على الأرض، كانوا أهل بلدنا يتشروا اراضي ويسجلوها باسم البلد ويوزعوها على بعضهم. البلد كانت تقريباً مقسومة قسمين دار الخطيب ودار الأيوب، دار الخطيب كانوا يملكوا بيادر الشرق والأيوب بيادر الغرب. بس أهل البلد كانوا كرماء كتير والفقير كان شبعان أكثر من المالك".

خــرَب الــرأس الأحمـــر

كانت آثار الراس الأحمر، كالفسيفساء ومعاصر العنب المرصعة أرضها بالفسيفساء، أدلة على أن الموقع كان آهلاً أيام الرومان أو البيزنطيين. عن تلك الآثار حدّثنا صالح العوض: "في معالم أثريه كثير عنا بالرأس الأحمر، في منطقة بقولولها الخُرب هاي فيها معالم كفريّة كتير، على زمن الكفرة، بالوادي مطرح ما منجيب مي كان في مُغر، كانت المُغر تفوت بالجبل وتطلع من الجهة الثانية، وكنا نفوت عليها واحنا أولاد وكان فيها مقاعد وكراسي كلها منحوته بحجار، كان اشي بشبه الديوان. وكان موقع اسمه الصدّيق كان اليهود كل سنه يزوروه، يجوا شباب وصبايا ويقعدوا هناك ليلتين ثلاثة وما نعرف شو يعملوا.

أيــام الإنجليــز

حدثنا قاسم الشايب (1929) عن ذكرياته ايام الأنجليز: "بالـ 36، نسف الأنجليز الحارة الفوقا وضلّ بيوت الحارة التحتا، إحنا قعدنا شهر تقريباً عند نسايبنا بالحارة التحتا وبعدين جبنا مصاري من الجاعونه وعمّرنا بيت جديد. مرّه في إنجليزي شاف أبوي وهو عم ببني بالسلسلة، أجا عليه وقال له: انتو العرب ملاعين، أنت بالنهار بتشتغل وبالليل بمممممم. ايام الانجليز كانت ثوار البلد يسبّقوا لمصفحات الأنجليز، مرّه سبّقوا لمصفحة مارقه بأرض وادي عروس، وقتلوا جندي بالمُصفحة او اثنين، وانقتل يومها واحد من بلدنا، بس اهل البلد خافوا يجيبوا القتيل وضلّ لثاني يوم، راحوا جابوه بالليل ودفنوه بالبلد لأنه اذا عرفوا الأنجليز بنسفو البلد.

يضيف محمود ايوب (1938): "الله يرحمه نايف الطه، كان عنده خمس ست بنات واجاه ولد، عزم القرى وعمل حفلة مولد، يومها كانت الناس تضوي باللوكس لانه ما كان في كهرباء. كان الانجليز بمنطقة المالكية قبال البلد وتعرّضوا ليلتها لهجوم؛ لما شافوا الضو فكروا انه اهل بلدنا همّ اللي طخّوا عليهم، اجوا واطلعوا الناس من بيوتها ونسفوا نص البلد؛ يومها انقتل فيّاض الهريش وكمان شاب نسيت اسمه".

"يــا ابو العبايــة ليش دشرّت عباتــك"

عن جيش الأنقاذ حدثتنا فاطمة منصور: "احنا بفلسطين قبل ما نطلع، بعتوا لنا جيش الأنقاذ على البلد، كانت كل كتيبه تحوي حوالي ثمن أشخاص، وزّعوهم على بيوتنا؛ عند أهلي سكنت كتيبة بغرفة صغيرة واحنا كنا نتكفل باكلهم وشربهم؛ في يوم راحت الكتيبة بدها تشمّ الهوا ويوكلوا لوز اخضر، لما رجعوا طلبوا انه نحضرلهم الغداء، قلنا لهم انه الغداء جاهز. كان واحد اسمه أبو سعيد وواحد اسمه عمر، ابو سعيد بده يوكل، بس عمر قال انه لازم نتسنى باقي الشباب حتى يجوا، ما حسّيت واللا قام عمر وضرب ابو سعيد بالعصا على راسه وقتله، أنا كنت يومها بالبيت وكنت متجوزه جديد، صرت أصرخ، اجو الجيران لما سمعوا الصراخ واخذوا القاتل حبسوه والقتيل رجّعوه عند اهله على سوريا. وفي مره راح جيش الأنقاذ على صفد بدهم يحاربوا اليهود، لما شافوا اليهود قاموا هربوا وتركوا امتعتهم بالخنادق؛ صار اليهود يضحكوا عليهم ويغنولهم: يا ابو العبايه ليش دشّرت عباتك يا ابو العبايه تعال خود عباتك.

هاجمت القوات الإسرائيلية القرية في 30 تشرين الأول/أكتوبر 1948، ونزح سكانها بعد سماعهم عن مجازر الصفصاف والجش وصالحة. وقد استولت عليها وحدات من لواء شيفع (السابع) خلال عملية حيرام. وعندما وصلت وحدات هذا اللواء إلى قرية الراس الأحمر وجدتها خالية من سكانها.

فــارس الخطيــب

عنه حدّثنا صالح العوض: "كل الناس طلعت من الرأس الأحمر ما عدا شخص اسمه فارس حمادي الخطيب ضل قاعد هناك بالكرم؛ كان عمره حوالي ستين سنة، لما دخلت اليهود على البلد حمّلوه من الرأس الأحمر ورموه بالجش، مرّه حكى بالراديو وسلّم على كل اهل البلد، ابنه طالب كان بعين الحلوه واليوم موجود بأبو ظبي".

النــزوح الى بنـت جبيــل

"يوم التهجير كان يوم خميس"، حدثتنا فاطمة منصور، "لانه كل نهار الخميس كانت اهل البلد تتسوق من بنت جبيل (في لبنان)، نروح نبيع حبوب قمح وعدس ونشتري ملابس ولحوم، كانت اهل البلد تستنى ليوم الخميس حتى توكل كبه من لحمة بنت جبيل. نهار الخميس، أجت الطيارات العصر، حامت حوالي البلد ورمت صواريخ، الصواريخ كانت صغيره مثل العلبة مش مثل صواريخ اليوم. الناس لما سمعت الصواريخ وسمعت عن مجزرة الصالحة والصفصاف ودير ياسين خافت ورحلت بالليل. بنفس الليله اللي طلعنا فيها، وصل اليهود على الصفصاف، اخذوا حوالي ثلاثين شخص، صفّوهم ورشّوهم بالرصاص، كان بينهم ابو كامل يونس، بعده لليوم عايش، حكا لي وقال لي: والله يا ام محمد صفّونا وقوّسونا كلنا، أجت الرصاصة بايدي، عملت حالي ميّت مع الميتين، وبعد ما راحوا صُرت امشي شوي شوي ومن سهله لسهله لحد ما الله نجّاني وطلعت".

يضيف محمود ايوب: "بشهر عشره (تشرين أول) كنا عم نفرط زيتون، كان دور دراس الزيتون إلنا هديك الليلة، تركنا الزيتون على البَد وطلعنا. طلعنا على خلة غزال، وبعدين على وادي فاره، ومن هناك على عين الخربة وبعدين على يارون (لبنان)، قعدنا شوي بيارون، كان النا صاحب يجي يوخد موسم الزيت من عند والدي، قعدنا عندهم كام ليله، لقينا عندهم كام عائله من صالحه والبيت ما بوسع، سحبنا حالنا ونقلنا على بنت جبيل، قعدنا كام يوم وما عجبنا الجو، سحبنا حالنا واجينا على بلد اسمها الكنيسة وبعدين اجينا على عين الحلوة.

واحنا طالعين كانت المعاناه كبيره، اشي نايم تحت الزيتون اشي بالطرقات، لاقيت ختيار بالطريق، نزلت عن الحماره وركبته، ما بعرفه، ووصلته حتى طلع من الوادي على بيادر يارون هناك نزل وراح وقال لي خلص بكفي.

اذا انجنّــوا ربعــك، عقلك شــو بنفعــك!

عن رحيله، حدثنا قاسم الشايب: "أول ما سقطت صفد طلعت الناس كلها على لبنان، إحنا ضلّينا بالبلد لحالنا لأنه بيتنا مِفرد، كانت الختياريه والنسوان يجوا يناموا عنا بالليل والصبح يطلعوا على بيوتهم، ولما سَقط الجليل كله واليهود اخدت الجش والصفصاف، أبوي رفض يطلع، قلنا له: اذا انجنوا ربعك عقلك شو بنفعك، مثلك مثل العالم، قال أنا بدي اسلّم لليهود، قلنا له: ما في حدا بسلّم لليهود وبخلّوه بالبلد.

حُــب على الطريقــة الفلسطينيـــة

"بفلسطين كان كتير قصص حب"، حدثنا بلهفة احمد الخطيب، "انا كان عندي صبايا يقتلوا حالهم ويتقاتلوا عليّ؛ نزلت أم أمين مرت احمد ابن عمي عبد القادر على العين تعبي جرّه مي، لاقت ثلاث صبايا شلّخوا شعرهم يتقاتلوا عليّ، هديك بتقول ما بياخدوا إلا أنا، وهديك بتقول ما بياخدوا إلا أنا، وهديك بتقول والله انتوا التنتين ما بياخدوا إلا أنا. اللي قالت لهم انتوا التنتين هاي اللي تجوزتها. انا عرسي ما صار مثله، كان الحدّا ابو خليل الشعبي من شعب وقعدنا ثمانية ايام نعلل، يومها ما كان في كهرباء وطلع عمّي محيي الدين على صفد استأجر لوكس حتى يعلقه على الحيط ويضوي على الدبّيكه".

________________

رنين جريس هي مُركزة مشروع التاريخ الشفوي في مؤسسة زوخروت. تم تجميع هذه الشهادات بمساعدة جمعية النجدة الاجتماعية في لبنان.