مراكز الشباب في المخيمات: النشأة والدور المطلوب

بقلم: كريم عميرة

مراكز الشباب واتحادها رحلة نضال بدأت مع دق وتد الخيمة، نمت وعاشتضيق أزقة المخيم، وترعرعت في ساحات الرياضة الخضراء لتحصد كؤسها، ولتشكل حاضنة للشباب اللاجئ، وهوية لم تنج من مضايقات الاحتلال، ولم تبخل فقدمت خلال مسيرتها الكثير من التضحيات. لا شك انها تاريخيا لعبت دورا مميزا في النهوض بالقضية الفلسطينية، وبالانتقال باللاجئ من وضع الانسان المنكسر المتلقي للحسنات إلى وضع الفاعل صاحب القدرات والحقوق. وبنظرة على واقع الحال اليوم،  يظهر أن المراكز لا زالت موجودة ولكنها للحقيقة تعمل في وسط مليء بالفاعلين المؤثرين وفي ظروف تضج بالمتغيرات. ولعله من المناسب هنا القول ان واقع الحال الذي استدعى قيامها في السابق، لما يزل قائما حتى الان؛ بل وربما نحن بحاجة الى اعادة دورها لها وتطويره. والسؤال كيف يمكن ذلك في ظل المعطيات الجديد؟ او بكلمات اخرى كيف يمكن الانتقال بمراكز الشباب واتحادها الى موقع المؤثر في القرار السياسي لتتمكن من مواصلة القيام بدور صمام الأمان في وجه محاولات هدر حقوق اللاجئين؟ وما هو المطلوب للتمكن من رفع الصوت لتحقيق تلك الحقوق وفي مقدمتها حق عودتهم؟ لتسليط الضوء على ذلك، لا بد من العودة الى الوراء قليلا للوقوف على دور مراكز الشباب وما كانت تقدمه.   

رغم المعاناة والظروف القاهرة التي كان ولا يزال يعيشها اللاجئ المهجر من أرضه، بالإضافة إلى حالة الاحتلال والتغريب، والطمس والتهميش التي سادت ما بعد النكبة والنكسة وما تبعهما، ولدت مراكز الشباب. كان من أهم أسباب وجود هذه المراكز هو الحاجة الملحة لتأطير وتطوير دور الشباب اللاجئ المعبر عن هويته بابداعات شتى لا تنحصر في الرياضة. وكان جل إبداعاتها هو زيادة الوعي والتطوير والاهتمام بحالات إبداعية خلاقة تكون مهمتها بالدرجة الاولى الاهتمام بقضية اللاجئين والدفاع عنها في كل المراحل من اجل أن تبقى حية، وتبقى رئيسية على سلم الأولويات وفي كافة المحافل. حققت نجاحات بارزة، في ظروف القمع والاستهداف، ولكنها لا تزال تناضل في معركة التأثير في القرار السياسي، وفي معركة الدفاع عن الحقوق. فهي ما زالت تجمع  ما بين البعدين: المدني والسياسي من خلال العمل على كافة الأصعدة سواء كانت رياضية، ثقافية- فنية، اجتماعية أو سياسية وحتى حياتية يومية.

نشأت معظم مراكز الشباب في بداية الخمسينيات في بعض المخيمات،  وتباعا لحقت بالركب باقي المخيمات حتى اكتمل النصاب بوجود مركز شباب في كل مخيم في أواخر الستينيات بعد نكسة الشعب الفلسطيني. وقد لعبت وكالة الغوث دوراً في انشاء تلك المراكز، إلا أنها توقفت عن دعم المراكز فيما بعد بحجج واهية منها ما يتعلق بالموازنة، ومنها ما يتصل بطبيعة عملها حيث اتهمت هذه المراكز بأنها تدار من  وتحتضن مجموعات إرهابية.بيد أنه وسرعان ما اشتد عود مراكز الشباب إلى أن سارعت في تشكيل بؤرة تجمعها وهي اتحاد مراكز الشباب بعيداً عن الدعم الذي كانت تقدمه وكالة الغوث.

لقد لعب اتحاد مراكز الشباب دوراً تنسيقياً فيما بين أعضائه، كما لعب دوراً تمثيلاً للاجئين في مخيماتهم، ويكاد يكون أول جسم يجمع صوت اللاجئين في ملتقى خاص بهم بعيداً عن متاهات الأحزاب السياسية وعن منظمة التحرير ودوائرها ولجانها. خصوصية الدور المطلوب من مراكز الشباب بشكلها الفردي واتحاد مراكز الشباب بشكله الجمعي، يجعل المسؤولية الملقاة على عاتقه كبيرة، والتي يجب أن تتعدى دور التنسيق والتشاور، لتصل إلى تمثيل اللاجئين على مستويات معينة. ورغم ان هذا الشكل من التمثيل لم يكتسب صيغة رسمية حتى الآن؛ إلا انه موجود فعليا ويعكس نفسه من خلال اهتمام الجهات المختلفة بموقف الاتحاد وتوجهاته واخذها بالحسبان. ولا شك أن هذا الدور التمثيلي كان ولا يزال- سواء من الناحية الإجرائية أو السياسية- مرتبطا بالظروف المحيطة والتي من أهمها قوة أو ضعف دور منظمة التحرير وقدرتها على التحرك في أوساط اللاجئين.  

إن تاريخ مراكز الشباب الرافض لكل ما هو غير وطني ولكل ما يتعارض مع الثوابت الوطنية، هو شعاع أمل يجب أن يتمسك به اللاجئون الفلسطينيون. وهنا يجدر بنا العودة للحديث عن التاريخ قليلا. ففي إطار حملة إغلاق مراكز الشباب التي شهدتها كل مراكز الشباب، عرضت الإدارة المدنية التابعة لسلطات الاحتلال أن تعقد اجتماعا لمناقشة آليات إعادة فتح أحد مراكز الشباب، هو مركز شباب عايدة،  إلا أن الرفض كان سيد الموقف من قبل إدارة المركز، التي اعتبرت أن مجرد الجلوس مع الإدارة المدنية هو إقرار بها، ناهيك عن أنها كانت ترفض فكرة إملاء الشروط عليها من قبل أي طرف. جاءت مراكز الشباب كرافعة تحمل الهم الوطني وترفض أي تمويل مشروط. وقد تكرست هذه الثقافة كنهج ثابت، الأمر الذي لا يعزز الثقة بها وحسب، بل يوجب تعزيز دورها  لتتحمل مسؤولياتها الوطنية: السياسية والاجتماعية والرياضية.

أما فيما يخص الدور التمثيل والسياسي، فقد كان للعاملين: المكاني والظرفي الأثر الأكبر في تحديد ما خية هذا الدور ومفاعيله وأهدافه. ان تواجد اللاجئين تحت أنظمة سياسية مختلفة، تشابهت بكونها حكومات مستضيفة، واختلفت بطريقة تعاطيها مع اللاجئين ووضعهم القانوني، كما اختلفت ظروف الحياة اليومية للاجئين في ظل هذه الحكومات، أدى إلى أن يبحث كل مخيم في بادئ الأمر عمن يمثله. اما مسألة غياب الجسم/الكيان السياسي الجامع في تمثيله، فقد أدى الى تعزيز  الشعور السائد في أوساط اللاجئين الا وهو تخوين او عدم الثقة بالأجسام الرسمية المحيطة بهم وخصوصاً الأنظمة السياسية العربية، الأمر الذي أفقدهم الثقة بكل الأجسام التي قد تمثلهم وتنطق بلسانهم، وتقرر بشأن حاضرهم ومستقبلهم. فكان هذا دافعاً أخر للبحث عن جسم تمثيلي ينبثق من وسطهم، والذي لم يتسم بالمركزية في بداياته، والذي كان له أشكال عدة من أهمها نشأة مراكز الشباب في مخيمات اللجوء في مخيمات فلسطين، الأردن، سوريا ولبنان. وبفعل تنامي الفعل الوطين العام انتقلت المراكز خطوة نوعية فيما بعد لتشكل اتحاداً في كل بلد يجمع في عضويته مراكز الشباب، الذي سمي رسمياً اتحاد مراكز الشباب. وما أن تشكلت م ت ف، وقوي عودها ونشطت ككيان تمثيلي جامع، حتى وجدت كوادر المراكز والاتحاد لنفسها موقعا مميزا في منظومة علاقة المنظمة وقواها السياسية مع المخيم من خلال المراكز ومن ثم الاتحاد.

وبعيداُ عن الدافع السياسي، فقد كان الحفاظ على نسيج اجتماعي متماسك، دافعاً آخر وراء التفكير في إنشاء جسم يقدم خدمات اجتماعية رياضية وثقافية. هذا ما أكده أحد مؤسسي مركز شباب عايدة عندما أجاب عن سبب التفكير في إنشاء المركز قائلا "بدأنا نلاحظ بعض المظاهر الاجتماعية السلبية لدى بعض الشباب في المخيم، فقررنا إنشاء مؤسسة تحتضن الشباب، لتكون ملجأ لأوقات فراغهم ومصباً لطاقاتهم..."

وبهذا فقد بات واضحاً الدافع لإنشاء مراكز الشباب في مخيمات اللجوء في شتى أماكن تواجدهم. ولكن من الواضح أيضاً عند قراءة تاريخ مراكز الشباب، بأن الصعوبات والعقبات التي واجهت هذه النشأة والنمو تتخطى كونها معيقات مالية أو إدارية أو حتى بشرية. فقد كانت مختلف أجهزة الاحتلال الإسرائيلي تلاحق القائمين على تلك المراكز وتقمعهم، بالاعتقال تارةً وبمصادرة الهويات الشخصية تارةً أخرى. وبما أن سطات الاحتلال – من خلا ل ما كان يسمى الادارة المدنية، كان المسؤول عن إدارة الوظائف الإدارية والصحة والتعليم...الخ فقد كان يقف عائقاً أمام الأشخاص الناشطين في العمل الاجتماعي وخصوصاً أولئك العاملين في مراكز الشباب. هذا على الصعيد الفردي، أما على الصعيد المؤسسي فقد شهدت معظم مراكز الشباب فترات صعبة كان فيها القمع واضحا؛ ابتداءً من مصادرة ممتلكات المراكز  بما فيها ملابس اللاعبين الرياضية، مروراً بالإغلاق الجزئي، وصولا للإغلاق الكامل أو الهدم. وقد يصح التعميم هنا بأن كل مراكز الشباب في الأراضي الفلسطينية المحتلة مرت بكل هذه المراحل في أوقات مختلفة.

عند نشأة المراكز كان الطابع الرياضي يطغى على السطح بشكل أوضح من غيره. بيد أن الأنشطة الاجتماعية والثقافية الأخرى، والتي كانت بمضمون سياسي وطني محظور، كانت اقل حظا بحكم القمع ودواعي السرية.  ورغم ذلك، كان هنالك إبداعات عملياتية في هذا المجال. فبينما كان العمل السياسي يتطلب على الأغلب السرية والمواراة أحياناً أخرى، كانت الأنشطة تنظم وتنفذ بذكاء. والمقصود بالمواراة هنا، أن يعلن أحد المراكز عن حدث يهدف إلى إحياء ذكرى أو مناسبة دينية أو اجتماعية، ليتجنب مضايقات الاحتلال، وليرفع الرايات السوداء عند بدء الفعالية ليعلن عن مناسبة وطنية كإحياء ذكرى النكبة أو انطلاقة الثورة أو غيرهما من المناسبات الوطنية.

وعلى الرغم من وجود الدور السياسي والاجتماعي، إلا أن حجم الإنجازات الرياضية لمراكز الشباب كان كبيراً. فقد لعبت مراكز الشباب دوراً هاما لإظهار اللاجئ الفلسطيني في كل الدول المستضيفة وفي الأرضي المحتلة بصورة أخرى غير الصور النمطية للاجئ من جهة، كما كان للرياضة دور هام لتكون ملتقى للشباب اللاجئ فيما بينهم، الأمر الذي كان محفزاً لفكرة بناء اتحاد مراكز الشباب من جهة اخرى. وهنا يكون الحديث مبرراً عن ما كتب في مقالة  بعنوان: " ألا ليت الشباب يعود يومأ .... فأخبره بما فعل المشيب" على صفحة مركز شباب بلاطة الالكترونية تحت رابط " أيام الزمن الجميل". جاء هذا المقال للتعليق على صورة لفريقي مركز شباب مخيم الوحدات ومركز شباب مخيم بلاطة على ملعب الشيخ جراح في القدس عام 1966؛ حيث تعدى لقاء الفريقين اللقاءات الرياضية المعتادة، فقد كانت الرياضة بالنسبة لمراكز الشباب وسيلة لتهذيب النفس، وطريقة لتواصل اللاجئين فيما بينهم ومع غيرهم، وللإعلان أن الحق وراءه مطالبون.

وفي النهاية وبعد المرور بمفاصل تاريخ المراكز واتحادها، يبقى السؤال مفتوحاً: هل ستحظى مراكز الشباب واتحادها بموقع المؤثر في القرار السياسي لتتمكن من مواصلة القيام بدور صمام الأمان في وجه محاولات هدر حقوق اللاجئين؟ وما هو المطلوب للتمكن من رفع الصوت لتحقيق تلك الحقوق وفي مقدمتها حق عودتهم؟ كيف يمكن الوصول الى ذلك قبل أن يوضع حق العودة في ميزان القوى، وأن يحكم عليه بحسابات الفوز والخسارة في جولات المفاوضات، أو أن يقاس بالفدان في سوق تبادل الأراضي.

----------------------------------

* كريم عميرة: ماجستير في إدارة السياسات والشؤون العامة، ناشط في مركز شباب عايدة.